تُعرف منطقة كاديكوي بالمركز الثقافي للجانب الأناضوليّ في إسطنبول، ولا ريبَ أنّك ستجد فيها تجربةً جميلة وطاقةً هائلة تنتشر في هوائها عن طريق سكانها أو المتجولين في أرجائها، إذ ينتمي معظمهم للجيل الشابّ المليء بالطاقة والحيوية، دون أن تعرف كيف ولماذا.
المنطقة التي كانت مستوطنة ريفية خارج حدود القسطنطينية، سارع العثمانيون بعد الفتح بضمّها فوُضعت تحت ولاية محاكم إسطنبول، وحملت اسم قاضي كوي، أي قرية القاضي، وشيئًا فشيئًا تحولت سوقًا مركزيًّا للسلع الزراعية الأمر الذي ساعد في جعلها منطقةً سكنية يقصدها الأفراد للعيش والعمل، خاصةً أولئلك الذين يأتون للمدينة عن طريق البحر.
وكما ذكرنا في التقرير السابق، كان سكّان المنطقة آنذاك مثالًا للمزيج العثماني القسطنطيني المُتعارف عليه في ذلك الوقت؛ فسكنها في ذات الآن كلٌّ من الأكراد والأرمن واليونانيين والألبان واليهود والأتراك، لذلك ليس غريبًا أن تجد أثناء تجوالك فيها الآن العديد من الكنائس اليونانية والأرمنية والصربية والكاثوليكية والبروتستانتية، والمعابد اليهودية، التي تقف جنبًا إلى جنب مع الجوامع العثمانية القديمة والتركية الحديثة.
ولا تقتصر تجربة زيارة كاديكوي والتجول فيها على الأماكن التاريخية، أو استكشاف أزقتها القديمة التي تحوي بين جنباتها العديد من البنايات والبيوت التي تعكس عبق الماضي بخليط من العراقة والجمال، وإنما يتعدى ذلك لكونها واحدةً من أكثر مناطق إسطنبول حيويةً وامتلاءً بالمطاعم والمقاهي اللذيذة والمميزة.
فلو كنتَ تبحث عن الطعم الأناضوليّ الأصيل، عليك بالتوجه نحو çiya sofrası، المطعم الصغير الذي يختصّ بالمأكولات القادمة من جنوب شرق الأناضول والمحضّرة وفقًا للوصفات الأصلية العريقة، إلى جانب تشكيلةٍ متنوعة أيضًا من المأكولات التي تعود إلى بلاد ما بين النهرين والبلقان والقوقاز ومن آسيا الصغرى وشبه الجزيرة العربية. كما لا تنسَ بأن تحظى بالقطمير، الحلوى التركية الشهيرة، القادمة أساسًا من مدينة غازي عنتاب، وهو عبارة عن عجين رقيق مقرمش بداخله طبقة من القشطة الكريمية والفستق الحلبي.
وفي حال أردتَ تجربة بعضًا من الأكل التركيّ التقليدي، فلديك بكلّ تأكيد الكثير من الخيارات؛ منها مطعم خليل “halil lahmacun“، الذي يشتهر فقط بصناعة اللحم بعجين التركيّ المشهور والمعجنات “pide“، ولا تنسَ أن تعصر القليل من الليمون على اللحمعجون لتحظى بالطعم الأصليّ اللطيف.
وقد تفضّل التمتّع بوجبة مشاوي وكباب تركية، فما عليك وقتها سوى التوجه نحو Ciğerci Hulusi، الذي يقدّم لك خياراتٍ واسعة من الكباب واللحم أو الكبد المشويّ اللذيذ.
أما إن كنتَ تبحث عن تجربة خفيفة مع الأكل الغربي، فأنصحك بالتوجه نحو OD46، مقهىً صغير بتصميم ساحر، يختص فقط بصناعة الكريب.
ستجد أول ما تجد دراجةً معلقة فوق بابه، لتلمح فيما بعد البلاط المزخرف وصورةً جميلة لفريدة كحلو بداخله. وحين أقول صغير، فأنا أقصد 3 طاولات صغيرة في الداخل وطاولتين صغيرتين خارجه في الشارع. OD46 هو اختصار للكلمتين التركيتين “Orta Daire No 46″، واللتين تعنيان “الشقة الوسطى رقم 46″، أي رقم الشقة التي تقطنان فيها مالكتا المكان الجميل.
على تلك الكراسي الحمراء والسوداء أمامك، في زقاقٍ شبه ضيق، يمكنك أن تجلسَ مراقبًا العابرين ما بين كاديكوي وحيّ موضة الشهير، وتستمتع بقائمة متنوعة من الكريب اللذيذ، بدءًا باللحم المدخّن والجبنة، مرورًا بالسبانخ والأفوكادو، وغيرها الكثير من الأنواع فائقة اللذة التي يمكنك تناولها في أي وقتٍ تريد، على وجبة الإفطار أو الوجبات اللاحقة. أما عن الحلويات فحدث ولا حرج، كل ما عليك فعله هو التوجه نحو كاديكوي، والمشي باتجاه شارع مودا الجميل، ثمّ المرور على هذا المكان لتمتّع نفسك بطعمٍ فائق اللذة.
وبمجرد ما تضع قدمك على عتبة المقهى، ستجد نصًا فرنسيًا يرحّب بك، قائلًا: “Sous les pavés la plage”، والذي يعني “هناك شاطئٌ تحت الحصى”. يعود تاريخ العبارة إلى العصيان الطلابي الفرنسي عام 1968 مشيرةً للحصى التي ألقاها الطلاب على الشرطة آنذاك.
ولو كنتَ من محبي المطبخ الغربيّ، والبرجر خصوصًا، فأنصحك بالذهاب إلى Mini Eatery، المطعم الصغير الذي يختص فقط بشطائر البرجر الصغيرة، بأطعمة ونكهات مختلفة جدًا، إضافة للبطاطا المبهّرة وشرائح البصل المقلية اللذيذة.
وبالقرب من مكان البرجر، ستجد نفسك في حال واصلتَ المشي للأعلى، قريبًا من pauls lasagna، المطعم الإيطالي الذي يقدّم أطباقًا فاخرة من اللازانيا والمعكرونة المتنوعة، والتي تأتيك في فخارةً قديمة وقد خرجت لتوّها من الفرن، ساخنة جدًا.
ولو كنتَ تفضّل وجبةً حقيقية من البيتزا، فبكل تأكيد لن تجدَ خيارًا أفضل من fornello، بخياراته المتنوعة التي تحتار في الاختيار بينها أو تفضيل إحداها على الأخرى.