موجة غضب واحتجاج ما زالت تجتاح حرم الجامعات الأمريكية في حراك غير مسبوق في القرن الحادي والعشرين، عشرات الجامعات الأمريكية انضمت إلى الحراك الطلابي الذي انطلق بعد أحداث السابع من أكتوبر ليعمَّ مختلف الولايات الأمريكية، خاصة بعد أن أخذ الحراك منعطفًا دراماتيكيًّا منذ 18 أبريل/ نيسان، إثر فرض جامعة كولومبيا، ممثلة برئيستها نعمت شفيق، تدابير مشددة على الطلبة المعتصمين، انتهت باستدعاء شرطة المدينة لفضّ اعتصامهم بالقوة.
نصب الطلبة خيامهم في ساحات الجامعات احتجاجًا على مساهمتها في إطالة أمد نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، ودعم سياسات التطهير العرقي الجارية على قدم وساق في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلى جانب مساهمتها غير المباشرة في استمرار المقتلة الواقعة في القطاع منذ السابع من أكتوبر الماضي.
فما الذي يريده الطلبة؟ وأي علاقة تربط الكيان الصهيوني بالجامعات الأمريكية؟ وهل هناك أفق لهذا النضال الطلابي؟ أم أن أثره لا يتعدى القيمة الرمزية؟ هذا المقال مخصص للغوص في العلاقات المتشابكة التي تربط “إسرائيل” بإدارات الجامعات الأمريكية من ناحية، وحركاتها وأجسامها الطلابية من الناحية المقابلة.
قائمة المطالب
تنوعت مطالب الحركة الطلابية بين العامة التي تطالب بوقف حرب الإبادة الإسرائيلية في القطاع، ورفع الولايات المتحدة يدها عن الدعم العسكري والسياسي والمالي غير المشروط للكيان؛ وأخرى خاصة تطالب إدارة الجامعات التي ينتمون إليها بقطع علاقاتها مع الجهات الضالعة في الانتهاكات ضد الفلسطينيين، حتى لا تعتبر شريكًا مباشرًا فيها.
استحوذ الصعيد الاقتصادي على نصيب الأسد في مطالب الحركة الطلابية، حيث تطالب الأخيرة جامعاتها بقطع كافة أشكال العلاقات الاقتصادية مع “إسرائيل”، ومع الشركات والجهات الضالعة في دعم السياسة الإسرائيلية والمستفيدة من حرب الإبادة على القطاع.
كما تطالبها بسحب استثماراتها من هذه الجهات ووقف الشراكات التي تربطها بها، في استجابة لبرنامج وقوائم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، والتي تتبناها الحركة الطلابية المناصرة للقضية الفلسطينية، وعلى رأسها حركة “طلاب من أجل العدالة في فلسطين (SJP)”، وحركات يهودية يسارية مثل طلاب “أصوات يهودية من أجل السلام (JVP)” وطلاب “حياة السود مهمة (BLM)”.
تمثلت مطالب المقاطعة بشكل رئيسي أيضًا حول قطع العلاقات مع الشركات المصنّعة للأسلحة التي تغذّي حروب “إسرائيل” في الأراضي المحتلة، ورفض التمويل الإسرائيلي الموجّه للأبحاث وجهود تطوير المعدّات الحربية والأدوات العسكرية، وسحب الاستثمارات من الشركات والجهات التي تربطها علاقات بشركات ومستثمرين وجهات إسرائيلية، وأخيرًا تبنّي سياسة الشفافية والكشف عن الأموال المتصلة بـ”إسرائيل” في الجامعات والأهداف التي ترتبط بها.
وللتوضيح، إن سحب الاستثمارات بمعناه الواسع يعني بيع الأسهم والأصول وفسخ عقود الشراكات وكافة صور الاستثمار لأسباب سياسية أو أخلاقية أو مالية، وهو مطلب لا يعدّ جديدًا في حركة التضامن مع الحق الفلسطيني، حيث احتل هذا المطلب جوهر عمل حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، التي تورد على قوائمها عددًا من الشركات والمصالح والمؤسسات الضالعة في انتهاكات لحقوق الفلسطينيين، أو المشاركة في السياسات الإسرائيلية القمعية في الأراضي المحتلة بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بوصفها مخالفة لقواعد القانون الدولي.
