يفتقد المحتوى العربي النقد الأدبي بمختلف أنواعه، سواء كان نقدًا أدبيًا، أو فنيًا أو سينيمائيًا، حينها يضطر القارئ العربي اللجوء للمحتوى الأجنبي وبالأخص الموجود باللغة الإنجليزية الذي يشمل النقد لكل أنواع الفن السابقة، ذلك بعدما نجح المحتوى الأجنبي في خلق منصات خاصة فقط بالنقد الأدبي ومشاركته مع الخبراء والهواة، والعمل على برامج وقنوات على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة فقط بالتحليل والنقد للمحتويات والمنشورات الأدبية، ولكن أين المحتوى العربي من كل هذا؟
قد تراجع المحتوى العربي في النقد الفني كثيرًا عن المحتوى الأجنبي، واختزل النشر فيه على بعض الترجمات للنقد المكتوب باللغة الإنجليزية أو غيرها، أو اختزل على إعلانات سطحية لبعض الكتب و الأفلام في مجالات معينة أو قوائم مشهورة لكتاب حاصلين على جوائز عالمية أو محلية، إلا أن المحتوى العربي قد خلا بوضوح من أي محتوى نقدي أصلي يعتمد عليه القارئ العربي في فهم الأدب وتحليله بلغته الأصلية.
على الرغم من أن المحتوى العربي الأدبي المتواجد على مواقع التواصل الاجتماعي قد خلا من النقد والتحليل الأدبي باللغة العربية إلا أنه لم يخلو أبدًا من الإنتاج الغزير للأدب العربي المستمر منذ نشأة اللغة العربية وحتى يومنا هذا، ولهذا لم يتخلى عنه الشباب العربي، وقرروا أن النماذج الناجحة من منصات التواصل الاجتماعي الأجنبية، مثل “Goodreads” “imdb” الخاصة بالتحليل والنقد الأدبي والفني من الممكن أن تكون باللغة العربية أيضًا.
لقد تراجع المحتوى العربي في النقد الفني كثيرًا عن المحتوى الأجنبي، واختزل النشر فيه على بعض الترجمات للنقد المكتوب باللغة الإنجليزية أو غيرها، أو اختزل على إعلانات سطحية لبعض الكتب و الأفلام في مجالات معينة
قنوات ومنصات عربية لنقد الأدب
تعتمد المواقع الأجنبية في فكرتها على خلق “مجتمع للقراءة” بالضبط كما تفعل شبكات مواقع التواصل الاجتماعي لخلق شبكات اجتماعية
لا تكون فكرة نقد الأدب باللغة العربية فكرة شائعة في الدول العربية بسبب تعوّد الجمهور العربي على انتهاء عملية قراءة الكتب أو الروايات عند الانتهاء من قراءة الكتاب فقط، إلا أن عملية نقده ومراجعته ومناقشته هي عملية أخرى يُتمها كل قارئ وكل مُهتم بالأدب، ولأن المحتوى العربي في النقد الفني قليل بشكل عام، لم يكن هناك أهمية لعملية النقد تلك بالنسبة لشريحة كبيرة من الجمهور العربي، إلا أن الآن ومع وجود المنصات العربية الناشئة التي سنذكرها هنا، ربما سنجد في القريب العاجل منصات عربية بأهمية منصة القراءة “Goodreads” أو منصات تحليل الفن السينمائي مثل “Imdp”.
تعتمد المواقع الأجنبية في فكرتها على خلق “مجتمع للقراءة” بالضبط كما تفعل شبكات مواقع التواصل الاجتماعي لخلق شبكات اجتماعية، وليس فقط الإعلان عن بعض الكتب أو بعض الجوائز الأدبية، هذا ما تفعله إحدى المنصات العربية الناشئة بالضبط في خلق مجتمع عربي للقراءة يجد الكتب بسهولة و يقرأ لها نقدًا أدبيًا ويشارك آرائه فيها على المنصة مع قراء آخرين، هذه المنصة هي أول شبكة عربية اجتماعية تُحاكي تجربة منصة “goodreads”، وهي منصة “أبجد”.
منصة أبجد.. “جودريدز بالعربي”
تكونت شبكة “أبجد” الأردنية، وهي شبكة اجتماعية تأسست في عام 2014 في محاولة لمحاكاة منصة “goodread” لمجتمع القراءة، واستطاعت المنصة أن تجعل مجتمعها هذا يتكون من أكثر من 200 ألف قارئ عربي إلى الآن، هي منصة يستطيع فيها المستخدم إيجاد كتب كثيرة من خلال البحث على المنصة، ليجد آراء قراء آخرين فيها و يشارك رأيه مع القراء الآخرين، بل ويستطيع تحميل بعض الكتب على جهازه ليكون لديه نسخة إلكترونية من الكتاب، وذلك بعدما استطاعت المنصة التعاون مع بعض من دور النشر العربية ليكون لديها صلاحية نشر الكتب الإلكترونية.
بحسب تعريف المنصة على موقعها الرسمي، فإنها منصة لجميع محبي القراءة في العالم العربي، ليستطيعوا أن يشاركوا فيها تقييماتهم ومراجعاتهم للكتب التي قرؤوها، وهي منصة تهدف للنهوض بالمحتوى العربي في الوصول للأدب العربي بطريقة إلكترونية سهلة وتكوين مجتمع للقراءة يستطيع تقييم ومراجعة الكتب التي يُفضلها مع هواة للقراءة آخرين.
