“لا تنتظر أن يختفي الخوف من حياتك لأن ذلك لن يحدث، عليك أن تعتاد عليه، افعل ما يخفيك، لأنك لن تعرف أبدًا إلى أين سيقودك هذا الشعور”. هذه كانت كلمات الفنانة الفوتوغرافية اليمنية بشرى المتوكل في نهاية حديثها في المنصة الشهيرة “تيدكس” صنعاء ما قبل الخراب، عام 2013.
لفتت المتوكل اهتمام وسائل الإعلام بعد أن انتشرت صور من أعمالها على منصات التواصل الاجتماعي، ولاقت ردة فعل صاخبة بسبب اختيارها لموضوع ديني بحت مثل الحجاب والنقاب وعرضه في أعمالها الفوتوغرافية بطريقة جريئة، ولم يكن اختيار هذا الموضوع بالذات هو نقطة الخلاف، بل عكس المتوكل للأدوار بين المرأة التي تكشف عن وجهها وشعرها، والرجل الذي يظهر مرتديًا النقاب، ما جعل المتوكل وأعمالها محطًا للانتقادات والتساؤلات التي تقول ما المقصود من هذه الفكرة غير المألوفة؟
رائدة التصوير الفوتوغرافي في اليمن
ولدت بشرى المتوكل في صنعاء عام 1969، ودرست في الولايات المتحدة واليمن، وحصلت على البكالوريس في علوم الإدارة من الجامعة الأمريكية في واشنطن، ومن ثم بدأت بالاهتمام بالتصوير حتى عملت كمصورة صحفية في جامعتها.
وعندما عادت إلى اليمن عام 1994 عملت كمستشارة تعليم، لكنها استمرت في ممارسة التصوير عبر المشاركة بالعديد من المعارض المحلية، كما أنها انضمت إلى مؤسسة “الحلقة” في صنعاء وهي جماعة فنية سمحت لها بالتعرف على فنانيين عالميين.
أما في عام 1998، عملت المتوكل كمصورة بشكل أساسي وبدوام كامل مع العديد من المنظمات الدولية مثل منظمة كير وسفارة مملكة هولندا والقنصلية البريطانية، وبعد عام من التعامل مع مختلف المؤسسات، كرم مركز دراسات المرأة في جامعة صنعاء المتوكل كأول مصورة يمينية.
منذ عام 2005 عملت في وزارة حقوق الإنسان في صنعاء، وخلال عملها في هذا المركز بدأت بالتركيز على قضايا المرأة حتى نجحت في توظيف التصوير للتعبير عن مواقف ورسائل المرأة العربية بشكل عام واليمنية بشكل خصوصي
لم تكتف المتوكل بهذه الأعمال، فتوجهت إلى مدينة أتلاتنا في الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن حصلت على منحة لدراسة الدبلوم في التصوير الإعلامي في مركز “بورتفيليو”، وبعد أن أكملت دراستها فازت بالمركز الأول لجائزة “ماك” كطالبة تصوير من بين العديد من المشتركين، ونشرت أعمالها في العديد من المجالات العالمية مثل “سي إم واي كيه” و”غرافيس” للمواهب الجديدة في التصميم و”يمن تايمز” و”يمن أوبزرفر” و”فوتو”، إضافة إلى العديد من المدونات المهتمة بالتصوير مثل “500 مصور”.
ومن أبرز إنجازاتها المهنية هو عملها كمستشارة في الشؤون الثقافية للسفارة اليمنية في واشنطن لمدة عامين، ومنذ عام 2005 عملت في وزارة حقوق الإنسان في صنعاء، وخلال عملها في هذا المركز بدأت بالتركيز على قضايا المرأة حتى نجحت في توظيف التصوير للتعبير عن مواقف ورسائل المرأة العربية بشكل عام واليمنية بشكل خصوصي.