كما تحتل شركات بعينها قائمة سحب الاستثمارات التي تسعى الحركة الطلابية لإقرارها، إذ وفقًا لمنشور وزّعته الحركة الطلابية بجامعة كولومبيا في أبريل/ نيسان الماضي، طالبت إدارة الجامعة به بسحب استثماراتها من شركات “لوكهيد مارتن” و”هايكو وبلاك روك” و”جوجل” و”مايكروسوفت” المتعاونة مع الحكومة الإسرائيلية لفرض سياساتها ضد الفلسطينيين.
بينما ركزت الحركة الطلابية في جامعة نيويورك مطالبها على سحب الاستثمارات من شركات “كاتربيلار” للمعدّات الثقيلة، و”كيسكو” للخدمات التكنولوجية، و”جينيرال إلكترك” لخدمات الطاقة، إضافة إلى شركة “لوكهيد مارتن” للصناعات العسكرية، لا سيما أن الحركة الطلابية في جامعة نيويورك أشارت إلى عدة تحقيقات، تبيّن ضلوع هذه الشركات بالذات في تزويد “إسرائيل” بخدمات ومعدّات وتقنيات تؤبّد نظامها الاستعماري وسياساتها العنصرية ضد الفلسطينيين.
ما الرابط بين “إسرائيل” والجامعات الأمريكية؟
أشارت لجنة التبادل الأمني الفيدرالية الأمريكية (SEC) إلى سلسلة علاقات متشابكة تربط الجامعات الأمريكية بالنظام الإسرائيلي، منها ما هو اقتصادي مباشر تستثمر بموجبه هذه الجامعات في شركات ومؤسسات ضالعة بشكل مباشر في الانتهاكات الإسرائيلية، وعلى رأسها سياسة الفصل العنصري؛ ومنها ما هو اقتصادي غير مباشر تتعاون بموجبه الجامعات مع شركات ومؤسسات ضالعة في تطوير ودعم الخدمات العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية؛ ونوع ثالث من العلاقات الأكاديمية التي تربط بين الجامعات الأمريكية ومؤسسات تعليمية إسرائيلية.
علاقات الاستثمار والتمويل
تعدّ قائمة الشركات الضالعة في سياسة الفصل العنصري الخاصة بالأمم المتحدة، المؤشر الرئيسي على تورط الجامعات في علاقات اقتصادية مباشرة وغير مباشرة مع “إسرائيل”، فالقائمة التي وضعتها الأمم المتحدة عام 2020 مكونة من 112 شركة، إما تعمل على تزويد مواد ومعدّات البناء في المستوطنات الإسرائيلية، أو خدمات الاستخبارات والتعرُّف إلى الوجوه في المناطق المتصلة بالمستوطنات من جدار فصل ونقاط تفتيش، وإما منخرطة في الصناعات الأمنية وغيرها داخل المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ثم عاد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وحذف 15 شركة أوقفت نشاطها في المستوطنات، وبقي 97 أخرى ضالعة في سياسة الاستيطان التي تعدّ انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي الإنساني وتشكّل جريمة حرب، وهي شركات تستهدفها قوائم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات بشكل رئيسي.
على سبيل المثال، نشرت صحيفة الطلاب في جامعة هارفارد “قرمز هارفارد” تحقيقًا عام 2020، يظهر تورط الجامعة في استثمارات بلغت قيمتها 194 مليون دولار في شركة بوكينغ هولدينغز الموجودة على قائمة الأمم المتحدة، قبل أن تقوم الجامعة بقطع علاقاتها بالشركة والحفاظ على استثمارات، وشراكات أخرى تربطها بالمؤسسة الإسرائيلية العسكرية.
كما تربط جامعة هارفارد علاقة استثمار ضخمة بشركة “ألفابيت”، الشركة الأمّ لجوجل، ويحوم الشك حول هذه العلاقة الاستثمارية مع الجامعة، كون جوجل ترتبط بعقد قيمته مليار و2 مليون دولار شراكة مع أمازون، لتقديم خدمات ديجيتال للحكومة والمؤسسة العسكرية الإسرائيلية في مشروع نيمبوس الجدلي، والذي يقوم على توفير حزمة واسعة من خدمات التعرُّف إلى الوجوه وتصنيف الصور وتتبُّع الأهداف، وخدمات الذكاء الصناعي المستخدمة في قمع واضطهاد سكان الضفة وقطاع غزة.
