ترجمة وتحرير: نون بوست
على الرغم من مقتل ما يناهز النصف مليون شخص، في حين لقي المئات حتفهم نتيجة استخدام السلاح الكيماوي ضدهم في خضم الحرب الأهلية السورية، تستعد إدارة الرئيس ترامب، في الوقت الراهن، للقبول ببقاء بشار الأسد في السلطة، وذلك إلى تاريخ الانتخابات الرئاسية المقبلة، المزمع إجراؤها في سنة 2021، وذلك حسب تقديرات مسؤولين أمريكيين وأوروبيين. ويعتبر هذا القرار بمثابة تراجع عن التصريحات الأمريكية المتكررة، والتأكيدات السابقة التي تحيل إلى أنه لا تراجع عن مطلب تنحي الأسد من السلطة، على اعتبار ذلك جزءا من مسار السلام في سوريا.
في شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وعقب قيامه بجولة في الشرق الأوسط، صرح وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، أن “الولايات المتحدة ترغب في أن تظل سوريا موحدة، ولكن دون أن يكون لبشار الأسد أي دور في الحكم”. فضلا عن ذلك، أعلن تيلرسون أمام الصحفيين الذين رافقوه في هذه الجولة أن “حكم عائلة الأسد شارف على نهايته، ويبقى السؤال المطروح حول سبل تنفيذ هذا الأمر”.
يعكس القرار الأمريكي محدودية الخيارات المتاحة أمام واشنطن، إلى جانب الواقع العسكري على أرض الميدان الذي يفرض إجراءات معينة، ناهيك عن نجاح التحالف الروسي الإيراني وحزب الله في إنقاذ نظام الأسد الذي كان بصدد التداعي. وخلال زيارة مفاجئة إلى سوريا يوم الإثنين، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحقيق الانتصار ضد مقاتلي تنظيم الدولة وفصائل المعارضة المدعومة من قبل الغرب.
في هذا الصدد، أفاد بوتين، خلال خطاب أمام القوات الروسية المتمركزة في القاعدة الجوية في منطقة اللاذقية الساحلية، أنه “خلال مدة لم تتجاوز الثلاث سنوات، نجحت القوات المسلحة الروسية والجيش السوري في التغلب على أخطر مجموعة من الإرهابيين الدوليين”. والجدير بالذكر أن القرار الروسي في سنة 2015، القاضي بتأمين الدعم الجوي لنظام الأسد، يعد نقطة تحول مصيرية في مسار الحرب السورية، حيث ساهمت في استعادة النظام الحاكم لقوته والتشبث بالسلطة.
دفعت التطورات الميدانية الإدارة الأمريكية إلى القبول بالأمر الواقع، الذي يتمثل في أن الأسد، سيستمر في حكم البلاد لمدة أربع سنوات إضافية
من جهتها، لم تتوان واشنطن بدورها عن التدخل في سوريا، علما وأن هدفها الأساسي كان محاربة تنظيم الدولة. ومنذ سنة 2014، أنفقت الولايات المتحدة أكثر من 14 مليار دولار، أي أكثر من 13 مليون دولار يوميا، في إطار حملتها الجوية ضد دولة الخلافة التي أعلنها تنظيم الدولة. فضلا عن ذلك، نشر الجيش الأمريكي ألفا عنصر من قواته، بهدف تقديم الدعم التكتيكي والإستراتيجي لصالح قوات سوريا الديمقراطية، إحدى فصائل المعارضة التي ساهمت في دحر تنظيم الدولة من معقله في شمال الرقة، في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
على الرغم من ذلك، وخلال الأشهر القليلة الماضية، دفعت التطورات الميدانية الإدارة الأمريكية إلى القبول بالأمر الواقع، الذي يتمثل في أن الأسد، الذي حكمت عائلته سوريا لما يربو عن نصف قرن، سيستمر في حكم البلاد لمدة أربع سنوات إضافية. ففي الواقع، تسيطر القوات النظامية حاليا على الجزء الأكبر من الأراضي السورية، من ضمنها مدن هامة على غرار دمشق وحماة وحمص واللاذقية وحلب، التي كانت في السابق معقل المعارضة. وقد كان المحللون الأمريكيون يصفون هذه المدينة على اعتبارها الجزء الأهم من سوريا.
في سياق متصل، تمكن نظام الأسد وحلفاؤه الخارجيون، روسيا وإيران وحزب الله اللبناني، من تعزيز وجودهم في أرض المعركة، علما وأنهم كانوا قبل سنة يسيطرون فقط على مجموعة متفرقة ومنفصلة من المناطق. وبالتالي، بات حكم الأسد، في الوقت الحالي، أمرا مفروضا على غالبية الشعب السوري. ومنذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، عقب طرد مقاتلي تنظيم الدولة الذين كانوا يسيطرون على أكثر من ثلث سوريا، تحول الاهتمام الدولي نحو المعركة الجوهرية في صلب هذه الحرب الأهلية، وسبل إنهائها. ومرة أخرى، يبدو أن الأسد في موقع قوة، وذلك بفضل دعم حلفائه ومركزه في السلطة.
