ترجمة وتحرير: نون بوست
خلال الأسبوع الماضي، التقى ممثلون عن النظام السوري وعناصر من المعارضة السورية في جنيف للمرة الثامنة، فيما اعتبره المبعوث الخاص للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، أفضل فرصة سانحة للطرفين لمناقشة مرحلة الانتقال السياسي في البلاد. ولسوء الحظ، لم يكن هناك في الحقيقة ما يمكن الحديث عنه على طاولة المفاوضات، حيث بقي كل طرف متمسكا بمطالبه، ومواقفه إلى درجة أنه بات من المستحيل التوصل إلى حل سياسي للوضع في سوريا.
على مدى السنوات الثلاث الماضية، كان ستافان دي ميستورا يتولى مسؤولية واحدة من أصعب المهام على كوكب الأرض. فقد دفع وحث وناشد وضغط على الهيئة العليا للمفاوضات التي تمثل المعارضة حتى تعترف بضعف موقفها على أرض المعركة، مؤكدا على أنه وفي ظل تراجع قوتها سيكون موقفها أضعف على طاولة المفاوضات. في المقابل، لم تجد جهود دي ميستورا آذانا صاغية وذهبت أدراج الرياح. ففي الحقيقة، يأبى وفد الهيئة العليا للمفاوضات، على الرغم من وجود قيادات جديدة في صفوفه، أن يخضع لأي اقتراح من شأنه أن يدفعه للتخلي عن مطلبه الأساسي الذي يقتضي ضرورة رحيل الأسد خلال المرحلة الانتقالية.
عقب مقتل 400 ألف سوري، جراء القصف الذي لم يبق ولم يذر، والذي تعمد استهداف المدنيين بشكل عشوائي، وتدمير النسيج الاجتماعي السوري، وفي ظل انهيار الاقتصاد، بالإضافة إلى انتهاك النظام لكل القوانين الدولية الراعية لحقوق الإنسان، لم يعد واردا أن توافق المعارضة على استمرار بقاء الأسد على رأس السلطة. في الواقع، يطغى الطابع العاطفي على طريقة تفكير المعارضة، حتى وإن كان لهذا الأمر مبرراته ومسوغاته.
بدت تصريحات دي ميستورا خلال المؤتمرات الصحفية التي سبقت وتلت محادثات جنيف حالمة للغاية
في المقابل، يصر المفاوضون الذين يمثلون النظام السوري على بقاء الأسد رئيسا شرعيا للجمهورية العربية السورية، مشددين على أن المطالب بإزالته قبل عقد الانتخابات الرئاسية المقبلة في سنة 2021، تفتقر للمصداقية. وفي الأثناء، تعتقد قيادات النظام أن المعارضة ليست إلا مجرد أداة لفرض الإملاءات الخارجية، ووسيلة لتمرير المخططات السعودية والتركية والأمريكية. وبالتالي، تؤمن دمشق بأن ما تعتبره المعارضة واجبا أخلاقيا تجاه الحضارة السورية، أي وجوب تنحية الأسد من منصبه، يعد، في الحقيقة، انتهاكا صارخا لسيادة سوريا وتكريسا لأجندة خارجية.
والجدير بالذكر أن الجولات السبع السابقة من المفاوضات المتعلقة بالشأن الداخلي السوري، التي انطلقت منذ كانون الثاني/ يناير سنة 2016، قد فشلت في سد الفجوة السياسية بين الحكومة السورية والهيئة العليا للمفاوضات. فقد كانت عملية التفاوض في جنيف، بإشراف من قبل الأمم المتحدة، التي سعت إلى تيسير جوانبها، غير مثمرة على الإطلاق، بل ومثيرة للسخرية إلى درجة أن موظفي الأمم المتحدة اقتصروا على الحديث عن مشاركتهم فيها، في حين أبوا أن يعتبروها انجازا.
في السياق ذاته، بدت تصريحات دي ميستورا خلال المؤتمرات الصحفية التي سبقت وتلت محادثات جنيف حالمة للغاية. فقد بدا وكأن مجرد عرض كل طرف لأفكاره حول ما يجب أن ينطوي عليه الانتقال السياسي دليلا على قرب انفراج المعضلة السورية. وبطبيعة الحال، لم تحدث أي مستجدات فعلية بشأن البنود الرئيسية المدرجة في جدول الأعمال خلال عملية المحادثات التي استمرت سنتين كاملتين.