تتكتم جامعة كولومبيا في المقابل عن علاقاتها بـ”إسرائيل”، حيث لا تعلن شركة إدارة الاستثمار التابعة للجامعة عن ماهية وكيفية إدارة استثماراتها، فقط المرابح التي تجنيها تجاوبًا مع المتطلبات القانونية بالحدّ الأدنى من الشفافية المالية المطلوبة.
تستثمر كولومبيا بصورة ضخمة في شركة “إير بي إن بي” للتأجير السياحي المشمولة في قائمة الأمم المتحدة، والتي تربطها شراكات واستثمارات بمستوطنات الضفة الغربية، عدا عن استثماراتها بشركات أمنية عاملة في نقاط التفتيش والسجون الإسرائيلية والأمريكية على السواء.
وبالمثل يشير طلبة جامعة ميشيغان إلى تورط جامعتهم بعقود استثمار بقيمة 6 مليارات دولار مع شركات وجهات، إما مستفيدة من الاقتصاد الإسرائيلي وإما ضالعة في الصناعات العسكرية والاستخباراتية المتوجهة لـ”إسرائيل”، في المقابل أشارت إدارة الجامعة لعدم وجود علاقات تربطها بجهات إسرائيلية مباشرة، وأن استثماراتها غير المباشرة لا تتجاوز ما نسبته 1% من صندوق استثماراتها الذي يبلغ 18 مليار دولار، مضيفة أنها لن ترضخ إلى مطالب المعتصمين بفضّ شراكاتها وسحب استثماراتها غير المباشرة مع الكيان، كون تلك الاستثمارات محصنة تاريخيًّا من الضغط السياسي.
من ناحية أخرى، ترتبط جامعة كاليفورنيا باستثمارات مع شركة الكهرباء العامة (General Electric) التي تقود مشروع نشأة الريح (Genesis Wind Project) في الجولان المحتل، كما تملك الجامعة أسهمًا في شركة كوكا كولا التي تشملها حركة المقاطعة في قوائمها، بوصفها ضالعة بشراكات مع الحكومة الإسرائيلية، وعاملة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي المستوطنات لمصلحتها.
كما ترتبط جامعة جورج ماسن باستثمارات مشابهة، حيث تمتلك أسهمًا في شركة ماكدونلدز للوجبات السريعة، لكن أخطر استثماراتها تلك التي تربطها بأكبر مصنّع للسلاح على مستوى العالم: شركة “لوكهيد مارتن“، والتي صدّرت لـ”إسرائيل” خلال الأشهر الأولى من حربها الإبادية على القطاع الطائرات الحربية إف-35 بقيمة 3 مليارات دولار، عدا عن خدماتها التاريخية لـ”إسرائيل” في حروبها السابقة منذ سبعينيات القرن الماضي.
على صعيد التمويل المباشر، تشترط وزارة التعليم الأمريكية على الجامعات الإبلاغ عن الهبات التي تصلها من جهات أجنبية، ورغم ذلك لا تلتزم الجامعات بهذا الشرط، وتعمل على تصريف أموالها بشكل ملتوٍ لمؤسسات وجهات مستقلة عنها وتعمل لصالحها، حيث كشفت الوزارة عن تقارير وصلتها باستثمار إسرائيلي بقيمة 375 مليون دولار في 100 جامعة أمريكية على امتداد العقدَين الماضيَين، وهو رقم صغير مقارنة بالرقم الفعلي غير المبلّغ عنه، دون أن تبيّن لأي أغراض وتحت أية شروط تمّ تقديم هذا المبلغ.
