لم تحصل “إسرائيل” على دعم الحكومات الغربية فحسب، بل كذلك من العديد من الشركات والعلامات التجارية البارزة التي ساعدت الاحتلال بطريقة أو بأخرى على الإبادة الجماعية التي يرتكبها.
لقد سارعت أكثر من 150 شركة غربية إلى الإعلان عن مساندتها للاحتلال وتوفير السلع والدعم اللوجستي للجيش الإسرائيلي في الوقت الذي يرتكب فيه جرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني بغزة، وذلك في تناقض تام مع دور ومواقف نفس هذه الشركات من روسيا بعد غزو الأخيرة أوكرانيا عام 2022.
فعلى سبيل المثال، انسحبت كل من ماكدونالدز وستاربكس وكوكاكولا من الاقتصاد الروسي، لكنها في الحرب على غزة لم تكتف حتى بالحياد وأعلنت دعمها للاحتلال، ما أثار الجدل حول مسؤولية هذه العلامات التجارية عن الكارثة الإنسانية في غزة.
ومع شعور الملايين بالعجز نتيجة الحرمان من التعبير عن غضبهم إزاء الحرب على غزة وإظهار دعمهم لإخوانهم الفلسطينيين، كانت المقاطعة الشعبية العفوية للعلامات التجارية المتورطة في دعم “إسرائيل” الوسيلة الوحيدة للكثيرين للقيام بشيء ما بشكل فعال.
لكن وسط دعوات المقاطعة، ظهرت أصوات تقلل من أهميتها، وأنها لن تعود بالنفع لا على القضية الفلسطينية ولا على الشعوب التي تقاطع، وما زال البعض يشكك في إمكانية أن تحدث المقاطعة تأثيرًا كبيرًا. ورغم أن المقاطعة المستمرة لم يتم قياس تأثيرها رسميًا بعد، فإن هناك دلائل ومؤشرات على النجاحات التي حققتها.
ماكدونالدز
عقب 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعلن فرع ماكدونالدز في “إسرائيل” تقديم آلاف الوجبات المجانية للجيش الإسرائيلي، وانتشرت صور مطاعم ماكدونالدز في “إسرائيل” وهي تتبرع بآلاف الوجبات لجنود الاحتلال، كما انضم إلى ماكدونالدز منافسه اللدود “برجر كينج” الذي تبرع أيضًا بوجبات مجانية للقوات الإسرائيلية.
ورغم أن فروع ماكدونالدز بالكويت وقطر وباكستان وماليزيا تعهدت بتقديم مساعدات إلى غزة وقالت في بيان لها على وسائل التواصل الاجتماعي إنها تقف مع فلسطين، كما أصدرت فروع السعودية وعمان والكويت والإمارات والأردن والبحرين وتركيا ومصر بيانات تنأى بنفسها عن صلاتها بحملة الغذاء المجاني للجيش الإسرائيلي وتعهدت كذلك بتقديم مساعدات لغزة، قاطع المستهلكون في الدول العربية والدول ذات الأغلبية المسلمة ماكدونالدز بسبب الدعم الواضح للحرب على غزة، وظلت العديد من مطاعم ماكدونالدز في جميع أنحاء العالم العربي مهجورة وفارغة إلى حد كبير بعد أن كانت تستقبل في السابق طوابير انتظار طويلة وحشودًا من سائقي التوصيل.
ونتيجة دعوات المقاطعة، لم تحقق ماكدونالدز مبيعاتها المتوقعة في الشرق الأوسط وبعض دول آسيا في الربع الأخير من 2023 رغم الخصومات الكبيرة التي قدمتها، وأشار المسؤولون التنفيذيون في الشركة إلى أن تراجع المبيعات راجع بالدرجة الأولى إلى المقاطعة المستمرة في بعض أنحاء العالم.
ولا يتوقع الرئيس التنفيذي لماكدونالدز، كريس كمبنسكي، العودة إلى الظروف الطبيعية إلا إذا انتهت الحرب على غزة، وحسب المسؤولين في ماكدونالدز، فالتأثير الأكبر للمقاطعة جاء من دول الشرق الأوسط وماليزيا وإندونيسيا وبعض المناطق التي يقطنها عدد كبير من المسلمين في فرنسا.
