مفاجأة جديدة قذفتها صحيفة “نيويورك تايمز” مؤخرًا بكشفها عن شراء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، قصرًا فارهًا في فرنسا مقابل 300 مليون دولار، يقال إنه قصر لويس الرابع عشر، لينضم إلى جملة المبالغ الفلكية التي ينفقها منذ وصول والده إلى الحكم في السعودية.
“يخت ولوحة وقصر”، لم يكن هذا عنوان فيلم سينمائي أو مطلع أغنية شعبية، بل حصاد ما اقتناه الأمير الشاب، خلال الأعوام الثلاث الأخيرة، إرضاءً لمزاجه العام وتلبية لطموحاته في امتلاك هذه المقتنيات الثمينة.
1.3 مليار دولار القيمة التقريبية لهذه المشتريات وفق بعض المصادر، في الوقت الذي يطالب فيه ابن سلمان السعوديين بالتقشف في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها المملكة في السنوات الأخيرة، مما أثار بعض التساؤلات عن حالة الفصام التي يعاني منها المشهد السعودي على أيدي أميره المولع بالعرش.
القصر الأغلى في العالم
اشترى ابن سلمان القصر الذي يقع في مدينة “فرساي” الفرنسية مقابل 300 مليون دولار أمريكي، وذلك عام 2015، وحينها لم يعلم أحد بهوية من اشتراه، غير أن الرقم المدفوع لأجله أثار الكثير من التساؤلات حينها على اعتبار أنه قد يكون الأغلى والأفخم في العالم، وهو ما دفع البعض إلى التساؤل عن صاحب هذا الرقم الكبير، بحسب الصحيفة الأمريكية.
القصر الذي يعد الأفخم في العالم بحسب الخبراء، يحتوي على نافورة مصنوعة من الذهب الخالص، كذلك به حديقة تتجاوز مساحتها 57 هكتارًا ( 570000 متر مربع) تشتمل على أرقى أنواع الزهور والتحف المعمارية النادرة، هذا بخلاف عشرات الغرف الداخلية المبنية على أحدث أنواع الهندسة المعمارية في العالم، حسبما أشارت مجلة “فورتيون“.
روس رايديل: محمد بن سلمان يحاول بناء صورة مختلفة لنفسه أمام الناس بأنه حقق عددًا من النجاحات، وأنه مختلف ومصلح، أو على الأقل مصلح اجتماعي، ويريد أن يظهر على أنه ليس فاسدًا
1.3 مليار دولار
قصر لويس الرابع عشر ليس الأول من نوعه فيما يتعلق بولع ابن سلمان في اقتناء بعض المشتريات الباهظة التي تأتي في المقام الأول إرضاءً لغروره في التميز والاختلاف، بل إنه وفي مقابل ثلاثة أشياء فقط سعى للحصول عليها دفع ما يقرب من 1.3 مليار دولار (يخت 550 مليون دولار + لوحة بقيمة 450 مليون دولار+ قصر بمبلغ 300 مليون دولار).
منذ عدة أيام كشفت بعض الصحف الأمريكية عن شراء ولي العهد، لوحة ليوناردو دافنشي “سالفاتور موندي” (مخلِّص العالم – المسيح) بقيمة 450.03 مليون دولار عن طريق وسيط قام بعملية الشراء هو الأمير بدر بن عبد الله بن محمد بن فرحان آل سعود.
اللوحة الأغلى سعرًا في التاريخ أثارت الكثير من الجدل، فبعيدًا عن كونها منافية لتعاليم الإسلام إذ إنها تتضمن صورة للسيد المسيح، إلا أنها أصابت البعض بالصدمة خاصة بعد الكشف عن ضلوع محمد بن سلمان – رغم نفيه – وراء عملية الشراء عن طريق صديقه المقرب بدر بن عبد الله، ليقوم بعد ذلك بإهدائها إلى صديقه الآخر، محمد بن زايد، لوضعها في متحف لوفر أبو ظبي.
وقبل عامين تقريبًا نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرًا أعده كل من مارك مازيتي وبن هبارد، عن شراء محمد بن سلمان يختًا تبلغ قيمته نحو 550 مليون دولار.
التقرير كشف أن الأمير محمد شاهد يختًا، ولم يقاوم الرغبة في شرائه، فعندما كان يصطاف في جنوب فرنسا، شاهد يختًا طوله 440 قدمًا، يرسو على الشاطئ، وأرسل مساعدًا له لشراء السفينة (سيرين) التي كان يملكها تايكون الفودكا الروسي يوري شيفلر، وتم الاتفاق على الصفقة سريعًا وبساعات، بسعر 500 مليون يورو (550 مليون دولار اليوم)، وذلك بحسب المقربين من شيفلر والعائلة السعودية الحاكمة، وحرك الروسي اليخت إلى صاحبه في اليوم ذاته.