يعدّ معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) أحد أبرز أمثلة هذا التمويل، فقد نشر طلبة المعهد، وهو أفضل الجامعات في مجال التعليم التكنولوجي على مستوى الولايات المتحدة، أسماء عدد من الباحثين والأساتذة الجامعيين الذين تلقوا تمويلًا من وزارة الدفاع الإسرائيلية، بهدف تطوير أبحاث توجيه لطائرات الدرون وتحصين الآليات العسكرية، مبيّنين أن المعهد تلقى في العقد الأخير ما لا يقل عن 11 مليون دولار أمريكي من الحكومة الإسرائيلية لأغراض تكنولوجية عسكرية.
العلاقات الأكاديمية
اعتبرت حركة المقاطعة أن الجامعات الإسرائيلية مشاركة بشكل مباشر في أنظمة الاحتلال والقمع والفصل العنصري الإسرائيلية، فمن ناحية تقوم هذه الجامعات بتطوير أنظمة أسلحة ونظريات عسكرية وأمنية تستخدَم بشكل مباشر في انتهاك حقوق الفلسطينيين، ومن ناحية أخرى تعمل هذه الجامعات على تطوير نظريات أكاديمية تبرر الاحتلال وتبيّض صورة الاستعمار، وتعمل على عقلنة سياسات التطهير العرقي الممارَس من قبل حكومتها أمام المجتمع الدولي.
إلا أن التعاون الأكاديمي يبدو وثيق الصلة بين الجامعات الأمريكية ونظيراتها من الجامعات الإسرائيلية، حيث تتنوع أشكال الارتباط الأكاديمي بين هذه الجامعات من شراكات بحثية، وعقود تطوير تكنولوجية، وبرامج تبادل طلابية وهيئات أكاديمية وتكريمات متبادلة، كما تملك كثير من الجامعات النخبوية سياسات تسهيلية لانضمام الإسرائيليين إليها، سواء من العامة أو من المنتمين إلى الجيش الإسرائيلي.
وتتركز هذه العلاقات على مجالات الطاقة والتكنولوجيا والصناعات الدوائية والحيوية والغذائية، ناهيك عن المجالات العسكرية والأمنية المزدهرة بينها، والتي لا تنحصر بالعلاقات الرسمية على مستوى إدارة الجامعات، بل تنفرد فيها الدوائر والأقسام المختلفة لهذه الجامعات، ما يجعل حصرها وتتبُّعها، عدا عن محاولة قطعها بشكل كامل، أمرًا صعبًا، خاصة أن بعض هذه العلاقات قد يربط أسماء بحثية أو أكاديمية بعينها وبصورة شخصية وليس مؤسساتية وحسب.
في أبرز التحركات في المجال، صوّت موظفو دائرة التحليل الاجتماعي والثقافي في جامعة نيويورك لصالح قرار يمنع التعاون مع جامعة تل أبيب، وبناء على القرار ستحجم الدائرة عن إرسال كادرها التدريسي إلى جامعة تل أبيب، أو عن تخصيص ميزانية لبرنامج تبادل الهيئات التدريسية مع الجامعة، لكن إدارة الجامعة نفسها لا تتبنّى هذا القرار ولا تعمّمه على برامج التبادل الطلابي، أو الخاص بالهيئات التدريسية التي تربطها بالجامعة، أو غيرها من الجامعات الإسرائيلية.
وناضلت الحركات الطلابية، وعلى رأسها “طلاب من أجل العدالة في فلسطين”، حتى قبل السابع من أكتوبر، لمقاطعة هذه العلاقات، فحثّت الطلبة على عدم التسجيل في المساقات التي يقدمها أساتذة إسرائيليون، ورفضت حضور المؤتمرات والمحاضرات التي استضافت شخصيات إسرائيلية، وقاطعت الفعاليات التي كرّمت شخصيات لها علاقة بـ”إسرائيل” بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
هوّة عميقة بين الحركات الطلابية وإدارات الجامعات
يظهر الخلاف جليًّا بين الأجسام والحركات الطلابية التي تتبنى سياسات تدعم حركة المقاطعة، وإدارات الجامعات التي لا تكتفي برفض الحركة ونشاطها، لكن تهدد أيضًا بسحب استثماراتها من أي جهة تدعم الحركة بشكل رسمي.
