ترجمة وتحرير: نون بوست
طوال فترة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، كان الأطفال والمراهقون من أشد الضحايا الذين انتهكت حقوقهم، حيث ما فتؤوا يتعرضون لسوء المعاملة الجسدية من قبل القوات الإسرائيلية. فضلا عن ذلك، كانوا يعتقلون بالاستناد إلى نظام محاكم غير عادل، حيث لا يسمح لهم بالحصول على محام للدفاع عنهم، كما يتم حرمانهم من وجود أحد والديهم عند استجوابهم. منذ فترة طويلة، دأبت الولايات المتحدة على دعم هذه التجاوزات، من خلال منح مليارات الدولارات في شكل مساعدات عسكرية لإسرائيل كل سنة. ولكن في الوقت الراهن، أكدت مجموعة تتكون من أعضاء ديمقراطيين في الكونغرس أنه قد حان الوقت لوضع حد لمثل الممارسات.
خلال يوم الثلاثاء، قدمت النائبة الديمقراطية، بيتي ماكولوم، من ولاية مينسوتا، رفقة تسعة نواب آخرين مشروع قانون ينص على أنه ينبغي على وزارة الخارجية الأمريكية أن تصادق سنويا على هذا القانون الذي يمنع استخدام المساعدات العسكرية الأمريكية المقدمة لإسرائيل لتمويل الاعتداء الممنهج ضد الأطفال الفلسطينيين.
في حال وقع تمرير هذا المشروع، سيحول هذا القانون، الذي حرر تحت عنوان “تعزيز حقوق الإنسان من خلال إنهاء قانون الاحتجاز العسكري الإسرائيلي للأطفال الفلسطينيين”، بشكل مباشر دون استخدام المساعدات الأمريكية المقدمة لإسرائيل في عمليات الاعتقال الإدارية أو جرائم الاعتداء الجسدي المُسلطة على الأطفال الفلسطينيين. وتجدر الإشارة إلى أن مشروع القانون ينص على أن احتجاز الأطفال الفلسطينيين “يتنافى مع قيم الولايات المتحدة”.
في هذا السياق، أوضح رئيس مكتب ماكولوم، بيل هاربر، في حوار أجراه مع موقع الأنترسبت أن “هذا التشريع يعد محاولة لإرساء نوع من الشفافية فيما يتعلق بكيفية استخدام إسرائيل للمساعدات العسكرية الأمريكية، خاصة على مستوى قضية انتهاكات حقوق الإنسان”. وأضاف المصدر ذاته أنه “لا يوجد أي شكل من أشكال المساءلة أو الشفافية حين يتعلق الأمر بالمساعدات العسكرية الأمريكية المقدمة لصالح إسرائيل”.
الأطفال الإسرائيليون الذين لم يتوانوا عن رشق الفلسطينيين بالحجارة عادة ما يفلتون من الملاحقة القضائية
عموما، ينتمي معظم مقدمي مشروع القانون إلى الحزب الديمقراطي، على غرار مارك بوكان من ولاية ويسكونسن، وراؤول غريجالفا من ولاية أريزونا، وجون كونيرز من ولاية ميشيغان، وإيرل بلومينور من ولاية أوريغون، وتشيلي بينغري من ولاية مين وبيتر ديفازيو من ولاية أوريغون، وأندريه كارسن من ولاية إنديانا، ولويس غوتييريز وداني ديفيس من ولاية إلينوي.
في الواقع الأمر، أرست إسرائيل نظما قانونية مختلفة في الضفة الغربية المحتلة، حيث بادرت بإقرار نظام قانوني جنائي مدني ليتم تطبيقه على المستوطنين الإسرائيليين، ونظام عسكري يقع تطبيقه على الفلسطينيين. وفي هذا الصدد، أوضح مدير منظمة هيومن رايتس ووتش في إسرائيل وفلسطين، عمر شاكر، خلال مكالمة هاتفية مع موقع الأنترسبت من القدس، أنه “في الضفة الغربية، لدينا مجتمعان يعيشان هنا: والأول فلسطيني وآخر إسرائيلي”.
وأردف المصدر ذاته أن “إسرائيل تسيطر بشكل فعال على المنطقة برمتها، في حين لم تتوان عن إقرار نظام ذي مستويين.. يخضع وفقه الفلسطينيون والإسرائيليون الذين يعيشون في الأراضي ذاتها لقوانين مختلفة ومنفصلة وغير متكافئة”. ووفقا لفرع الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال في فلسطين، تقاضي هذه الشبكة من المحاكم العسكرية ما بين 500 و700 طفل فلسطيني سنويا.
في الفترة الممتدة بين سنة 2012 وسنة 2015، أكد ثلاثة أرباع هؤلاء الأطفال أنهم قد ذاقوا ويلات عنف جسدي بعد عملية اعتقالهم. فضلا عن ذلك، لم يسمح لنحو 97 بالمائة منهم بالحصول على محام للدفاع عنهم، في حين لم يكن هناك أحد الوالدين معهم أثناء استجوابهم. في المقابل، كان يحق للأطفال دون سن 18 سنة أن يكون والديهم موجودين عند استجوابهم في إطار المحاكم المدنية الإسرائيلية.