إذا لم يكن النظام السوري مستعدا، في الماضي وقبل التدخل الروسي، ليخضع لأي ضغوط، وتقديم تنازلات دستورية أو سياسية كبرى، فمن غير المرجح أن يبادر بالتنازل الآن، خاصة وأن رياح الحرب منذ سنتين قد سارت وفقا لما يرنو إليه الأسد
لكن، ما الذي ينبغي توقعه خلال الجولة الثامنة من المحادثات التي من المقرر أن تستمر حتى منتصف كانون الأول/ ديسمبر؟ للأسف، لا شيء على الإطلاق، ففي ظل سيطرة النظام السوري على المدن الرئيسية في البلاد، إلى جانب المطارات والموانئ ومعظم المناطق السكانية، يمكن الجزم بأن الأسد قد انتصر بكل المقاييس في هذه الحرب. وحتى وإن لم يفز بالحرب بعد، فقد اقترب الأسد من تحقيق هذا الهدف، خاصة وأن الأراضي الواقعة تحت سيطرته ما فتئت تتزايد. فمن كان يتوقع في هذا الوقت من السنة الماضية أن القوات السورية ستستعيد دير الزور؟
من جهة أخرى، باتت الأراضي المتبقية في يد المعارضة السورية المعتدلة تقتصر على منطقة محاصرة في الغوطة، وهي منطقة مكتظة بالنازحين وبعض الفصائل الجهادية على غرار فرع تنظيم القاعدة في سوريا، فضلا عن بعض المناطق في الجنوب التي لم تحشد لها دمشق بعد ترسانتها العسكرية. من هذا المنطلق، من الواضح أن سيطرة المعارضة على مساحة جغرافية محدودة لا يتلاءم مع موقفها المنادي بضرورة تخلي الأسد عن منصبه وتفكيك حكومته ومغادرته الساحة السياسة السورية رفقة عائلته، وذلك من أجل تحقيق الأفضل للبلاد والمواطنين، علاوة على فسح المجال أمام حكومة انتقالية تدير بحرية ونزاهة الانتخابات،ـ التي ستخضع لإشراف دولي.
في حقيقة الأمر، تجاهل بعض الخبراء في الوضع السوري، من الذين يجادلون بضرورة تمسك الولايات المتحدة بموقفها الرافض لمشاركة الأسد في الانتخابات الرئاسية المقبلة، على غرار أندرو تابلر، ببساطة حقيقة أن واشنطن والهيئة العليا للمفاوضات، لا تمتلك ما يكفي من السلطة لتمرر مطالبها وفقا لرغباتها. في الأثناء، في حال كان ستافان دي ميستورا يتوقع الخروج بنتيجة أفضل في الجولة الثامنة، فسيخيب أمله مرة أخرى. في واقع الأمر، لا يجب على المرء أن يمتلك ذكاء دبلوماسيا فذًا مثل الذي يتمتع به هنري كيسنجر ليدرك أنه طالما أن الأسد يمسك بزمام الأمور في البلاد، فلن يحرك ساكنا نحو تطبيق إصلاحات سياسية.
إذا لم يكن النظام السوري مستعدا، في الماضي وقبل التدخل الروسي، ليخضع لأي ضغوط، وتقديم تنازلات دستورية أو سياسية كبرى، حيث كانت مسألة استمراره في الحكم غير مؤكدة، من غير المرجح أن يبادر بالتنازل الآن، خاصة وأن رياح الحرب منذ سنتين قد سارت وفقا لما يرنو إليه الأسد. وبالتالي، يعد مجرد توقع أي أمر مخالف لهذه الحقيقة، ضربا من الوهم والخيال. على العموم، يعد قرار الوفد السوري الانسحاب من المحادثات في جنيف بسبب مواصلة المعارضة الدفع نحو الاستقالة الفورية للأسد مؤشرا واضحا من قبل دمشق على أنها تزدري بشدة العملية برمتها. عند بلوغ هذه المرحلة من الحرب، من الصعب أن نعتقد بأنها ستنتهي عبر المرور بإجراءات سياسية. وفي حال حدث ذلك، فلن تكون النتيجة مرضية بالنسبة لمعارضي الأسد وخصومه.
المصدر: ناشيونال إنترست