عرفت تونس بزوغ نجم عديد من الكتاب والأدباء خاصة في العقود العشر الأخيرة، ساهموا في تميز الأدب التونسي وتنوعه ومحاكاته لقضايا وشواغل التونسيين، في هذا التقرير لـ”نون بوست”، نتعرف معًا أبرز ستة أدباء عرفتهم تونس.
علي الدوعاجي.. تجربة كبيرة رغم صغر سنه
يعتبر علي الدوعاجي أحد أبرز نجوم الأدب في تونس على مر التاريخ، وينحدر الدوعاجي المولود بتونس سنة 1909 من عائلة برجوازية ذات أصول تركية وصلت تونس العاصمة سنة 1575 للميلاد، ولم يعش الكاتب أكثر من 40 سنة حيث توفي سنة 1949، ورغم ذلك فقد أنتج كمًا كبيرًا من المؤلفات في كل فنون الكتابة تقريبًا من الشعر إلى القصة والمسرح إلى المذكرات والمقالات.
من أبرز ما كاتب علي الدوعاجي، المجموعة القصصية التي حملت اسم “سهرت منه الليالي”
ترك المدرسة دون أن يحصل على الشهادة الابتدائية، كان يقرأ لنيتشه ولعمر الخيام ولشكسبير وللجاحظ ولطاغور وللمعري، مما مكنه من اكتشاف طريق خاص في الكتابة جعلته يتصدر عرش الأدب التونسي، وعده الناقد محمد فريد غازي في مرتبة جون دوس باسوس وجاك لندن ومارل بروست، معتبرًا إياه أفضل كاتب قصة قصيرة في العالم العربي.
كان الدوعاجي وراء تأسيس أهم جماعة أدبية في تاريخ تونس وهي “جماعة تحت السور” التي ضمت كتاب وفنانين وموسيقيين ومسرحيين، متمردين يقولون المختلف ويحاربون الجهل والتزمت بكل ضراوة، فتصدوا للحياة بأجسادهم حتى أهلكتهم جميعًا، إذ أغلبهم مات دون سن الأربعين.
من أبرز ما كاتب علي الدوعاجي، المجموعة القصصية التي حملت اسم “سهرت منه الليالي”، جمعها عز الدين المدني من الجرائد والمجلات القديمة وأصدرها عام 1969 مع مقدمة إضافية، تميزت هذه المجموعة القصصية عن غيرها من القصص بالنقد البناء الذي يبرز من خلال نقل الواقع المعيشي، وقد تم اقتباس عملين فنيين عن هذه القصة وهما شريط سينمائي بعنوان “في بلاد الطررني” ومسرحية بعنوان “سهرت”، وعدد صفحات المجموعة 127.
محمود المسعدي.. برز في الأدب والسياسة
إلى جانب علي الدوعاجي، نجد محمود المسعدي (1911-2004)، الذي يعد من أهم أعلام الأدب العربي الحديث، ركز في أدبه على بعض القضايا الإنسانية كالوجود والإرادة والحرية، وتميزت مؤلفاته بإيحائية النصوص وفصاحة الألفاظ.
أنتج المسعدي أعمالًا عدة، أبرزها “حدث أبو هريرة قال” و”السد” و”مولد النسيان” و”من أيام عمران” و”تأصيلًا لكيان” و”الإيقاع في السجع العربي”، وكلها أعمال في السرد باستثناء العملين الأخيرين، وترجمت هذه الأعمال إلى عديد من اللغات منها: الهولندية والفرنسية والألمانية.
نال المسعدي الصنف الأكبر من وسام الاستقلال والصنف الأكبر من وسام الجمهورية وجائزة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة لسنة 1979
ابتدأ المسعدي تعليمه بحفظ القرآن في الكتاتيب قبل دخول المدرسة بمدينة قربة بمحافظة نابل، ثم الالتحاق بالمعهد الصادقي بالعاصمة الذي فتح له الطريق للالتحاق بجامعة السوربون بباريس التي تخرج فيها عام 1936 وشرع في إعداد رسالتي دكتوراة، واحدة عن أبي نواس والثانية عن الإيقاع في الشعر العربي، وأتم الأولى لكنه لم يناقشها بسبب الحرب العالمية الثانية.
إلى جانب الكتابة، كان المسعدي أحد رجالات فترة ما بعد الاستقلال، حيث تقلد وزارتي التربية والثقافة، وأسس خلال هذه الفترة مجلتين معروفتين هما “الحياة الثقافية” التي ما زالت تصدر عن وزارة الثقافة، و”مباحث” التي انقطعت عن الصدور.
نال المسعدي الصنف الأكبر من وسام الاستقلال والصنف الأكبر من وسام الجمهورية وجائزة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة لسنة 1979 ووسام الاستحقاق الثقافي وجائزة الألكسو وجوائز وطنية ودولية أخرى، وقد كتب عنه ما يفوق 30 كتابًا ورسالة جامعية فضلًا عن عشرات المقالات والتسجيلات الإذاعية والتليفزيونية وترجمت آثاره إلى الفرنسية والإسبانية والهولندية وغيرها من اللغات.
البشير خريف.. صاحب أهم الروايات في تونس
من كبار كتاب تونس، ولد بمدينة نفطة التابعة لمحافظة توزر جنوب تونس، سنة 1917 وتوفي سنة 1983، نال شهادة الدبلوم في الترجمة والأدب الفرنسي ونشر مقالات منتظمة في الصحافة، وتميزت تجربته باطلاعه المعمق على تاريخ بلاده واستيعابه في سياق التحولات السياسية والاجتماعية الكبرى، كما بدا متمكنًا من تقنيات السرد بمفهومها الحديث ويحسب له اقترابه من اللغة اليومية وتوظيف اللهجة المحكية في كتاباته.
