كانت الأنظار تتجه إلى القمة الخليجية التي عقدت في الـ5 من ديسمبر على الأراضي الكويتية، بأنها ستشهد نهاية الأزمة الخليجية بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة، وقطر من الجهة أخرى، وكانت أخبار سابقة قد توقعت أن حضور كل من الملك سلمان بن عبد العزيز والأمير تميم بن حمد القمة يعزز هذا التنبؤ.
في نفس يوم انعقاد القمة، أعلنت وزارة الخارجية الإماراتية إنشاء لجنة مشتركة للتعاون والتنسيق مع المملكة العربية السعودية، تضم منتدى رسميًا للتعاون الأمني بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة خارج إطار مجلس التعاون الخليجي.
قرأ البعض هذه الخطوة بأنها علامة على بداية موت مجلس التعاون الخليجي، خصوصًا أن الجلسة شهدت أقل تمثيل دبلوماسي منذ تأسيس المجلس، ولم يحضرها من قادة الدول الأعضاء سوى أميري قطر والكويت.
انتهت القمة ولم يحدث شيء ولم تنته الأزمة الخليجية، لكن موقع “ناشيونال إنتريست” قرأ المشهد على أن أزمة خليجية أخرى تلوح في الأفق، بين السعودية من جانب وحليفتها الحاليّة الإمارات من جانب.
إستراتيجيات مختلفة
رغم اللجنة التي أنشئت بغرض التعاون بين البلدين، يشير التحليل الذي كتبه الصحفي والباحث في العلاقات الدولية صموئيل راماني، إلى تزايد الخلافات بين الدولتين في الشهور الأخيرة، فيما يخص السياسات الخارجية، وهو ما يظهر إمكانية التوتر بينهما.
تنامي هذه الاختيارات المتباينة يشير أيضًا إلى أن التصعيد في المستقبل بين الرياض وأبو ظبي محتمل، ولو حدث فسيكون حله أصعب من حل أزمة السعودية مع قطر، فرغم أن للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة العديد من المصالح الإستراتيجية المشتركة، يكشف الفحص الدقيق للديناميات الجيوسياسية داخل دول مجلس التعاون الخليجي أن تحالف الرياض – أبو ظبي ربما يكون أضعف مما يبدو.
يدفع صناع السياسة الإماراتيون لتبني نهج مختلف قليلاً تجاه إيران
ويمكن تفسير صعوبة حل الخلاف بين السعودية والامارات بمعرفة طبيعة الخلافات بينهما، فعلى عكس الصراع السعودي القطري الذي هو صراع هيمنة بالأساس، فإن الخلاف بين السعودية والامارات ينبع من الرؤى الإستراتيجية المتنافسة، فكل من الدولتين على استعداد لاستخدام القوة العسكرية والمبادرات الدبلوماسية الأحادية الجانب بهدف إعادة تشكيل النظام الإقليمي.
تقوم رؤية المملكة على فهم طائفي للصراعات في الشرق الأوسط – حسب التحليل – وتكمن الهوية السنية خلف سلوك الرياض، وهو الأمر الذي يجعل من القوات الشيعية الموالية لإيران أعداءً يجب قمعهم بأي ثمن، وللوقوف في وجه إيران قدمت السعودية دعمًا ماليًا وعسكريًا للحركات السنية في مناطق النزاع، وشجعت انتشار إيدلوجيتها الوهابية كحصن ضد النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.
لدى الإمارات مفاهيم أخرى لتقييم التهديدات – وهي مختلفة عن مفاهيم الرياض – وتدافع عن العلمانية في الشرق الأوسط، وقد عملت على تسهيل إنشاء تحالفات غير دينية في مناطق الصراع، يستشهد التحليل في هذه النقطة بما يقوله نيل كيليام الخبير في شؤون مجلس التعاون الخليجي “الجماعات الإسلامية المتطرفة تهدد الاستقرار الإقليمي أكثر من إيران، لأن هذه الجماعات تعتنق إيدلوجية غير وطنية، وتقاوم التسويات السياسية”، في المقابل، يدفع صناع السياسة الإماراتيون لتبني نهج مختلف قليلاً تجاه إيران، لذلك يرفضون التدخلات الإيرانية ويدعمون الفصائل الشيعية التي تعزز الاستقرار السياسي.
السعودية تعتقد أن حزب “الإصلاح” فاعل سياسي شرعي، وتستضيف كبار أعضائه في الرياض ، وتعاون الجيش السعودي مع قواتهم في حملات عسكرية ضد الحوثيين في اليمن
السعودية تعارك في اليمن
بينما تستمر المعارك على الأرض، سيطر الحوثيون على صنعاء ليلة مقتل صالح، وقبل ذلك بأيام قليلة، أعلنت السعودية اعتراض صاروخ بالستي أطلق باتجاه أراضيها من اليمن، وكان هذا هو الصارخ الثاني من نفس النوع الذي يطلق على المملكة خلال شهر واحد، قبل أيام من قتل الرئيس اليميني السابق علي عبد الله صالح.
بعدها توجه الشيخ محمد بن زايد لزيارة أحمد نجل الرئيس المقتول، المقيم في أبو ظبي، في المقابل التقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان برئيس حزب التجمع اليمني – المحسوب على الإخوان المسلمين – محمد اليدومي في الرياض.
وفقًا لتحليل “ناشيونال إنتريست” فالرؤية الطائفية التي تتبناها السعودية، تجعلها تعتبر صعود حكومة شيعية في اليمن لديها علاقات ودية مع إيران، تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، ولذلك فهي تقوم بعمليات قصف جوي في اليمين لتعزيز الموقف الإستراتيجي لحليفها عبد ربه منصور هادي، وتنشر قواتها بحذر للدفاع عن الحدود السعودية.
