محمد 25 عامًا مستعدًا لإكمال تحصيله العلمي بعد انقطاعه عن الدراسة ما يقارب ست سنوات عجاف، فهو حاصل على الشهادة الثانوية بفرعها العلمي في دورة عام 2011، وحائز على مجموع ممتاز يؤهله للقبول في كلية الطب البشري، وهي رغبته أثناء دراسته، وكان سبب تأخره انضمامه في صفوف المتظاهرين بمدينة حلب، وما دفعه إلى ذلك ظلم قوات الأمن بحق رفاقه بسبب مطالبتهم بالحرية والتعبير عن آرائهم كباقي شعوب العالم.
لم يرغب محمد بالانخراط في صفوف المتظاهرين، لكن أفعال قوات الأمن أجبرته أن يترك تحصيله العلمي والالتحاق بركب الحرية، حيث قال: “أعتقدت أن أسابيع ومطالبنا تتحقق لكن المفاجأة أنها طالت لسنوات، هُجرت واُعتقلت ونلت نصيبي من الحرب في دمار منزلي وفقدان عدد من أقاربي في قصف مدفعي وجوي طال حينا”.
وأضاف “أصبحت طالبًا في كلية الطب البشري بعد سنوت من الانقطاع وأنا مؤمن بتحقيق هدفي لمعالجة المرضى والنقص الذي واجهنا في المناطق المحررة من قلة الأطباء بسبب استشهادهم وهجرة عدد منهم واعتقال البعض الآخر لأنهم قاموا بمعالجة الثوار”.
وشهدت المناطق المحررة في الأعوام السابقة نقصًا كبيرًا في الأطباء والأدوية بشكل عام بسبب هجرة الأطباء إلى أماكن أكثر آمانًا خارج البلاد، واعتقال عدد منهم داخل عياداتهم من قوات الأمن التابعة لنظام الأسد، ووصفهم بخونة بسبب تعاونهم مع الثوار في أثناء تأدية واجبهم الطبي والإنساني.
مع استمرار الثورة السورية والحرب الدائرة بين التنظيمات أُجبر العديد من الأساتذة والدكاترة على إنشاء عدد من المعاهد والجامعات والكليات في المناطق المحررة في ظل الثورة السورية
جامعة حلب ودورها في الثورة
انتفضت الثورة السورية في عام 2011 في مدن ومحافظات سورية عدة في حين كان لجامعة حلب دورًا بارزًا في بداية انطلاقة ثورة الحرية، وجامعة حلب مثلها كباقي القطاعات التعليمية التي شاركت في مظاهرات معارضة للنظام السوري وإضرابات عديدة من الطلبة الذين تضامنوا مع أطفال درعا وحمص وبانياس وغيرها.
ولم يكتف حقد النظام السوري بتفريق المتظاهرين ليشن حملة اعتقالات كبيرة بحق طلاب وطالبات الجامعة آنذاك، ولم تكن مطالبهم إلا الحرية والعدالة بشكل سلمي دون سلاح، فواجهتهم قوات الأمن التابعة للنظام بالرصاص الحي، ولم يكن الأمر سهلًا على باقي الطلاب والزملاء، فأصدقاؤهم ما بين جريح وشهيد حملوا على عاتقهم انتفاضة مغمسة بدم شهداء نالوا الحرية برصاصات ظالم.
نشرت قوات النظام حواجز عديدة تمتلك حق إذلال الناس واعتقالهم، ولدى كل حاجز قائمة بأسماء المطلوبين، واُعتقل حينها عشرات الشبان من الريف والمدينة منهم طلاب جامعيون وموظفون، وعلى إثر حملات الاعتقال ترك العديد من الطلاب والطالبات الدراسة في جامعة حلب، بسبب انخراطهم في ركب المتظاهرين والثورة.
وتهجر وانفصل العديد من الطلاب وحرموا من دراستهم في الجامعة لمدة 7 سنوات كان صعبًا عليهم الوقوف مع الظالم والمزايدة على المظلوم، والتحق عدد كبير منهم في صفوف الجيش السوري الحر، ولا يخفى أن القرار كان بيدهم، فكان من الممكن أن يكونوا موالين للنظام أو معارضين، وضحى الطلبة بدراستهم ومستقبلهم في سبيل نيل الحرية والكرامة.
