ترجمة وتحرير: نون بوست
يجلس العشرات من السياح الصينيين في أثناء قيامهم بنزهة في ظل معبد “لينجي” البوذي المهيب الذي يمثل مكان ولادة أحد أشهر فروع الديانة البوذية، في الواقع، يحتوي المعلم، ذو الطوب الرمادي المنحوت بدقة، على آثار مؤسس هذه المدرسة خلال القرن التاسع الذي ينتمي لسلالة “تانغ”.
في أثناء تجول الزائرين في الطرق المزدانة بأشجار السرو والخيزران أوالنباتات الاستوائية ذات الأزهار الحمراء، يمشي هؤلاء على طول المهاجع وقاعة الطعام ليتجمّعوا لاحقًا في قاعة صلاة أمام تماثيل بوذا الذهبية، ومن ثم، يدخل الزوار إلى المسكن القديم الذي تم تحويله إلى متحف للراهب الموقر شييومينغ الذي كان يدير مكان العبادة حتى وفاته خلال سنة 2010.
داخل المعبد، تُعرض في الواجهات المُقتنيات التي كانت ملكًا للمعلم “زن”، بالإضافة إلى صور قديمة للمعبد التي تعود إلى مطلع الثمانينيات حين كان “باغودا”، أي المبنى البوذي، حطامًا، وضمن نص تقديم المعبد، تشير إحدى الجمل إلى الزيارة التي أداها “شي جين بينغ” الذي أصبح الرجل القوي في البلاد بعد 12 سنة، للراهب يومينغ خلال سنة 2005.
من المثير للدهشة غياب أي صورة توثق هذا الحدث، على الرغم من أن صورة “العم شي” تملأ أركان البلاد، فضلاً عن ذلك، تغيب التفاصيل بشأن أصل المعدات الخاصة بفن الخط التي خلّفها الحكيم القديم، في هذا الصدد، أخبرنا دليلنا السياحي، شريطة الإبقاء على هويته طي الكتمان، أن هذه المعدات أهداها شي جين بينغ للزعيم الديني بمناسبة بلوغه سن التسعين.
يُعدّ والد شي جين بينغ بطلاً ثوريًا عاد إلى السلطة بعد تعرضه لمحاولة تطهير من أتباع الماوية
عمومًا، يبدو أن جهودًا بُذلت لإخفاء العلاقة الوثيقة التي جمعت بين الرجلين، وهو ما أكده مرافقنا، وهو راهب مُقرّب من إدارة المعبد، حين قال: “إنهما كانا صديقين، في الحقيقة، نحن نحتفظ بالصور التي تجمعهما معًا ولكننا لا نستطيع نشرها نظرًا لأنها تتعلق بزعيم الحزب الشيوعي”، عمومًا، سيؤدي نشر مثل هذه الصور إلى التعتيم على المنهج الذي يفرضه شي جين بينغ نفسه الذي يُحتّم رسميا تبنّي “إلحاد متشدد” من أعضاء حزبه، وكثف حملة القمع التي طالت الديانات منذ توليه رئاسة البلاد أواخر سنة 2012.
نصائح يومينغ إلى شي جين بينغ
نجت بعض الصور من الرقابة المفروضة على الإنترنت، حيث تظهر واحدة منها، تم التقاطها سنة 2005، المسؤول الشيوعي البارز وهو يرتدي بدلة وربطة عنق أثناء مصافحته وبكل مودّة مُضيفه الهزيل وهو يرتدي ثوبا بلون الزعفران. وتعود صداقة الإثنين إلى سنة 1982، حين تم تعيين شي جين بينغ، وهو نجل بطل الثورة الشيوعية، نائب الرئيس الحزب في مقاطعة تشنغدينغ في سن التاسعة والعشرين، التي سيترأسها بعد سنة من ذلك.
تجدر الإشارة إلى أن الراهب يومينغ، الذي وصل إلى المعبد خلال الفترة ذاتها، أراد تجديد المبنى الديني لتفضي تلك الفترة إلى قيام تحالف بين الشخصيتين البارزتين. وخلال السنة ذاتها، أصدر الحزب نصا يدعو إلى إعادة إحياء المعابد والمساجد والكنائس التي تدمرت على نطاق واسع تحت حكم ماو تسي تونغ، بالإضافة إلى إعادة تأهيل السلطات الدينية. وقد كان البيروقراطي الشاب مهتما بهذه الأعمال حتى أن والده اهتم شخصيا بمناقشتها.
في هذا الإطار، يُعدّ والد شي جين بينغ بطلا ثوريا عاد إلى السلطة بعد تعرضه لمحاولة تطهير من قبل أتباع الماوية، مثلما أشار إلى ذلك إيان جونسون، مؤلف كتاب “النفوس الصينية” عن دار النشر “بانتيون”، بشأن عودة الدين إلى الصين منذ الثمانينات. ومن خلال تنقله إلى ذلك المكان بانتظام، قدّم جين بينغ “دعما مهما لتجديد المعبد، حيث أنه أزاح الكثير من العقبات البيروقراطية مستخدما علاقاته في الحكومة المركزية”، وفقا لما أفاد به دليلنا السياحي. علاوة على ذلك، ساهم “الأمير الأحمر” في أن يُصبح المكان، الذي أُعيد فتحه للعامة خلال سنة 1983، مُعترفا به كمكان رسمي للعبادة من قبل سلطات بكين، وعلى رأسه الراهب يومينغ.
