كان أهالي قرية الروضة الواقعة في مركز بئر العبد بشمال سيناء، مضطرون للانتقال مع ذويهم إلى مستشفيات أخرى خارج المحافظة، بعد المذبحة التي نفذها مجهولون بمسجد القرية في أثناء صلاة الجمعة.
رغم أن مستشفى بئر العبد القريب من قرية الروضة، يقع في نطاق آمن نسبيًا وبعيدًا عن الاشتباكات الدائرة في رفح والشيخ زويد والعريش، فإن الاستعداد لاستقبال الحالات المصابة كان ضعيفًا.
يتكرر هذا الأمر مع كل حادث يتعرض له أهالي المحافظة، وهو ما حدث أيضًا عند استهداف تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” للمسيحين المقيمين في العريش، ويعتبر عدم استعداد مستشفيات محافظة شمال سيناء، السبب الرئيسي لتحويل المصابين أو المرضى لمستشفيات في محافظات أخرى.
تناولت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية هذه المشكلة، في التقرير الذي أصدرته الشهر الماضي بعنوان: “الحق في الصحة في شمال سيناء.. إخفاقات وحلول على لسان أهلها”.
ضعف الإمكانات المتاحة
في ذلك اليوم، استقبل مستشفى بئر العبد عشرات المصابين والجثث في وقت واحد، ولم تكن المستلزمات الطبية تكفي لاستقبال ربع هذا العدد حسب ما قالت مصادر طبية للعربي الجديد، ونفت هذه المصادر أن تكون الأعداد الكبيرة للمصابين السبب، بل إن نقص الأسرة والمستلزمات الطبية سيُحدِث نفس المشكلة، لو كانت الحالات القادمة للمستشفى ناتجة عن حادث سير.
حسب تقرير المبادرة المصرية فإن جميع الوحدات الصحية في الشيخ زويد، تم إخلاؤها بسبب الاشتباكات، ولا يوجد أي طبيب أو ممرضة يمكنه العمل في هذه الظروف
اضطر الأهالي لدخول مستشفى تحت التجهيز في نفس المكان لإحضار الأسرّة للمصابين النائمين على الأرض، كما توفي نحو 20 مصابًا بسبب عدم وجود أكياس نقل الدم، رغم كثرة المتبرعين الموجودين في المستشفى.
الظروف الأمنية ليست السبب دائمًا
توجد 7 مستشفيات في شمال سيناء، منها ما هو مغلق مثل مستشفيات الشيخ زويد ورمانة، ورغم التأكيدات على وجود أجهزة طبية متقدمة في بعض مستشفيات المحافظة، فإنها لا تستخدم، فيقول أحد الأطباء في تقرير المبادرة المصرية: “مستشفى رفح كان فيها جهاز أشعة مقطعية متقدم ماشفتوش قبل كده في أي حتة، بس مفيش حد يشغله أو يقرأ نتايجه بعد كده، مستشفى رفح لا ترقى لأن تعمل كوحدة صحية”.
يشتكي الأطباء الذين عملوا في شمال سيناء من ظروف العمل هناك، حيث تخلو من أي توجيه أو إشراف من أطباء أكبر، ويعمل هناك أطباءً من الخريجين الجدد الذين يحتكون بالمرضى لأول مرة.
يقول أحد الأطباء للمبادرة المصرية: “أقف وحيدًا أعالج حالات معقدة من دون توجيه أو متابعة من أي طبيب يمكن أن يعلمني، إما يفلح الأمر مع المريض أو لا يفلح، لم أتعلم في الكلية أو فترة الامتياز، وأقف الآن في وسط الصحراء أجرب في الناس”.
يضيف أحد السكان أن وحدات صحة الأسرة بها تجهيزات أفضل من مثيلتها في دمياط، لكنها مهجورة، ولا يمر من أمامها طبيب منذ سنين، ورغم عدم انتظام الأطباء في الحضور وعدم تدربهم، فقد كانت تقدم خدمة هائلة، ولم نكن نحتاج إلى الذهاب للمستشفى، لكن الآن الخدمة معدومة.
منذ عام 2013، كان الجيش المصري هدفًا لهجمات المسلحين المنتمين لجماعات إسلامية متشددة
هذا الوضع ليس وليد الظروف الحاليّة، حيث ذكر طبيب لفريق المبادرة أنه استلم تكليفه في وحدة صحية في شمال سيناء عام 2011، لدرجة أنه كان موجودًا هناك على الورق فقط، وقضى فعليًا 20 يومًا هناك، من مدة التكليف التي تبلغ أكثر من 3 سنوات، وكان نفس الوضع سببًا في تقديم طبيب آخر استقالته بعد شهر ونصف من العمل كطبيب مكلف في شمال سيناء في هذه الظروف الطبية.
