دعت القمة الإسلامية الطارئة في إسطنبول دول العالم للاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة محتلة لدولة فلسطين، وذلك ردا على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس الشريف عاصمة للكيان الإسرائيلي.
القدس عاصمة لفلسطين
نصّ البيان الختامي للقمة الإسلامية المنعقدة في العاصمة التركية اسطنبول، على توجيه دعوة إلى كامل المجتمع الدولي للاعتراف بالقدس الشرقية المحتلة عاصمة لدولة فلسطين، وأكّد البيان رفض وإدانة قرار الولايات المتحدة غير القانوني بشأن القدس.
وأشار البيان إلى أنه “في حال عدم تحرك مجلس الأمن الدولي بخصوص القدس، فإننا مستعدون لطرح المسألة على الجمعية العامة للأمم المتحدة”، واعتبر البيان أن قرار الولايات المتحدة الأميركية الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي غير قانوني، ودعا إلى انسحاب أميركا من عملية السلام، معتبرا أن قرار ترامب هو إعلان بانسحاب واشنطن من دورها كراع للسلام.
وفي وقت سابق اليوم الأربعاء افتتح في العاصمة التركية إسطنبول القمة الإسلامية الطارئة لبحث قرار الرئيس الأميركي بشأن القدس، ويشارك في القمة ممثلون لـ 48 من الدول الـ 57 الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، بينهم 16 من القادة، أبرزهم الرئيس التركي طيب رجب أردوغان والإيراني حسن روحاني والأردني عبد الله الثاني.
إدانة جماعية لقرار ترامب
وتعدّ منظمة التعاون الإسلامي ثاني أكبر منظمة حكومية دولية بعد الأمم المتحدة، حيث تضم في عضويتها سبعًا وخمسين دولة موزعة على أربع قارات. وتُمثل المنظمة الصوت الجماعي للعالم الإسلامي وتسعى لحماية مصالحه والتعبير عنها دعماً للسلم والانسجام الدوليين وتعزيزاً للعلاقات بين مختلف شعوب العالم. وأُنشئت المنظمة بقرار صادر عن القمة التاريخية التي عُقدت في الرباط بالمملكة المغربية في الـ 25 من سبتمبر 1969، ردًا على جريمة إحراق المسجد الأقصى في القدس المحتلة.
وكان اعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الاربعاء الماضي اعتراف بلاده رسميا بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة واشنطن من تل أبيب إلى المدينة المحتلة، فجر موجة من الغضب العربي والإسلامي وأثار قلقا وتحذيرات دولية واسعة.
أبو مازن: لا سلام دون أن تكون القدس عاصمة لدولة فلسطين
في مستهلّ حديثه، حذر الرئيس الفلسطيني محمود عباس من أنه “لا سلام ولا استقرار” في الشرق الأوسط دون أن تكون القدس عاصمة لدولة فلسطين، وأعلن عباس في كلمته أمام القمة أن الفلسطينيين لن يلتزموا بالتفاهمات السابقة مع الأميركيين ما لم تتراجع واشنطن عن قراراتها الأخيرة، ودعا إلى إصدار قرار من مجلس الأمن بإلغاء قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لـ “إسرائيل”.
تساءل الرئيس الفلسطيني: “كيف يمكن لدول العالم السكوت على هذه الانتهاكات في حق القانون الدولي؟
ووصف عباس قرار ترامب “جريمة كبرى” و”انتهاك صارخ للقانون الدولي والاتفاقات الموقعة”، واعتبر أن القرار بمثابة “وعد بلفور ثان” ولم يمر بعد وقوف كل دول العالم ضده، مشدّدا على أن قرار ترامب هو “انتهاك صارخ للقانون الدولي” وأن الولايات المتحدة “أسقطت أهليتها في العملية السياسية.. فهي منحازة كل الانحياز لإسرائيل”، مشيرا إلى أن “قرارات ترامب لن تعطي لإسرائيل أية شرعية في القدس.“
وقال عباس “أؤكد رفضنا لهذا القرار الباطل الذي صدمتنا به الولايات المتحدة التي جاءت لنا ليس بصفقة العصر بل بصفعة العصر، لتكون قد اختارت أن تفقد أهليتها كوسيط وأننا لن نقبل أن يكون لها دور في العملية السياسية لأنها منحازة كل الانحياز لإسرائيل”، مشدداً على أنّ “القدس خط أحمر وعلينا أن نحميها“.
