بعد كل الإخفاقات المتكررة التي جرّها التحالف على نفسه قبل غيره، وذاق ويلاتها اليمنيون أضعافًا مضاعفة، ما زال التحالف مترددًا في التخلي عن التصرف بعيدًا عن الشرعية التي أصبحت في هامشٍ ضيق يحكمه المزاج السياسي لأبو ظبي والرياض.
اختلاف الأجندات بين مكونات التحالف العربي وتحديدًا الإمارات التي بسطت سلطانها المطلق على أكثر من ضِعْف مساحتها في محافظات جنوب اليمن، أصاب الشرعية بالإعاقة شبة التامة وعمق الكارثة الإنسانية في البلاد نتيجة لطول أمد الحرب.
فخلال العام 2017، لم تحقق قوات التحالف المجهزة بأحدث الأسلحة المتطورة أي إنجاز عسكري يمكن أن يغير في المعادلة بصورة جدية، ما خلا بعض التقدم المحدود في بعض الجبهات، في حين لم تروِاح القوات الحكومية مكانها في معظم الجبهات شمالي اليمن.
وطوال كل هذه الفترة لم تكن الشرعية أكثر من واجهة سياسية قليلة الحيلة في سيرورة الأحداث التي أخذت في الركود، في حين تبرز الإمارات كلاعب محوري أضحى أكثر حضورًا من السعودية التي تقود التحالف العسكري في اليمن، والتي اكتفت بالعمليات الجوية وانشغلت بالدفاع عن حدها الجنوبي من هجمات الحوثيين الذين يقاتلون بشراسة في المنطقة الحدودية.
لماذا تأخر الحسم في اليمن؟
موقف الإمارات الذي تؤطره اعتبارات المصالح التي يتداخل فيها السياسي بالإيديولوجي، وهواجس التوسع والسيطرة، على حساب مصالح اليمنيين الذين أنهكتهم الحرب التي باتت أبو ظبي تتحكم بمجرياتها، جعل مسؤولين في الشرعية يخرجون عن صمتهم ويتهمون الإمارات صراحة بإعاقة تقدم القوات الحكومية في أكثر من جبهة.
بعد حالة التشظي التي وقع فيها حزب “المؤتمر” بعد مقتل زعيمه علي عبد الله صالح لم تفوِّت أبو ظبي فرصة استقطاب فصيل المؤتمر الذي أصبح على قناعة بضرورة الثأر من الحوثي
أكثر تلك المواقف جرأة ما صرح به نائب رئيس الوزراء ووزير الخدمة المدنية والتأمينات عبد العزيز جباري، في لقاء تليفزيوني، تحدث فيه دون مواربة عن تعنت أطراف في التحالف العربي في تأجيل الحسم وعرقلة دور الشرعية، موضحًا أن دولًا إقليمية في التحالف العربي لها مصالحها، وهي من بيدها قرار الحرب وليس الحكومة الشرعية، مؤكدًا أن الجيش الوطني قادرٌ على حسم المعركة عسكريًا ولكنه لم يتلق الدعم اللازم.
وعزا ذلك إلى أن هناك حسابات أخرى للتحالف، مبينًا أن هناك من لا يريد أن تنصر الشرعية على الحوثي في هذا التوقيت، بدافع أن لدى الإمارات والسعودية تخوف من لو انتصرت الشرعية على الحوثي فمن الممكن أن يسيطر الإصلاح على اليمن وبالتالي يرون من وجهة نظرهم أنهم ذهبوا بالحوثي وأتوا بالإصلاح، على حد قوله.
وكشف الوزير أن الشرعية سبق أن طمأنت مسؤولين في التحالف وسفراء الدول العظمى أنه من غير الممكن السماح لأي فصيل أن ينفرد بحكم الشعب اليمني كما لا يمكن السماح لأي فصيل سواء حزب الإصلاح أم غيره أن يشكل خطرًا على المملكة أو على الإقليم.