تبرر إدارات الجامعات سياساتها القمعية اتجاه الطلبة ومطالبهم، بحاجتها لحماية الطلبة اليهود ومصالحهم، ورفضها للتوجهات الإقصائية والتمييزية، بما في ذلك تلك التي تميز ضد “إسرائيل” وتقصيها من العلاقات والاستثمارات، مرددين تهمًا جاهزة بمعاداة السامية، حيث تعتبر وفقًا لتعريف تحالف إحياء ذكرى الهولوكوست (IHRA) معاداة الصهيونية ضربًا من ضروب معاداة السامية، ومنها انتقاد “إسرائيل” ومجاهرتها العداء والتمييز ضدها، حيث تنظر إليها كتعبير جمعي عن حق اليهود بتقرير المصير، وقد تبنّت الإدارة الأمريكية تحت قيادة ترامب التعريف بشكل رسمي، وتبعتها عدد من المؤسسات العامة والخاصة، بما في ذلك عدد من الجامعات الأمريكية.
وبينما وعدت بعض الجامعات وعلى رأسها جامعة براون طلبتها بفتح تحقيق بالاستثمارات التي تربطها مع “إسرائيل”، وطرح مسألة سحبها على التصويت الداخلي، رفضت جامعات أخرى المطلب جملة وتفصيلًا، فقد كشفت جامعة ييل، على سبيل المثال، عن توصية لجنة مسؤولية المستثمرين برفض سحب الاستثمارات التي تربطها بشركات تصنيع الأسحلة التي تزود “إسرائيل” بترسانتها العسكرية.
كما أعلنت نعمت شفيق، رئيسة جامعة كولومبيا، رفض مطلب المعتصمين بسحب الاستثمارات التي تربط الجامعة بـ”إسرائيل”، مبينة أن مجموعة طلبة لا يمكنهم إملاء الشروط، مؤكدة أن الجامعة لن تسحب أيًّا من استثمارات هباتها البالغة 13.64 مليار دولار، لكنها ستحيل اقتراحات الطلبة إلى لجنة المسؤولية الاجتماعية للمستثمرين، المسؤولة عن تقييم مطالب سحب الاستثمارات.
وأعلنت شفيق أيضًا أنها ستلجأ إلى فضّ الاعتصام بالقوة، مستعينة بشرطة مدينة نيويورك، وهو ما تم فعلًا بعد منتصف ليلة الأول من مايو/ أيار، حيث تم الاعتداء على الطلبة المعتصمين وفضّ معسكرهم بالقوة واعتقال عدد منهم، مع بقاء قوات الشرطة في حرم الجامعة بطلب من رئيستها لمنع أي تجمع مستقبلي للطلبة.
تحركات رمزية أم تغيرات نوعية؟
تواجه مطالب الحركة الطلابية عقبات جمّة، فمن ناحية تتجاوب إدارات الجامعات مع اعتبارات الولايات السياسية، حيث تبنت قرابة 30 ولاية أمريكية قوانين مناهضة لحركة المقاطعة (Anti-BDS Laws)، تتوعّد بموجبها كافة الجهات التي تتبنى قوائم وسياسات الحركة بقطع التمويل الحكومي وسحب الاستثمار منها ورفض التعاقد معها.
ورغم المعارك القانونية المحتدمة في ساحات القضاء، والتي أنصف بعضها حركة المقاطعة بوصفها تعبيرًا سياسيًّا محميًّا بموجب التعديل الأول من الدستور وليست حركة تمييزية، إلا أن قطاعات واسعة من المؤسسات الحكومية والخاصة ومنها الجامعات ما زالت تتبنّى هذه القوانين وتعمل بموجبها.
من ناحية أخرى، تعتمد الجامعات الخاصة في إدارة حرمها وتمويل أنشطتها وكوادرها بالإضافة إلى أقساط الطلبة على صندوق الهبات، ويقوم هذا الصندوق بشكل رئيسي على التبرعات والمساهمات المؤسساتية والفردية، كما يدير عمليات استثمار ضخمة في كبريات الشركات والأسماء التجارية الرائدة في الولايات المتحدة.، حيث ترتبط الجامعات من خلال صندوق هباتها بعلاقة مالية ضخمة، يعمل معظمها في الظل وتأخذ شكل استثمارات وعقود وشراكات وملكية أصول وأسهم متشعّبة يصعب تتبُّع علاقتها بالكيان الإسرائيلي، فبعض هذه الشركات تربطها عقود بالحكومة الإسرائيلية أو بجهات ترتبط بالحكومة الإسرائيلية، دون أن تحمل الجنسية الإسرائيلية بذاتها، وبذلك تتحول إلى طرف ثالث في المواجهة وقطع الاستثمارات.
