ترجمة وتحرير: نون بوست
شنت قوات التحالف بقيادة السعودية هجوما جديدا على الميناء الرئيسي في اليمن، رغم تنامي المخاوف بشأن إمدادات الغذاء إلى البلد الذي يعاني من المجاعة. من جهتها، أفادت دول التحالف الخليجي المدعومة من قبل الغرب بأنها تحركت بسرعة بعد التمكن من حث القوات الموالية للرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، على الانشقاق. وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس السابق كان في حالة صراع مستمر مع قوات التحالف، لكن تم اغتياله الأسبوع الفارط في تبادل لإطلاق النار بعد انقلابه على حلفائه من الثوار الحوثيين.
في الواقع، يمثل التحرك والهجوم من أجل الإطاحة بالموالين لصالح داخل اليمن أول نجاح لمجهودات التحالف من أجل تطهير البلاد من الثوار المدعومين من طرف إيران منذ مقتل الطاغية علي عبد الله صالح. وفي الوقت الراهن، تسعى المملكة العربية السعودية باستماتة من أجل زيادة عتادها العسكري بهدف الإطاحة بالحوثيين وإقناع زعماء القبائل اليمنية الكبرى بدعم التحالف الخليجي وتنصيب قائدهم الخاص.
إلى جانب ذلك، تتقدم قوات التحالف مدعومة بالدبابات الإماراتية متجهة نحو ميناء الحديدة جنوب غربي العاصمة اليمنية صنعاء. فميناء الحديدة هو الوسيلة الرئيسية لإيصال المساعدات والطعام إلى داخل اليمن، ويعتبر حصاره بصفة جزئية من قبل قوات التحالف سببا رئيسيا في استفحال المجاعة التي باتت تهدد ملايين الأشخاص.
تسبب الحصار الجزئي لميناء الحديدة والمطارات اليمنية في مجاعة جماعية وراء خطوط الحوثيين وفي المناطق التي يطوقونها على غرار مدينة تعز
في هذا الصدد، قال القائد الإماراتي لقوات التحالف، العميد الركن عبد السلام الشحي، في تصريح نقلته وكالة أنباء الإمارات إن “التحالف الذي تقوده السعودية يصر على تحرير الأراضي اليمنية من سطوة ميليشيات الحوثيين المدعومين من قبل إيران”. بالإضافة إلى ذلك، ادعى العميد الركن أن دفاعات الحوثيين في ميناء الحديدة جنوبي اليمن على وشك الانهيار، وأنه قد تم قتل واعتقال المئات من الحوثيين.
في الحقيقة، تحول الصراع اليمني إلى ما يشبه المستنقع، حيث انشغل كل من الثوار اليمنيين بقيادة الحوثيين وقوات التحالف الخليجي بمشاكلهم الداخلية. لذلك، لم تكن هناك أي تحركات على الساحة اليمنية لسنة كاملة حتى جدت أحداث الأسبوع الفارط.
في الوقت الراهن، تسبب الحصار الجزئي لميناء الحديدة والمطارات اليمنية في مجاعة جماعية وراء خطوط الحوثيين وفي المناطق التي يطوقونها على غرار مدينة تعز. وحسب تقديرات الولايات المتحدة، يوجد قرابة 22 مليون شخص في حاجة للمساعدات الطبية مع سبعة ملايين شخص مهددين بالمجاعة، بينما يشكل تفشي داء الكوليرا تهديدا لأكثر من مليون شخص في اليمن.
أفراد مسلحون من القوات اليمنية المدعومة من السعودية يقودون سيارة دورية بعد استيلائهم عليها من المتمردين الحوثيين
خلافا للمتوقع، تسببت المحادثات المطولة التي قام بها علي عبد الله صالح مع الإماراتيين في اندلاع الاشتباكات بينه وبين الثوار الحوثيين المدعومين من طرف إيران. والجدير بالذكر أن صالح انضم إلى الحوثيين خلال سنة 2014 بعد أن تمت الإطاحة به في ثورة الربيع العربي. لكن، يبدو أن مناورة علي عبد الله صالح ليحظى بدعم قوات التحالف مقابل خيانته للحوثيين لاقت فشلا ذريعا كانت لها نتائج عكسية.
على خلفية ذلك، فشلت المجموعات القبلية المتمركزة حول صنعاء ووحدات من الحرس الجمهوري اليمني، وقوات الجيش الخاصة بحراسة الرئيس اليمني سابقا، في دعم علي عبد الله صالح خاصة وأن خسارته أصبحت محتومة. وبموجب ذلك، تعرض الرئيس اليمني السابق إلى القتل عندما كان يحاول الفرار.
على الرغم من أن عدد المتمردين الحوثيين لا يتعدى بضعة آلاف، إلا أنهم تمكنوا من كسب تأييد المجموعات القبلية الشمالية
في ظل هذا الوضع، دعت الحملات، التي لطالما انتقدت سياسة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بسبب قصفها لمناطق مأهولة من قبل المدنيين في اليمن وحرمان المواطنين من الغذاء، إلى استئناف العمل على تحقيق السلام في المنطقة. في المقابل، أفاد مسؤولون سعوديون بأن هناك أدلة تؤكد منح الحوثيين تسهيلات لصالح النظام، لكن يبدو أن المملكة العربية السعودية قد قررت الاستفادة من توتر العلاقات بين الحوثيين وعلي عبد الله صالح. وبخصوص التقدم نحو ميناء الحديدة، صرح آدم بارون عن مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، “يبدو أنهم عازمون على تحرير الميناء”.
