“لا أريد أن أعرف هوية الجيران، لأنه إن كان جارك إيراني أو لبناني من حزب الله، فلن تستطيع حينها إخراج فكرة أنك ستكون هدفًا للغارات الإسرائيلية من رأسك”.. هكذا عبّر رامي، أحد سكان حي كفر سوسة السكني وسط دمشق، عن مخاوفه ومخاوف المدنيين في العاصمة السورية دمشق، في ظلّ زيادة الاحتلال الإسرائيلي للضربات الجوية التي تستهدف قادات من إيران و”حزب الله”، والتي غالبًا ما تتسبّب في خسائر بين المدنيين الذي يقطنون المناطق المجاورة للنقاط المستهدفة.
يتابع رامي الذي طلب عدم ذكر اسمه الكامل: “المشكلة لا يمكنك التعرّف إلى جنسية وخلفية كل سكان الحي الذي تقطنه، بسبب كثرة المستأجرين والوجوه الغريبة”، “أن يسكن بجوارك قائد إيراني أو لبناني يعني أنك عرضة للاستهداف الإسرائيلي، أو على الأقل أنت تسكن في منطقة عالية الخطورة”.
وبنبرة الفاقد للحيلة قال: “لا نستطيع إبلاغ الشرطة عن ذلك لأنه يُعد “خيانة”، وفي الوقت ذاته لا أستطيع الانتقال إلى منزل آخر لأن الإيجارات مرتفعة ولأسباب كثيرة، والأهم أن الإيرانيين وعناصر “حزب الله” في كل مكان بدمشق، خاصة في الفترة الأخيرة”.
ويعمد قادة من الحرس الثوري الإيراني وقادة ميدانيون من “حزب الله” اللبناني، إلى الإقامة في المدن السورية بين السكان في مناطق مأهولة وراقية للتواري بينهم، وبعد عدة ضربات إسرائيلية استهدفت قادة بارزين في التنظيمَين، في دمشق وحمص وحلب وبانياس، بات السكان السوريون مرعوبين من فكرة أن يجاورهم أشخاص من إيران أو لبنان، والذين يغلب أنهم على ارتباط بأعمال عسكرية وإن قدّموا أنفسهم للأهالي وأصحاب العقارات التي يستأجرونها على أنهم عمال أو موظفون مدنيون.
ورغم الأنباء عن تقليص طهران لوجودها العسكري في سوريا، بعد الضربات الإسرائيلية التي استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق، لا سيما مواقعهم في جنوب سوريا (محافظات دمشق ودرعا والقنيطرة)، وتسليم معظمها لـ”حزب الله” ومليشيات إيرانية ولائية، فإنّ هذا ينطبق على المليشيات والثكنات والمجموعات المسلحة، ولا ينطبق بالضرورة على القادة العملياتيين الذي يغلب أنهم غيروا أماكن سكنهم من أحياء إلى أحياء أخرى جديدة في نفس المدن التي يتواجدون فيها، مع بعض الإجراءات التي تضمن أمانهم وسرية هوياتهم.
عامل ضغط على السكان
وقبل العدوان على غزة، كانت الضربات الإسرائيلية في سوريا تستهدف الثكنات وشحنات الأسلحة والمطارات البعيدة نسبيًّا عن المناطق المأهولة، لكن مع تغيّر شكل التصعيد بين الاحتلال وإيران، باتت تركز على استهداف القيادات الميدانية في أماكن سكنهم واجتماعاتهم، لتقترب بذلك أكثر من الأحياء السكنية، وتوقع ضحايا وإصابات في صفوف المدنيين، فضلًا عن الخسائر المادية.
ويدفع كل ذلك بالمدنيين إلى الابتعاد ليس فقط عن مناطق انتشار وتموضع الميليشيات، لكن أيضًا عن أماكن سكن شخصيات إيرانية ولبنانية، كما يتوقع الباحث المختص بالشأن الإيراني مصطفى النعيمي، مؤكدًا أن “وجود قادات إيران والميليشيات التابعة لها وسط الأحياء السكنية، بات يشكّل عامل ضغط على المدنيين العزل، والسبب الرئيسي في ذلك أن الغارات الجوية باتت تستهدف أي تموضع لتلك الميليشيات وقياداتها سواء مؤقتة ودائمة”.
يفضل عناصر “حزب الله” التواجد في سوريا، لأن الحزب يريد تحييد لبنان قدر المستطاع وعدم جرّ البلاد إلى مواجهة مفتوحة مع “إسرائيل” هو غير مستعد لها
وفق النعيمي، بات أصحاب العقارات يمتنعون عن تأجير عناصر الميليشيات خشية تعرّض منازلهم للضرر، موضحًا بقوله: “في بعض الأحيان يطالب المالك إيجارًا مرتفعًا في حال كان المستأجر إيراني أو لبناني الجنسية، للاحتياط وتعويض الضرر المستقبلي في حال تعرض المبنى للاستهداف”.