يتبع صندوق الاستثمار في الجامعات أنظمة تتيح له الاستفادة الكبرى وتقليل الخسارة وفقًا لنظام السوق العالمي، وذلك من خلال الاستثمار في صناديق المؤشرات (Index Funds) أو في الأسهم الخاصة، والاستثمار في صناديق المؤشرات بالذات يجعل من سحب الاستثمارات أمرًا بالغ الصعوبة، ذلك أن هذا النظام يقوم على الاستثمار في عدد من كبريات الشركات المدرجة في بورصة معيّنة، اعتمادًا على أدائها في سوق الأسهم، دون أن يكون للجامعة خيار الانتقاء من بينها أو استبعاد واحدة دون الأخريات، كما يعمد بعض مديري الاستثمارات التي تتبعها الجامعات إلى استثمارات جماعية لمضاعفة الأرباح، يصعب معها التحكم بشروط الاستثمار بشكل مباشر.
وتتباين قيمة صناديق الهبات للجامعات الأمريكية بشكل كبير، فبينما تملك جامعة النخبة أكبر هذه الصناديق قيمة، تختلف القيمة فيما بينها، حيث تملك جامعة مثل ييل صندوقًا بقيمة 40.7 مليار دولار، بينما تبلغ قيمة صندوق جامعة نيويورك 5.9 مليارات دولار، و14.4 مليار دولار هي قيمة صندوق جامعة نورث ويسترن في شيكاغو.
إلا أن الجامعات الأمريكية تستثمر الهبات الممنوحة لها في استثمارات تقدَّر بمليارات الدولارات الأمريكية، فمثلًا يقدَّر استثمار صناديق الهبات في 30 جامعة أمريكية من أصل آلاف الجامعات والمؤسسات التعليمية الجامعية الأخرى بـ 493 مليار دولار، وهي مبالغ طائلة ستتسبّب في خلخلة ميزان الاقتصاد، وستحدث فرقًا بالنسبة إلى الجامعات والشركات التي ترتبط بها على السواء، بعكس ادّعاء البعض الذي يرى أن العقاب الاقتصادي لا يمكن أن يحدث فرقًا، ما لم تفرضه حكومات وازنة مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في شكل عقوبات رسمية.
صوّتت كثير من حكومات الطلبة وأجسامها التمثيلية على قرارات تطالب جامعاتها بالتحقيق في العلاقات التي تربطها بالحكومة والجهات الإسرائيلية الأخرى، وقطع تلك التي يثبت مساهمتها في سياسات القمع والاستعمار في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكثير من هذه القرارات لم تلقِ أذنًا صاغية لدى إدارات الجامعات، وظلت ذات قيمة رمزية بالنسبة إلى الإدارات وعنوانًا لنضال الطلبة ضد رغبات وتوجهات إداراتهم.
لكن هذه القرارات تعدّ ملزمة للحكومات الطلابية (Associated Students)، والتي تملك مخصصات واستثمارات خاصة فيها، فمثلًا صوتت الحكومة الطلابية في جامعة كاليفورنيا دايفس (ASUCD)، في فبراير/ شباط من العام الجاري، على قرار يمنع استثمار أي من مخصصاتها البالغة 20 مليون دولار في الشركات الضالعة في انتهاكات ضد الفلسطينيين، والمساهمة بشكل خاص في الحرب الإبادية على القطاع، كما حددتها حركة المقاطعة، وكذلك فعلت الحكومة الطلابية في جامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس، الأمر الذي أدانته إدارة الجامعة ورفضت التعاطي معه.
يضاف إلى ذلك، جامعات أخرى صوّتت حركاتها وأجسامها الطلابية على سحب الاستثمارات وقطع العلاقات الأكاديمية مع “إسرائيل”، ومنها: جامعة هارفارد وجامعة كولومبيا وجامعة رتجرز والجامعة الأمريكية في واشنطن العاصمة.