سنة 1969، أصدر رواية “الدڤلة في عراجينها” التي تعد من أهم الروايات في تونس، ذهبت إلى تشريح الواقع والاشتباك مع الصراع الاجتماعي في منطقة الجريد من الجنوب التونسي، واستفاضت في وصف التراتبية القبلية والنزاعات على الملكية ونضالات العمل في عهد الاستعمار الفرنسي.
البشير خريف
قسم الكاتب روايته إلى 3 أجزاء يتبعها بطابع تسجيلي انتقادي، بمعنى أن عديدًا من الشرائح الاجتماعية تتعرض لاستغلال الإقطاع ومن هنا جاءت الرؤية الاجتماعية لدى الكاتب رهينة مفهوم الإطار الفكري المتكئ على الانتساب الحزبي والإيديولوجي الماركسي كمعين اشتهر ذلك الوقت، لحل المعضلات وتجاوز الأزمات وتذليل العراقيل والمعوقات، كما امتزج بخليط من المؤثرات الأجنبية وتتجلى لنا ملامح هذه الرؤية معًا كلما أوغلنا في عالمها الفسيح خطوة خطوة.
توفيق بكار.. الناقد الكبير
ولد توفيق بكار يوم 31 من ديسمبر/كانون الأول 1927 في تونس العاصمة، وتوفي 24 من أبريل/نيسان 2017 عن عمر ناهز 90 سنة بعد صراع طويل مع المرض، يعد “أيقونة” النقد الأدبي، اشتهر بأسلوبه الحديث في التحليل والنقد والتقديم للرواية العربية والعالمية، ودعا إلى الاعتناء باللغة العربية والارتقاء بها، فمن أقواله: “أوصيكم باللغة العربية خيرًا”.
عرفت بدايات بزوغه على الساحة الثقافية في سنوات الخمسينيات من القرن الماضي
يعتبر بكار من مؤسسي الجامعة التونسية وأحد أبرز أعمدتها الراسخة، ساهم خلال مسيرته بظهور النقد الأدبي في تونس، حيث انكب على التعريف بالمؤلف التونسي عامة وبآثار الأديب الراحل محمود المسعدي خاصة.
توفيق بكار
عرفت بدايات بزوغه على الساحة الثقافية في سنوات الخمسينيات من القرن الماضي التي كانت حقبة منفتحة على جميع الأفكار والتيارات السياسية والثقافية والمتأثرة بمبادئ الجمهورية الفرنسية الثالثة، وهي مبادئ الفيلسوف الفرنسي فولتير المؤمنة بالحرية كقيمة مركزية في الكون، من أبرز مؤلفات بكار في التحليل والنقد الأدبي “مقدمات”، و”شعريات” الذي جاء في جزأين، و”قصصيات عربية“، ومن أشهر المقدمات التي كتبها مقدمة رواية “موسم الهجرة إلى الشمال” للأديب السوداني الراحل الطيب صالح.
الحبيب بولعراس.. رجل المسرح
صحفي وكاتب مسرحي ولد يوم 29 من يوليو 1933 بتونس، متمرس بالكتابة باللسانين العربي والفرنسي وقد نشرت له كتب في المسرح، كانت أولى مسرحياته بعنوان “عهد البراق” أما مسرحيته الثانية فقد حملت اسم “مراد الثالث”، وله أيضًا كتاب باللغة الفرنسية بعنوان “تاريخ تونس: المحطات الكبرى وتاريخ ما قبل الثورة” جاء في 720 صفحة ويعد من أهم المراجع عن تاريخ البلاد.
حصل على شهادة في مجال الصحافة من جامعة ستراسبورغ الفرنسية، شغل العديد المناصب المهمة في كبرى المؤسسات الإعلامية التونسية، وتقلد منصب وزير الثقافة والإعلام سنة 1970، مارس العمل السياسي في تونس والقاهرة، وفي العام 1981 انتخب بولعراس في مجلس النواب وترشح كعضو مستقل وأعيد انتخابه في دورتي 1989 و1994، كما تولى رئاسة هذا المجلس، وشغل أيضًا منصب وزير الخارجية ثم وزير للدفاع لفترة قصيرة ليقع اختياره لاحقًا لمنصب الأمين العام لاتحاد المغرب العربي وذلك من عام 2002 إلى عام 2006.
الطيب التركي.. كبير أدب الأطفال
ولد سنة 1920 بمدينة عقارب بمحافظة صفاقس، وتوفي في 31 من يناير 2016، زاول تعليمه الثانوي بالمدرسة الصادقية ثم أكمل تعليمه العالي بمعهد الدراسات العليا في فرع السربون بتونس وحاز شهادة الإجازة في اللغة والآداب العربية وشهادة الكفاءة للتدريس بالمعاهد الثانوية من السربون.
الطيب التركي
درس اللغة العربية بمعهد كارنو ثم عين مدير الديوان بوزارة التربية القومية من سنة 1958 إلى سنة 1968 ثم كلف بتأسيس وبعث ديوان المشاريع الجامعية ثم أسس وبعث المركز الوطني البيداغوجي.
اهتم الطيب التريكي بأدب الأطفال فكتب عدة قصص ونشرها في كتب محلاة بصور ملونة وجذابة للأطفال وكانت لغة القصص سلسلة وأسلوبها جذاب ومشوق خصوصًا أن بعضها تولى اقتباسه من “ألف ليلة وليلة” كما ألف أيضًا للأطفال قصصًا عن الأنبياء مقتبسة من النص القرآني.