اشترى ابن سلمان القصر الذي يقع في مدينة “فرساي” الفرنسية مقابل 300 مليون دولار أمريكي، وذلك عام 2015، وحينها لم يعلم أحد بهوية من اشتراه
الشيء المثير للدهشة في قائمة المشتريات الباهظة التي اشتراها ابن سلمان هي غموض هوية المشتري، سواء فيما يتعلق بقصر لويس الرابع عشر أو لوحة “سالفاتور موندي”، أما الآن، فقد اتضح أن الخيوط جميعها تقود إلى محمد بن سلمان، كما خلصت الصحيفة الأمريكية.
ومن خلال تتبع وثائق القصر، كشفت الصحيفة أن ولي العهد السعودي استطاع تغطية ملكيته لهذه المقتنيات عن طريق عدة شركات في فرنسا ولوكسمبورغ تديرها مؤسسة ابن سلمان الشخصية، ويؤكد مستشارون للعائلة الملكية أن القصر يعود في النهاية إلى ولي العهد، كذلك اللوحة.
جدير بالذكر أن تلك الشركات نفسها كشفت النقاب قبل عامين عن شراء ولي العهد لأحد اليخوت في روسيا إضافة إلى شرائه عقارًا آخر مساحته 620 فدانًا في ضواحي باريس يعرف باسم “لي روفري”.
يخت محمد بن سلمان الذي اشتراه قبل عامين تبلغ قيمته 550 مليون دولار
تناقض واضح
حالة من التناقض يحياها المشهد السعودي ما بين حب ولي عهده للمظاهر التي كلفته قرابة 1.3 مليار دولار في أقل من عامين، والواقع الاقتصادي الذي يفرض نفسه بصورة أو بأخرى، حيث ارتفع حجم الدين العام للمملكة إلى 341 مليار ريال (90.9 مليار دولار) بنهاية يونيو/حزيران الماضي، بزيادة قدرها 8% عن مستواه بنهاية عام 2016 حين بلغ 316 مليار ريال (84.3 مليار دولار).
كما بلغ العجز في الميزانية العامة للدولة في النصف الأول من العام الحاليّ 72.7 مليار ريال (19.4 مليار دولار)، وذلك بحسب الأرقام الصادرة عن وزارة المالية.
علاوة على ذلك تتكبد السعودية عشرات المليارات من الخسائر في كل من اليمن وسوريا فضلاً عن التراجع الواضح في معدلات الدخل القومي جراء تراجع أسعار النفط خلال السنوات الأخيرة، وهو ما دفع السلطات بالمملكة إلى فرض العديد من إجراءات التقشف ضد السعوديين، وزيادة نسب الضرائب والعوائد في الوقت الذي تتراجع فيه معدلات الدعم مما أدى إلى ارتفاع واضح في أسعار السلع والخدمات.
من زاوية أخرى تعكس هذه المظاهر حالة من الـ “شيزوفرينيا” في توجهات محمد بن سلمان فيما يتعلق بمسيرة الإصلاح ومكافحة الفساد التي يقودها منذ مجزرة الرابع من نوفمبر الماضي التي أطاح فيها بما يزيد على 50 اسمًا ما بين أمير ووزير ورجل أعمال بزعم تورطهم في قضايا فساد.
في مقابل ثلاثة أشياء فقط سعى للحصول عليها دفع ابن سلمان ما يقرب من 1.3 مليار دولار (يخت 550 مليون دولار + لوحة بقيمة 450 مليون دولار+ قصر بمبلغ 300 مليون دولار)
ما يقوم به ولي العهد من شراء لبعض المقتنيات باهظة الثمن التي أثارت الجدل ليس في المملكة وحدها بل في العالم أجمع، لا شك أن له دوافع لدى الأمير الشاب وصورة يسعى لتصديرها من وراء ما يقوم به.
البعض ذهب في تفسيره لهذه الظاهرة أن ابن سلمان “يحاول بناء صورة مختلفة لنفسه أمام الناس بأنه حقق عددًا من النجاحات، وأنه مختلف ومصلح، أو على الأقل مصلح اجتماعي، ويريد أن يظهر على أنه ليس فاسدًا”، هذا ما قاله المحلل لدى وكالة المخابرات الأمريكية “سي آي إيه” سابقًا بروس رايديل.
ومن ثم فإن طمع نجل سلمان في خلافة والده على عرش السعودية دفعه لمغازلة الخارج بشتى السبل وإن ترتب عليها الضرب بمرتكزات المملكة وثوابتها الوطنية عرض الحائط، في محاولة لتقديم صورة مختلفة له تؤهله للحصول على مباركة القوى الدولية على رأسها الولايات المتحدة.
ففي الوقت الذي يظهر فيه ابن سلمان في قنوات التلفزة السعودية متحدثًا عن التقشف ومنتقدًا عقلية البذخ والاستهلاك، وقال في إحدى مقابلاته ذات مرة، إنه يطبّق تلك المعايير على نفسه، مبررًا اعتقال أبناء عمومته وأعمامه وكبار رجال الدولة بتورطهم في تهم تتعلق بالفساد وإهدار المال العام، ينفق هو شخصيًا على ملذاته في اقتناء الأشياء الثمينة مليارات، فإن لم يكن ذلك تناقضًا فماذا يسمى؟ ربما هو سلاح جديد يحارب به الأمير الشاب الفساد بصورة مبدعة حسبما علق البعض ساخرًا.