في زيارته المفاجئة إلى القاعدة الروسية بمطار حميميم في ريف اللاذقية أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن قسمًا كبيرًا من جيشه وبعض طائراته سيسحبهما من سوريا، كما أكد بقاء القاعدتين الروسيتين في حميميم وطرطوس، حيث هدد الرئيس الروسي ما وصفهم “الإرهابيين” بضربهم في حال رفعوا رؤوسهم على حد وصفه.
استهلاك إعلامي لا أكثر
الصحفي والباحث السياسي السوري خليل المقداد قال في حديث لـ”نون بوست”: “هذا القرار الروسي للاستهلاك الإعلامي، فنحن نعرف أن روسيا لديها قواعد في سوريا، فمثلاً قاعدة حميميم يوجد بها نحو 5 آلاف روسي وقاعدة طرطوس تتسع لآلاف الجنود، وهذا القرار هو كسابقه موجه للداخل الروسي، بأن روسيا أنجزت المهمة في الحرب السورية، كما يوجد مرتزقة روس كثر في سوريا”.
الباحث والكاتب خالد حسن: “نظام الأسد لا يمكنه الاستمرار في الحكم ولا يقدر أصلاً على حماية مناطقه وتقدمه على الأرض من دون القصف الجوي الروسي”
مستبعدًا أي انعكاسات لهذا القرار الروسي، فروسيا تعرف أن هذا القرار الشكلي لن يكون مؤثرًا وهو تمهيد لتسوية مع بعض الفصائل، وربما يكون تغير في هرم السلطة، فالقوى الروسية موجودة وتتدخل بكل الأوقات.
مؤكدًا أن الموقف الأمريكي من روسيا لا يتعدى سياسة المناكفة بين الطرفين، فأمريكا يهمها ألا تظهر روسيا بمظهر المتفرد في الملف السوري والطرف الفاعل رغم أنها من سمحت لروسيا بالتدخل، وروسيا لا تمانع أمريكا طالما هذا يحقق لها مكاسب.
ويضيف المقداد “روسيا لن تنسحب وستبقى موجودة في الأراضي السورية، فقواعدها موجودة ولن تنسحب الآن لآن التسوية لم تحدث بعد والحسم لم يتحقق”.
من جهته يرى الباحث والكاتب خالد حسن أن إعلان انسحاب روسيا من سوريا خطوات دعائية استعراضية تخدم بوتين في الحملة الانتخابية، ويهمه في هذا أكثر تسويق انتصار خارج الحدود بأقل التكاليف والحرص على تفادي الغرق في مستنقع الحرب وأوحالها، فهذا سيرتد عليه داخليًا ويؤثر في صورته وطموحه لرئاسيات 2018 وهو يعد العدة للظفر بولاية جديدة، وقد سبق أن روج لانسحاب قبل هذا ولكنه سرعان ما عزز قواته في معارك الشرق السوري بعدها.
ويقول الكاتب في حديث لـ”نون بوست”: “قد لا يكون ضروريًا وجود الترسانه نفسها بالحجم الذي كانت عليه، خصوصًا بعد فقدان تنظيم الدولة لسيطرته على أكثر المناطق في سوريا، ولهذا لا يرى حاجة ملحة في الإبقاء عليها، وإنما الوجود العسكري ضروري لحماية القواعد العسكرية في حميميم وقاعدة طرطوس البحرية فهذا لا تراجع عنه ولا انسحاب منه”.
معتبرًا أن بوتين يرى في سوريا أحد أكبر انتصاراته في معاركه الخارجية، وهو لم يغامر بالتورط في حرب لينسحب منها ولو بعد تحقيق إنجازات مؤثرة في ساحات المعارك.
ادعاء الروس نهاية الحرب وإعلان الانتصار جزء من الدعاية المضللة
مؤكدًا أن نظام الأسد لا يمكنه الاستمرار في الحكم ولا يقدر أصلاً على حماية مناطقه وتقدمه على الأرض من دون القصف الجوي الروسي وغرفة العمليات العسكرية الروسية بضباطها وعتادها وشبكتها، ثم إن استثمارات الطاقة وغيرها التي تغري الروس لا يمكن المضي فيها من دون حماية عسكرية روسية، فالروس لا يثقون في القدرات العسكرية والأمنية لنظام الأسد ويتوجسون من النفوذ الإيراني.
لافتًا إلى أن روسيا لا تستطيع تحمل تكاليف إعادة الإعمار ولا ميزانيته ومتطلباته، ولكن يهمها ضمان وحماية حصتها من الكعكة الكبيرة، خصوصًا مشروعات الطاقة، وتجدر الإشارة إلى أن خسائر الروس من حيث عدد الضباط والرتب الرفيعة تعد الأكبر من بين الأطراف الخارجية المتورطة في الصراع السوري، وهذا ما تحرص روسيا على التكتم عنه وعدم التعرض له وتظهر دائمًا أن “انتصارها” في سوريا لم يكلفها كثيرًا.
موضحًا أن ادعاء الروس نهاية الحرب وإعلان الانتصار جزء من الدعاية المضللة، ويدرك عسكريوها في سوريا أن الحرب لم تنته وقد لا تنتهي قريبًا، ويدرك عسكريون أيضًا أن النظام أعجز اليوم من أن يبسط سيطرته على كل سوريا، فمن دون طهران وموسكو ما كان له أن يستمر في الحكم، فضلاً عن أن يحمي تقدمه على الأرض.
ويضيف الكاتب “يلاحظ أن ثمة عجلة روسية في محاولة طي الحرب في سوريا سريعًا والدفع بالعملية السياسية، قطفًا للثمار واستئثارًا بالقرار وحسمًا للصراع”.