يعرف قطاع صناعة السيارات في المغرب تقدمًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، مع احتضان المملكة لاستثمارات كبيرة في هذا المجال، مما مكّنها من تصدّر دول المنطقة ومنافستها للعديد من الدول الكبرى في هذا القطاع الحيوي الذي فاقت عائداته المالية عائدات الصادرات التقليدية للمملكة في قطاعي الزراعة والفوسفات.
26 اتفاقًا جديدًا
آخر هذه الاستثمارات في مجال صناعة السيارات، توقيع المغرب أمس الإثنين، 26 اتفاقًا بتكلفة 1.23 بليون يورو (1.45 بليون دولار) منها 11 اتفاقًا مع شركات تتمركز في المملكة للمرة الأولى، ستمكنها من صناعة أجزاء السيارات وتصديرها انطلاقًا من المغرب، وفق ما أعلنت مصادر رسمية، وينتمي المستثمرون في هذه المشاريع إلى عدة جنسيات منها الصين والهند وكوريا واليابان وأمريكا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا.
وضمن هذه الاتفاقيات توجد ست اتفاقيات مع شركة “رينو” الفرنسية لدعم النظام الإيكولوجي لصناعة أجزاء السيارات، وتستهدف الشركة الفرنسية تطوير منصة إنتاجها بالمغرب، ومن ثم الانطلاق نحو التصدير بعد تغطيتها لاحتياجات السوق المحلية، وتمتلك رينو الفرنسية مصنعًا بالمدينة الصناعية الحرة بطنجة شمالي المغرب، أنشأته عام 2012، إضافة إلى مركز التجميع التابع لها بمدينة الدار البيضاء.
من شأن هذه المشاريع الجديدة أن تدخل تخصصات جديدة إلى المغرب وتعزز الاندماج المحلي وتكثف النسيج الإنتاجي
وتضم الاتفاقيات 13 مشروعًا جديدًا في إطار مركز للتصنيع مرتبط بمصنع للمجموعة الأوروبية “بي إس إيه بيجو” تحت الإنشاء في مدينة القنيطرة شمال العاصمة الرباط، ومن المقرر افتتاح المصنع في العام 2019 وسيكون إنتاجه المبدئي 90 ألف سيارة سنويًا، وهناك أيضًا اتفاقيتان لشركة “فاليو”، وخمس اتفاقيات لشركة “الكابلات والاتصال”.
الملك يشرف على عملية التصنيع
ومن شأن هذه المشاريع الجديدة أن “تدخل تخصصات جديدة إلى المغرب وتعزز الاندماج المحلي وتكثف النسيج الإنتاجي وتلبي احتياجات ما زال قطاع الاستيراد يوفرها حتى يومنا هذا ومن شأنها إحداث 11.568 فرصة عمل مباشرة”، حسب وزير الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي مولاي حفيظ العلمي.
وقال حفيظ العلمي، خلال لقاء صحافي عقب حفل التوقيع الذي ترأسه العاهل المغربي الملك محمد السادس: “هذه الاستثمارات ستعزز قطاع صناعة السيارات وستمكن من رفع مستوى نسبة المكون المحلي في السيارات التي تصنع وتصدر من المغرب إلى نحو 65%، إضافة إلى زيادة حجم صادرات المغرب من أجزاء ومكونات السيارات.
شركات عالمية
تحتضن المملكة المغربية ثلاث شركات عالمية في صناعات السيارات، وهي شركتي رينو وبيجو الفرنسيتين وشركة “بي واي دي” الصينية لصناعة السيارات الكهربائية، التي وقعت معها المملكة السبت الماضي اتفاقًا لإنشاء منظومة صناعية للنقل الكهربائي للحد من انبعاث الغازات، قرب مدينة طنجة بشمال المملكة، في إطار التزام المغرب بالحفاظ على البيئة والحد من انبعاث الكربون.
تعود صناعة السيارات في المغرب إلى عام 1959، بعد إنشاء الشركة المغربية لصناعة السيارات “صوماكا”
وينص الاتفاق، الذي تمّ توقيعه السبت على إقامة ثلاثة مصانع أخرى لاحقًا لإنتاج البطاريات الكهربائية والشاحنات الكهربائية والقطارات العاملة بالكهرباء، ومن المنتظر أن يقام هذا المشروع النموذجي على مساحة 50 هكتارًا، منها 30 هكتارًا مغطاة، كما سيمكن من إحداث 2500 منصب شغل مباشر، وسيشتمل عند استكمال إنجازه، مصنعًا للبطاريات ومصنعًا لسيارات السياحة الكهربائية ومصنعًا للحافلات والشاحنات الكهربائية ومصنعًا لمقطورات القطارات الكهربائية أحادية السكة، حسب مسؤولين مغاربة.
