تترقب مدينة القدس المحتلة بحالة من القلق والتوتر الشديدين تنفيذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أولى خطواته بعد قراراته “الصادمة” التي اتخذها بشأن القدس واعترافه بها عاصمة لـ”إسرائيل” وتوقيع نقل سفارة بلاده إليها، في ظل موجة غضب فلسطينية جارفة ضد واشنطن.
تضرر المدينة المقدسة من قرارات ترامب، لا تمس فقط العملية السلمية المجمدة أصلاً في المنطقة بفعل التعنت الإسرائيلي أو استهداف المكانة الإسلامية للمدينة، بل تجاوز ذلك حين تم الكشف عن 7 متغيرات مهمة ستطرأ على المدينة بأكملها في حال نُفذت قرارات ترامب.
وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في خطاب متلفز من البيت الأبيض، الأربعاء الماضي، اعتراف بلاده رسميًا بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”، والبدء بنقل سفارة واشنطن إلى المدينة المحتلة، وأدى القرار إلى موجة إدانات واحتجاجات متواصلة في العديد من الدول العربية والإسلامية والغربية، وسط تحذيرات من تداعياته على استقرار منطقة الشرق الأوسط.
الخطر يحيط بالقدس
الشيخ عكرمة صبري خطيب وإمام المسجد الأقصى المبارك ورئيس الهيئة الإسلامية العليا، دعا العالمين العربي والإسلامي إلى اتخاذ موقف موحد ضد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة.
“المتغير السادس هو طرد كل من لا يملك هوية إسرائيلية من المدينة المحتلة وتجريدها من سكانها الأصليين”
وقال صبري في حوار مع نون بوست إن “القوى الإسلامية والعربية تملك مجموعة من أوراق الضغط التي يمكن تفعليها لعدم ترك الفلسطينيين وحدهم في معركة الدفاع عن المقدسات الإسلامية”، مطالبًا بتفعيل سلاح الضغط الاقتصادي.
وكشف رئيس الهيئة الإسلامية العليا عن التغييرات التي سيخلفها قرار ترامب بنقل السفارة واعتبار القدس عاصمة لـ”إسرائيل”، قائلاً: “أول تلك التغييرات التي ستترتب على القرار تتمثل في إلغاء كل القرارات الدولية بالحفاظ على الموروث الثقافي الإسلامي والمسيحي ونسبه إلى أهله، بحجة أن القدس أصبحت عاصمة لـ”إسرائيل” ولها الحق في السيطرة والتوسع وبناء عاصمتها بالشكل التي تريده”.
وأضاف الشيخ أن “ثاني تلك المتغيرات نسف كل الحقوق المطالبة بحرية زيارة الفلسطينيين والعرب للأماكن المقدسة في المدينة بحجة الحفاظ على أمن العاصمة التي تمثل أمن واستقرار الدولة”.
أما ثالث هذه المتغيرات، فهو رفع جميع الوصايات الدولية والعربية والإسلامية عن مدينة القدس (وزارة الأوقاف الأردنية) بعد أن أصبحت عاصمة لـ”إسرائيل” التي ترفض أن تكون عاصمة الدولة تحت وصاية أحد لأنه شكل من أشكال الاحتلال، بحسب الشيخ صبري.
ويلفت خطيب المسجد الأقصى إلى أن المتغير الرابع يتمثل في بناء قواعد عسكرية في القدس ودخول جيش الاحتلال الإسرائيلي بشكل رسمي إلى جميع أرجاء المدينة كيفما شاء ومتى شاء، وعن المتغير الخامس يضيف الشيخ صبري: “التهديد بشكل مباشر بهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم”.
ويكمل الشيخ حديثه: “المتغير السادس هو طرد كل من لا يملك هوية إسرائيلية من المدينة المحتلة وتجريدها من سكانها الأصليين”، فيما يتمثل المتغير السابع بإلغاء جميع أوراق الطابو والوثائق الرسمية لأملاك أهل مدينة القدس وسيطرة الاحتلال عليها باعتبارها أملاك دولة”.
وشدد صبري على أن ما يجري أسفل الأقصى لا يمكن تصوره أو توقعه، قائلاً: “الحفريات مستمرة بشكل متواصل”، مضيفًا أنها “وصلت إلى مناطق غاية في الخطورة والحساسية قد تتسبب بانهيار فعلي وكامل للمسجد الأقصى، مع أي عوامل طبيعية كالزلازل الخفيفة أو عوامل تآكل التربة”.