لماذا صورت المتوكل حجاب المرأة و”نقاب الرجل”؟
تحدثت المتوكل عبر منصة تيدكس عن مسيرتها المهنية وتجاربها الشخصية والمواقف التي تحدت فيها خوفها لتحقيق طموحها بعد صراعات نفسية داخلية وطويلة التي بدأت منذ أن قررت الزواج بشخص لا يلائم شروط عائلتها ومرورًا باستقالتها من مكان عملها وتفرغها بالكامل للتصوير (المهنة التي تعامل معها الأغلبية على أنها موهبة مؤقتة وليس أكثر، وهذا ما كان يشحن غضبها وإصرارها على الاحتراف بهذا المجال).
هذا وأشارت إلى المفاهيم الاجتماعية السائدة في الدولة الأوروبية والمجتمعات العربية ورصدت المعارضات التي واجهتها خلال نقاط التحول في حياتها، والمتعلقة بأعمالها الفنية مثل: سلسلة صور أم – طفلة – دمية، وماذا لو، وانفعالات العيون التي تعبر عن الذات الحقيقية الباحثة عن الهوية.
تعمدت المتوكل أن تظهر جمال الحجاب وأنواعه المختلفة في اليمن وكيف أنه آية في الجمال والتفرد والألوان، مقارنة مع الحجاب الأسود الذي استوردته اليمن من الخارج
في البداية، لم تتمكن المتوكل من إيجاد امرأة للمشاركة بهذا المشروع لرفض معظم النساء فكرة تصويرهن ونشر وعرض صورهن في المعاهد والمعارض، إلى جانب معارضتهن أو خوفهن من فكرة الموضوع التي تعتبر مثيرة للجدل، لذلك قررت أن تكون هي الصورة.
وكان هدفها تسليط الضوء على الفروق الثقافية بشأن الملابس ما بين الاعتدال والتشدد، والرفض والقبول الثقافي، وتعمدت المتوكل أن تظهر جمال الحجاب وأنواعه المختلفة في اليمن وكيف أنه آية في الجمال والتفرد والألوان، مقارنة مع الحجاب الأسود الذي استوردته اليمن من الخارج، على حد قولها.
ونتيجة لأحداث 11 من سبتمبر في أمريكا وإقامة المتوكل في هذا البلد الذي بدأ بمحاربة المظاهر الإسلامية بشكل صريح، أطلقت المتوكل صورًا أخذت منحى سياسي، مثل صورة الفتاة المرتدية للعلم الأمريكي كغطاء للرأس، وبحسب قولها فإنها كانت “ردة فعل على المعاملة السيئة التي تعرض لها العرب والمسلمون بعد الاعتداءات الرهيبة”.
وفي مجموعة أخرى من أعمالها حاولت المتوكل أن توضح للعالم الغربي أن ارتداء الحجاب هو اختيار الكثير من النساء العربيات بناءً على رغبة شخصية مرتبطة بالثقافة وتعاليم الدين الإسلامي على حد سواء، رافضة حصر المرأة في قوالب اجتماعية وثقافية بناءً على مظهرها الخارجي أو هويتها الدينية.
الحجاب سلطة مضادة في عالم تخضع فيه النساء لديكتاتورية وسلطة الجمال والعراء المبالغ فيه، فتقول: “يمارس على النساء في الغرب ضغط كبير حتى يظهرن دائمًا شابات وجميلات ونحيفات، وهي صناعة بملايين الدولارات تساهم في إدخال التوتر إلى حياتهن”
كما أنها عارضت كل الأفكار النمطية التي يمتلكها الغرب عن هذا المظهر الديني والمواقف المتشددة والمتطرفة التي تتبناها بعض المجتمعات في الدولة العربية بناءً على مبررات دينية قائلة: إذا كان للمرأة حق التعري فلماذا ليس لها الحق في التحجب؟ إضافة إلى أنها تجادل النظرة التقليدية التي تعامل المرأة على أنها غرض أو شيء.
