روبوتات لإنقاذ البشرية من آثار الاحتباس الحراري
ترجمة وتحرير: نون بوست
في القرن الحادي والعشرين، يعد أكبر تحديان على المستوى الاجتماعي الذين يواجههما العالم أي الأتمتة ومسألة تغير المناخ، بمثابة فرص كبيرة متاحة للبشرية، على حد السواء. في الحقيقة، يتجلى الانصهار بين هاتين القوتين، البشرية والطبيعة، في سوق الطاقة البديلة. ويفسح التخلص من الوقود الأحفوري والدخان الداكن الناجم عنه، الذي تسبب في ظهور ثقب في طبقة الأوزون، الطريق أمام ارتفاع مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في جميع أنحاء العالم. وفي إطار هذه المزارع، توظف أساطيل من الروبوتات والطائرات من دون طيار لتلبية مختلف الخدمات. ومن المرج أن هذه الخاصية ستوفر إمكانيات أكبر لتوسيع مجال التكنولوجيا النظيفة حتى تطال المناطق النائية من هذا الكوكب.
مع اقتراب نهاية سنة 2017، وصلت صناعة الطاقة الشمسية لأول مرة منذ عشر سنوات إلى طريق مسدود بسبب التخفيضات المقترحة في الميزانية المقدمة من قبل إدارة ترامب. وقد شهدت الطاقة الشمسية معدل نمو سنوي يفوق 65 بالمائة خلال العقد الماضي بسبب التعزيزات التي أمنها، إلى حد كبير، دعم الحكومة الفيدرالية. في الواقع، جعلت السياسة التقدمية لإدارة أوباما الولايات المتحدة رائدة في مجال الطاقة البديلة، مما ساهم في خلق ربع مليون وظيفة جديدة.
في الوقت الذي تعيد فيه الحكومة الفيدرالية احتضان قوة الجذب القديمة للوقود الأحفوري، ما فتئ الطلب العالمي على الطاقة الشمسية يرتفع، نظرا لانخفاض تكاليف البنية الأساسية لأكثر من النصف، ما وفر فرصا جديدة للمستهلكين، وذلك دون الحاجة إلى دعم حكومي. قبل طفرة الطاقة المتجددة، كان بلاط السقف غير الجذاب من أبرز تجليات استخدام الطاقة الشمسية.
قامت شركة إكوبيا الإسرائيلية باختراع منصة تنظيف جافة للحفاظ على فعالية ألواح الطاقة الشمسية وتشغيلها في الصحراء
في حين أن إلون موسك، وغيره يقومون بتطوير مواد تسقيف أكثر جمالا وجاذبية، فقد ثبت أن نموذج الأجهزة المخصصة للمنازل غير فعال. بدلا من ذلك، تركز هذه الصناعة على “أنظمة الطاقة الشمسية المركزة” في مزارع الطاقة الشمسية التي سيتم ربطها بالشبكة الكهربائية الوطنية. وحتى وقت قريب، ظلت هذه المزارع ترزح تحت تكاليف الخدمات المتضخمة.
في تقرير نشر الشهر الماضي، قالت الشركة الرائدة في إدارة مخاطر الطاقة “دنف غل” إن “سوق الطاقة البديلة يمكن أن يستفيد كثيرا من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي والروبوتات في تصميم وتطوير ونشر وصيانة مرافق المزارع”. في هذا السياق، أشارت الدراسة التي جاءت تحت عنوان “جعل مصادر الطاقة المتجددة أكثر ذكاء: فوائد ومخاطر ومستقبل الذكاء الاصطناعي في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح” أن مجالات التنبؤ بالموارد والسيطرة عليها والصيانة التنبؤية، جاهزة لحل مختلف مشاكل هذه التكنولوجيا.
في سياق متصل، وأوضحت إليزابيث ترايغر، التي شاركت في إعداد التقرير، أن “مطوري الطاقة الشمسية والرياح والمشغلين والمستثمرين في حاجة إلى النظر في سبل توظيف الذكاء الاصطناعي في هذه الصناعات، وفهم طبيعة العوامل الكبرى المؤثرة عليها، وتحديد القرارات التي يتعين على هذه الصناعات أن تواجهها”.
بما أن مزارع الطاقة شمسية غالبا ما تقع في مواقع جافة ومغبرة، تم استخدام النظم غير المأهولة، للمرة الأولى، للقيام ببعض المهام، وذلك من خلال توظيف روبوتات التنظيف ذاتية التشغيل. خلال سنة 2014، قامت شركة إكوبيا الإسرائيلية باختراع منصة تنظيف جافة للحفاظ على فعالية ألواح الطاقة الشمسية وتشغيلها في الصحراء. وفي الوقت الراهن، تقوم إكوبيا بتنظيف عشر ملايين لوحة شهريا.