يضيف لـ”نون بوست”: “الملاحظ أن الغارات باتت تستهدف العنصر البشري، بمعنى أنه يمكن أن تشنّ “إسرائيل” غارة على منطقة عبور أو انتقال عناصر إيران، ولذلك يدفع المدنيون ثمن تموضع الميليشيات”، ويدل النعيمي على ذلك بتهديد وزير دفاع الاحتلال، يوآف غالانت، بملاحقة عناصر “حزب الله” في كل مكان من لبنان وسوريا.
حيث قال غالانت: “انتقلنا من ضرب “حزب الله” إلى ملاحقته، سنصل إلى كل مكان يوجد فيه في بيروت وبعلبك وصور وصيدا والنبطية وإلى كل امتداد الجبهة، وأيضًا إلى أماكن بعيدة أكثر مثل دمشق وغيرها، سنعمل في كل مكان يتطلب منا ذلك”.
ولا يستبعد النعيمي أن يفضل “حزب الله” توزيع قادته في الجغرافيا السوري، مرجعًا ذلك إلى رغبة الحزب في تحييد لبنان قدر المستطاع وعدم جرّ البلاد إلى مواجهة مفتوحة، خاصة أن الخسارة في لبنان هي بشرية وسياسية واقتصادية، وليست محصورة بالجانب العسكري.
حسابات لبنانية تجعل سوريا “أكثر أمنًا”
لكن، أليس لبنان أكثر أمنًا لعناصر “حزب الله” من سوريا “المخترقة”، والتي يستطيع الاحتلال استهداف أي نقطة فيها؟
يردّ الصحفي محمد الشيخ من لبنان بقوله: “لا يمكن التنبؤ بتحركات “حزب الله” نحو الداخل السوري فهي تحركات يصعب الوقوف على أسبابها وطبيعتها، لأن الحدود مفتوحة أمام قادته وعناصره من لبنان إلى سوريا وبالعكس، دون تفتيش أو تدقيق عبر المعابر الرسمية أو عبر معابر غير شرعية من مناطق مثل بعلبك، وعليه فإن تنقلهم يكون شبه يومي بالاتجاهَين”.
يستدرك في حديثه لـ”نون بوست”: “لكن انتقال قادات الحزب من لبنان واستقرارهم مع عائلاتهم في دمشق ومناطق سورية أخرى يبقى أمرًا واردًا، والسبب وراء اختيار سوريا طبيعة التقسيمة الطائفية للمناطق في لبنان، إذ إن جميع مناطق وحواضن الحزب معروفة ومراقبة بشكل يومي عبر طائرات الاستطلاع الإسرائيلية التي لا تغيب عن أجوائها، خصوصًا في البقاع الغربي حيث توجد أبرز حواضنه: بعلبك والهرمل وقرى وبلدات أخرى”.
بعد الردّ الإيراني على “إسرائيل” أصبحت الضربات الإسرائيلية في سوريا أكثر حذرًا
بالتالي، حسب الشيخ، فإن استقرار القادة في مناطق لبنانية لا تشكّل حاضنة للحزب هي بمثابة مخاطرة كبيرة، ووجودهم في حواضن بعيدة عن معارك الجنوب مثل بعلبك والهرمل مخاطرة أكبر، ويضيف: “أساسًا بعد الردّ الإيراني على “إسرائيل” أصبحت الضربات الإسرائيلية في سوريا أكثر حذرًا، بدلالة أنه منذ استهداف القنصلية الإيرانية لم تُستهدف دمشق إلا مرة واحدة”.
ومنذ بدء العدوان على غزة، نال لبنان العدد الأكبر من الهجمات الإسرائيلية، ويؤكد ذلك إعلان المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، دانيال هاغاري، أن قواته هاجمت حتى نهاية شبط/ فبراير الماضي أكثر من 50 هدفًا لـ”حزب الله” في سوريا، و3 آلاف و400 هدف في لبنان منذ بدء الحرب في قطاع غزة.
وتابع هاغاري في تصريحات نقلتها وسائل إعلام، أن “إسرائيل هاجمت من الأرض والجو أكثر من 50 هدفًا من هذا النوع لحزب الله في أنحاء متفرقة من سوريا، إضافة إلى أكثر من 3 آلاف و400 ضربة مماثلة ضد أهداف للحزب في لبنان”.
وعلى الرغم من أن الضربات الإسرائيلية في لبنان لم تكن نوعية وتأتي في سياق الرد على تحرشات الحزب على الحدود، إلا أنه يمكن اعتبار أن تحركات “حزب الله” في لبنان باتت أصعب منها في سوريا، ما يعطي مصداقية للأنباء والمعطيات عن توجه قيادات من “حزب الله” للإقامة في سوريا.