كانت الأمريكية الباكستانية زوبيا شاهيناز البالغة من العمر 27 عامًا تعمل كفني مختبر في الولايات المتحدة قبل أن يقبض عليها بتهمة الاحتيال البنكي وغسيل الأموال والتآمر بهدف غسيل الأموال، اتهمت الفتاة أيضًا بإرسال المساعدات لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في شكل عملات بيتكوين.
ليست المرة الأولى التي يتهم فيها شخص باستخدام البيتكوين في غسل الأموال وتمويل الأنشطة الإرهابية، ومع تزايد المخاوف من تنامي هذه التصرفات، تختلف الدول في التعامل مع الأمر، فهل فعلاً تمول هذه التنظيمات عبر البيتكوين؟ وكيف تتصرف الدول مع هذه المشكلة؟
يتهم المحققون الأمريكيون شاهيناز بأنها حجزت على متن طائرة متجهة إلى باكستان لكنها ستتوقف في إسطنبول، حيث ستسافر إلى سوريا من هناك، وأن الأجهزة الإلكترونية الموجودة بصحبتها تظهر أنها أجرت عمليات بحث كثيرة عن مواد متعلقة بتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
وفي الوقت الذي يدافع فيه محامي الفتاة عنها بأنها تهدف بإرسال الأموال إلى الخارج مساعدة السوريين اللاجئين، يتهمها المحققون بأنها حصلت على قروض بالاحتيال بقيمة 85 ألف دولار، بهدف شراء عملة بيتكوين عبر الإنترنت.
البيتكوين هي عملة إلكترونية يتم تداولها عبر الإنترنت، وليس هناك بنك مركزي يتبنى إصدارها وتنظيمها.
أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أنها تحقق في تهديدات أمنية محتملة، وإدخال عملة افتراضية من المرجح أن تشكل تهديدًا ماليًا، وتساعد سرعة تبادلها على كفاءة التخطيط للهجمات الإرهابية
تمويل عن بعد
في يناير من العام الحاليّ، مول مسلحون إسلاميون في إندونيسيا أنشطة إرهابية باستخدام أموال حصل عليها بعملة البيتكوين، حسب صحيفة نيوزويك، قبل ذلك بعام، أطلق مجلس شورى المجاهدين الموجود في سيناء وقطاع غزة، حملة لجمع تبرعات باستخدام البيتكوين، بهدف شراء أسلحة.
وفي 2015، نشر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” عنوانًا على “الدارك ويب” ليتمكن أفراده من إرسال الأموال باستخدام بيتكوين، وفي نفس العام، قبض على مراهق من ولاية فرجينيا الأمريكية بعدما نشر تغريدة عن كيفية التبرع لتنظيم داعش باستخدام العملة، أيضًا فتحت تفجيرات باريس التي وقعت في نوفمبر 2015، الحديث عن احتمالية استخدام بيتكوين في تمويل العملية.
وفي مايو 2014، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أنها تحقق في تهديدات أمنية محتملة، وإدخال عملة افتراضية من المرجح أن تشكل تهديدًا ماليًا، إذ تزيد في عدم الشفافية، وتساعد سرعة تبادلها على كفاءة التخطيط للهجمات الإرهابية”.
لماذا يستخدمون البيتكوين؟
لا تخضع عملة البيتكوين لرقابة بنك مركزي أو سلطة دولة معينة، ولأنها تستخدم عبر الإنترنت وليس لها وجود مادي، فيسهل نقلها، كما أن عمليات تداولها السرية والمشفرة تعطي ميزة أخرى تجعل مستخدميها غير خاضعين للملاحقة.
نشر معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية تقريرًا في يونيو 2015 يوضح استخدام “داعش” للعملات الرقمية والمنصات المشفرة
أحد أنصار تنظيم الدولة الإسلامية ويدعى تقي الدين المنذر، أصدر ورقة في 2014، بعنوان “بيتكوين وصدقة الجهاد”، يشرح فيها الأحكام الشرعية لاستخدام العملة، ويؤكد ضرورة استخدامها في تمويل الأنشطة الجهادية، وتضمنت الورقة حديثًا عن كون البيتكوين يمثل حلاً للتغلب على الأنظمة المالية للحكومات.
