عندما نتحدث عن الصحف، هل نستخدم مصطلحًا واسعًا جدًا لوصف مجموعة متنوعة من الأنواع المختلفة؟ هل من العدل القول إن الكل يواجه نفس المشاكل؟ هذا ما يقوله كريستوفر علي الأستاذ المساعد في جامعة فرجينيا، عندما يتحدث عن مستقبل الصحف المحلية.
هناك اعتقاد لدى كثير من الصحافيين أن سوق العمل يصبح أصغر، وأن المنافسة كلما اشتدت، لا يكون هناك فرصة للبقاء إلا للمؤسسات ذات الإمكانات العالية، فهل هذا صحيح؟
هل هناك مشكلة حقًا؟
حسب ما قال أحد المشاركين في استطلاع رأي أجراه كريستوفر، فالتحدث عن الصحف كأنها كتلة واحدة يعطي انطباعًا بأن جميع الصحف على شفا خطوة واحدة من القبر.
يؤكد كريستوفر أننا بحاجة إلى لغة أكثر دقة للتحدث عن الصحف، ويعتقد أن وصف الصحف الصغيرة بأوصاف متجانسة وواحدة ليس دقيقًا، لكن في الواقع نصف الموظفين الذي استطلع علي آرائهم كانوا يشعرون بالأمان في وظائفهم وكانوا متفائلين بشأن مستقبل الصحف الصغيرة.
ويقول: لقد سألنا عن مدى شعورك بالأمان في عملك، 50% من المستطلعين أشاروا إلى أنهم يشعرون بالأمان أو الأمان الشديد في عملهم”.
الاعتماد على التكنولوجيا عامل حاسم في بيع الصحف
الصحف المحلية هي سوق كبيرة بالفعل، حيث تمثل 97% من جميع الصحف التي نشرت في الولايات المتحدة، فقد شهدت الصحف اليومية هناك، انخفاضًا في العائدات عام 2008 بلغ نحو 15%، في حين شهدت الصحف الصغيرة انخفاضًا بنحو 2% فقط.
وفقًا لعلي، فعندما تنظر إلى الصورة ككل، سترى أن صناعة الصحف تكافح، وأن الصناعة قد خفضت 20.000 وظيفة في السنوات الـ20 الماضية، وهو الرقم الذي ذكره مركز أبحاث بيو الذي وصف عام 2015 بأنه عام الركود، لكن من ناحية أخرى يعتقد أن الصحف الصغيرة أفضل حالاً من صحف المترو والصحف الكبرى.
نتيجة لكونها المزود الوحيد بالأخبار التي يهتم بها المتابعون في المجتمعات المحلية، فإن هذا النوع من الصحف، يحتل مساحة كبيرة، ويعتقد علي أن أسواق الصحف الصغيرة أهملت بشدة، والوقت قد حان للبدء في ملء الفراغات الموجودة فيه.
ورغم أن كريستوفر يرى أن سوق الصحف الصغيرة ينبغي أن يملأ، فهذا لا يعني بالنسبة له أن الصحف الصغيرة لا تواجه التحديات، لأن مستقبل الطباعة غير مؤكد.
كيف يمكن للصحف المحلية البقاء في ظل التحديات؟
“إن خفض التكاليف وحده ليس طريقًا للبقاء على قيد الحياة في مواجهة الانخفاض المستمر في إيرادات الطباعة والمنافسة الشرسة في العالم الرقمي، ويجب تطوير مصادر جديدة للإيرادات” يقول أوستن بيوتنرو الرئيس التنفيذي لشركة لوس أنجلوس تايمز.
مستقبل الصحافة المحلية، صحافة عالية الجودة، تشرك المجتمع، تصل القراء المهتمين في كل مكان
من واقع التجربة يعرض أوستن ما وصلوا إليه، عندما قاموا بمخاطبة كل مجتمع بشكل خاص وتزويده بما يهمه من أخبار ومواد صحفية، فيقول: أنشأنا رسالة إخبارية بالبريد الإلكتروني لتبادل أخبار كاليفورنيا، واكتسبنا ما يقرب من 100000 مشترك في غضون بضعة أشهر، وقمنا بعمل نشرات إخبارية للمجتمعات الأخرى ذات الاهتمام.