تعد هذه الخطوة الأولى من نوعها في المناطق المحررة شمال سوريا
كلية الطب البشري في جامعة حلب الحرة
مع استمرار الثورة السورية والحرب الدائرة بين التنظيمات، أجبر العديد من الأساتذة والدكاترة على إنشاء عدد من المعاهد والجامعات والكليات في المناطق المحررة في ظل الثورة السورية، وكان هدف المعاهد تأهيل كوادر تدريسية لتعليم أجيال فقدت العلم، وجامعات تتضمن فيها عدد من الكليات كـ”كلية الآداب والعلوم الإنسانية” و”كلية الطب البشري” لسد النقص الذريع طوال السنوات الماضية من الثورة.
نائب عميد كلية الطب البشري في جامعة حلب الحرة الدكتور حسان قوج، قال لـ”نون بوست”: “هدفنا الأسمى من إنشاء هذه الكلية استيعاب الطلبة المتفوقين في دراستهم وتأهيل كوادر طبية بعد النقص الشديد الذي عانت منه المناطق المحررة، نتيجة هجرة عدد من الأطباء أو استشهادهم في باقي الأراضي السورية”، وأوضح “الغاية رفع المستوى الصحي والتعليمي، فنحن لا نقاتل بالسلاح فقط بل نقاتل بالعلم ونهضة المجتمع”.
وأدنى علامة قبلتها الكلية 216 بما يعادل 90% من المعدل العام، فيما أشرفت وزارة التربية والتعليم العالي في الحكومة السورية المؤقتة على المفاضلة، وتقدم للمفاضلة 150 ما بين طالب وطالبة، قُبل منهم 90 طالبًا (إناثًا وذكورًا)، من شتى المحافظات السورية فيما وفرت الجامعة السكن لهم، بعد دفع رسوم التسجيل الذي أقرته رئاسة الجامعة.
وأضاف يوجد أفضل الأساتذة والدكاترة في الكلية يحاضرون للطلبة بجميع المواد وبإشراف كامل من مشفى الحرية في مدينة مارع شمالي حلب، وبالتعاون مع الأطباء الموجودين في دول المهجر الذين يزودون الكلية بكل ما هو جديد في تطور المواد العلمية والطرق التعليمية والأساليب الطبية الصحية المبتكرة.
للكلية أثر بالغ في تأهيل كوادر طبية تحمل على عاتقها هم المريض وتصحبه نحو بر الأمان، وتحسين أداء المشافي الميدانية في سوريا الحرة
وفيما يتعلق بالمناهج التي تدرس في الكلية أكد قوج وجود مناهج تدريسية توازي جامعة حلب الواقعة تحت سيطرت قوات النظام وجامعة دمشق ومماثلة أيضًا للجامعات في الدول المجاورة مثل تركيا والأردن ولبنان، ويوجد في كلية الطب مخبر كيميائي قيد التجهيز لإجراء الحصص العملية والاختبارات فيه، وذكر عدة معوقات تواجههم كالتمويل المادي لتأمين الأجهزة الطبية والصحية اللازمة.
وهذه الجامعة ليست متخصصة لمنطقة معينة أو محافظة إنما يحق لكل من يحمل الجنسية السورية والشهادة الثانوية العلمية بمعدل ممتاز الدراسة فيها، أي من جميع المحافظات السورية.
وتعد هذه الخطوة الأولى من نوعها في المناطق المحررة شمال سوريا بعد كليتي الطبي البشري وطب الأسنان في محافظة ريف دمشق التابعة لجامعة حلب الحرة، وبعد سنوات عجاف عانت فيها المناطق المحررة من نقص الكوادر الطبية والتعليمية والتربوية، وكان للكلية أثر بالغ في تأهيل كوادر طبية تحمل على عاتقها هم المريض وتصحبه نحو بر الأمان وتحسين أداء المشافي الميدانية في سوريا الحرة.