جباري تطرق إلى خذلان “تعز” التي تتعرض لما وصفه بـ”الظلم والنكران” وسيطرة حلفاء الإمارات في تعز على المؤسسات الحكومية في المدينة المحاصرة، معرجًا على اتفاقه مع القيادي السلفي المعروف بأبو العباس (الموالي للإمارات) الذي التزم بتسليم مؤسسات الدولة، لكنه تراجع بعد لقائه المبعوث الإماراتي في عدن وهو ما اعتبره سلوكًا لا ينسجم مع الهدف الذي تدخلت من أجله الإمارات والسعودية في اليمن.
ولمّح إلى الدور السابق للإمارات والسعودية التي كنى عنها بـ”الجهات الإقليمية التي حاليًّا تحارب الحوثي” في مساعدة الحوثيين بادئ الأمر للسيطرة على صنعاء قبل ثلاث سنوات، وتعد هذه التصريحات التي كاشف بها جباري التحالف وحمّلها مسؤولية تأخر الحسم في اليمن، هي الأولى من نوعها من مسؤول رفيع في الحكومة الشرعية، منذ بداية العمليات العسكرية للتحالف في اليمن.
انفصام تحالف الحوثي – صالح، استدعى حالة من التفاؤل إزاء احتمال ما سيؤدي إليه ذلك من تعزيز لصف الشرعية
ورقة “المؤتمر” وحسابات أخرى
بعد حالة التشظي التي وقع فيها حزب “المؤتمر” بعد مقتل زعيمه علي عبد الله صالح لم تفوِّت أبو ظبي فرصة استقطاب فصيل المؤتمر الذي أصبح على قناعة بضرورة الثأر من الحوثي، ولكن إلى صفها وليس إلى صف الشرعية، وقد بات ذلك جليًا منذ استدعت الإمارات عددًا من القيادات المؤتمرية إلى أبو ظبي بمبرر تقديم العزاء لنجل صالح (أحمد علي) المقيم في أبو ظبي، بعد مقتل والده على يد الحوثيين.
هذه الخطوة كما يراها مراقبون، تأتي ضمن محاولة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد للتنسيق مع البقية الباقية من قيادات المؤتمر على آلية جديدة لتحريك بيادق اللعبة في المرحلة القادمة، بعيدًا عن الشرعية، هذه التحركات المريبة للإمارات استبان ملامحها رئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر حين حذّر من انقسام المؤتمر وأخذه بعيدًا عن الشرعية.
انفصام تحالف الحوثي – صالح، استدعى حالة من التفاؤل إزاء احتمال ما سيؤدي إليه ذلك من تعزيز لصف الشرعية، في حال استفادت من تداعيات الواقعة على أنصار “المؤتمر الشعبي العام” الذي أصبح منقسمًا إلى فريقين: مؤيد للحوثيين وناقمٍ على فعلتهم، وهم كثرة.
وبحسب ما ذكرت قيادات تنظيمة في “المؤتمر” فإن مجاميع قليلة من أنصار الحزب بدأت بالتوجه سرًا إلى محافظة مأرب، في حين ينتظر الباقون فتح معسكرات خاصة في محافظة الحديدة في حال تم تحريرها لتجنيدهم ضمن كتائب مستقلة يتم تدريبها بإشراف من القوات الإماراتية التي استأنفت تقدمها في الساحل الغربي على نحوٍ مفاجئ بعد تسعة أشهر من التوقف، بمشاركة قوات سودانية ويمنية، وقد نجحت خلال الأسبوعين الماضيين من تحقيق تقدم لافت، حيث أصبحت على بعد نحو 128 كليومترًا من مدينة الحديدة ذات الميناء الإستراتيجي.
وبالتزامن مع هذا التحرك الطارئ للقوات التي تقودها الإمارات للسيطرة على ميناء الحديدة، آخر المنافذ البحرية للحوثيين، يجري الحديث عن التحضير لنجل صالح (المقيدة حركته بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216) لتولي قيادة القوات العسكرية في الجبهة الغربية التي من المخطط لها أن تتجه صوب صنعاء بعد عزل الحوثيين عن منطقة الساحل.