وتشير التقديرات إلى أن مبيعات ماكدونالدز انخفضت في الدول العربية بنسبة تتراوح ما بين 50% – 90%، وانخفض سهم الشركة بنسبة 10% منذ بداية هذا العام، وحسب المدير المالي للشركة فقد فشلت في تحقيق مبيعاتها المستهدفة لأول مرة منذ سنوات، مضيفًا أن المبيعات ستواصل التقلص في الأشهر القادمة.
ستاربكس
ماكدونالدز ليست وحدها التي انخفضت مبيعاتها، فبعد أن رفعت ستاربكس دعوى قضائية ضد نقابة عمالها بسبب منشور مؤيد للفلسطينيين على وسائل التواصل الاجتماعي، وإظهار دعمها لجيش الاحتلال في حربه على غزة، واجهت الشركة موجة من الغضب المؤيد للفلسطينيين.
وفي الأردن وتركيا، كان الشباب يدخلون إلى فروع متاجر ستاربكس وماكدونالدز لتشجيع العملاء القلائل على المغادرة والجلوس في مكان آخر، وأيضًا امتدت المقاطعة إلى مقاهي ستاربكس في الولايات المتحدة، وقام المتظاهرون باحتجاجات عند مقر الشركة في سياتل، مطالبين إياها بعدم دعم “إسرائيل”.
وخلال أحد الاحتجاجات في نيويورك، هتف المتظاهرون: “ستاربكس لا يمكنكم الاختباء.. مشروباتكم هي لأجل الإبادة الجماعية”، وقد تكررت هذه الاحتجاجات في عدد من البلدان الأوروبية.
أما في ماليزيا وإندونيسيا، فقد تعرضت ستاربكس لمقاطعة واسعة النطاق رغم أنها حاولت استمالة الناس وتبديد التصور بأنها تدعم “إسرائيل”، ورغم الخصومات المغرية التي قدمتها الشركة في إندونيسيا، فقد ذكر أحد الموظفين لقناة الجزيرة أن مبيعات الشركة في ماليزيا انخفضت بشكل كبير.
وأعلنت شركة بيرجايا فود، الحائزة على ترخيص سلسلة مقاهي ستاربكس في ماليزيا انخفاض إيراداتها في الربع الأخير من عام 2023 بنسبة 38.2% وأضافت أن انخفاض الإيرادات بسبب المقاطعة المستمرة.
ناشط يوثق فراغ أحد فروع ستاربكس في الكويت لدعم غزة
وفي مارس/آذار الماضي، أعلنت مجموعة الشايع بالكويت، وهي الشركة التي تمتلك امتياز ستاربكس في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، اضطرارها إلى إغلاق العشرات من متاجرها في مصر، إلى جانب تسريح ما يقرب من 2000 موظف في متاجرها الإقليمية، أي ما يقرب من 10% من قوتها العاملة.
ونتيجة المقاطعة المستمرة، ذكر لاكسمان ناراسيمهان، الرئيس التنفيذي لستاربكس، أن مبيعات الشركة في الشرق الأوسط عانت من انخفاض كبير بسبب الاحتجاجات والمقاطعة المستمرة، واضطرت الشركة في الأسبوع الماضي إلى خفض توقعاتها لمبيعات وأرباح هذا العام، وتشير تقارير “CNBC Arabia” إلى أن ستاربكس خسرت 16 مليار دولار من قيمتها السوقية في يوم واحد من هذا الشهر. وما زالت خسائرها تتزايد كل يوم.