يعتبر البعض أن إجمالي ما تحصل عليه تنظيمات إرهابية من البيتكوين سيكون محدودًا لأن هذه التنظيمات تعتمد بشكل رئيسي على مزيج من التبرعات من مؤسسات خيرية، بالإضافة إلى أساليب الابتزاز وفرض الضرائب التي تفرضها على المناطق التي تسيطر عليها، وهو ما كان يذهب إليه تقرير مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي في 2014.
لكن فقدان تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” السيطرة على الأراضي التي كان يسيطر عليها في العراق وسوريا بعد ذلك قد يكون جعلها مجبرة على البحث عن بدائل أخرى، وهو ما توفره عملة البيتكوين المشفرة وسهلة النقل، حسب ما تشير نيوزويك.
ربما يؤكد هذا الرأي ما أعلنته مجموعات قرصنة مثل “أنونيموس” و“غوستساك”، بأنهم اكتشفوا محفظة مالية على الإنترنت بها 3 ملايين دولار، وتعود لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
أيضًا نشر معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية تقريرًا في يونيو 2015 يوضح استخدام تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” للعملات الرقمية والمنصات المشفرة، وأن هذه الممارسات تصعب تعقب حركة الموارد المالية، واكتشف المعهد حسابًا يحتوي بيتكوين قيمته 23 مليون دولار في ذلك الوقت.
رغم إيمانها بضرورة ضبط سوق البيتكوين وإعاقة استخدامها في أغراض إرهابية، تسمح بريطانيا بتداول العملة
كيف تواجه الدول هذا الخطر؟
بين المنع التام ومحاولة إيجاد آليات وضوابط لاستخدام العملة، كانت اختيارت الدول للتعامل مع البيتكوين، فأدرجت بورصة ولاية شيكاغو الأمريكية عملة البيتكوين للتداول عليها، وذلك بعد أيام من سماح هيئة ضابطة رئيسية للأسواق المالية في الولايات المتحدة بالتعامل بالبيتكوين، وتعتبر هذه الخطوة تقنينًا لتداول العملة.
وهي ليست المحاولة الأولى للتقنين، فعلى هامش اجتماع مجموعة السبعة في 2015، ناقش وزراء المالية الأوروبيون تشديد القوانين المتعلقة باستخدام البيتكوين لمنع استخدامها في تمويل الإرهاب، وحسب صحيفة “دير شبيغل” الألمانية قد تتم مراجعة قواعد التحويلات البنكية بين المؤسسات المالية والأفراد لهذا السبب.
اقترحت صحيفة نيوزويك حلاً قريبًا من ذلك أيضًا، وهو التنسيق مع الشركات المسؤولة عن إدارة محافظ بيتكوين ومديري منصة بلوك تشين، بهدف تعقب عمليات البيع والشراء ومبادلة العملة بعملات أخرى ونقل وتحويل أرقام ضخمة إلى حسابات بعملة البيتكوين.
ورغم إيمانها بضرورة ضبط سوق البيتكوين وإعاقة استخدامها في أغراض إرهابية، تسمح بريطانيا بتداول العملة، في المقابل، تجرم دول أخرى مثل الصين ومصر ولبنان والسعودية وبنغلاديش وفيتنام تداولها من الأساس.
في الوقت الذي تتبع الحكومات العربية طريقة أسهل وهي الحجب والمنع، تذهب دول أخرى لوضع ضوابط لاستخدام التقنية المراد عدم استخدامها بشكل خاطئ
التشفير وعدم سهولة التتبع هي مشكلات قديمة لدى الحكومات مع الشركات، مثلما حدث مع شركة آبل قبل عام، عندما أراد مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي “إف بي آي” فك تشفير هاتف أحد تجار المخدرات.
في الوقت الذي تتبع الحكومات العربية طريقة أسهل وهي الحجب والمنع، تذهب دول أخرى لوضع ضوابط لاستخدام التقنية المراد عدم استخدامها بشكل خاطئ.
ربما تساهم تقنيات فريق Elliptic في متابعة المعاملات المشبوهة، حيث يستطيع الفريق تحليل المعاملات المتوفرة في منصة بلوك تشين، وتحديد عمليات البيع والشراء وهوية المشترين وغيرها من المعلومات التي تقول الشركة إنها تساهم في إزالة الشوائب التي تسببت فيها الاستخدامات غير القانونية للعملة الرقمية.