حيال هذا الشأن، أفاد الرئيس التنفيذي لشركة إيكوبيا، إران ميلر، قائلا: “يسرنا أن نوظف الخبرة المكتسبة على مدى أربع سنوات من خلال تنظيف مواقع متعددة في الشرق الأوسط. وبعد تنظيف قرابة 80 مليون لوحة شمسية في أقسى الظروف الصحراوية على الصعيد العالمي، تتوقع الشركة أن تستمر في لعب دور قيادي في هذه السوق، سريعة النمو”.
منذ أن ازدهرت شركة إكوبيا، شهدت هذه السوق دخول الكثير من الشركات المتخصصة في مجال الصيانة عن الطريق النظم غير المأهولة. خلال شهر آذار/ مارس الماضي، أصدرت شركة “إكزو صن” أحدث روبوت تنظيفٍ ذاتي التشغيل. وتدعي هذه الشركة المصنعة للمعدات أن الأنظمة الروبوتية يمكن أن تقلل من خسائر الإنتاج بنسبة 2 بالمائة، واعدة الشركات المستفيدة بالانتفاع بعائد الاستثمار خلال فترة لا تتجاوز 18 شهرا.
بعد استحواذها على “غرينبوتيكس” خلال سنة 2013، أطلقت شركة “صن باور” للطاقة المتجددة الأمريكية منصة التنظيف آلية التشغيل الخاصة بها، التي تجمع بين الروبوتات المتنقلة والطائرات من دون طيار. وتتباهى شركة “صن باور” بأن منتجاتها أسرع عشر مرات من الطرق التقليدية (اليدوية)، فضلا عن أنها تستخدم 75 بالمائة مياه أقل مقارنة بالمنتجات الأخرى.
تقوم الروبوتات بإزالة قرابة 99 بالمائة من الغبار المتراكم على الألواح.
على الرغم من أن شركتي “صن باور” “وإكزو صن” قد حققتا مبيعات ضخمة في ظل شبكات الخدمات التي تركزانها والمعدات الحالية التي تملكانها، إلا أن شركة إيكوبيا ظلت رائدة في هذا المجال. ففي الواقع، يعتبر الروبوت الذي تصنعه والذي يعمل من دون ماء الحل الأكثر فعالية من حيث التكلفة في السوق. من خلال شبكة سحابية قوية، يمكن لإيكوبيا أن تتوقع حصول تقلبات في الطقس لجدولة نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بها على القيام بتنظيفات طارئة بصفة تلقائية.
في هذا الإطار، أوضحت مديرة التسويق في شركة إكوبيا، عنات كوهين سيجيف، أنه “في غضون ثوان يرصد الروبوت قدوم عاصفة رملية إلى الموقع. في الأثناء، يقترح نظام التحكم، تلقائيا، دورة تنظيف إضافية. ومن خلال نقرة يتم تنظيف جميع الألواح الشمسية الموجودة في ذلك الموقع”. ووفقا لسيجيف، تقوم الروبوتات بإزالة قرابة 99 بالمائة من الغبار المتراكم على الألواح.
دخلت الشركات المصنعة للطائرات ذاتية التحكم مجال صيانة الألواح الشمسية. وفي هذا السياق، كشفت شركة اريال باور عن تصنيعها مروحية رباعية، “براش سولار”، لتنظيف الألواح الشمسية. وتسعى هذه الطائرة من دون طيار، التي تعمل بالطاقة الشمسية، على خفض 60 بالمائة من التكاليف التشغيلية لمزارع الطاقة الشمسية. في المقابل، لم تبادر اريال باور بتجربة منتجها بعد على أرض الميدان، حيث لا يزال في مرحلة التطويره
من جهتها، تعنى شركة سولار باور ببيع منصة طائرة من دون طيار للمسح الجوي لتقييم مواقع التطوير والإشراف على العمليات الميدانية. وفي هذا السياق، أفاد نائب رئيس منتجات محطة توليد الطاقة لشركة صن باور، مات كامبل، “الكثير من الجهات ركزت منذ ظهور صناعة الطاقة الشمسية على الألواح الشمسية. أما في الوقت الراهن، نحن نبحث في سبل تطوير معدات تشمل النظام بأكمله. من هذا المنطلق، نحن نسعى دائما إلى مراقبة وفحص هذه التكنولوجيا الجديدة، وذلك من خلال استخدام روبوتات، أو طائرة من دون طيار، أو برامج. كنا نتساءل دائما “كيف يمكن أن يساعدنا ذلك على خفض تكلفة الطاقة الشمسية، وبناء مشاريع جديدة بشكل أسرع، فضلا عن جعل هذه الصناعة أكثر جدارة بالثقة؟”.
خلال سنة 2008، نشرت وزارة الطاقة الأمريكية اقتراحا طموحا ينص على أنها تأمل في أن تتمتع “بطاقة الرياح على أن تقدر نسبتها بنحو 20 بالمائة بحلول سنة 2030. كما تريد أن تحقق ارتفاعا في مستوى مساهمة طاقة الرياح في إمدادات الكهرباء في الولايات المتحدة”. منذ ثلاثة عشر سنة، كانت نسبة مساهمة الطاقة الأمريكية المشتقة من الرياح تمثل أقل من 5 بالمائة. في الحقيقة، لا يعد تطوير مزارع الرياح أمرا جديدا في الولايات المتحدة، ولكن لجعل هذه الطاقة تصل إلى 20 بالمائة من مجمل استهلاك الطاقة في الولايات المتحدة بحلول سنة 2030، تحتاج واشنطن إلى البدء في البحث عن مصادر الرياح بحرية.