في المقابل، أظهرت فصائل المعارضة التي تدعمها الولايات المتحدة في عدة مناسبات افتقارها للفاعلية، حيث تعاني من الانقسام الداخلي، في حين تجد صعوبة في توحيد صفوفها. فضلا عن ذلك، لم تظهر في صفوفها قيادة قوية، على الرغم من مرور سبع سنوات منذ اندلاع موجة الربيع العربي في سنة 2011، واندلاع الحرب الأهلية، التي كانت تهدف بالأساس لإقرار بديل عن بشار الأسد. في الوقت الراهن، باتت مطالب المعارضة بتنحي بشار الأسد عن السلطة، الأمر الذي يعد بمثابة شرط مسبق لتحقيق السلام والمشاركة في العملية السياسية، مطلبا غير واقعي.
اضطر أكثر من خمسة ملايين سوري من بين نحو 20 مليون مواطن إلى مغادرة البلاد، فيما أجبر حوالي 10 ملايين فرد على النزوح
على المستوى الدبلوماسي، تعرضت واشنطن للتهميش من قبل ثلاثة أطراف رئيسية قوية، ألا وهي روسيا، وإيران وتركيا، التي تلعب الآن دورا رئيسيا في عملية السلام. وقد التأمت جولات عديدة من المحادثات المدعومة من قبل الأمم المتحدة، في مدينة جنيف السويسرية، إلا أنها لم تفض إلى أي حل فعلي. وفي الأثناء، واجهت الجهود الأممية عمليات عرقلة من قبل الثلاثي المذكور آنفا، الذي أطلق محادثات سلام أخرى في كانون الثاني/يناير الماضي، التي انعقدت في مدينة أستانة في كازاخستان. وإبان زيارته إلى سوريا، سافر بوتين إلى تركيا لمناقشة الخطوات المقبلة في إطار هذا المسار، مع نظيره التركي، رجب طيب أردوغان.
خلال الأيام الأولى من توليها مسؤوليات البيت الأبيض، كانت إدارة ترامب تأمل في أن تكون القضية السورية واحدة من الملفات التي ستنجح في حلها من خلال التعاون مع روسيا. ولكن، في نيسان/أبريل، وفي أولى قراراته العسكرية فيما يتعلق بالشأن السوري، أمر ترامب بتنفيذ ضربة صاروخية ضد قاعدة سورية، تم استخدامها لإطلاق هجوم كيماوي على بلدة خان شيخون، الخاضعة لسيطرة المعارضة. وقد أدى هذا الهجوم لوفاة أكثر من 80 شخصا.
من جانبه، صرح ترامب، على خلفية هذا الهجوم، أن “الأسد استخدم غاز السارين، المدمر للأعصاب، من أجل إنهاء حياة الأبرياء من النساء والرجال والأطفال. لقد تعرضوا للموت الوحشي والبطيء، حتى الرضع تعرضوا للقتل الشنيع في هذا الهجوم الوحشي، ولا يفترض أن يتعرض أي طفل في العالم لمثل هذا الإرهاب”. وقد وجه ترامب حديثه بشكل مباشر إلى الأسد، قائلا: “لقد فشلت كل المحاولات السابقة منذ سنوات، من أجل تغيير سياسات بشار الأسد، فشلا ذريعا. لذلك، إنني أدعو الليلة كل الأمم المتحضرة للانضمام إلينا في مساعينا لإنهاء المجازر وسفك الدماء في سوريا، وإنهاء كل أنواع الإرهاب”.
في المقابل، وبالنظر إلى الحقائق العسكرية والسياسية، اقتنع المسؤولون السياسيون الأمريكيون بأن الانتقال السياسي في سوريا، سيكون مرتبطا بإجراء انتخابات ذات مصداقية وتحت إشراف الولايات المتحدة. وتبدو الأوضاع على أرض الواقع في سوريا، اليوم، معقدة، حيث تعرضت مساحات واسعة من المدن والمنازل والمدارس والمتاجر والمستشفيات والبنية التحتية مثل الكهرباء والطرقات، إلى دمار تام.
يخشى المسؤولون الأمريكيون من فوز الأسد في انتخابات سنة 2021، بشكل أو بآخر، مما يعني أنه سيبقى في السلطة لسنوات أخرى
علاوة على ذلك، اضطر أكثر من خمسة ملايين سوري من بين نحو 20 مليون مواطن إلى مغادرة البلاد، فيما أجبر حوالي 10 ملايين فرد على النزوح. بناء على ذلك، تبدو فكرة إجراء انتخابات شفافة وديمقراطية في سوريا، يشارك فيها اللاجئون المنتشرون في كافة أنحاء العالم، تحديا غير مسبوق، وذلك وفقا لوصف أحد الدبلوماسيين الغربيين. إلى جانب ذلك، سيتطلب الأمر وقتا، حتى تبرز معارضة سورية جديدة أكثر مصداقية.
على العموم، شددت إدارة ترامب على أنها لا تزال متمسكة بإنجاح مسار سياسي، يتضمن رحيل بشار الأسد، إلا أنها على قناعة أيضا بأن الأمر قد يستغرق بعض الوقت إلى حدود سنة 2021، وهو موعد الانتخابات المقبلة، الذي قد يتزامن مع رحيل الأسد. وحسب ما ستسفر عنه الانتخابات الأمريكية في سنة 2020، من المحتمل أيضا أن يستمر الأسد في السلطة بعد رحيل ترامب. في الأثناء، يخشى المسؤولون الأمريكيون من فوز الأسد في انتخابات سنة 2021، بشكل أو بآخر، مما يعني أنه سيبقى في السلطة لسنوات أخرى.
المصدر: نيويوركر