هذا وتشير إلى أن الحجاب سلطة مضادة في عالم تخضع فيه النساء لديكتاتورية وسلطة الجمال والعراء المبالغ فيه، فتقول: “يمارس على النساء في الغرب ضغط كبير حتى يظهرن دائمًا شابات وجميلات ونحيفات، وهي صناعة بملايين الدولارات تساهم في إدخال التوتر إلى حياتهن”، وتتساءل “أليس هذا أحد أشكال القمع باسم الحرية”؟ وتتابع “النساء اللواتي يرتدين الحجاب أو النقاب هم نفس النساء اللواتي يرتدين ماكياج، بمعنى أنهم جميعًا يخبئون هوياتهم الحقيقية”
ردة فعل الجمهور
تقول المتوكل أن تنفيذ هذه السلسلة التي تعرض الحجاب فيها، احتاج الكثير من الشجاعة للتغلب على الهواجس التي ملأت رأسها بخصوص ردة فعل المجتمع الذي فيه أناس يتبنون آراءً متطرفة، أو العائلة المحافظة التي قد تعارض هذا العمل بكل حدية وصرامة.
جاءت ردة الفعل كما كان في الحسبان، إذ تقول المتوكل: “اتهموني بأنني معادية للدين، وبعض الرجال شعروا بالإهانة، لكنني لم أكن أقصد إهانتهم ولا إهانة الدين، فهذه أعمال فنية لا أكثر”، وتضيف “لقد كانت رسالتي قوية دون أن أتجاوز حدودي”.
وبالنسبة إلى أم – طفلة – دمية فهي تظهر جانبًا من الواقع التي تتعرض له المرأة اليمنية عندما تجبر المرأة على ارتداء الحجاب أو النقاب، داخل صور هذه السلسلة تظهر الأم مع ابنتها ودمية، إذ ترتدي الأم الحجاب بألوانه الزاهية وبشكل تدريجي يسيطر الغطاء الأسود أكثر فأكثر عليهن حتى يختفي الفرق بينهن وبين الجدار الأسود من خلفهن، وفي آخر صورة لا يبقى أي أثر لهن داخل الإطار، موضحة كيف يمكن للمرأة أن تتلاشى في الظلام، خطوة خطوة، تحت ضغط العادات والتقاليد والنقاب.
المتوكل: “توجد أشكال قمع أكبر من الحجاب، على غرار أن تحرم المرأة من التعليم، وأن تتزوج غصبًا عنها، وأن ينزع منها أبناؤها، وألا تملك أي حقوق قانونية”
وبهذا الخصوص أوضحت المتوكل رأيها قائلة: “في بعض الأحيان، لا أفهم ما تقوله النساء اللاتي يرتدين النقاب فالكل متشابهات وحين أخاطب إحداهن لا أتعرف على هويتها”.
وبالنسبة إلى صورة “ماذا لو” فهو العمل الأكثر إثارة للجدل، وفيه صورت الرجل مرتديًا النقاب بدلًا من المرأة، تقول المتوكل: “أكثر ما أدهشني أن الكثير من النساء اليمنيات اللاتي يرتدين النقاب جئن إليّ قائلات: “أحببنا هذا العمل لأنه يظهر للرجال شعور من ترتدي النقاب”، وبالمقابل لم يستطع الطرف الآخر إدراك الدعابة خلف هذه الصورة”.
هذا وتشير إلى أن ملابس الرجال التقليدية تشبه إلى حد كبير الملابس النسائية الطويلة، والفضفاضة، والتي غالبًا ما تكون مع غطاء الرأس، إلا أن التركيز في وسائل الإعلام الغربية هو دائمًا على الطريقة التي يرتديها النساء لذلك أردات أن تتحدى المألوف وتعكس الأدوار.
وتضيف أنه “رغم التحسن الواضح خلال العشرين سنة الماضية، تظل أغلب النساء محدودات المستوى التعليمي وعرضة للتمييز”، وتكمل “توجد أشكال قمع أكبر من الحجاب، على غرار أن تحرم المرأة من التعليم، وأن تتزوج غصبًا عنها، وأن ينزع منها أبناؤها، وألا تملك أي حقوق قانونية”.
“انفعالات العيون” للمتوكل
وتتمنى المتوكل في النهاية ألا ترضى المرأة بهذا الوضع الحاليّ، لأنها هي الوحيدة التي تقرر ماذا وكيف تكون، إضافة إلى دعوتها العالم لعدم الحكم على المظهر الخارجي والتعرف على الثقافة العربية لأنها تمامًا عكس ما يتصورون.