أثار إرسال نظام الأسد تعزيزات عسكرية إلى محافظة السويداء جنوبي سوريا، جدلًا واسعًا حول الهدف من التحركات العسكرية غير المعلنة رسميًّا في ظل استمرار الاحتجاجات السلمية، دون لجوء نظام الأسد إلى أساليب القمع والاعتقالات التعسفية، في طريقة مماثلة لأساليبه في قمع احتجاجات السوريين إبّان العام 2011.
وبدأ نظام الأسد بإرسال تعزيزات عسكرية متنوعة إلى المفارز الأمنية والثكنات العسكرية الواقعة ضمن الحدود الإدارية لمحافظة السويداء، ما زاد من مخاوف أبناء المحافظة من اتخاذ نظام الأسد إجراءات عسكرية في إطار مواجهة الاحتجاجات السلمية، التي مضى على اندلاعها أكثر من 8 أشهر على التوالي.
طبيعة التعزيزات العسكرية
دفعت قوات نظام الأسد بتعزيزات عسكرية على مدى الـ 4 أيام الماضية إلى محافظة السويداء، كان آخرها وصول رتل عسكري يفوق عدده الـ 50 آلية، ظهر الأحد الماضي، مكونة من دبابات وعربات عسكرية، وحافلات مبيت، وسيارات مزودة برشاشات متوسطة، إلى مطار خلخلة العسكري الواقع شمالي المحافظة قادمًا من العاصمة دمشق، حسب ما أفادت شبكة “السويداء 24”.
وتوجّه جزء من الرتل العسكري آنف الذكر، مساء الاثنين، مرورًا في بلدتَي سليم وقنوات، نحو الفوج 144 الذي يقع في حراج بلدة قنوات شرقي مدينة السويداء، بينما ضمَّ أكثر من 12 سيارة محمّلة بالجنود وأسلحة متوسطة، حسب ما أكدت مصادر محلية لـ”شبكة الراصد”.
#شاهد: تعزيزات أمنية إضافية تصل من دمشق إلى محافظة السويداء لليوم الرابع على التوالي، وفق فيديو سجله ناشطون اليوم الأحد. pic.twitter.com/LOaLlFbX82
— السويداء 24 (@suwayda24) April 28, 2024
كما وصلت تعزيزات عسكرية إلى مدينة السويداء، يوم السبت، مكوّنة من حافلات تقلّ عشرات العناصر المدجّجين بالسلاح، وسيارات دفع رباعي مزودة برشاشات متوسطة، حسب ما أوضح الصحفي في محافظة السويداء مرهف الشاعر.
وقال الشاعر خلال حديثه لـ”نون بوست”: “بدأت قوات نظام الأسد بإرسال تعزيزات عسكرية بشكل شبه يومي منذ يوم الخميس 23 أبريل/ نيسان الجاري إلى محافظة السويداء، فيما توزّعت بعد وصولها على الثكنات الأمنية والعسكرية الواقعة ضمن مركز المدينة، ومن بينها المخابرات الجوية والأمن العسكري وأمن الدولة”.
وأضاف: “وصلت التعزيزات العسكرية إلى الثكنات والمفارز الأمنية المنتشرة محيط المدن والبلدات التابعة لمحافظة السويداء، أهمها مطارَي خلخلة والثعلة، والفوج 144 شرقي السويداء”.
وجاءت التعزيزات بعد ساعات من احتجاز مجموعة محلية من السويداء، رئيس فرع الهجرة والجوازات في المحافظة، إلى جانب ضباط في قوات نظام الأسد، على خلفية اعتقال الأخير لطالب جامعي يدعى داني عبيد في محافظة اللاذقية تحت ذريعة النيل من هيبة الدولة، فيما أفرجت عنه الأجهزة الأمنية ليل الأحد/ الاثنين مقابل إطلاق سراح الضباط المحتجزين.
ترقُّب حذر يسود السويداء
يعيش الأهالي في محافظة السويداء حالة ترقُّب حذر في ظل التحركات الأمنية والتعزيزات العسكرية التي يرسلها نظام الأسد إلى السويداء، والتي تهدف إلى استفزاز الشارع المنتفض ضده بهدف التضييق على المتظاهرين الذين لم يغيبوا عن ساحة الكرامة/ السير، والتي تشهد وقفات احتجاجية متواصلة بشكل يومي للمطالبة بإسقاط نظام الأسد والانتقال السلمي للسلطة.