كما يكون هناك تطبيقًا للمنصة بنفس الاسم “أبجد” يمكن للمستخدمين من خلاله أن يبقوا على اتصال مع أصدقائهم من مجتمع القراءة على المنصة نفسها ويستطيعون من خلال إشعار التطبيق لهم عن الكتب الجديدة المتوفرة في السوق أو الكتب الجديدة الإلكترونية المتوفرة على منصة “أبجد”.
لقاء القائمين على مشروع “أبجد” مع قناة سكاي نيوز”
بائعو الكتب الآن على يوتيوب
أدرك محترفو القراءة العرب أن الجمهور العربي يفضل الاستماع والمشاهدة على القراءة، وفي حالة قررت أن تُقدم له نقد أدبي عن كتاب أو رواية ما، فالأفضل أن تُقدمها له في شكل مسلي و سريع كما يُقدم نقاد الأفلام السينمائية محتواهم بشكل فكاهي من خلال فيديو قصير.
كانت تلك فكرة العديد من القنوات العربية التي أُنشئت حديثًا على يوتيوب، من بينها مشروع فكرة “الروائي” و “دودة الكتب”، وهي عبارة عن نقد أدبي من محترفين للقراءة من الشباب العربي وتقديمه في محتوى أصلي ما بين الخمسة دقائق والعشرة دقائق.
كانت تلك فكرة الشاب المصري “عمرو المعدواي” الذي قرر أن يشجع ظاهرة “البوك تيوب” التي يقوم فيها اليوتيوبر بنشر محتوى خاص به في نقد الكتب والروايات العربية، حيث يُقدم “عمرو” مراجعات للأدب العربي و الأدب المُترجم للعربية لمختلف المجالات الأدبية والكتاب في حلقة أسبوعية على قناته على يوتيوب وصفحته على فيسبوك باسم “الروائي”.
https://www.youtube.com/watch?v=rp99Ye3X2-U
يُقدم لك “الروائي” استعراضًا للرواية أو الكتاب في أول مقطع الفيديو، متبوعًا باقتباسات منها، ومن ثم يقدم تحليله الخاص للاقتباسات المعروضة تابعًا ذلك بنقده الشخصي للرواية عارضًا فيها كل من المزايا والعيوب من وجهة نظر أدبية، يستطيع منها المشاهد أن يكوّن خلفية عن الرواية التي يود قراءتها أو يستطيع سماع وجهة نظر مختلفة عن الرواية التي قرأها بالفعل من قارئ محترف.
كانت تلك فكرة العديد من القنوات العربية التي أُنشئت حديثًا على يوتيوب، من بينها مشروع فكرة “الروائي” و “دودة الكتب”، وهي عبارة عن نقد أدبي من محترفين للقراءة من الشباب العربي
تشاركه الفكرة ذاتها فتاة مصرية “ندى الشبرواي” تقوم بتقيّمات ومراجعات لكتب عربية و كتب أجنبية تُرجمت للعربي وأيضًا للأدب الإنجليزي كذلك، كما أنها تحاول في قناتها على منصة يوتيوب بعنوان “دودة كتب” أن تُقدم نصائح لهواة القراءة، وكيفية تنظيم وقتهم بين الدراسة وقراءة الكتب غير المنقطعة، وكيفية شراء الكتب بأوفر الطرق دون الحاجة لشراء الكتب الأصلية ودفع الكثير من الأموال مقابل ذلك.
https://www.youtube.com/watch?v=vj6p56aREHY
قامت الفتاة الفلسطينية “آيه عباسي”، التي تتحدث 6 لغات، بالانضمام إلى فكرة “البوك تيوب” من خلال منصتها التي تشجع فيها الشباب العرب على تنمية مهاراتهم التعليمية مثل تحدث اللغات وقراءة الكتب، كان من بين موضوعاتها على قناتها على يوتيوب هي حديثها عن قرائتها لـ100 كتاب في حياتها والإشارة بالأخص لأفضل خمسة كتب من بين المائة والتي قرأتهم بلغات عديدة من بينها العربية والإنجليزية والفرنسية.
وجد الشباب العربي فكرة تقديم مراجعات وتقييمات للكتب من خلال منصة يوتيوب أكثر إمتاعًا من كتابتها في صورة منشورات على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، فهم يحاولون تنمية مجتمع خاص بالقراءة، ومن ثم يحاولون عرض المحتوى العربي في صورة جذابة من شأنها أن تدفع الجمهور العربي للانجذاب للقراءة ويكون جزءًا من ذلك المجتمع.
كانت تلك الوسيلة هي تقديم العروض والتقييمات من خلال مقاطع مصورة أو من خلال تصوير مقاطع مباشرة على “فيسبوك لايف” أو “إنستجرام لايف”، في محاولة منهم للاقتراب من الجمهور العربي القارئ وغير القارئ، لقد بدأت ظاهرة “البوك تيوب” في الانتشار حتى تزايد عدد مقدمي تلك القنوات، على الرغم من عدم اختصاصهم بالتصوير ولا بتسجيل الفيديوهات، وعلى الرغم من أنهم غير دارسي للنقد الأدبي، إلا أنهم قراء محترفين قرءوا مئات من الكتب، وهم مؤمنون بأن مجتمع القراءة لا يقتصر فقط على الخبراء.