ويؤكد التحليل أن السعودية تعتقد أن حزب “الإصلاح” فاعل سياسي شرعي، وتستضيف كبار أعضائه في الرياض، وتعاون الجيش السعودي مع قواتهم في حملات عسكرية ضد الحوثيين في اليمن.
في المقابل لا ترى الإمارات أن “الحكومة المدعومة من الشيعة في اليمن” تهديدًا أمنيًا تلقائيًا، وتركز ضرباتها العسكرية على الحد من تأثير الجماعات الإسلامية الشيعية والسنية.
استفادت دولة الإمارات من الخلافات التي حدثت بين علي عبد الله صالح والقوى الحوثية، وأصبحت المؤيد الدولي الرئيسي لصالح، كما بررت هذا التحالف بأن عودة صالح إلى السلطة سيعيد الاستقرار العلماني إلى البلد الممزق بالحرب
قبل أن تشن القوات السعودية غارات على الحوثيين لدعم قوات صالح مطلع هذا الشهر، كانت تشن هجومها على قوات الاثنين معًا عندما كان هناك تحالف بين قوات صالح والحوثي، استمر دعم الإمارات لقوات صالح لمدة طويلة، في حين كانت السعودية التي كانت تأوي الرئيس عبد ربه منصور هادي، تحارب قوات حليفها السابق علي عبد الله صالح، بعد تحالفه مع الحوثيين.
في الوقت الذي تعاونت فيه الإمارات مع السعودية ضد الحوثيين، دعمت الأولى عمليات عسكرية قام بها الرئيس السابق علي عبد الله صالح ضد حزب الإصلاح الذي تتعاون معه السعودية، أيضًا اعتقلت قوات موالية للإمارات في أكتوبر الماضي، كوادر في حزب الإصلاح بمدينة عدن.
هذه التصرفات – وفقًا للتحليل – تؤكد أن الإمارات تلتزم بدعم القوى العلمانية، بغض النظر عن انتماءاتها الطائفية، فخلال الصيف الماضي، استفادت دولة الإمارات العربية المتحدة من الخلافات التي حدثت بين علي عبد الله صالح والقوى الحوثية، وأصبحت المؤيد الدولي الرئيسي لصالح، كما بررت هذا التحالف بأن عودة صالح إلى السلطة سيعيد الاستقرار العلماني إلى البلد الممزق بالحرب.
سوريا ساحة أخرى
في الـ22 من نوفمبر الماضي، استضافت الرياض مؤتمرًا للمعارضة السورية حضره وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، انتهى بالبيان الذي أصدره الحاضرون برفض استمرار الأسد في الحكم هو وأركان نظامه.
في المقابل، نقلت صحيفة القدس العربي عن مصادرها أن الفلسطيني محمد دحلان، مفوض من الإمارات وروسيا لوضع الخطوط العريضة لاتفاق بين المعارضة السورية والنظام، يتضن بقاء الأسد في السلطة حتى 2021، بصلاحيات أقل أو إجراء انتخابات برعاية أممية مطلع العام الجديد.
إن أي خلاف بين السعودية والإمارات، سينعكس بشكل كبير على الأروقة العربية والدولية، ويغير كثير من التحالفات في المنطقة
قدمت الإمارات دعمًا عسكريًا للجماعات السنية في سوريا كما قدمت السعودية، لكنها كانت أقل حماسًا لتغيير النظام في سوريا، بينما كانت تولي اهتمامًا أكبر بالغارات على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، حتى إنها كانت مستعدة في العام الماضي لإرسال قوات برية إلى سوريا في إطار التحالف الدولي للحرب على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، بالإضافة إلى كونها محطة انطلقت منها غارات دول أخرى على التنظيم، مثل أستراليا، ووصفت بأنها تؤدي دورًا جوهريًا في هذا الشأن.
وحسب “ناشيونال إنتريست”، يتجلى تركيز الإمارات على استعادة الاستقرار لسوريا تحت قيادة النظام السلطوي العلماني في المفاوضات التي عقدت مع مسؤولين في نظام الأسد في وقت مبكر من الصراع، والموقف من التعاون مع المفاوضات الروسية الغربية بشأن سوريا.
ويشير التحليل إلى أن الهدف الأساسي للسياسة السعودية تجاه ما يحدث في سوريا هو احتواء النفوذ الإيراني، هذا الهدف الذي يدفع السعودية لدعم متزايد للمجموعات المسلحة، قد يعرقل التسوية السلمية التي يمكن أن تعيد الاستقرار إلى سوريا.
يعتقد المحلل أن الإمارات في التوصل لحل وسط مع الأطراف المنحازة لإيران، ثم استخدام القوة من جانب واحد لمواجهة الحركات الإسلامية في سوريا، يجعلها راغبة في مواجهة الهيمنة التقليدية للمملكة العربية السعودية على جهود دول مجلس التعاون الخليجي لحل الصراعات الإقليمية.
الخلاف القادم
أيًا كان التوقيت وحجم الخلاف المتوقع بين السعودية والإمارات وأسبابه، فإن خلافًا كهذا – في حالة وقوعه فعلاً – من شأنه أن يغير كثيرًا من مجريات الأمور على الساحة العربية، وإذا كان الخلاف القطري – السعودي الإماراتي قد لقي تفاعلاً من أطراف كثيرة ومحاولات وساطة عربية وأوروبية وأمريكية، بالإضافة إلى فتح ملفات كثيرة من المسكوت عنها، والتراشق بها إعلاميًا بين كل من الجانبين، فإن خلافًا بين السعودية والإمارات، سينعكس بشكل كبير على الأروقة العربية والدولية، ويغير كثير من التحالفات في المنطقة.