بعد أن تسبب نظام الأسد بتهجير نصف سكان سوريا الذين يقدر عددهم بـ22 مليون شخص، مما دفع الملايين لمغادرة سوريا بينما اختار أكثر من 6 ملايين سوري النزوح داخل الأراضي السورية، استوطن مئات الآلاف منهم في مخيمات أغلبها تقع في مناطق الشمال السوري المحرر.
من أكبر تجمعات المخيمات في الشمال السوري مخيمات أطمة بريف إدلب الشمالي التي تجاوز عدد قاطنيها 100 ألف نسمة، وكذلك مخيمات السلامة بريف حلب الشمالي التي وصل عدد سكانها إلى نفس العدد تقريبًا.
بينما يقع أكبر مخيمات المنطقة الجنوبية بالقرب من الحدود السورية الأردنية وهو ما بات يُعرف بمخيم الركبان أو مخيم الموت، حيث يعيش نحو 60 ألف شخص بينهم نساء وأطفال، أوضاعًا إنسانية صعبة للغاية حسب تصريح خاص لـ”نون بوست” أدلى به السيد أبو خضر رئيس مجلس عشائر الركبان.
ويُضيف أبو خضر: “المخيم أسوأ مكان يستطيع أن يتخيله العقل البشري، وتصور حتى الوحوش والزواحف غير موجودة، لا يُقدم للناس إلا القليل من المياه، أما الخبز غير موجود ويعتمد الناس على تناول بعض المواد الغذائية الغنية بالنشويات كالبطاطس أو ما شابه كقوت يومي”.
“ويُعتبر قدوم فصل الشتاء مرعب بكل معنى الكلمة لقاطني المخيم، فخيمهم مهترئة وﻻ تقي من برد ولا حر، أما الوضع الصحي فمأساوي مع غياب المراكز الصحية ووجود بعض الأدوية التي غالبًا ما يتبين أنها فاسدة”.
يشهد المخيم حركة كثيفة من النزوح إليه من مناطق البوكمال والميادين نتيجة المعارك التي شهدتها تلك المناطق مع تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”
وعن نية أهل المخيم مغادرة المخيم وإغلاقه أفصح رئيس مجلس العشائر عن صعوبة هذا الأمر، فكيف لعشرات الآلاف أن يغادروا المكان وينتقلوا إلى مناطق أخرى في ظل تعدد مناطق السيطرة، ومن سيستقبل هذا العدد الكبير ويؤمن لهم مستلزمات الحياة.
وقد أخبرنا أبو خضر أنه تم تصفية مجموعة من أهالي مدينة القريتين على يد قوات النظام بعد دعوات لعودة الأهالي ضمن اتفاق مصالحة، لذلك يرى أن المطلوب تأمين أدنى مستلزمات الحياة في المخيم، فالأهالي لا يملكون خيارًا آخر في الوقت الحاليّ.
ويُوضح لنا أبو أحمد الدرباس رئيس مجلس مخيم الركبان فيقول: “بالنسبة للبضائع التي تدخل المخيم فيتم تهريبها من مناطق سيطرة النظام وبكلفة عالية لا يستطيع تحمل كلفتها إلا القليل ممن يملكون شيئًا من الفائض المالي، ولكن عامة سكان المخيم لا يستطيعون شراء أي شيء، وقد مللنا من توجيه النداءات للحكومة الأردنية التي تمنع وصول المنظمات إلى المخيم بحجة وجود داعش في المخيم وهو ما نفيناه مرارًا وتكرارًا”.
أما عن دور فصائل المعارضة في تحسين وضع أهالي مخيم الركبان يضيف الدرباس: “في الحقيقة الفصائل الموجودة في المخيم تساهم في زيادة معاناة أهالي المخيم بدلاً من المساعدة على تخفيفها، فمنذ دخولهم للمخيم عمت الفوضى والجوع والقتل والاغتيالات داخل المخيم، أما المعارضة الخارجية فلم نتلق منهم حتى اتصال هاتفي يطمئنون به عن حالنا وكأننا غير موجودين إطلاقًا، ولذلك أُعلن الآن مخيم الركبان منطقة منكوبة، وأتمنى أن يتم الاستجابة لهذا الإعلان وإنقاذ عشرات الآلاف من المنكوبين الذين يعانون الأمرين نتيجة الأوضاع المأساوية التي يعيشونها منذ شهور”.
حذرت منظمة الأمم المتحدة أوائل شهر تشرين الثاني هذا العام من تدهور الأوضاع الإنسانية في مخيم الركبان للنازحين السوريين
أما المسؤول الإعلامي والناطق الرسمي باسم المخيم دحام الحميد يوضح في تصريح خاص لـ”نون بوست”: “حالة مأساوية يعيشها مخيم الركبان في ظل انقطاع المساعدات الغذائية نتيجة رفض الحكومة الأردنية إدخال المساعدات إلى أهالي المخيم عبر أراضيها وذلك منذ 9 أشهر، مما أدى إلى ازدياد في أعداد وفيات الأطفال وكبار السن والنساء الحوامل نتيجة نقص الغذاء والرعاية الطبية والأدوية، ويشهد المخيم حركة كثيفة من النزوح إليه من مناطق البوكمال والميادين نتيجة المعارك التي شهدتها تلك المناطق مع تنظيم الدولة”.
مضيفًا “بالمقابل هناك حركة نزوح من مخيم الركبان إلى مناطق الشمال السوري عبر بادية الموت، حيث يسير النازحون ضمن مناطق سيطرة النظام والأكراد وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” حتى يصلوا إلى مناطق سيطرة الجيش الحر وهي رحلة طويلة وشاقة ومكلفة، وختامًا أستطيع أن أقول لك: مخيم الركبان.. مخيم الفقر.. مخيم الجوع.. مخيم الموت”.
هذا وحذرت منظمة الأمم المتحدة أوائل شهر تشرين الثاني من هذا العام من تدهور الأوضاع الإنسانية في مخيم الركبان للنازحين السوريين، وقال السكرتير الصحفي للمفوضية السامية للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية يينس ليركي، إن ما يزيد على 50 ألف نازح يعانون من ظروف إنسانية متدهورة، وسط صعوبة إيصال المساعدات الإنسانية لهم.