ضربتين متتاليتين تلاقاهما الوفد البحريني الذي زار الاحتلال الإسرائيلي داعمًا ومناديًا بالتطبيع والسلام، أولها طرده من مدينة القدس المحتلة، وثانيها إلغاء زيارته المقررة لمدرسة تعليمية في غزة بعد حشود واسعة على معبر بيت حانون شمال قطاع غزة واستقباله بالأحذية والبيض الفاسد.
وزارة التربية والتعليم في قطاع غزة رفضت استقبال الوفد البحريني الذي كان مخطط له زيارة قطاع غزة، وأعلنت في بيان لها رفضها المطلق استقبال وفد بحريني يزور الاحتلال الإسرائيلي في المدارس ومؤسسات التعليم العالي التابعة لها.
ودعت وزارة التربية والتعليم المؤسسات التعليمية كافة ووكالة الغوث لتحذو حذوها، مؤكدة أن هذا القرار لا ينفي الاحترام الكبير الذي يحمله الشعب الفلسطيني للبحرين وأهلها.
وأعلنت القناة العبرية الثانية أن وفدًا بحرينيًا ضمّ 24 شخصًا من جمعية “هذه هي البحرين” زار الاحتلال الإسرائيلي للمرة الأولى بشكلٍ علني، في زيارة استمرت لأربعة أيام تجول فيها الوفد في القدس القديمة برفقة مراسل القناة العبرية الثانية إيهود يعاري، داعيًا للتطبيع والسلام بشكل علني.
التنديد الشديد بتطبيع الوفد البحريني مع الاحتلال الإسرائيلي لم يكن من الفلسطينيين فحسب، بل من البحرينيين أيضًا فقد احتل هاشتاغ #البحرين_تقاوم_التطبيع المركز الأول على قائمة الوسوم الأكثر تفاعلًا في البحرين لليوم الثالث على التوالي، منذ انتشار خبر زيارة وفد بحريني للاحتلال، في وقت يشتعل فيه العالم العربي والإسلامي غضبًا على قرار ترامب الأخير بشأن القدس.
الاحتلال الإسرائيلي يخوض حربًا سيبرانية في الفضاء الإلكتروني من نوع آخر، لتعزيز الفتنة بين السنة والشيعة أولًا، ثم لدعم خيار التطبيع مع الاحتلال، عبر آلاف الحسابات بأسماء عربية وهمية، تشارك بقوة في جميع القضايا الفاعلة والنقاشات على وسائل التواصل الاجتماعي
البحرينية باسمة القصاب قالت تعليقًا على زيارة الوفد: “أعتبر الكيان الصهيوني غاصبًا ومحتلًا، والزيارة التي قام بها وفد جمعية “هذه هي البحرين” للقدس المحتلة عار أخلاقي وإنساني، وادعاء الوفد تمثيل الشعب البحريني إساءة للبحرينيين، وأعلن براءتي من هذا الفعل ومن قام به ودعمه”.
أما الإعلامي البحريني حسين يوسف فقد قال معلقًا على الزيارة: “أرفض التطبيع مع “إسرائيل” الغاصبة والزيارات التي قام بها وفد جمعية “هذه هي البحرين” وأعلن براءتي من هذا الفعل الشائن ومن قام به ومن دعمه”.
وقال الداعية البحريني حسن الحسيني: “القناة الإسرائيلية تكذب بأنه وفد رسمي وهو ليس كذلك، والشعب البحريني كله بمذاهبه وأطيافه مع قضية فلسطين العادلة، ورسالتي للجمعية التي نظمت الزيارة، لا يحق لها أن تتكلم باسمنا”.
وأضاف “رفع شعار التسامح الديني واستغلاله كمطية للتطبيع لا ينطلي على عقولنا، فعيالنا الصغار كاشفينكم، ومن قلة التوفيق رايحيين للصهاينة لتل أبيب في أوج غضب الشعوب العربية والإسلامية، وأنا كبحريني أقول لفلسطين أعذرونا وأنتم فوق رؤوسنا، وهؤلاء ليس لنا دخل بهم، وتبقى القدس عاصمة لفلسطين”.
كل شيء مخطط بالتفصيل
لست هنا بموجب رصد الانتقادات الفلسطينية الموجهة ضد التطبيع بقدر ما يهم رد الشعوب التي تطبع حكوماتها أو مؤسساتها أو صحفييها مع الاحتلال في معركة كي الوعي القادمة التي يراهن عليها الاحتلال الإسرائيلي للانتصار في معركته الأخيرة نحو تعزيز مكانته في الشرق كـ”دولة”.