على الرغم من خضوع جميع المذاهب لإشراف مشدد، إلا أن البوذية الصينية (الديانة الأولى في البلاد) والطاوية تتمتعان بمعاملة خاصة مقارنة بالمسيحية والإسلام والبوذية التبتية
على الرغم من أن الشاب الطموح لم يغب عن ذهنه أن تجديد التراث الثقافي في المنطقة سيُعجّل بتنمية السياحة، إلا أن هذه البراغماتية قد لا تخلو من ميول شخصية. في هذا الصدد، قال أحد الراهبين في معبد لينجي أنه “خلال فترة عمله في تلك المقاطعة، كان جين بينغ بصدد خوض الطلاق مع زوجته الأولى، وقد ساعدته النصائح التي كان يتلقاها من يومينغ على تجاوز هذه الفترة الصعبة”. كما أوضح الراهب أنه يعتقد ببوذية الرئيس الصيني الذي يمارس ديانته في السر.
مع ذلك، يبدو من الصعب إثبات هذا الادعاء. لكن، وفقا لما أفاد به صديق لجين بينغ خلال فترة الشباب تمت الإشارة إليه ضمن مذكرة دبلوماسية أمريكية كشف عنها موقع ويكيليكس، كان الرئيس المستقبلي منجذبا فعلا نحو هذا المذهب في بداية حياته المهنية وبعد فترة وجيزة من تعيينه سنة 1985 على مقاطعة فوجيان. وأضاف الصديق الشاهد أن “الرئيس الصيني أظهر افتنانا بفنون الدفاع عن النفس البوذية، ورياضة الكي غونغ وغيرها من القدرات الغامضة التي من المفترض أن تكون مفيدة لصحته، بالإضافة إلى إطلاعه على المواقع البوذية المقدسة”.
في الحقيقة، أصبح هذا الصديق أستاذا، بيد أنه يجهل إن كان الرئيس الصيني “متدينا بالفعل”، ولكنه أفاد أنه “فُوجئ للغاية بعمق معرفته لهذا المذهب”. عموما، لم يتراجع هذا الاهتمام على مر الزمن، وذلك حين عاد يومينغ خلال سنة 1996، بعد أن وقع اضطهاده لعقود، إلى مسقط رأسه لرؤية المعبد الذي دخله في سن السابعة وقد رافقه شيجين بينغ من أجل تسهيل إعادة إحياء المعبد، وفقا لما ذكره مصدر محلي. وبعد أن أصبح أمينا عاما للحزب في مقاطعة تشيجيانغ، نظّم جين بينغ خلال سنة 2006 منتدى عالمي بوذي ليكون بذلك أول مؤتمر ديني دولي يُعقد في الصين منذ تأسيس الجمهورية الشعبية.
أما اليوم، وعلى الرغم من خضوع جميع المذاهب لإشراف مشدد، إلا أن البوذية الصينية (الديانة الأولى في البلاد) والطاوية تتمتعان بمعاملة خاصة مقارنة بالمسيحية والإسلام والبوذية التبتية، وهي ديانات تخضع لتأثير أجنبي، من وجهة نظر الخبراء. في الواقع، تتوافق الديانتان الأوليتان مع “التجديد الكبير” للأمة الذي دعا إليه جين بينغ. وتجدر الإشارة إلى أن البوذية المحلية نشأت في الهند، لكن من خلال “دمجها مع الكونفشيوسية والطاوية” باتت تكتسي “خصائص صينية”، ليضعها النظام في مقدمة الأديان. وخلال زيارته لباريس سنة 2014، لم يتوان الرئيس الصيني عن الإشادة بالأثر الإيجابي لهذه المدرسة الفكرية على ثقافة بلاده.
ومن الأدلة الإضافية على مدى تصلب الحزب الحاكم، بادر الحزب الشيوعي الصيني، الذي لا يتسامح مع الأديان إلا في حال كانت ترزح تحت وصايته، بنشر قواعد جديدة لتأطير حرية العبادة
في السياق ذاته، بيّن إيان جونسون أن جين بينغ “فهم أن معظم الشعب الصيني لا يؤمن بالشيوعية ويعاني من الفراغ الروحي ولا يلهث وراء المال. كما يعتقد أن النظم العقائدية القائمة على جذور صينية عميقة، من قبيل البوذية، قد تكون مفيدة لملأ هذا الفراغ”. من هذا المنطلق، لا يسعى الرئيس إلى تعزيز التماسك الاجتماعي فحسب، الذي يهدّده التباطؤ الاقتصادي، ولكن لإضفاء الشرعية على سلطته أيضا.
