هل وجدت من قبل أن مواقع التواصل الاجتماعي غير قابلة للمقاومة؟ هذا يعني أنك غير قادر على عدم استخدامها مدة طويلة من الزمن مع الاختلاف النسبي لكل مستخدم لتلك المواقع، إذ كنت لم تر مواقع التواصل الاجتماعي بهذا الشكل من قبل، فمدير “فيسبوك” السابق وجد أن لمواقع التواصل الاجتماعي تأثير كالإدمان، وأنها قابلة على برمجتك.
تحدث مدير فيسبوك الأول للشركة والسابق “شون باركر” في الشهر الماضي عن مخاطر مواقع التواصل الاجتماعي وعلى رأسها فيسبوك، لم يعبر شون باركر عن مخاطر تلك المنصات فحسب، بل عبر عن ندمه على أنه ساهم في جعل فيسبوك إحدى المنصات التي سيطرت على العالم أجمع، حيث قال في خطابه: “الله وحده يعلم ما تفعله تلك المنصة بأدمغة أطفالنا”!
أقر باركر أن منصات كفيسبوك وغيرها قد تتسبب في تغيير شكل العلاقات الاجتماعية بشكل جذري، وقد تهتك نسيج العلاقات المجتمعية بشكل كامل، حيث أكمل في حديثه أنه لطالما استخف بكل من كان يخبره أنه لا يستخدم منصات التواصل الاجتماعي، كونه كان مديرًا لواحدة من أهم تلك المنصات “فيسبوك”، فكان رده دومًا بأنه وفريقه سيصلون إلى كل من لا يريد استخدام تلك المنصات ويجبرونه على استخدامها.
لم يكن يعلم باركر تبعات ما يقوله وتأثيره على العلاقات الإنسانية، أو هكذا عبر عن ندمه على مشاركته في نجاح فيسبوك الدولي، حينما تطورت المنصة ووصلت إلى مليار واثنين من المستخدمين، بدأ باركر يراقب تبعات ما كان يؤمن به على العلاقات الإنسانية، من خلال حلقة فيسبوك الخاصة بـ”ردود الفعل”.
تعمل منصات التواصل الاجتماعي من خلال تلك الحلقات الفعالة على برمجة المستخدمين الموجودين على منصاتها
وجد باركر أن منصات التواصل الاجتماعي قادرة على خلق حلقة من “ردود الفعل” سريعة الوصول لعدد ضخم من الجماهير، تعمل على منح المستخدمين جرعة من الدوبامين بين الفينة والأخرى، من خلال الإحساس بالسعادة والرضا عن النفس حينما يصل المستخدم إشعارًا بأن أحدهم قد أُعجب بمنشوره أو أعاد نشره أو أعجب بصورته وترك تعليقًا مادحًا عليها.
تعمل منصات التواصل الاجتماعي من خلال تلك الحلقات الفعالة على برمجة المستخدمين الموجودين على منصاتها، وزيادة عددهم من خلال جذب مزيدًا من المستخدمين المتأثرين بغيرهم من الواقعين تحت تأثير “مخدر” أو “دوبامين” منصات التواصل الاجتماعي.
لم يكن هذا الرأي لباركر وحده، فقد شاركه الرأي رئيس سابق لفيسبوك أيضًا من قسم “تطوير زيادة عدد المستخدمين” على منصة فيسبوك، وهو “تشاماس باليهابيتايا” الذي عمل في شركة فيسبوك منذ عام 2005 وحتى عام 2011، وتحدث مؤخرًا في كلية إدارة الأعمال في ستانفورد عن تأثير منصات التواصل الاجتماعي في العلاقات الإنسانية، حيث وصفها بأنها تهتك نسيج العلاقات الاجتماعية الطبيعي.
العلاقات الفيسبوكية
يقول باليهابيتايا إن منصات كفيسبوك تعمدت خلق تلك الحلقة اللامنتهية من “الدوبامين” من خلال ردود الفعل بين الشبكات والأفراد المتصلة ببعضها البعض، لتجعلهم شبه مدمنين على الوجود الدائم على شبكات مواقع التواصل الاجتماعي، وهي بحسب رأيه تتعمد تدمير العلاقات الإنسانية الطبيعية لتغير شكلها جذريًا وتحولها إلى علاقات معتمدة على ردود الفعل فقط (Likes, reactions).