بناء على ذلك، وحتى تكتمل الصورة بشكل صحيح، لا بد أن نعي أنه يمكن لمزارع الرياح البحرية أن تولد أكثر من 2000 غيغاواط من الطاقة النظيفة الخالية من الكربون، أو ضعف الطاقة التي يستهلكها الأمريكيون في الوقت الحالي. وحتى اللحظة الراهنة، لا توجد سوى مزرعة رياح واحدة تعمل قبالة سواحل الولايات المتحدة. وفي حين أن كل دولة ساحلية تقريبا لديها مقترحات تركيز مزارع رياح بحرية، غير أن هذه الصناعة قد تعطلت بسبب السياسات والعقبات الخطرة التي تقف أمام إرسائها.
على مدى أكثر من عقد من الزمن، احتلت المملكة المتحدة دورا قياديا في تنمية مزارع الرياح البحرية. وفي جامعة مانشستر، تقوم مجموعة رائدة من الباحثين باستكشاف عدد من تقنيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات والطائرات من دون طيار، للقيام بعمليات تفتيش عن بعد. ويقدر اتحاد الأكاديميين أن هذه التقنيات يمكن أن تولد أكثر من 2.5 مليار دولار بحلول سنة 2025، في المملكة المتحدة وحدها. وقد تصل قيمة سوق مزارع الرياح البحرية إلى 17 مليار دولار بحلول سنة 2020، فضلا عن توفيره 80 بالمائة من تكاليف التشغيل والصيانة.
يقضي رواد هذه الصناعة وقتا طويلا في مناقشة واختبار كيفية استخدام الطائرات من دون طيار في عمليات التفتيش بطريقة آمنة وفعالة
خلال الشهر الماضي، منحت وكالة “إنوفيت يو كي” 1.6 مليون دولار لمخبر علوم الإنسالية الحسية وفولكانو من أجل دمج الطائرات من دون طيار والقوارب ذاتية التحكم في عملية تفتيش المحيطات. وتتبع هذه الشركات الناشئة نموذج الشركات المبتدئة الناجحة، على غرار سكايسبيكس. منذ ثلاث سنوات، ادعت سكايبيكس أن الطائرات من دون طيار تستطيع الحد من وقت عمليات تفتيش التوربينات من أيام إلى دقائق.
في هذا السياق، أفاد الرئيس التنفيذي لشركة “سكايبيكس، داني إليس، أنه “يمكن للعملاء الذين كانوا يستطيعون تفتيش ثلث مزرعة الرياح في مدة معينة أن يقوموا في الوقت الراهن بتفتيش المزرعة بأكملها، خلال المدة ذاتها”. خلال السنة الماضية، حققت شركة “فيجوال ووركينغ” البريطانية عملا استثنائيا عندما قامت بعمليات تفتيش في وقت قياسي. وفي هذا الصدد، أكد الرئيس التنفيذي لشركة فيجوال ووركينغ، باولو بريانزوني، قائلا: “نحن لا نتحدث عما نعتزم تحقيقه في المستقبل القريب، ولكننا نقدم خدمة تفتيش مزارع الطاقة من خلال الطائرات من دون طيار كل يوم”.
في الحقيقة، يقضي رواد هذه الصناعة وقتا طويلا في مناقشة واختبار كيفية استخدام الطائرات من دون طيار في عمليات التفتيش بطريقة آمنة وفعالة. خلال الصيف الماضي، حققت أوروبا نجاحا آخر في مجال الطاقة النظيفة بعد الإعلان عن تركيز ثلاث مزارع جديدة للرياح البحرية لأول مرة دون الحصول على دعم حكومي. من خلال خفض التكاليف، تمكنت الأنظمة المستقلة من تغيير الوضع السائد بي مجال استخدام الطاقة البديلة بغض النظر عن الاستثمار الحكومي.
قبل ثلاثة أيام من تركه لمنصب الرئاسة، كتب الرئيس باراك أوباما في مجلة العلوم، خلال السنة الماضية، أن “الأدلة تتزايد فيما يتعلق بحقيقة أن أي إستراتيجية اقتصادية تتجاهل تلوث الكربون، ستفرض تكاليف هائلة على الاقتصاد العالمي وستؤدي إلى انخفاض عدد الوظائف وانخفاض النمو الاقتصادي على المدى الطويل”. وأضاف أوباما أن “الوقت قد حان حتى أنتجاوز المفاهيم الخاطئة الشائعة التي تفيد بأن سياسة المناخ تتناقض مع الأعمال التجارية. فعلى العكس تماما يمكنها أن تعزز الكفاءة والإنتاجية والابتكار”.
المصدر: روبوت رابي