ترجمة وتحرير: نون بوست
اعتُقل أكثر من 2000 شخص في حرم الجامعات الأمريكية بسبب احتجاجهم السلمي على الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، وبسبب “جريمة” تشكيل مدن الخيام، أو “المعسكرات” في الحرم الجامعي، تعرض الطلاب للهجوم من قبل الغوغاء، ولمعاملة وحشية من قبل الشرطة، بل وواجهوا إطلاق النار في جامعة كولومبيا بعد احتلال أحد المباني. (لقد احتللتُ العديد من المباني الإدارية في العقود الماضية ولم أضطر مطلقًا إلى مواجهة الذخيرة الحية).
وأعطى الرئيس جو بايدن موافقته الضمنية على إطلاق كلاب الصيد عندما قال: “إن تهديد الناس وترهيبهم وبث الخوف في الناس ليس احتجاجًا سلميًا، إنه مخالف للقانون”.
إذا كان الأمر كذلك، كان ينبغي اعتقال الشرطة والمتظاهرين المناهضين العنيفين بأعداد كبيرة، كما أن غمزة بايدن وإيماءته مهملة سياسيًا؛ وسوف تصد الناخبين الشباب الذين يحتاجهم بشدة لهزيمة دونالد ترامب؛ حيث يضحي بايدن بفرصه الانتخابية وربما بأي ادعاء بالديمقراطية من أجل دعمه لجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل.
وقد حرضت وسائل الإعلام الغاضبة، في حالة من التعطش للدماء، على العنف، إن مقارنة دانا باش من شبكة “سي إن إن” للاحتجاجات في الحرم الجامعي بألمانيا في ثلاثينيات القرن الماضي هي إهانة لكل ضحية للمحرقة وأحفادهم – وقد التقيتُ بالعديد من أحفاد ضحايا المحرقة اليهودية في المخيمات – هناك وجود يهودي في كل واحد من المخيمات الثلاثين التي تمكنت من البحث فيها، وفي عالم إعلامي عاقل، ستبحث باش عن عمل آخر، ربما مع لافتة مكتوب عليها “سوف يكذب من أجل الطعام”.
وهذا ما يفعله الأقوياء عندما يخسرون حجة ما، فلا يوجد أي مبرر أخلاقي أو سياسي لما تفعله إسرائيل بشعب غزة، ويشير الطلاب والأساتذة وأفراد المجتمع إلى ذلك، ولأنهم غير قادرين على المجادلة بالعقل، لجأ القادة السياسيون إلى الخداع، وقمع الدولة، وتشجيع الإرهاب العشوائي.
لقد سمعنا أعظم كذبة: وهي أن المعسكرات “معادية للسامية”، وهي كذبة أورويلية قيلت لتبرير عنف الدولة، ولكن هناك رواية خطيرة أخرى تتجذر: وهي أن المعتقلين هم “محرضون من الخارج”، لقد كان من المثير للدهشة أن نرى حفر القبر وإعادة إحياء بقايا تلك الإهانة، كان من الممكن أن يتصور المرء أن وصف المواطنين بـ “المحرضين من الخارج” قد انتهى بعار منذ عقود من الزمن، لكن جرى استخدام تلك الحجة للتشهير بمتظاهري حركة “حياة السود مهمة” في فيرجسون بولاية ميسوري. ومن أفواه السياسيين مثل عمدة مدينة نيويورك إريك آدامز، تشهد هذه العبارة صحوة جديدة، إن وسائل الإعلام والسياسيون يتقيؤون أسوأ ما في ماضي هذا البلد.
“المحرض من الخارج” هي عبارة تعود أصولها إلى أواخر الأربعينيات خلال الأيام الأولى لنضال السود من أجل الحرية، وقيلت لأول مرة من قبل رجال شرطة جون بيرشرز وجيم كرو لتشويه سمعة نشطاء الحقوق المدنية والتشهير بهم، وكانت حجتهم هي أن السود في الجنوب كانوا أكثر من راضين عن تفوق البيض حتى ظهرت مجموعة من الشيوعيين الشماليين المتطرفين ليخبروهم أن هناك شيئًا خاطئًا في العالم.
ومن المثير للسخرية أن أحد أفضل تفنيدات هذه العبارة جاء من جاكي روبنسون في سنة 1949، في جلسة استماع للجنة الأنشطة غير الأمريكية في مجلس النواب، وكان هذا هو المكان الذي انتقد فيه روبنسون – في الندم الأكبر في حياته – بول روبسون لتعاطفه مع الشيوعية، ولكن هذا ليس كل ما قاله روبنسون؛ حيث لم يتم ذكر ذلك كثيرًا في التقارير الإعلامية التي احتفلت بإزالة روبسون، لكن لاعب البيسبول الرائد قال أيضًا:
“… كل زنجي يحترم نفسه سوف يستاء من الافتراءات والتمييز بسبب عرقه، وسوف يستخدم كل ما لديه من ذكاء لإيقاف ذلك. وهذا ليس له أي علاقة على الإطلاق بما قد يفعله أو لا يفعله الشيوعيون. فمجرد أن الشيوعي هو الذي يدين الظلم في المحاكم، ووحشية الشرطة، والإعدام خارج نطاق القانون عندما يحدث ذلك، لا يغير من حقيقة الاتهامات. لقد تم إثارة السود قبل وقت طويل من وجود الحزب الشيوعي، وسوف يتم إثارتهم بعد ذلك ما لم يختفي جيم كرو”.
ويمكن للمرء أن يعيد كتابة هذا في لحظة اليوم، فلا يثار طلاب الجامعات عندما يظهر شخص بالغ، حاملاً مكبر صوت في يده، ويطلب من الجميع أن يتجمعوا في الساحة مع الخيام للمخاطرة بالاعتقال، واحتمالات العمل في المستقبل، وعنف الدولة، وتثيرهم المقابر الجماعية في غزة؛ وقتل المدنيين والصحفيين والأطفال؛ واستخدام المجاعة كسلاح حرب، لقد أُحبطوا من أن هذه الإبادة الجماعية يتم تأمينها بدولارات الضرائب لدينا، وهذا هو ما يدفع الناس إلى التحرك، وليس بعض المحرضين الخارجيين الوهميين.
وما لا تستطيع النخب الإعلامية ودعاة الحرب في واشنطن العاصمة حسابه هو أنهم يعتقدون أن هذا الجيل كان لا مباليًا في أحسن الأحوال، إن رؤيتهم الآن وهم ينهضون في حرم الجامعات في جميع أنحاء البلاد يتسبب في حدوث خلل في وظائفهم، عندما يعلن بايدن: “نحن لسنا أمة استبدادية حيث نقوم بإسكات الناس أو سحق المعارضة” بينما يتم إلقاء الأساتذة على الأرض وتقييد أيديهم، لا يتطلب الأمر “محرضًا خارجيًا” حتى يرى الطلاب أن هناك شيئًا فاسدًا في ديمقراطيتنا.
لقد فقدت نخب جيل الطفرة السكانية جيلًا كاملًا، وبدلًا من الاستماع إلى الشباب، يبحثون عن الأعذار، ولكن ما لا يمكنهم فهمه هو أنهم ربما فقدوا هذا الجيل – بما في ذلك العديد من زملائي اليهود – لأنهم كانوا يروجون لأكذوبة مفادها أن إسرائيل والولايات المتحدة هما قوتان من أجل الخير، وقد سئم الشباب من التظاهر بأن هذه ليست سوى خدعة قبيحة.
المصدر: ذا نيشن