ضربات المقاطعة تتزايد.. سهم ستاربكس يخسر 31% من قيمته بسبب الحرب على #غزة. #قاطع_عدوك pic.twitter.com/1RUZGhgDOL
— نون بوست (@NoonPost) May 5, 2024
وحتى الآن، ما زالت حملة مقاطعة ستاربكس وماكدونالدز منتشرة بقوة، وهو ما يظهر أيضًا على وسائل التواصل الاجتماعي في هاشتاغ #boycottstarbucks و #boycottmcdonalds والذي بلغ ذروته أواخر العام الماضي وما زال الناس يتفاعلون معه حتى اليوم، ورغم أن ماكدونالدز وستاربكس ليستا الشركتين الوحيدتين اللتين تمت مقاطعتهما، فإنهما الأكثر بروزًا.
كوكاكولا
لم تحتفظ كوكاكولا بمصنع في إحدى مستوطنات الضفة الغربية فحسب، بل إنها تتبرع أيضًا بالإمدادات للجيش الإسرائيلي، كما تبرعت منافستها “بيبسي” بملايين الدولارات لمنظمات إسرائيلية مساندة للاحتلال.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قامت الحكومة التركية بإزالة مشروب كوكاكولا ونسكافيه من مطاعم وكافيتريات البرلمان بعد احتجاج شعبي عام، وأعلن موزع كوكاكولا في تركيا انخفاض المبيعات بنسبة 22% في الربع الأخير من عام 2023.
“أغلقنا باب التبادل التجاري مع إسرائيل”.. الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يؤكد رسميًا قطع العلاقات مع الاحتلال لتكون تركيا بذلك أول شريك من الشركاء التجاريين الرئيسيين لـ”إسرائيل” يوقف التجارة معها بسبب عدوانها المستمر على غزة. #تركيا #غزة_الآن pic.twitter.com/bqpTUhdsjT
— نون بوست (@NoonPost) May 3, 2024
أردوغان: أغلقنا باب التبادل التجاري مع “إسرائيل”
وحاليًا بذلت تركيا جهدًا كبيرًا في هذا الصدد وقطعت تجارتها مع الاحتلال والتي تبلغ نحو 9.5 مليار دولار سنويًا، وذكر أردوغان أن المقاطعة ستبقى مستمرة حتى يتم التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار مع تدفق المساعدات الإنسانية دون عوائق.
كنتاكي
بعد يومين فقط من افتتاحها التاريخي، اضطرت كنتاكي إلى إغلاق أول فرع لها في الجزائر، حيث نظم المتظاهرون احتجاجًا خارج المتجر. كما واجهت كنتاكي رياحًا معاكسة في شرق آسيا، ففي 29 أبريل/نيسان، أغلقت أكثر من 100 متجر من فروعها في ماليزيا.
حملات المقاطعة في ماليزيا تثمر.. سلسلة مطاعم كنتاكي KFC تعلن إغلاق 108 أفرع من أصل 600 في ماليزيا مؤقتاً
جدير بالذكر أن شركتا “جنرال أتلانتيك” و”سي في سي” أوقفتا بيع حصص بملايين الدولارات في الشركات التي تدير علامات تجارية للوجبات السريعة الأميركية في إندونيسيا وماليزيا بسبب… pic.twitter.com/Gb0WlJsp2C
— نون بوست (@NoonPost) April 30, 2024
في الواقع، تضررت مطاعم أمريكانا إنترناشيونال، وهي سلسلة عملاقة للأطعمة والمشروبات تدير ما يقرب من 2500 فرع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا – بما في ذلك كنتاكي وبيتزا هت وكرسبي كريم – وأعلنت الشركة عن انخفاض الإيرادات بنسبة 15% في الربع الأخير لعام 2023، وفي البورصة السعودية فقط انخفضت أسهم مطاعم أمريكانا إنترناشيونال بما يصل إلى 27%.
دومينوز بيتزا
واجهت دومينوز مقاطعة واسعة النطاق، وهي شركة تصنع البيتزا ومقرها الولايات المتحدة، ونشرت دومينوز على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع مرئية لعلم “إسرائيل” وفيديوهات توزيع البيتزا مجانًا على الجنود الإسرائيليين.