الافتقار لمقومات الحياة الأساسية كان سببًا آخر لعدم إقامة الأطباء هناك، حتى قبل وجود أحداث عنف، يعتقد الأطباء أنهم لا يمكنهم الوصول إلى شبكة الإنترنت التي تساهم نوعًا ما في تسهيل حصولهم على المعلومات الطبية في ظل نقص التدريب، بينما يعتقد آخر أنه لو مرض، لن يجد لنفسه علاجًا.
الشيخ زويد بلا وحدات صحية أو مستشفى
قبل حادث الروضة بعام، كانت قوات الجيش تقيم كمينًا مسلحًا فوق سطح مستشفى الشيخ زويد، وهو ما أدى إلى توقف عمل المستشفى التي كانت تعمل ليل نهار، وتم الاكتفاء بالفترة الصباحية فقط.
حسب تقرير المبادرة المصرية فإن جميع الوحدات الصحية في الشيخ زويد، تم إخلاؤها بسبب الاشتباكات، ولا يوجد أي طبيب أو ممرضة يمكنه العمل في هذه الظروف.
يقول أحد سكان قرى الشيخ زويد في تقرير المبادرة: “مستشفى الشيخ زويد بقالها سنتين لم تستقبل حالة واحدة في أقسامها الداخلية، ده عشان الظروف الأمنية وعدم تجهيزها”، ويضيف أحد السكان هناك أن قرى المدينة انعدمت منها التطعيمات تمامًا، ولا يوجد بها سوى مكان واحد وهو الإدارة الصحية في الشيخ زويد.
تتوافق هذه الشهادات مع ما قال أحد الأطباء لصحيفة البديل، حيث أكد أن الوحدات الصحية تعرضت للقصف من الأباتشي والطائرات الحربية، إما عن طريق الخطأ أو للاشتباه بوجود عناصر من جماعات تكفيرية فيها، وآخر وحدة صحية متبقية كانت في قرية العكور، وتعرضت للقصف في ذكرى تحرير سيناء عام 2016، وبذلك دمرت كل الوحدات الصحية بالمدينة.
يعتبر الأهالي أن القصور الموجود في الخدمة الصحية ليس نتيجة الأحداث الحاليّة فقط، بل من التهميش أيضًا
المحافظة في “حرب”
منذ عام 2013، كان الجيش المصري هدفًا لهجمات المسلحين المنتمين لجماعات إسلامية متشددة، تتبنى منهجًا يكفر قوات الجيش، سواء كانوا قيادات أو مجندين إجباريًا، وتشن القوات المسلحة عمليات ضد هذه الجماعات منذ ذلك الحين، ومنذ أكتوبر 2014 فرضت حالة الطوارئ في المحافظة، وتجدد كل 3 شهور، مع فرض حظر تجول تتغير مدته ومواعيده حسب هدوء الأوضاع واشتعالها.
في العادة كانت هجمات الجماعات المسلحة تستهدف الجيش والمتعاونين معه من المدنيين، إلا أنها اتجهت مؤخرًا لاستهداف مدنيين: مسلمين من أتباع الطرق الصوفية، ومسيحيين، وسائقي سيارات تنقل أسمنت وبضائع لصالح شركات مملوكة للجيش.
علاوة على ضرورة توفير الرعاية الصحية للمقيمين في المحافظة بشكل عام، القضاء على سياسة التهميش المستمرة طيلة العقود الماضية، فإن دخول المدنيين في الدائرة المستهدفة من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، ووقوعهم كضحايا بالخطأ على إثر اشتباكات بين الجيش والتنظيم، يستلزم السعي لتأمينهم أولاً، ثم العمل على الارتقاء بالقطاع الصحي للحفاظ على حياة المصابين منهم.
بينما يؤكد اللواء عبد الفتاح حرحور محافظ شمال سيناء في حديثه مع جريدة البديل أن هناك بروتوكولاً بين مستشفى العريش وهيئة قناة السويس لتوفير متخصصين للمستشفيات، ويطالب الأهالي بالتحمل والامتثال لأوامر قوات الأمن حتى تنتهي حالة الحرب، يعتبر الأهالي أن القصور الموجود في الخدمة الصحية ليس نتيجة الأحداث الحاليّة فقط، وهو ما يقوله أحد سكان المحافظة لفريق المبادرة المصرية: “واللِه يا أستاذ، إحنا كلنا حاليًا بنحصد ثمار أكثر من 35 سنة تهميش مستمر لسيناء وأهلها”.