وتمتلك شركة “رينو” الفرنسية مصنعين في المغرب، أحدهما في “طنجة” وهو الأكبر في شمال إفريقيا، وينتج سيارات ومعدات مرتبطة بها للتصدير، والثاني مصنع أقدم منه لتجميع السيارات في مدينة الدار البيضاء.
وفي أبريل/نيسان 2016 أبرمت رينو اتفاقًا مع الحكومة المغربية، لضخ استثمارات قدرها 1.04 مليار دولار لإنشاء مصانع سيارات صديقة للبيئة، وستعتمد في تصنيعها لهذه السيارات على مكونات محلية المصدر بنسبة 65%، بدلًا من 32% حاليًّا.
يوفّر قطاعات السيارات عائدات مالية مهمة للمملكة
ومؤخرًا، بدأت شركة “بيجو سيتروين” الفرنسية بناء مصنع سيارات في القنيطرة شمال غرب المغرب، ومن المتوقع أن تبلغ ميزانية البناء 614 مليون دولار على أن يوفّر المصنع 23 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، وأن ينتج بحلول عام 2023 نحو مئتي ألف سيارة، مقابل إنتاج تسعين ألف سيارة عقب افتتاحه المقرر في عام 2019، وكان قرار تشييد المصنع قد اتخذ بموجب اتفاق في يونيو/حزيران 2015 بين الشركة الفرنسية والمملكة المغربية.
وتعود صناعة السيارات في المغرب إلى عام 1959، بعد إنشاء الشركة المغربية لصناعة السيارات “صوماكا”، وتمكنت الشركة، بمساعدة تقنية إيطالية، من خلال شركتي “فيات” و”سيمكا” اللتين كانتا تمتلكان 40% من الأسهم، من إنتاج أربعة “طُرُز” من ماركة “فيات”، وطرازين من ماركة “سيمكا”، وما زالت “صوماكا” تعمل حتى اليوم، وتمتلك شركة رينو 80% من أسهمها، والـ20% المتبقية تمتلكها شركة “سيتروين”.
أرقام مهمة
أصبح المغرب في السنوات الأخيرة المتصدر في مجال صناعة السيارات، بين بقية الدول العربية، فمنذ عام 2012 تحتل المرتبة الأولى على مستوى شمال إفريقيا، على حساب مصر، وقد بلغت طاقة إنتاج السيارات في المغرب 345 ألف سيارة في العام الماضي، وتناهز مساهمة قطاع السيارات في النتائج الداخلي الخام للبلاد حاليًّا 14%، ويسعى المغرب، من خلال مخطط التسريع الصناعي الذي أعلنه العام الماضي، إلى رفع المساهمة إلى 21.3% مستقبلاً.
وسبقت صادرات قطاع السيارات صادرات “الفوسفات” التي ظلت لسنوات تستحوذ على النسبة الأكبر للتجارة المغربية، وأصبح المغرب يحتل المركز 30 عالميًا والثاني في إفريقيا في مجال تصدير السيارات، حيث بلغت قيمة صادراته في العام الماضي نحو 5.4 مليار دولار، ومن المتوقع أن يقفز إلى مستويات أكبر بفضل الاستراتيجية التي تتبعها الدولة.
يعود انتعاش قطاع صناعة السيارات في المغرب خلال الفترة الماضية إلى عدد من العوامل التي يتمثل أبرزها في الاستقرار السياسي والاقتصادي
ويسعى المغرب إلى إنتاج مليون عربة سنويًا بحلول سنة 2020، مما يجعل منها واحدة من أكبر المصنعين العالميين، بمعدل اندماج محلي يصل إلى 80% ورقم معاملات سنوي يناهز 10 مليارات يورو في أفق 2020، وتوفير 160 ألف منصب شغل، وأدت اتفاقيات التجارة الحرة التي وقعتها الدولة مع العديد من الدول الأوروبية والآسيوية منذ عام 2009 إلى ازدهار هذه الصناعة، مما يجعلها أحد أبرز محركات النمو في المغرب.
ويعود انتعاش قطاع صناعة السيارات في المغرب خلال الفترة الماضية إلى عدد من العوامل التي يتمثل أبرزها في الاستقرار السياسي والاقتصادي وقربه الجغرافي من أوروبا، والحوافز الاستثمارية الواسعة التي توفرها الدولة، فضلاً عن تنوع الشراكات السياسية والاقتصادية للبلاد، بجانب اتساع سوق السيارات المحلية.