أظهرت استطلاعات الرأي أن الناخبين الديمقراطيين(الحزب الديمقراطي الأمريكي) باتوا يتعاطفون بشكل متزايد مع الفلسطينيين، في حين أكد عدد كبير من الديمقراطيين الليبراليين أنهم يتعاطفون بشكل أكبر مع الفلسطينيين مقارنة بالإسرائيليين
وفقا لما ورد على لسان المديرة التنفيذية السابقة لمنظمة “بتسيلم” الإسرائيلية لحقوق الإنسان، جيسيكا مونتيل، أنه غالبا ما يقع محاكمة الأطفال الفلسطينيين بسبب إلقاء الحجارة على المستوطنين الإسرائيليين. وقد اتُهم قرابة 835 شابا فلسطينيا في الفترة ما بين سنة 2005 وسنة 2010 بهذه الجريمة، في حين تمت إدانتهم جميعا. في المقابل، كان الأطفال الإسرائيليون الذين لم يتوانوا عن رشق الفلسطينيين بالحجارة عادة ما يفلتون من الملاحقة القضائية. من جانبها، وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش مجموعة من الانتهاكات ضد الشباب الفلسطيني.
في هذا الصدد، أفاد عمر شاكر، أن “الأطفال الفلسطينيين غالبا ما يقع تعصيب عينيهم وتهديدهم وحرمانهم من النوم، فضلا عن خنقهم وركلهم من قبل القوات الإسرائيلية. لقد وثقنا حالات، حيث يتبول الأطفال على أنفسهم من شدة الخوف من الاعتقال”. وفي العديد من المناسبات، طالب المدافعون عن حقوق الإنسان إدارة الرئيس السابق باراك أوباما بإيجاد حل لمحنة الأطفال الفلسطينيين ومعالجتها، وذلك حسب ما ورد على لسان المحامي براد باركر، الذي عمل بشكل وثيق مع مكتب ماكولوم بخصوص هذا التشريع.
في الإطار ذاته، أفاد باركر، أنه “في سنة 2015، وجهنا رسالة وقع عليها 19 عضوا من الكونغرس إلى وزير الخارجية جون كيري. وقد كانت الرسالة تتمحور حول ضرورة معالجة إساءة المعاملة التي يتعرض إليها الأطفال في فلسطين. وخلال سنة 2016، أرسلنا رسالة للرئيس أوباما طلبنا فيها تعيين مبعوث خاص للأطفال الفلسطينيين”. وأشار باركر إلى أن إدارة أوباما لم تتصرف بناء على توصيات المساندين لهذه القضية، ما دفعهم للعمل مع الكونغرس لصياغة هذا التشريع بدلا من ذلك.
لا يتوقع المحامي براد باركر أن يتم تمرير مشروع القانون في وقت قريب، كما يُرجح أنه سيثير جدلا طويل المدى في الكونغرس
من جانب آخر، يأتي مشروع قانون ماكولوم في وقت يتزايد فيه النقاش في صلب الحزب الديمقراطي حول توجهاته إزاء القضية الإسرائيلية الفلسطينية. وخلال حملته الرئاسية لسنة 2016، استغل بيرني ساندرز هذه القضية لكسب ولاء الأمريكيين الفلسطينيين. فضلا عن ذلك، اتهم ساندرز هيلاري كلينتون بعدم مراعاة احتياجات الشعب الفلسطيني. قد أظهرت استطلاعات الرأي أن الناخبين الديمقراطيين باتوا يتعاطفون بشكل متزايد مع الفلسطينيين، في حين أكد عدد كبير من الديمقراطيين الليبراليين أنهم يتعاطفون بشكل أكبر مع الفلسطينيين مقارنة بالإسرائيليين.
لا يتوقع المحامي براد باركر أن يتم تمرير مشروع القانون في وقت قريب، كما يُرجح أنه سيثير جدلا طويل المدى في الكونغرس. في الوقت ذاته، نظرا لأن طبيعة المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل نادرا ما يتم التدقيق في فحواها، يتوقع باركر أن يثير هذا القانون مناقشة ستكون لها نتائج مفيدة للغاية. وفي السياق ذاته، أفاد باركر أنه “قد لا يتم ترجمة هذا المشروع إلى قانون، ولكن هذه الوثيقة ستسلط الضوء على المكان الذي توظف فيه مساعداتنا”. من جهة أخرى، أوضح رئيس مكتب ماكولوم، بيل هاربر أنه “في الوقت الراهن، يكتسب هذا النوع من التشريعات زخما كبيرا، في ظل الوضع المروع للغاية على أرض الواقع”.
المصدر: الأنترسبت