أعاد مشهد استشهاد القعيد مبتور الساقين إبراهيم أبو ثريا 29 عامًا، الأذهان لحالة إعدام الشهيد محمد الدرة مطلع انتفاضة الأقصى في حضن أبيه، لكن إبراهيم مات وهو يصعد رافعًا علم فلسطين على الحدود الشرقية لقطاع غزة.
في العام 2008 خلال اجتياح مخيم البريج وسط قطاع غزة من جنود الاحتلال الإسرائيلي ودباباته وطائراته، أصيب إبراهيم في قدميه فقطعت على إثر الإصابة، وبات يعيش حياة صعبة جدًا في ظروف مادية مريرة، كل يوم يستيقظ ليبحث عن رزقه، يدور بكرسيه المتحرك بين مفترقات وشوارع قطاع غزة، ليمسح السيارات مقابل بعض النقود التي تعيل عائلته، حتى لو حد الكفاف، ولكن عزيمته لم تتوقف، فهو يشارك في كل المظاهرات على الحدود الشرقية ضد الاحتلال الإسرائيلي.
قبل استشهاده بلحظات كان إبراهيم يحث الجماهير الفلسطينية للزحف نحو الحدود ضد قرار ترامب بتحويل السفارة الأمريكية إلى القدس، حضوره كان لافتًا، شخص مقعد، لا يستطيع الهرب، ولا يستطيع استخدام السلاح، ويتضامن سلميًا برفع العلم الفلسطيني، حتى باغته قناص من جنود الاحتلال الإسرائيلي بطلقة في رأسه سقط على إثرها شهيدًا.
في اللحظات الأخيرة قبل الاستشهاد يقول ثريا الشهيد موجهًا كلامه للجنود المدججين بالسلاح على الحدود: “أنا أرسل رسالة لجيش الاحتلال الصهيوني هذه الأرض أرضنا مش راح نستسلم، ويجب أن تتراجع أمريكا عن قرارها، والآن سأرفع العلم الفلسطيني على العامود”.
https://www.youtube.com/watch?v=8HdWpfX97vY
أعطى الشباب علمًا فلسطينيًا لإبراهيم، تقدم لرفع العلم، صعد بيديه لعامود كهرباء على الحدود، وسط مئات المتظاهرين والنيران المشتعلة، دقائق معدودة حتى عاد إبراهيم محمولاً على الأكتاف، فقد باغتته طلقة من جندي إسرائيلي على الحدود في رأسه ليسقط شهيدًا.
كان المشهد مؤثرًا جدًا، أسقط أكذوبة أن الفلسطيني باع أرضه يومًا من الأيام التي يروج لها الاحتلال الصهيوني في كل محفل، وأبقى القضية الفلسطينية حاضرة على المشهد الإعلامي بكل قوة، كقضية المسلمين والعرب الأولى.
آلاف الجماهير في قطاع غزة، خرجت لتشييع جثمان الشهيد إبراهيم أبو ثريا 29 عامًا، والشهيد ياسر سكر 22 عامًا، وسط هتافات الغضب، والدعوات لاستمرار المظاهرات بقوة
ماذا أبقى إبراهيم للجماهير العربية من عذر؟
الناشطة المغربية ضد التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وعضو مكتب القدس أمانتي في المغرب سكينة آل عماري قالت لـ”نون بوست”: “أدهشني صور القعيد إبراهيم أبو ثريا وهو يتقدم الصفوف نحو خطوط التماس مع العدو الصهيوني، هذا المقعد أكد لنا بالملموس أن الأرض أغلى من النفس، تابعت صوره منذ البداية وكانت مفاجأة كبيرة حين أعلن استشهاده”.
وتضيف آل عماري: “علينا أن نتحرك جميعًا، هذه الفرصة الأكثر حضورًا، لننتفض مع فلسطين القضية التي ستوحدنا، وتزيل خلافاتنا العربية الداخلية، علينا أن نتحرك للقدس الإسلامية والعربية، لا شرقية ولا غربية، وسنستمر في الحراك الداعم حتى النهاية.
أما الناشطة الجزائرية والباحثة في العلوم السياسية أسماء رافع، قالت لـ”نون بوست” معلقة على حادثة استشهاد إبراهيم: “أيقظ عجزًا داخلنا، والله جد مش قادرة أعبر عن شعوري، منظره كان موجعًا جدًا، أعاد إلى أذهاني مشهد محمد الدرة وإيمان حجو”.
وتبدي أسماء تخوفها من إخماد الحراك فتقول: “لا أرى أن الحراك العربي من فواعل ومؤثرات صناعة القرار العربي، وبالتالي إن بقي بشكله الحالي لا أعول عليه، فيجب أن تنزل كل الجماهير إلى الشوارع لنزع قرار عربي واضح بشأن الفلسطينيين والقدس”.
مجمل الأحداث لجمعة الغضب الثانية بعد قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية للقدس كانت في قطاع غزة شهيدان و145 إصابة منها 5 في حالة الخطر
وقالت الإعلامية التونسية والناشطة في مجال الأسرى الفلسطينيين لـ”نون بوست” رحاب حاموراني: “إبراهيم أعاد القضية الفلسطينية للواجهة من جديد، مشهد القعيد الذي يرفع علم فلسطين يقول لنا، على هذه الأرض ما يستحق الحياة”.
ودعت حاموراني الجماهير العربية والمغاربية لتكثيف مسيراتهم وتظاهراتهم مع فلسطين في هذه الأوقات الصعبة، والضغط على السفارات الأمريكية لوقف مهزلة ضياع القدس.
إبراهيم يشعل نار الغضب الفلسطينية من جديد
آلاف الجماهير في قطاع غزة، خرجت لتشييع جثمان الشهيد إبراهيم أبو ثريا 29 عامًا، والشهيد ياسر سكر 22 عامًا، وسط هتافات الغضب، والدعوات لاستمرار المظاهرات بقوة.
مجمل الأحداث لجمعة الغضب الثانية بعد قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية للقدس كانت في قطاع غزة شهيدان و145 إصابة منها 5 في حالة الخطر، في حين يستمر المتظاهرون بالتجمهر على الحدود الشرقية لقطاع غزة، وإشعال إطارات السيارات ورفع الأعلام الفلسطينية.
#غزة هاشم تشهد تشييع جنازة البطل #ابراهيم_أبو_ثريا الذي ارتقى شهيدا في مواجهات مع العدو الصهيوني ..
قعيد قاتل .. وعقيد نام .. #القدس_عاصمة_فلسطين_الأبدية #القدس_عاصمة_فلسطين pic.twitter.com/R9JwYVXZsA
— جابر الحرمي (@jaberalharmi) December 16, 2017
يقول ممثل حركة حماس في القوى الوطنية والإسلامية محمود مرداوي لـ”نون بوست” معلقًا على حدث المقعد إبراهيم: “الاحتلال كان ضعيفًا وهو يقتل الشهيد إبراهيم ثريا، ارتقى شهيدًا وسقط الاحتلال، سقط من النفوس، ولم تبق له هيبة، دولة تقرر قتل من سرقت منه ساقيه سابقًا بهذه الطريقة البشعة يسرع فينا نحو حتفها، وأحيت فينا الأمل من جديد”.
وهكذا ستفرغ حواري مخيم البريج وأزقته من كرسي إبراهيم الذي يتحرك به نحو الناس، رحل إبراهيم وبقي الكرسي في الوطن، ليضع حقيقة أمام كل الناس أن فلسطين وطن ليس للبيع، ولم يبع الفلسطينيون أرضهم يومًا من الأيام، وأن فلسطين من واجب كل المسلمين والعرب.