يقول باليهابيتايا إن العلاقات الفيسبوكية التي تعتمد على منصة فيسبوك وغيرها من المنصات من شأنها أن تكون علاقات مضللة، مليئة بالمعلومات غير الصحيحة وغير الموثوق فيها والمبنية على الأوهام كذلك، وهذه ليست مشكلة الولايات المتحدة فحسب، بل مشكلة العالم كله بحسب رأيه.
اتفق العديد من الخبراء والأطباء مع رأي من عملوا في شركة فيسبوك سابقًا على أن مواقع التواصل الاجتماعي لها تأثير الإدمان على المستخدمين منهم المحاضر آدم آلتر في جامعة نيويورك صاحب كتاب “لا تُقاوم: تطور إدمان التكنولوجيا وكيفية إدارة جعلنا مدمنين” الذي يشرح فيه ما الذي يحدث في دماغ المستخدم حينما يصله إشعار بإعجاب أحد الأصدقاء بصورته أو منشوره.
يذكر آلتر أن تأثير زر الإعجاب على منصات التواصل الاجتماعي لا يختلف كثيرًا حينما يقوم المرء بتدخين سيجارة أو بتناول الحبوب المُخدرة، فكلاهما ومعهم تأثير منصات التواصل الاجتماعي أيضًا يفرز الدوبامين المقترن بالسعادة في دماغ الإنسان، وهو السبب الأساسي للسلوك الإدماني الذي يتلاعب به مالكي تلك المنصات، فالإعجاب بصورة على إنستغرام على سبيل المثال يُعادل أخذ جرعة من مخدر ما بحسب رأي آدم آلتر.
هل أدمنا مواقع التواصل الاجتماعي؟
يقول شون باركر في أحد لقاءاته العامة بعد خروجه من شركة فيسبوك إن هدف منصات التواصل الاجتماعي أن تشغل المستخدم بتلك المنصات بأقصى قدر ممكن، فنجد فيسبوك يمتلك إنستغرام وتطبيق واتس آب ونجده تارة يصارع على شراء سناب شات وتارة يصارع على منافسة الشركة ومحاولة طردها من سوق المنافسة، هذا هو هدف تلك المنصات بحسب رأيه، وهو التحكم في كل وقت المستخدم.
تبدأ برمجة مواقع التواصل الاجتماعي للمستخدم من خلال استغلال احتياجه للاهتمام والسعادة في حياته
حينما يتناول المرء جرعة مخدر أو يدخن سيجارة فإن استجابة إفراز الدوبامين، الهرمون المقترن بالسعادة، تقل، ولا تبقى فعالة بنفس المستوى الذي يبدأ فيه المرء سلوكه الإدماني، وعليه يشعر الفرد بالحاجة إلى زيادة واستمرارية تلك الجرعة لكي يشعر بنفس المستوى من الدوبامين أو السعادة التي شعر بها في البداية، وبتطبيق ذلك على منصات التواصل الاجتماعي لا نجدها شديدة الاختلاف.
إذا شعر المرء بالسعادة بعدما أشعره فيسبوك أن هناك ثلاثين شخصًا أعجبوا بمنشوره الحديث، فبالتأكيد بعد تكرار هذا الفعل عدة مرات لن يشعر المستخدم بنفس مقدار السعادة الذي شعر به في البداية، وبالتالي سيحتاج أن يزيد من الجرعة، أي يزيد من مقدار الاهتمام الذي يحصل عليه من منصات التواصل الاجتماعي ومن هنا تبدأ برمجة مواقع التواصل للمستخدمين.
لا تنطبق تلك النظرية على المستخدمين للمنصات بشكل طبيعي ولهذا لا يظهر عليهم تأثير منصات مواقع التواصل الاجتماعي طويل الأمد الذي نراه على بعض المستخدمين الآخرين، الذي قد يؤدي بهم إلى الاكتئاب، الانزعاج السريع والقنوط والجزع بشكل مستمر واليأس من الحياة، والإثارة المستمرة للانفعال بشكل غير طبيعي وغير متوازن كما هي حالة من أدمن المخدر أو المشروب أو التدخين.
لقد أكد كل من تشاماس باليهابيتايا المدير السابق في فيسبوك ومعه زميله شون باركر أن منصات التواصل الاجتماعي تستغل ضعف الإنسان واحتياجه للاهتمام والسعادة وتقوم ببناء برمجيات شديدة التطور للتحكم في سلوكياته وأفعاله وسرقة معلوماته من دون وعي منه، كل ذلك يعود على علاقتهم الإنسانية بالسلب على أرض الواقع.