الاعتماد على التكنولوجيا عامل حاسم في بيع الصحف، لكن علي كان يسمع ردودًا ساخرة عندما يسأل عن الـ”engagement” – ارتباط المتابعين بوسائل التواصل الاجتماعي التابعة للصحيفة – لدرجة أن أحدهم كان يتعامل مع هذا الارتباط بأنه 5 آلاف دولار يجب أن يدفعها لخبير تسويق إلكتروني لبيع الصحيفة، وهو ما يعتقد المسؤولون أنهم يقومون به.
يعتقد علي أيضًا أن عمل الصحفيين في المجتمع الذي يعيشون فيه يمكنهم من تحويل الـengagement إلى ارتباط مادي، من خلال استضافة اجتماعات تناقش القضايا المجتمعية، يقول: “وجدنا أن الصحف الصغيرة الأكثر نجاحًا هي الصحف التي اجتمعت مع الناس واستضافتهم للحديث عن قضايا المجتمع، واستضافة العروض المحلية الجوائز”.
هذا ما فعلته في الواقع إحدى الصحف التي تواصل معها علي، فقال أحد المشاركين في الاستطلاع إن صحيفته تكسب ما بين 500000 و750000 دولار سنويًا لأنها تنظم مثل هذه النقاشات.
يضيف علي “في بحثنا، واجهنا مجتمعًا متحمسًا حقًا للتعلم وتجربة التكنولوجيا الجديدة، كما كان الصحافيون يحرصون على معرفة تقنيات الفيديو والبث المباشر”.
ويرى أوستن بيوتنرو الرئيس التنفيذي لشركة لوس أنجلوس تايمز، أن الصحف عليها الإقرار أن قوتها تكمن في المحتوى عالي الجودة الذي وضعه الصحفيون من الطراز العالمي، الذين لديهم الأدوات التي يحتاجونها، “هذا هو مستقبل الصحافة المحلية، صحافة عالية الجودة، تشرك المجتمع، تصل القراء المهتمين في كل مكان”.
لا يمكن التنبؤ بمستقبل الصحافة المطبوعة ككتلة واحدة، وكذلك مستقبل الصحف المحلية، لكن الكل أمام نفس التحديات تقريبًا
الكل يواجه التحديات
إذًا، اعتبارات السوق مختلفة، وأهمية مواكبة التكنولوجيا تقع على عاتق الكل، فهل يعني هذا أن الصحف المحلية في مأمن تام؟ ليس تمامًا.
بشكل عام، ثمة جدل كبير بشأن التحديات التي تواجهها الصحافة المطبوعة بشكل عام، حيث سحبت الأدوات التكنولوجية الجديدة بساط المتابعة والاهتمام من تحت أقدام الصحف الورقية، أيًا كانت المناطق التي كانت تغطيها، لدرجة أن صحيفة كبيرة مثل الإندبندنت أوقفت إصدارها المطبوع لتعتمد بدلاً من ذلك على الإصدار الإلكتروني فقط.
التحول إلى الأدوات التقنية، ليس العامل الوحيد الذي يؤثر على انتشار ومبيعات الصحف سواء كانت محلية أو إقليمية، فتفتت سوق الإعلانات يجعل حصة الوسائل الإعلامية أقل، رغم تحقيق بعضها انتشارًا أكبر.
وإن كان للوكالات والصحف الإقليمية ميزة التواصل مع السياسيين وصناع القرار بشكل أكبر، فإن للصحف المحلية ميزة أخرى وهي الالتصاق بالمجتمع والعمل من وسط الحدث، فإذا ما بنت قدرًا عاليًا من الثقة بينها وبين قرائها، فسيكون لها جمهور أكبر.
رغم أن الصحفي جوليو زوتشيني يعتبر ثقافة الصحافة المحلية قوية، لكنها تتعرض للتهديد من وكالات الأنباء والصحف الكبيرة مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست، بالإضافة إلى المواقع الرقمية مثل كوارتز.
بناء هذا المجتمع من الصحفيين قد يكون أصعب قليلاً كما يرى علي، وستواجه الصحف الصغيرة مشكلة أخرى قد تعيدها لنفس النقطة، وهي كيفية الاحتفاظ بالمواهب الشابة.
في ظل الحديث عن ظروف مختلفة لكل نوع من الصحف وأوضاع كل صحيفة، لا يمكن التنبؤ بمستقبل الصحافة المطبوعة ككتلة واحدة، وكذلك مستقبل الصحف المحلية، لكن الكل أمام نفس التحديات تقريبًا، بالتأكيد ستتمكن بعضها من التغلب على ما يواجهها وكسب انتشار أوسع وقاعدة جماهيرية أكبر.