في بداية شهر نيسان/ أبريل 2017، وجه أحد مقلدي المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني، سؤالاً بقوله:( إنه في عام 2014 عندما سقطت الموصل ومناطق واسعة أخرى من العراق بيد “داعش” دعوتم في الجمعة إلى الدفاع الكفائي، ومنذ ذلك اليوم تم تحرير العديد من المناطق وأمكن دفع المخاطر عن كثير من المدن، فهل تلك الدعوة ما تزال قائمة أم أن بإمكان المتطوعين الرجوع إلى أعمالهم الاعتيادية؟).
وأجاب السيستاني قائلاً: بحسب مكتبه، “قد أفتينا بوجوب الالتحاق بالقوات المسلحة وجوباً كفائياً للدفاع عن الشعب العراقي وأرضه ومقدساته، وهذه الفتوى ما تزال نافذة لاستمرار موجبها، بالرغم من بعض التقدم الذي أحرزه المقاتلون الأبطال في دحر الإرهابيين”. انتهى.
وكان المرجع الديني علي السيستاني، وعبر ممثله عبد المهدي الكربلائي قد دعا خلال خطبة الجمعة بتاريخ 13/6/2014،للجهاد الكفائي، وبين فيها أن “العراق يواجه تحدياً كبيراً، وأن مسؤولية التصدي للإرهابيين هي مسؤولية الجميع ولا تختص بطائفة دون أخرى أو طرف دون آخر وأن طبيعة المخاطر المحدقة بالعراق في الوقت الحاضر تقتضي الدفاع عن الوطن وأهله وأعراضه ومواطنيه وهو واجب كفائي، وأن المسؤولية في الوقت الحاضر هي حفظ بلدنا ومقدساتنا من المخاطر وتوفر حافزا لنا للمزيد من العطاء والتضحيات في سبيل الحفاظ على وحدة بلدنا وكرامته وصيانة مقدساته، ولا يجوز للمواطنين الذين عهدنا منهم الصبر والشجاعة في مثل هذه الظروف أن يدب الخوف الإحباط في نفس أي واحد منهم بل لابد أن يكون ذلك حافزاً لمزيد من العطاء لحفظ البلد ومقدساته”.
كلمة الصدر تؤكد إصرار العديد من قيادات الحشد على المشاركة في الانتخابات القادمة، والسؤال هنا هل بمقدور رئيس الحكومة أن يحل الحشد الشعبي؟
ومن يومها تم التحشيد لفصائل (الحشد الشعبي)، حتى وصل الأمر إلى تشكيل هيئة الحشد الشعبي في نهاية العام 2014، وتكون تابعة لرئيس الحكومة حيدر العبادي ولها “مديريات خاصة كمديرية الاستخبارات والأمن لتنسيق العمل مع الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة”، ولم نسمع بمؤسسة عراقية مدعومة دينياً وسياسياً ولوجستياً مثل الحشد الشعبي منذ العام 2003 وحتى الساعة!
وبعد سنوات من تغول الحشد الشعبي في عموم المشهد العراقي أعلنت حكومة بغداد في التاسع من شهر كانون الأول/ ديسمبر الحالي “تحرير كافة الأراضي العراقية من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي، وأن القوات العراقية انتهت من السيطرة بالكامل على طول الحدود مع سوريا، وأنه تم تطهير الجزيرة في نينوى والأنبار”!
وبعد يوم من كلمة رئيس الحكومة بإعلان “النصر على داعش” دعا زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الحكومة إلى” منع استخدام عنوان الحشد الشعبي في الانتخابات المقبلة”، ووجه بتحويل سرايا السلام إلى منظمة خدمية، وبتسليم سلاح الدولة إلى الدولة وغلق أغلب مقراتهم باستثناء المدنية منها، وتسليم المواقع المحررة عدا سامراء إلى القوات الأمنية.
وفي ظل هذه التطورات لا بد من معرفة مصير الحشد الشعبي الذي تشكل من اجل “الحفاظ على المقدسات”، كما تذكر الفتوى، والتي باتت اليوم آمنة كما تقول حكومة بغداد كبقية مدن العراق، فما هو المبرر الشرعي والقانوني والأخلاقي لبقاء الحشد الشعبي؟
اعتقد أن كلمة الصدر تؤكد إصرار العديد من قيادات الحشد على المشاركة في الانتخابات القادمة، والسؤال هنا هل بمقدور رئيس الحكومة أن يحل الحشد الشعبي؟
المرحلة المقبلة ستشهد استمرار بقاء الحشد الشعبي كقوة مؤثرة في عموم المشهد العراقي، وبالذات السياسي منه
المتابع للساحة العراقية يمكنه أن يجزم أن هنالك إصراراً من قبل غالبية قيادات الحشد الشعبي على المشاركة في الانتخابات المقبلة وتحويل مجاميعهم العسكرية إلى أحزاب سياسية للمشاركة في الانتخابات القادمة، ومنهم رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، الذي شكل حزب (عطاء)، ومليشيا “عصائب أهل الحق” أسست كيان “صادقون”، ومليشيا “كتائب سيد الشهداء” دخلت بكيان “منتصرون” بزعامة مهدي الموسوي، فيما أسس المتحدث باسم الحشد أحمد الأسدي، “تحالف المجاهدين”، هذا عدا الفصائل التي لم تعلن عن كياناتها، أو أحزابها!
وجميع هذه التجمعات والأحزاب والكيانات النابعة من الحشد الشعبي لا تتفق مع ( المادة التاسعة – ب- ثانياً) من الدستور العراقي، ولا مع قانون الانتخابات ( المادة (6) من الفصل الثالث)، ولا حتى مع قانون هيئة الحشد الشعبي، وجميعها تؤكد على ” منع مشاركة الفصائل العسكرية، أو قادتها، في الحياة السياسية العامة، أو الانتخابات النيابية”!
أما بخصوص الحلقة المفصلية في موضوع الحشد الشعبي، وهي فتوى المرجع السيستاني، التي انطلقت بموجبها هذه الجموع لحمل السلاح بصورة سلبية وايجابية، فينبغي أن تكون محور الحديث، وما هو مصيرها، وهل سيسعى المرجع السيستاني لإلغائها أم ستبقى لغايات سياسية استراتيجية؟
معلوم في الشريعة الإسلامية والقانون أن الفتوى والقانون يتغيران بحسب الظرف والزمان والمكان، وعليه فان مبررات بقاء هذه الفتوى قد انتهت؛ وبالتالي تعدّ منتهية؛ لأن مبرراتها قد انتهت، ولا أدري إلى متى ستبقى هذه الفتوى قائمة؟
وبالعودة إلى السؤال الأبرز هل بمقدور العبادي حلّ فصائل الحشد الشعبي؟ أظن أن المشكلة مركبة جداً ذلك لأن غالبية الأحزاب تمتلك فصائل مسلحة- بما فيها حزب الدعوة الحاكم الذي ينتمي إليه العبادي، الذي يمتلك ثلاث ألوية في الحشد الشعبي- وبالتالي لا يمكن تصور إقدام العبادي على حل الدولة العراقية من الألف للياء لأن ذلك ليس من ضمن إمكانياته الحالية، وأظن أن المرحلة المقبلة ستشهد استمرار بقاء الحشد الشعبي كقوة مؤثرة في عموم المشهد العراقي، وبالذات السياسي منه، إلا إذا أفتى السيد السيستاني بحل الحشد، وحينها سيكون لكل حادث حديث!