https://www.youtube.com/watch?v=SrUgbrHI2mk
وشدد الرئيس الفلسطيني على أنه لن يتم القبول “بدولة فلسطينية دون أن تكون القدس الشرقية عاصمة لها”، مهددا بأن الفلسطينيين قد ينسحبون من عضوية المنظمات الدولية بسبب قرار ترامب بشأن القدس، وقال في هذا الشأن “ليس بمقدورنا إبقاء التزاماتنا قائمة من جانب واحد، التزمنا ألا ننتمي لبعض المنظمات الدولية شريطة ألا تقوم واشنطن بنقل سفاراتها إلى القدس، وألا تغلق مكتب المنظمة، وألا تقطع المساعدات لكنها خرقت ذلك ونحن سنخرق ذلك. ولن نلتزم بما التزمنا به“.
وتساءل الرئيس الفلسطيني: “كيف يمكن لدول العالم السكوت على هذه الانتهاكات في حق القانون الدولي؟ وكيف يمكن استمرار اعترافها بإسرائيل وتعاملها معها؟ وهي تستخف بالجميع وتواصل مخالفة الاتفاقات الموقعة معها وتقوم بممارساتها القمعية والاستعمارية وخلق واقع الأبارتايد وانتهاك مقدساتنا المسيحية والإسلامية“.
أردوغان يدعو إلى الاعتراف بدولة فلسطين لتغيير المعادلات على الأرض
من جهته، دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في كلمته في افتتاح القمة، إلى الاعتراف بدولة فلسطين لتغيير المعادلات على الأرض، مؤكدا أن “إسرائيل دولة احتلال وإرهاب”، وأن القرار الأميركي باعتبار القدس عاصمة لـ “إسرائيل منعدم الأثر“.
وقال أردوغان إن قرار ترامب اعتبار القدس عاصمة لـ “إسرائيل” يخالف القوانين الدولية ويوجه ضربة قاسية لحضارتنا الإسلامية، وأضاف الرئيس التركي أن القرار الأميركي “يكافئ إسرائيل على أعمالها الإرهابية”، داعيا الولايات المتحدة إلى التراجع عن هذا “القرار غير القانوني والمستفز”، مشيرا إلى أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي دعمت قرار واشنطن وأن بقية دول العالم رفضته.
وأكد أردوغان “قد لا نكون بقوة الولايات المتحدة أو تكون لدينا صواريخ برؤوس نووية.. ولكننا على حق“. وأضاف “القدس خط أحمر لنا، وسنستمر في وقوفنا ضد الممارسات الإسرائيلية في القدس التي تحولت إلى ممارسات عنصرية“، مؤكّدا أنه طالما لا يوجد حل عادل للقضية الفلسطينية فلا يمكن الحديث عن السلام في العالم.
العاهل الأردني: لا بد من العمل يدا واحدة للتصدّي لمحاولات فرض واقع جديد
من جهته، دعا العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى العمل يدا واحدة لحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس والتصدي لمحاولات فرض واقع جديد، وقال الملك عبد الله في كلمته خلال القمة “لا يمكن أن تنعم منطقتنا بالسلام الشامل، إلا بحل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس حل الدولتين، وفق قرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية، ووصولا إلى قيام الدولة الفلسطينية على التراب الفلسطيني، وعاصمتها القدس الشرقية، فالقدس هي الأساس الذي لا بديل عنه لإنهاء الصراع التاريخي“.
https://www.youtube.com/watch?v=H2xqeNgbhWM
وأضاف الملك عبد الله الثاني أن “اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل قرار خطير، تهدد انعكاساته الأمن والاستقرار ويحبط الجهود لاستئناف عملية السلام“. واستدرك بالقول “لطالما حذرنا من خطورة اتخاذ قرارات أحادية تمس القدس خارج إطار حل شامل، يلبي الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق في الحرية والدولة المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية“.
وأكد الملك الأردني مواصلة دورهم “في التصدي لأي محاولة لتغيير الوضع التاريخي والقانوني القائم في المسجد الأقصى، وأنتم السند والعون للأردن في هذه المسؤولية، ولا بد لنا من العمل يدا واحدة لحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية، والتصدي لمحاولات فرض واقع جديد“.