من جانبهم، يستمر القادة البوذيون “الذي قبلوا في الماضي بسلطة الإمبراطور” في “الخضوع أكثر من الديانات الأخرى لتأثير الحزب الشيوعي الصيني وقواعده”، وفقا لما أفاد به الأستاذ في جامعة بيردو الأمريكية، يانغ فنغانغ. ومن خلال تقديم البوذية كمثال، يسعى شي جين بينغ إلى “إقناع المسيحيين بالتخلي عن استقلاليتهم وإتباع تعليمات الحزب الشيوعي الصيني”، وفقا لما ذكره أستاذ العلوم السياسية في جامعة هونغ كونغ الصينية، ويلي لام.
كهنة من مذهب الطاوية قُبيل انعقاد جلسة لمجلس الشعب الصيني في بكين
الشعور بالقلق بسبب الأويغور
خلال السنة الفارطة، شدّد أقوى زعيم منذ ماو تسي تونغ على ضرورة مقاومة “القوى الأجنبية التي تستخدم الديانات للتغلغل داخل المجتمع”، وهو ما يعلل رغبته في إضافة “الصفة المشؤومة” على المعتقدات المنتشرة في جميع أنحاء البلاد. وضمن مؤتمر الحزب التاسع عشر خلال تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أصر شي جين بينغ على ضرورة “توافق هذه المعتقدات بشكل أفضل مع الواقع الصيني والمجتمع الاشتراكي. وتصميما منه على محاربة كل ما يمكن أن يقوض سلطة النظام ويحافظ على “الأمن القومي”، يعتزم الرئيس الصيني “قمع الأنشطة الدينية المتطرفة بكل حزم”.
ومن الأدلة الإضافية على مدى تصلب الحزب الحاكم، بادر الحزب الشيوعي الصيني، الذي لا يتسامح مع الأديان إلا في حال كانت ترزح تحت وصايته، بنشر قواعد جديدة لتأطير حرية العبادة، وذلك خلال شهر أيلول / سبتمبر الماضي. في الواقع، تحظر هذه التوجيهات، التي ستدخل حيز التنفيذ في شباط / فبراير سنة 2018، قبول أي تبرعات من مصادر خارجية، في حين تفرض غرامات عالية في حال بادرت إحدى الجهات بتنظيم تظاهرة غير مصرح لها. في الأثناء، تشعر الصين بالقلق بشكل خاص إزاء الوضع في مقاطعة سنجان، حيث يعيش ما يربو عن 10 ملايين أويغوري، من الطائفة المسلمة.
يحرص الحزب الحاكم على عدم الظهور على أنه متهاون جدا مع البوذيين
نظرا لأن المنطقة شهدت أعمال عنف، خلال السنوات الأخيرة، اعتمدت السلطات، التي باتت تشعر بالخوف حيال علاقات مزعومة بين “انفصاليين” وجماعات متطرفة عالمية، تدابير أمنية مشددة في حين ضاعفت من حجم القيود المفروضة على الأفراد، حيث تم حظر النقاب والسماح للرجال بإطالة اللحى بشكل “غير اعتيادي”. في الوقت نفسه، يعمل النظام على مراقبة الرهبان التبتيين بشكل مستمر، فضلا عن ترهيب الكهنة الكاثوليكيين “المتسترين”، الذين يأبون أن يدينوا بالولاء له. وقد تجلت مظاهر انعدام الثقة تجاه الكاثوليكيين في مقاطعة تشيجيانغ، التي كانت كنائسها تزدان بآلاف الصلبان التي كانت تعتليها، من خلال قيام الحكومة المحلية في السنوات الأخيرة بطمس معالم هذه الصلبان وإزالتها بتعلة أنها مبهرجة للغاية.
من جهته، صرح أستاذ العلوم السياسية، ويلي لام، أن “الحزب الحاكم أظهر قدرا من الارتياب الشديد تجاه المسيحيين، الذين يشكلون مجتمعا منظما للغاية، والذي قد يتجاوز عدد المنتمين له سقف 90 مليون فرد، أي ما يعادل تقريبا العدد الحالي لأعضاء الحزب الشيوعي الصيني، في غضون 10 سنوات”. ووفقا ليانغ فنغانغ، وفي ظل النمو الحالي لعدد المنتمين للديانة المسيحية، من المؤكد أن الصين ستصبح أكبر دولة مسيحية على وجه الأرض من الآن وصولا إلى حدود سنة 2030، مقارنة بالولايات المتحدة.
على العموم، يحرص الحزب الحاكم على عدم الظهور على أنه متهاون جدا مع البوذيين. في هذا الصدد، وقبل مؤتمر الحزب الشيوعي الذي انعقد مؤخرا، والذي يعد بمثابة رهان سياسي مهم للغاية، نددت وسائل الإعلام الحكومية بما بدر من قبل بعض المسؤولين الذين “يتوجهون في بعض الأحيان إلى الأديرة، لأداء الصلاة وتبجيل بوذا”. ولكن، ليس هناك أي أمر من شأنه أن يمنع الشعب من ممارسة طقوسه الدينية، شريطة أن يضل مخلصا للنظام ولشي جين بينغ.
المصدر: لوفيغارو