في وقت مبكر من هذا العام، أراد الإماراتيون مهاجمة صنعاء لكن تعليمات الولايات المتحدة الأمريكية، مساندها الإستراتيجي الذي أقر بأن خسارة الأرواح والتسبب في أضرار لطرق الإمدادات خطوة لا مبرر لها، حالت دون تنفيذ الهجوم. من جهة أخرى، إذا تمكنت قوات التحالف من احتواء ميليشيات الحوثيين دون إحداث أضرار أخرى بالبنية المدينة التحتية، سيتمكن التحالف من تضييق الخناق على الحوثيين وإجبارهم على التحرك شمالا.
حيال هذا الشأن، أورد السيد بارون “لقد بدر إلى مسامعنا أن الحرس الجمهوري أصبح مواليا للإمارات ويقوم بمساعدتها الآن”. وبناء على ذلك، يبدو أن هذا هو ما يحصل فعلا إذ ادعت الإمارات أن الآلاف من قوات الحرس الجمهوري تعمل الآن جنبا إلى جنب معها.
خارطة توزيع النفوذ في اليمن
على أرض الواقع، هناك ما يقارب عشرة آلاف من القوات التي تقاتل خارج التحالف، من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والسودان ودول الخليج الأخرى التي توجد في اليمن. وهم يقاتلون جنبا إلى جنب مع الجماعات الانفصالية في الجنوب، التي تعرف باسم المقاومة الجنوبية، فضلا عن المقاتلين القبليين الموالين للرئيس هادي، الذي حل محل صالح. وهم مدعومون من قبل أعضاء من “حزب التجمع اليمني للإصلاح”، الفرع اليمني للإخوان المسلمين، على الرغم من أن هذا الحزب يعارض بشدة الحرس الجمهوري وحزب علي عبد الله صالح الذي أسس المؤتمر الشعبي العام، ومن غير المرجح أن ينضم إلى الائتلاف.
على الرغم من أن عدد المتمردين الحوثيين لا يتعدى بضعة آلاف، إلا أنهم تمكنوا من كسب تأييد المجموعات القبلية الشمالية. وفي حين يشتكي سكان صنعاء من أن الحوثيين يفرضون قبضتهم المخيفة على المنطقة، ويعتقلون النشطاء السياسيين والصحفيين، ويحولون الإمدادات الغذائية حسب رغباتهم، هناك أدلة على أن الحملة العسكرية السعودية تسببت في حشد أجزاء مهمة من السكان وراء الحوثيين.
في حرب اليمن، تلقت قوات التحالف الدعم من قبل حلفاء دول الخليج أبرزهم بريطانيا والولايات المتحدة اللتين قامتا بمدها بالأسلحة والعتاد العسكري رغم الدعوات المتواصلة لإيقاف جرائم الحرب المرتكبة في اليمن. ولكن، يبدو أن الأوضاع بدأت تتغير.
منذ أن بدأت الأزمة في اليمن، أجمع المراقبون الصراع من الخارج أنه لا مجال بتاتا للحل العسكري
خلال الأسبوع المنقضي، طالب الرئيس ترامب العاهل السعودي بالسماح لنفاذ المزيد من إمدادات الإغاثة إلى اليمن. وفي نفس السياق، قال وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون”، الاثنين الماضي، أمام أعضاء البرلمان “إن التاريخ سيحاسب بريطانيا على استخدامها الشعب اليمني كأداة حرب، في حال سمحت بتواصل تردي الأوضاع في اليمن وانتشار المجاعة دون إيجاد حل سريع”.
في سياق متصل، أوردت أبريل ألي، وهي باحثة في الشأن اليمني ضمن خلية الأزمات الدولية، في تقريرها أن وفاة صالح لم يكن من المرجح أن تؤدي إلى تحول بعيد المدى لصالح الائتلاف الخليجي. كما بينت ألي أن “محاولة الائتلاف تدمير التحالف بين الحوثيين وصالح قد تراجعت بشكل كبير، إذ أن انتصار الحوثيين على صالح جعل فرص التسوية السياسية مستبعدة في الوقت الراهن، وآفاق السلام ضئيلة جدا”.
منذ أن بدأت الأزمة في اليمن، أجمع المراقبون الصراع من الخارج أنه لا مجال بتاتا للحل العسكري، ومن المرجح أن يكون الحل السياسي في منتهى الصعوبة. كما يشير الوضع الحالي إلى انعدام فاعلية التدخل العسكري، إذ لم يتمكن التحالف الذي تقوده السعودية من طرد المتمردين الحوثيين كم المناطق الأكثر اكتظاظا في اليمن. ويتشبث الحوثيون، وهم مجموعة من الشمال كرست أفرادها لنشر نسخة ثورية من تيار “الزيدية” الشيعية، بأراضيهم أيا كان الضرر الذي لحق بالناس المحاصرين بالمناطق الخاضعة لسيطرتهم.
في الحقيقة، يبدو أن اللعبة السياسية في اليمن غير واضحة تماما، فبالنسبة للسعوديين، إن وجود دولة غير مستقرة توالي إيران على حدودها هو خط أحمر. ومن جانبهم، لن يتخلى الحوثيون عن مكاسبهم خصوصا وأنهم يربحون الحرب حاليا. وفي الوقت نفسه، لن يسمح حزب الإصلاح يسمح لحزب المؤتمر الشعبي العام بالعودة إلى السلطة.
من هذا المنطلق، يمكن أن يلقى اللوم على علي عبد الله صالح، الذي استولى على السلطة من سنة 1978 إلى 2011، حيث حاول من خلال لعبة “فرق تسد” أن يسيطر على الكل. ومن المفارقات العظيمة أن اليمن قد فقد الشخص الوحيد القادر على كبح جماح القوات التي أطلق عنانها بنفسه.
المصدر:التايمز البريطانية