غياب السعودية ومصر والإمارات
في الوقت الذي يحضر فيه الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، هذه القمة الإسلامية الطارئة، خيّر قادة السعودية ومصر والإمارات الغياب عن القمة، مكتفين بتمثيل ضعيف، فقد ترأس وفد مصر وزير الخارجية سامح شكري، وترأس وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد في السعودية صالح آل الشيخ وفد المملكة، بينما مثّل دولة الإمارات العربية المتحدة نائب وزير الخارجية.
بالتزامن مع غيابهم عن قمّة اسطنبول من أجل القدس، يشارك وزيري خارجي السعودية والإمارات في القمة التي تستضيفها باريس اليوم الأربعاء، لبحث سبل تشكيل قوة عسكرية في منطقة الساحل والصحراء لقتال المسلحين في تلك الإفريقية.
يرجع عديد المراقبين، قرار ترامب الأخير إلى تخاذل السعودية ومصر والإمارات
إلى جانب ذلك، تجاهل الإعلام السعودي والإماراتي، تغطية القمة الإسلامية، حيث انشغلت قناة “العربية” بتغطية أخبار البورصة وأسواق المال والاقتصاد بدلا من بث الجلسة الافتتاحية للقمة الاسلامية، أما قناة “سكاي نيوز عربية” المملوكة لحكومة أبوظبي فكانت مشغولة هي الأخرى ببرنامج اقتصادي يتضمن أخبار الأسهم والبورصة. وغابت أي معلومات في جميع وسائل الإعلام السعودية عن مشاركة وفد سعودي في القمة من عدمه، أو مستوى التمثيل الذي يشارك في القمة الإسلامية في تركيا.
تجاهل سعودي لقمة اسطنبول
ويثير غياب قادة السعودية والإمارات ومصر والتمثيل الضعيف لهذه الدول في القمة الإسلامية، تساؤلات كبيرة، حول جدية هذه الدول في نصرة القدس، ومدى التزامها بدعم أهم قضية إسلامية وعربية، وهي القضية الفلسطينية.وكانت القناة الإسرائيلية العاشرة، قالت إن الفلسطينيين يدفعون ثمن التغييرات الكبرى التي تمر بها المنطقة العربية، مؤكدة أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرر الاعتراف بالقدس عاصمة لـ “إسرائيل”، بعد حصوله على ضوء أخضر من مصر والسعودية.
ويرجع عديد المراقبين، قرار ترامب الأخير إلى تخاذل السعودية ومصر والإمارات، وأن تمادي ترامب وإصراره على هذا القرار سببه لهاث المملكة العربية السعودية في ظل الإدارة الجديدة نحو التطبيع مع الاحتلال الصهيوني. وفي وقت سابق طلب قادة هذه الدول من الرئيس الفلسطيني محمود عباس إبداء دعمه لجهود السلام التي تبذلها الإدارة الأمريكية. ويرى مراقبون، أنه لو كانت السعودية والإمارات، مشغولين بقضية القدس لاستخدموا وضعهم المميز كحليف بارز للرئيس الامريكي دونالد ترامب وضغطوا عليه للامتناع عن نقل سفارة بلاده بـ “إسرائيل” إلى القدس الشريف.
تمثيل ضعيف
بينما شارك في القمة الإسلامية العربية التي عقد في العاصمة السعودية الرياض إلى جانب ترامب، في يونيو الماضي، 55 قائد دولة عربية وإسلامية من بنهم 36 قائد على مستوى ملك ورئيس، وخمسة رؤساء حكومات وولاة عهد و11 وزيرا ممثلا، لم يشارك في قمة اسطنبول لمنظمة التعاون الإسلامية سوى 48 دولة من أصل 57 دولة هي عضو في المنظمة، ليس بينهم سوى 16 رئيسا.
واللافت للذكر عدم حضور الملك المغربي محمد السادس، رئيس لجنة القدس في منظمة التعاون الإسلامي، فضلا عن غياب الملك البحريني حمد بن عيسى آل خليفة، الرئيس العراقي، فؤاد معصوم، كما اقتصر تمثيل معظم الدول الأفريقية التي حضرت قمة الرياض على مستوى قادة الدول، إلى تمثيل يكاد يكون بعضها رمزيا على مستوى وزراء أو سفراء.