ورغم أن دومينوز توقعت أن تحقق في نهاية العام 2023 أرباحًا أعلى بكثير من السابق، فإن مبيعاتها انخفضت بنسبة 8.9% بسبب المقاطعة، وأرجع دون ميغ الرئيس التنفيذي لـ”دومينوز بيتزا” انخفاض المبيعات إلى المشاعر المعادية للولايات المتحدة في بعض المناطق الآسيوية وخاصة في ماليزيا التي تحظى فيها المقاطعة بتأييد شخصيات دينية بارزة.
مقاطعة عابرة للحدود
لم يقتصر تأثير المقاطعة على منطقة إقليمية أو وطنية فحسب، لقد أصبحت ذات أهمية عالمية. ورغم أن الولايات المتحدة لديها تشريعات مناهضة للمقاطعة، إذا إن أكثر من 30 ولاية أمريكية لديها قوانين تعاقب الأفراد والشركات التي تقاطع “إسرائيل”، بجانب أن اللوبي الإسرائيلي في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والفنية يبذل قصارى جهده لإسكات الأصوات المطالبة بالمقاطعة، استمرت شريحة واسعة في تبني المقاطعة.
“كلنا أطفال غزة”.. من احتجاجات طلاب جامعة سيانس بو العريقة في فرنسا تضامنًا مع فلسطين ضد جرائم الاحتلال
وردًا على ذلك، أعلنت إدارة الجامعة أنها ستغلق اليوم فرعها الرئيسي في باريس بعد أن احتل طلاب محتجون مؤيدون للفلسطينيين مبان جديدة في حرم الجامعة#طوفان_جامعات_العالم #فرنسا pic.twitter.com/FuaudwsjeK
— نون بوست (@NoonPost) May 3, 2024
احتجاجات طلاب جامعة سيانس بو العريقة
إحدى أشهر حملات المقاطعة هو تطبيق “No Thanks” الذي يساعد الناس على مقاطعة العلامات التجارية الداعمة للاحتلال، ويعمل بكل بساطة من خلال مسح الباركود الخاص بالمنتج أو إدخال اسمه، وفي غضون ثوان يظهر ما إذا كانت الشركة المصنعة تدعم “إسرائيل” أم لا، وفي حالة كانت الشركة تدعم الاحتلال، يتم عرض “لا شكرًا”.
ما يلفت الانتباه أن أكثر من مليون مستخدم حمل التطبيق من على متجر “Google Play”، وتشير التقييمات والتعليقات إلى اهتمام كبير حول العالم بالمقاطعة، بجانب العشرات من مقاطع الفيديو والمنشورات التي تتحدث عن التطبيق وتشرح أهمية المقاطعة.
المسلمون في الهند ينضمون لحملة المقاطعة
لكن رغم أن الأمر بدأ كمقاطعة اقتصادية تستهدف الشركات المؤيدة للاحتلال، فقد امتدت المقاطعة أيضًا إلى الجوانب الرياضية والثقافية والعلمية، إذ إن عددًا من الكتاب والأكاديميين البارزين حول العالم أعلنوا مقاطعة الجامعات والمؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية المتواطئة.
كما اعتصم طلاب الجامعات الأمريكية وطالبوا أن تسحب جامعتهم استثماراتها من الشركات التي تزود الجيش الإسرائيلي بالإمدادات، بجانب توفير حماية رسمية للطلاب وأعضاء هيئة التدريس الذين يتحدثون علنًا عن الحرب في غزة.
مقابل مناقشة سحب الاستثمارات من الشركات الداعمة لإسرائيل..
طلبة جامعة مينيسوتا الأميركية المتظاهرون دعمًا لغزة، ينتصرون بعد التوصل إلى اتفاق مع إدارة جامعتهم، وهذا أبرز ما جاء فيه👇 pic.twitter.com/M9ik9IVBPZ
— أنا العربي – Ana Alaraby (@AnaAlarabytv) May 3, 2024
طلبة جامعة مينيسوتا
وهذا علاوة على مقاطعة المعارض والمهرجانات الثقافية والتجمعات الفنية الخاصة بالاحتلال، إذ انسحب العديد من الموسيقيين من الحفلات احتجاجًا على الجهات الراعية التي لها علاقات بالحرب الإسرائيلية في غزة.