وشهدت الأراضي الفلسطينية مؤخرًا عدة تظاهرات تدين الموقف العربي غير الحازم في التعامل مع قرار ترامب، وتطالب باتخاذ إجراءات عملية وحازمة ومحددة الأهداف لإرغام ترامب على العدول عن قراره المخيب.
يشكّل الفلسطينيون حسب الإحصاءات 37% من سكان مدينة القدس المحتلة
وعقدت جامعة الدول العربية اجتماعًا طارئًا السبت الماضي على مستوى وزراء الخارجية العرب، أكدت فيه على المؤكد سابقًا، وهو استنكار إعلان ترامب ورفضه وقالت إنه لا يمكن تبريره تحت أي ذريعة، كما أوضحت أن هذا القرار يدفع لإعادة النظر في مسار عملية التسوية، وتتمسك السلطة الفلسطينية بشرقي القدس عاصمة لدولتها المأمولة ضمن أي حل مستقبلي، استنادًا لقرارات الشرعية الدولية.
المخطط الكبير
لقرار ترامب الأخير عدة أبعاد قد تؤثر على حياة المقدسيين، لكنه في الوقت ذاته قد يؤدي إلى تغيير بعض المعادلات السياسية، فبحسب مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية زياد الحموري، فإن “إسرائيل” كانت تنتظر بفارغ الصبر الاعتراف الأمريكي الرسمي بالقدس كعاصمة لها، حتى تبرر مشروعها الضخم بطرد أكثر من 200 ألف فلسطيني من القدس، وضمّ أكثر من 300 ألف مستوطن إليها.
ويقول الحموري إنه “في حال نفذت “إسرائيل” هذه الخطة، ستنخفض نسبة الفلسطينيين في مدينة القدس بشطريها الغربي والشرقي من 37% إلى 6 أو 7%، وسيشكلون ما نسبته 20% فقط من سكان القدس الشرقية”. مشيرًا إلى أن دولة الاحتلال بقرار ترامب أو من دونه، كانت تمضي في خطة تهجير الفلسطينيين من القدس وتهويدها، لم يكن يردعها أي شيء، إلا أنّ الاعتراف الأمريكي سيشجعها للتسريع من وتيرة خطة التهجير وعزل بلدات ومناطق فلسطينية وسحب الإقامات من سكانها”.
وقال الحموري: “الفلسطينيون الذي يحملون هويات (تصاريح إقامة) دائمة في القدس، يبلغ عددهم الآن قرابة 320 ألف نسمة، “إسرائيل” تسعى لخفض هذا الرقم إلى أقل من 100 ألف نسمة”، واستبعد مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية أن تقدم دولة الاحتلال “على إعطاء الفلسطينيين في القدس جنسيات إسرائيلية”.
وعن البُعد الدولي لقرار ترامب، يرى الحموري أن “الرفض العالمي الموحد ضد قرار ترامب، أدى إلى عزلة دولية للولايات المتحدة و”إسرائيل”، مما قد يغير معادلة القضية الفلسطينية بشكل عام، وقضية القدس بشكل خاص”.
تعمل المنظمات الاستيطانية اليهودية على شراء المنازل في القدس، والسيطرة على بعضها تحت ذرائع عديدة
ويعتقد الحموري أن الوضع الدولي سياسيًا للولايات المتحدة هو “الأسوأ في تاريخها، فهناك بوادر خطوات فعلية ضدها، وهناك إجماع عالمي ضد القرار، كما أن معظم الدول اعتبرته ضمن إطار التهور والبلطجة”.
ويبلغ عدد الفلسطينيين في القدس، الحاملين للهويات (تصاريح إقامة) الإسرائيلية الدائمة، حسب الإحصاءات الرسمية الإسرائيلية الأخيرة التي صدرت في مايو/أيار الماضي، 324 ألف فلسطيني، ويشكّل الفلسطينيون حسب الإحصاءات 37% من سكان مدينة القدس المحتلة.
ويعاني سكان المدينة الفلسطينيين من صعوبات جمّة، جراء إجراءات الاحتلال في المدينة، ويقول السكان إن بلدية الاحتلال في المدينة، تمارس “سياسة عنصرية تجاههم”، حيث ترفض غالبًا، منحهم رخص للبناء، كما تعمل المنظمات الاستيطانية اليهودية على شراء المنازل، والسيطرة على بعضها تحت ذرائع عديدة.