ويسعى نظام الأسد عبر الأجهزة الأمنية إلى إقامة حواجز عسكرية في مناطق متفرقة، ومنح عناصره صلاحية إطلاق النار، وملاحقة المشاركين في الاحتجاجات وفق قوائم تحدد أسماء المطلوبين، بينهم إعلاميين وقياديين ونشطاء بارزين في الحراك السلمي، حسب ما أوضح الصحفي مرهف الشاعر.
وقال الشاعر: “إن أبناء السويداء لم يستغربوا الإجراءات التي اتخذها نظام الأسد مؤخرًا، لأن تجربته سابقة في قمع احتجاجات الثورة السورية منذ العام 2011 قد يكررها في السويداء، من خلال العنف والحل العسكري”.
وأضاف أن أبناء السويداء شددوا على ضرورة استمرار الحراك السلمي، وعدم إتاحة الفرصة أمام نظام الأسد لحمّام دم جديد، ويحاولون استيعاب الاستفزازات والتهديدات التي تطول المنتفضين، عبر الحملة الترويجية التي تبثّها أبواق النظام بهدف ترهيب الأهالي نفسيًّا.
#السويداء رداً على أرتال النظام.. pic.twitter.com/DtjK0eYU7i
— عقيل حسين (@akilhousain) April 30, 2024
وبالتزامن مع تحركات نظام الأسد، أكّدت الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين الدروز في بيان، يوم الاثنين، على سلمية الاحتجاجات والمطالب المحقة للمتظاهرين، بينما حذرت من أي تصعيد تجاه التظاهرات السلمية التي تطالب بإسقاط نظام الأسد.
وجاء في البيان الذي نُشر على فيسبوك: “نحذر أي جهة كانت من أي تصعيد أو تحريك أو تخريب أو أذية مهما كان نوعها.. ونحمل المسؤولية كاملة عن أي نتائج سلبية أو مؤذية هدّامة.. قد تترتب عن أي حماقة أو تصرفات أو إجراءات مسيئة، حسب ما نشهده عن البعض من المستهترين بالحقوق”.
سماحة الشيخ حكمت الهجري: نحذّر من أي تصعيد.. ولا بديل عن السلام
صدر بيان عبر الصفحة الرسمية للرئاسة الروحية، لسماحة الشيخ حكمت الهجري، اليوم الاثنين، على إثر التطورات الأخيرة التي تشهدها محافظة السويداء.
وحمل البيان تحذيراً من مغبة أي تصعيد من أي جهة كانت، بعدما توجه سماحته… pic.twitter.com/Wl9KxChlTC
— السويداء 24 (@suwayda24) April 29, 2024
كما أوضح “تجمع أحرار جبل العرب” قيام النظام بالتصعيد عبر إرسال ميليشيات فيلق القدس الإيرانية إلى محيط السويداء، وتعزيز القطع العسكرية والأفرع الأمنية، مؤكدًا وقوفه ودعمه للحراك السلمي الحضاري في السويداء، مشيرًا إلى “أنهم صامدون مع أهلهم في ساحة الكرامة للخلاص من العصابة الأسدية المحتلة وميليشياتها الإيرانية الطائفية”.
أهداف التعزيزات العسكرية والأمنية
لم يكشف نظام الأسد هدف التعزيزات العسكرية إلى محافظة السويداء بشكل رسمي، إلا أن شبكات محلية تابعة لنظام الأسد تداولت صورًا تؤكد إرسال تعزيزات وسط تضارب للأنباء حول سياقها، هل هي تحوُّل جديد في إطار تعاطي النظام مع الاحتجاجات، أم انها سياسة تهدف إلى تخويف الشارع المنتفض وزعزعة الاستقرار؟
ويرى المحلل العسكري، النقيب عبد السلام عبد الرزاق، أن نظام الأسد يحاول تغيير سياسته تجاه الحراك السلمي في محافظة السويداء، المبنية على التجاهل والإهمال للتظاهرات تارة، والتواصل غير المباشر مع وجهاء ومشايخ المحافظة تارة أخرى.
وقال عبد الرزاق خلال حديثه لـ”نون بوست”: “إن التحركات العسكرية والأمنية الحالية في السويداء تشير إلى إمكانية استخدام الحل العسكري والأمني بهدف ضبط المحافظة أمنيًّا، لا سيما أنه أرسل قوات من مفارز أمنية سيّئة السمعة كالمخابرات الجوية وأمن الدولة”.