وعلى سبيل المثال، انضم عشرات الفنانين إلى مقاطعة مهرجان “Great Escape” لهذا العام، وجدير بالذكر أن دعوة الفنانين لمقاطعة بنك باركليز الذي يمول الإبادة الجماعية في غزة من خلال علاقاته المالية مع الشركات التي تزود الجيش الإسرائيلي بالتكنولوجيا العسكرية والأسلحة، قد لاقت استجابة كبيرة وحققت نتائج جيدة، فخلال هذا العام قام أكثر من 2500 شخص بإغلاق حساباتهم في بنك باركليز.
وما يثبت أن حملات المقاطعة ناجحة بالفعل، هو فصل العديد من الموظفين المؤيدين للمقاطعة في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وإجبار العديد منهم على دعم الاحتلال، وبحسب العديد من التقارير، فقد قام عملاء “إف بي آي” بزيارة المساجد واستجوبوا الأمريكيين من أصل فلسطيني، كما أصدر مجلس الشيوخ قرارًا بالإجماع يدين الحراك الطلابي المطالب بمقاطعة الاحتلال، ووصفه بأنه “معادي للسامية ومؤيد لحماس”.
مجموعة من العاملين في شركة “جوجل ” يقدمون شكوى قالو فيها إن الشركة “طردت بشكل غير قانوني نحو 50 موظفًا بسبب احتجاجهم على عقد بقيمة 1.2 مليار دولار مع الحكومة الإسرائيلية. pic.twitter.com/SLJAyY3UtV
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) May 3, 2024
ومنذ شهرين قام السياسي البريطاني المؤيد بشدة لـ”إسرائيل” مايكل غوف، بالضغط من أجل تشريع قانون يحظر على المؤسسات العامة في المملكة المتحدة مقاطعة البضائع الإسرائيلية، وقد تم بالفعل تشريع القانون.
هل المقاطعة مفيدة؟
تجدر الإشارة إلى أن الشعبين الأردني والماليزي قدما نموذجًا من أفضل نماذج المقاطعة على الإطلاق، ورغم أننا ما زلنا بعيدين عن الوصول إلى المستوى المطلوب في المقاطعة، فإنها لا تزال تؤثر بشكل كبير على العلامات التجارية المتواطئة في دعم الاحتلال، والواقع أننا بدأنا نرى نتائج اقتصادية ودبلوماسية لهذه الجهود.
وفي رسالة مطولة إلى بنيامين نتنياهو ووزير المالية سموتريتش، أشارت مجموعة من 300 خبير اقتصادي إسرائيلي إلى خطورة المقاطعة وتأثيرها بقولهم: “أنتم لا تفهمون حجم الأزمة الاقتصادية التي يواجهها الاقتصاد الإسرائيلي”.
ومع استمرار الإبادة الجماعية في غزة دون أن تلوح نهاية في الأفق، بجانب استعداد “إسرائيل” لشن هجوم على رفح، أصبحت الحاجة إلى المقاطعة أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، وهذا أسهل شيء تستطيع الشعوب القيام به لإظهار التضامن مع الفلسطينيين في غزة.
كيف تمنع قتل فلسطيني يوميًا؟
ورغم الادعاءات المنتشرة على نطاق واسع التي تشير إلى أن المقاطعة لن تُحدِث فرقًا كبيرًا، فإنها نجحت بشكل كبير في رفع مستوى الوعي بشأن ما يقوم به الاحتلال، خصوصًا أن المقاطعة هذه المرة عابرة للحدود وأتت من جميع الاتجاهات.
وتجدر الإشارة إلى أن المقاطعة لم تؤد إلى الإضرار بالموظفين المحليين كما هو شائع، ففي حالة مصر وتركيا، أدت المقاطعة إلى نمو منتجات محلية كبدائل، وتوفير فرص عمل في الصناعات والشركات المحلية نتيجة زيادة الإقبال على المنتجات المحلية.