بعد فشل الرهان على صالح، في كسر شوكة الحوثيين، لا شك أن التحالف وبالأخص السعودية والإمارات أصبحتا على قناعة بضرورة وضع حد لهذه الحرب، أكثر من أي وقتٍ آخر
وبصرف النظر عن توقيت وحيثيات استئناف التحركات العسكرية التي تبدو إيجابية جدًا، إلا أن هناك مَن يتخوف أن تمارس الإمارات دورًا سلبيًا يحوْل دون دمج القوات التي ستتولى تدريبها وتمويلها مع مكونات الجيش الوطني، على غرار ما فعلت في عدن بعد تحريرها.
مبعث هذه المخاوف نابع من كون الإمارات ما زالت تمانع لملمة شتات المؤتمر تحت قيادة الرئيس هادي، الذي كان – فيما مضى – واحدًا من أهم قيادات الحزب، وتطبيق ما ينص عليه نظام الحزب الداخلي الذي يقضي أنه في حال كون “المؤتمر” هو الحزب الحاكم فإن رئيس الجمهورية يكون رئيسًا للحزب، وهو ما لم يحدث بعد استلام “هادي” للسلطة خلفًا لصالح بموجب المبادرة الخليجية.
حيث ظل الحزب على ولائه القديم المختزل في شخص صالح، رغم ذلك، فلم يكن الأمر مستغربًا لعدة أسباب، لكن الغريب أنه بعد رحيل صالح، يتلكأ التحالف في الإسراع لملئ الفراغ الذي تركه مقتل الزعيم التاريخي للحزب والاستفادة من جديد بالمواقف التي نجمت عن فسخ العلاقة بين المؤتمر وحليفه والحوثي.
ما وراء الانفتاح الحذِر على الإسلاميين؟
بعد فشل الرهان على صالح في كسر شوكة الحوثيين، لا شك أن التحالف وبالأخص المملكة العربية السعودية والإمارات أصبحتا على قناعة بضرورة وضع حد لهذه الحرب، أكثر من أي وقتٍ آخر، وهو ما جعل من الموقف الخليجي أكثر مرونة وقابلية في التعاطي مع الإسلاميين، تجسد في قبول ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد بالجلوس مع رئيس حزب الإصلاح محمد اليدومي والأمين العام للحزب عبد الوهاب الأنسي، لأول مرة.
ويبدو أن التحالف تذكر في الوقت بدل الضائع أنه لا بد من إشراك “الإصلاح” الذي يعد أهم مكون سياسي ساند الشرعية وتمسك بالرئيس هادي في المعركة ضد جماعة الحوثي المسلحة، رغم تعرض أعضائه ومقراته لحملة شعواء من الإمارات وأدواتها في عدن ومحافظات جنوب اليمن.
ومها تكن دوافع هذ التقارب، فإن الإمارات في أحسن الأحوال لن تقبل بالإصلاح إلا كحليف مؤقت، تنتهي صلاحيته بعد انتهاء دوره في دحر الحوثيين، فالإصلاح غير مؤهل مطلقًا ليكون حليفًا حقيقيًا للامارات مهما قدم من تنازلات، كما أن الإمارت لن تتخلى عن حساسيتها من الإصلاح أو القوى التي شاركت في صناعة الربيع العربي.
فوق هذا، فإن للإمارات مصالحها وطموحاتها في اليمن، ولا بد لها من إيجاد حلفاء – غير الإصلاح – تطمئن إليهم لضمان نصيبها من الكعكة، ولا بأس بقليل من المرونة من أجل استخدام الإصلاح قنطرة لعبور مرحلي، حتى إيجاد البديل المناسب، رغم ذلك بالغ الإصلاح في الاحتفاء بما اعتبره تحولًا في سياسية التحالف تجاه الحزب، مع أن ذلك اللقاء لا يمكن وصفه تحولًا بقدر ما هو موقف براغماتي اقتضته الظروف واللياقة السياسية.