ورغم النص الموحد والهاشتاغ الداعم الذي أراح الفلسطينيين قليلًا باعتبار أن التطبيع مصيره الفشل الشعبي، فإن الاحتلال الإسرائيلي يخوض حربًا سيبرانية في الفضاء الإلكتروني من نوع آخر، وعلى مدار سنوات سابقة طويلة، لتعزيز الفتنة بين السنة والشيعة أولًا، ثم لدعم خيار التطبيع مع الاحتلال، عبر آلاف الحسابات بأسماء عربية وهمية، تشارك بقوة في جميع القضايا الفاعلة، والنقاشات على وسائل التواصل الاجتماعي.
بدأت البحرين رسميًا تروج لعلاقاتها مع الاحتلال الإسرائيلي تحت مصطلح تعزيز “التسامح الديني”
وتسعى إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى استغلال الفرصة الحاليّة من ضعف النظام العربي وحاجته للاستقرار حفاظًا على كراسي الحكم، فتدفع الإمارات والبحرين والمملكة العربية السعودية لتطبيع علاقاتها مع الاحتلال الإسرائيلي مقابل تسريع مبيعات الأسلحة أو ضمان الدعم، لكن هذه الدول التي توافق الخطة الأمريكية بشكل تدريجي قد ترى نفسها وقعت في فخ التطبيع الكامل، مما يعني تشرد الشعب الفلسطيني مرة ثانية وضياع قضيته.
من يحاكم المطبِّعين؟
لو عدنا قليلًا للوراء في التطبيع ما بين البحرين والاحتلال الإسرائيلي في 11 من مايو 2017 تمت دعوة أول مسؤول في الاحتلال الإسرائيلي إلى العاصمة البحرينية المنامة لحضور الدورة 67 من كونغرس الفيفا، وبعدها ندد الملك البحريني حمد بن عيسى آل خليفة في سبتمبر 2017 بحركة المقاطعة العالمية ضد الاحتلال الإسرائيلي وسحب أشكال العقوبات كافة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
ثم بدأت البحرين رسميًا تروج لعلاقاتها مع الاحتلال الإسرائيلي تحت مصطلح تعزيز “التسامح الديني”، فخلال إحدى المناسبات التي عقدت في مركز “سيمون فيزنتال” المؤيد للصهيونية ومقره لوس أنجولس في سبتمبر 2017 انضم ولي العهد البحريني إلى 400 ممثل عن مختلف الديانات، كما عزفت أوركسترا البحرين الوطنية النشيد الوطني الصهيوني “هاتكفا” الذي يدعو الجميع من أصول يهودية للعودة إلى ديارهم التي تتخذ شكل دولة للاحتلال الإسرائيلي.
ثم قام ولي العهد البحريني بعد ذلك بجولة في متحف التسامح بقيادة الحاخام “مارفن هير” أحد مؤسسي المتحف الذي أثنى خلالها آن فرانك على البحرين لمحاربتها التطرف الديني، وسعت البحرين بشكل منظم لتعزيز علاقاتها بالكيان الإسرائيلي، آخرها زيارة وفد جمعية “هذه هي البحرين” التي ضمت عمائم شيعية لزيارة القدس والتطبيع في وقت ينتفض فيه العالم العربي والإسلامي ضد قرار ترامب بمنح القدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي.
ورغم كل هذه المواقف الرسمية البحرينية السابقة المصحوبة بسخط شعبي بحريني على خطوات التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، يطرح سؤالٌ للأهمية، ما دام المطبعون غائبون عن المحاكمة القانونية العادلة لهم بصفتهم مشاركين للمجرمين الصهاينة في قتل الفلسطينيين، وما دام الشعب البحريني ساخطًا كل السخط على هذا التطبيع الممنهج ضمن خطة إقليمية واضحة، لماذا لا تحاكم النخبة القانونية والنخبة الشعبية البحرينية المطبعين رسميًا ومؤسساتيًا من خلال المحاكم القانونية، أو المسيرات الشعبية البحرينية التي لم تتحرك حتى الآن، واكتفت بحراك على العالم الأزرق ما يدركه المطبعون أنها زوبعة في فنجان وتنتهي إلى التطبيع الكامل؟