ففي تركيا، قاطع البعض “Visa” و”MasterCard” وبدلًا من ذلك، اتجهوا إلى نظام TROY، وهو نظام محلي ووطني في تركيا. كذلك في مصر، أدت مقاطعة كوكاكولا وبيبسي إلى إحياء منتجات مصرية كانت منسية مثل سبيروسباتس، وهي علامة تجارية محلية للصودا عمرها 100 عام، وقد ذكرت سبيروسباتس أن مبيعاتها تضاعفت 3 مرات منذ بدء الحرب على غزة، كذلك في الكويت والأردن، عززت المقاطعة مبيعات المقاهي المحلية.
وبالتالي يمكن للمقاطعة أن توفر فرصًا ذهبية لتعزيز السوق المحلي، وتحسين جودة المنتجات المحلية وتنشيط المجتمع بأكمله من خلال ربط الأفراد ببعضهم الخاص وإنهاء التبعية في القطاعات الاستهلاكية. وهناك مؤشرات على أن بعض أصحاب الأموال والاستثمارات في البلدان العربية سيحاولون الابتعاد عن العلامات التجارية المرتبطة بالاحتلال لإبعاد شركاتهم عن المقاطعة.
بودكاست طوفان – فلسفة المقاطعة
وفي الواقع، فإن المقاطعة لا تؤثر على المبيعات وانخفاض الأسهم فحسب، بل على سمعة العلامة التجارية، وهذا قد يؤدي إلى تغييرات مستقبلية في سياسات هذه الشركات أو مواقفها السياسية مثلما حدث من بعض الشركات التي حاولت في أثناء الحرب على غزة النأي بنفسها عن الاحتلال.
وبعض هذه الشركات بعد أن تأثرت بالمقاطعة كشركة كارفور التي اضطرت إلى إغلاق 4 فروع في الأردن حتى الآن، نشرت فيديو ترويجي بعنوان “كارفور منكم وفيكم” يتباهي فيه الموظفون بأصولهم الفلسطينية.
ويلاحظ أن الشركات التي دعمت الاحتلال وأظهرت استعدادها لتحمل ضغوط المقاطعة، تحاول حاليًّا التغلب على تأثير المقاطعة من خلال إعادة بناء سمعتها وإبراز دعمها لغزة، وقد رصد مستخدمو مواقع التواصل بعض فروع ماكدونالدز في مصر وإندونيسيا وهي مزينة بالعلم الفلسطيني.
والواقع أن سمعة وصورة هذه العلامات التجارية تضررت بشكل كبير، لدرجة أن الكثيرين باتوا يعتقدون أنه من العار أن تتم رؤيتك في أحد تلك الأماكن، فحتى إن وضعت الحرب أوزارها واستطاعت هذه الشركات تعويض الخسائر التي منيت بها في المبيعات، فستحتاج إلى وقت طويل من أجل استعادة ثقة العملاء ومعالجة التصورات السلبية، إذ إن كوكاكولا وماكدونالدز وستارباكس باتت محفورة في أذهان الكثيرين بالحرب على غزة.
وبالتالي من الممكن القول إن المقاطعة ستستمر مع من راكم وعيًا بالقضية الفلسطينية، ومن النتائج الملحوظة أن الكثيرين باتوا يتحدثون الآن عن فلسفة الاستغناء بدلًا من المقاطعة المؤقتة وأن المقاطعة أسلوب حياة، وبالتالي أصبح الناس أكثر وعيًا من أي وقت مضى بالعواقب الاجتماعية والسياسية المترتبة على قراراتهم الاستهلاكية، لذا يستخدمون قوتهم الشرائية للدفاع عن القضايا التي يهتمون بها.
ونختم بالتأكيد على أهمية خلق تأثير دائم للقضية، وأن نظل يقظين ومطلعين على العواقب الاجتماعية والسياسية المترتبة على خياراتنا الاستهلاكية، وعلينا أن نحافظ على زخم المقاطعة ونستمر في تذكير أنفسنا بها لأن الغضب يتلاشى بمرور الوقت.