وأضاف: “لا يمتلك نظام الأسد سيطرة كاملة على المحافظة، والتعزيزات العسكرية تهدف إلى دبّ الفوضى وثني أبناء الجبل عن الاحتجاجات السلمية، ومنح قواته وشبيحته دفعة معنوية تمكّنهم من القيام بنشاطات أمنية مثيرة كالخطف والتفجير والاغتيالات، دون المواجهة العسكرية الفعلية للاحتجاجات”.
بينما يرى الباحث في مركز عمران للدراسات، نوار شعبان، أن نظام الأسد يأخذ في الحسبان تحقيق نتائج دون تحقيق خسائر، ويعني ذلك دون المواجهة الفعلية، وهي استراتيجية يتبعها بهدف تشكيل ضغط على الأهالي والمنتفضين، ما يساهم في فتح طاولة مفاوضات وفرض شروط، بهدف فضّ الاعتصامات والاحتجاجات.
وقال الباحث خلال حديثه لـ”نون بوست”: “إن نظام الأسد يمتلك القوة العسكرية والأمنية في المنطقة وقادر على اجتياحها عسكريًّا، والعمل عسكري رغبة أساسية وملحّة بالنسبة إليه بهدف فرض واقع جديد، ويبقى أمرًا مستبعدًا لكنه ليس مستحيلًا”.
وأضاف: “إن التعزيزات جزء من مسرحية طويلة ستكون فيها ضغوط أمنية وعسكرية، باستخدام أدوات وأساليب مختلفة بهدف تحقيق مكاسب على رأسها إيقاف الحراك، وفي حال فشلها سيحاول خلق فوضى وهجمات متكررة بهدف إعادة إحياء فزاعة تنظيم “داعش””.
عوائق خارجية وداخلية تمنع نظام الأسد من الحل العسكري
يحافظ أبناء محافظة السويداء على الاحتجاجات السلمية منذ الصرخات الأولى، دون الانجرار إلى شبح عسكرة الحراك الذي قد يوصل المحافظة إلى الهاوية حالما اُستخدم، وسط محاولات نظام الأسد الحثيثة لإيجاد ذريعة تشرّع تدخُّله العسكري المباشر، حتى من خلال خلق الفوضى الأمنية.
وما يبرر تجاهل نظام الأسد للاحتجاجات المتواصلة في محافظة السويداء، وعدم قدرته على إيجاد الحلول الحقيقية، وجود عوائق خارجية وداخلية تمنعه من استخدام الحل العسكري في مواجهة الاحتجاجات، التي ترتبط بالتركيبة السكانية والوضع العسكري.
ويرى شعبان أن من العوائق الخارجية وجود تركيبة مجتمع درزية، وبالتالي لن يواجه خصمًا في الداخل فقط، إنما يرتبط بجذور عدة دول من بينها لبنان وفلسطين، وسبق أن تكررت، كما أن تركيبة المجتمع من الأقليات ما يجعله أمام ضغوط عربية ودولية في كلا الأمرَين.
واعتبر شعبان أن افتتاح عمل عسكري في منطقة صراع أمني في ظل عملية عسكرية يخوضها الأردن ضد المهرّبين، يخلق مشكلة عسكرية تزعزع المنطقة، وتفتح فرصًا لتشعُّب جذور المشكلة الأردنية السورية، ما يزيد ضغوط الأردن تجاه نظام الأسد الذي وقّع على مذكرة تفاهم تهدف إلى ضبط الحدود.
وتابع أن العوائق الداخلية تتجذّر في وجود تجمعات عسكرية (فصائل محلية) مناهضة للأذرع والأجهزة الأمنية، وبالتأكيد لن تأخذ موقف الحياد إزاء أي هجوم، ما يدفع نظام الأسد إلى صراع داخلي بغنى عنه، لذلك يحاول التلويح بالعصى الأمنية بهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب.
وكان تعاطي نظام الأسد، منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في منتصف أغسطس/ آب 2023، بطريقة غير مباشرة، من خلال إرسال شخصيات مقربة منه إلى وجهاء ومشايخ العقل لاحتواء الشارع المنتفض، وبطريقة أخرى من خلال استفزازات فردية يقوم بها أفراد ينتمون إلى اللجان الأمنية، إلا أنها لم تثنِ حراك الشارع.