أصدر مركز كارنيجي للأبحاث ورقة بحثية تناقش العلاقات الخليجية الأمريكية وتقدم توصيات لواشنطن بشأن تعزيز تلك العلاقة في ظل التغيّرات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والمخاوف التي تعتري دول الخليج من أن تتخلّى الولايات المتحدة عنها، فضلاً عن التوترات غير المسبوقة داخل دول الخليج.
الورقة التي كتبها كبير الباحثين ببرنامج الشرق الأوسط بالمركز، فريدريك ويري، قالت أنه على الرغن من محاولة واشنطن طمأنة شركائها الخليجيين بقوة تحالفها الأمني معهم في الوقت الذي كانت تدعو إلى إصلاحات تحريرية. إلا أن السياسات الداخلية لدول الخليج كانت مخالفة بوضوح لهذه الدعوات وبصورة متزايدة. وخلافاً لبعض الافتراضات، ليس ثمّة حاجة لأن تتناقض أهداف الطمأنة والإصلاح مع بعضها البعض. إذ أن التأكيد على الحاجة الملحّة إلى إجراء التغييرات المؤسّسية التي تشتد الحاجة إليها يعزّز التزام الولايات المتحدة بالأمن الإقليمي الدائم. ولذا-يقول الباحث- يتعيّن على الولايات المتحدة أن تركّز أكثر على تعزيز الإصلاحات السياسية وكذلك على إصلاح قطاع الأمن في منطقة الخليج.
ويقول الباحث إن على الرئيس الأميركي أن يلقي خطابًا يؤكّد فيه مجدّداً التزام الولايات المتحدة بالتحالفات الإقليمية في الخليج والتأكيد على أهمية القيام بإصلاح سياسي هادف وذي معنى.
إن مخاوف البلدان الخليجية من تخلّي الولايات المتحدة عنها ليست بالجديدة، فهي متجذّرة في بنية العلاقة بين الطرفين. وبسبب كونها دولاً صغيرة تعتمد على راعٍ أكثر قوة، فقد كانت دول مجلس التعاون الخليجي قلقة على الدوام من احتمال أن تتخلّى واشنطن عنها لصالح جيران أكثر منافسة أو الإيقاع بهم في حرب إقليمية من صنعها.
لكن الجديد بشأن موجة التهويل الأخيرة يتمثّل في ارتفاع مستوى الصوت وقوة الردود الخليجية. وقد تبنّت دول الخليج سياسة خارجية ناشطة وحازمة على نحو متزايد في جميع أنحاء المنطقة. في بعض الحالات، عارضت هذه السياسات مصالح الولايات المتحدة أو حتى أضعفتها. ويعدّ تمويل عملية إقصاء الجيش المصري لحكومة محمد مرسي وتمويل جماعات المعارضة الراديكالية السلفية في سورية المثالين الأكثر أهمية على سياسات الدول الخليجية. وقد دعت المملكة العربية السعودية إلى تبنّي سياسة دفاعية خليجية أكثر قوة، بحيث تشمل تشكيل “قيادة عسكرية موحدة” لقوات دول مجلس التعاون الخليجي، وأصدرت تهديدات مبطّنة للولايات المتحدة بشأن البحث عن شركاء عسكريين في أماكن أخرى.
ومن بين التوصيات التي يقترحها الباحث على واشنطن، أن تستخدم الولايات المتحدة المبيعات العسكرية بصورة أكثر تأنّياً وانتقائية لبناء القدرات الدفاعية لدول الخليج وتعزيز الإصلاح الداخلي. فيجب على الولايات المتحدة حجب المواد العسكرية، ولاسيّما تلك التي تستخدم في القمع الداخلي والمواد ذات القيمة العالية التي توفّر الهيبة للأنظمة الخليجية، ما سيرسل إشارة حول قلق الولايات المتحدة بشأن السياسات المحلية الخليجية، وربما يجبر الأنظمة الخليجية على سنّ إصلاحات محدّدة.
كما يؤكد الكاتب أنه يتعيّن على الإدارة الأميركية أن تمكّن المعتدلين في الحكومة والمعارضة في البحرين من تحقيق مصالحة تقوم على أساس خريطة طريق للإصلاحات السياسية والمؤسّسية. وإذا ماتدهور الوضع في البلاد، يجب على واشنطن إعداد خطة طوارئ لنقل مقرّ الأسطول الخامس الأميركي من البحرين.
ويخلص الباحث إلى أنه يجب على الولايات المتحدة ممارسة قدر أكبر من تأثيرها بشكل فعّال لتحقيق الإصلاحات التي تشتد الحاجة إليها في الخليج. غير أن القيام بذلك في ظل المناخ الحالي من الخلاف بين الولايات المتحدة والخليج بشأن السياسة الإقليمية تجاه سورية وإيران ومصر سيكون صعباً باعتراف الجميع. ولكن ينبغي على المسؤولين الأميركيين ألا يقعوا في فخّ التفكير في أن تعزيز الإصلاح الداخلي يجب أن يحتلّ منزلة أدنى لتأمين تعاون دول الخليج بشأن أولويات الولايات المتحدة في المنطقة. ولعل اتباع مقاربة شاملة للأمن تتضمن معالجة الأسباب الجذرية للاضطرابات السياسية والاجتماعية لايعكس القيم الأميركية بصورة أفضل من المقاربة الحالية وحسب، بل يبدو ضرورياً بصورة متزايدة للحيلولة دون حصول تحدّيات خطيرة لقادة الخليج والممتلكات الأميركية والشعب الأميركي.