تشرع قناة تليفزيونية خاصة في الجزائر هذا الأحد في تقديم نشرة أخبار باللغة الدارجة العامية بهدف الوصول إلى أكبر عدد من الجمهور، غير أن هذه الخطوة أثارت جدلاً في وسائل التواصل الاجتماعي، والشعار الذي اعتمدته القناة تحت عنوان “أهدر جزايري” أي “تكلم جزائري” يعود لحملة سابقة تقودها الناشطة الإعلامية سليمة زعروري التي كانت تهدف من ورائها التعريف باللهجة الجزائرية في العالم.
وأطلقت قناة “الجزائرية وان” الخاصة، برومو نشرة أخبارها منذ أيام للترويج لهذا النموذج الجديد من النشرات الذي لم يعتد عليه الجمهور الجزائري سابقًا، فقد جرت العادة على قدسية استعمال اللغة الفصحى فقط في نشرات الأخبار.
شعار مقرصن
ورغم تأييد البعض لفكرة تقديم مواعيد إخبارية باللهجة العامية الجزائرية لتصل لعموم الجزائريين، فإن اتخاذ النشرة شعار “اهدر جزائري ” أثار جدلاً، بالنظر إلى أنه مقتبس من حملة أطلقتها منذ سنوات الناشطة الإعلامية سليمة زعروري المقيمة بالإمارات، بهدف التعريف باللهجة الجزائرية في الوطن العربي، التي تظل غير مفهومة عند البعض رغم نطقها الحروف بطريقة صحيحة وقربها من الفصحى أكثر من لهجات عربية أخرى كالمصرية واللبنانية أو السورية على سبيل المثال، بحسب مختصين في اللسانيات.
وقالت الكاتبة الصحفية حدة حزام في منشور على صفحتها على “فيسبوك”: “نعم من أجل نشرة بالعامية، لكن لماذا سرقة أفكار الناس؟ “اهدر جزايري” برنامج للناشطة الإعلامية سليمة زعروري المقيمة بالإمارات، عيب يا سراقين”.
لا يوافق كثير من الإعلاميين والأكاديميين الخطوة التي ستقدم عليها قناة الجزائرية، فبالنسبة لأساتذة الصحافة فالإعلام غير مطالب بالنزول إلى لغة الشارع إنما الجمهور من عليه العمل على تحسين ثقافته والارتقاء إلى مستوى اللغة الفصحى
وتداول عدة ناشطون هاشتاغ #أهدر_جزايري الداعم لبقاء هذه المبادرة مرتبطة بمطلقتها سليمة زعروري التي تفاعلت مع منشور حدة حزام قائلة: “كنت مشغولة في التنظيم لمؤتمر صحفي، ولما عدت للمتابعة، وجدت هذه الكارثة الإعلامية، قناة جزائرية بأكملها تسرق مبادرتي ومشروعي دون أدنى معايير الأخلاق الإعلامية، لن أسكت عن ذلك، عوض أن تدعموني تسرقون جهدي وتعب سنوات”.
ولم ترد قناة الجزائرية على هذا الانتقاد الموجه لها، ويبدو أنها ماضية في مشروع نشرتها الناطقة بالعامية الذي يندرج في خانة شبكة برامجية تسعى من خلالها لكسب مشاهدين جدد لتحسن من نسبة مشاهدة الجزائريين لبرامجها بين القنوات الجزائرية الأخرى.
نزول إلى لغة الشارع
لا يوافق كثير من الإعلاميين والأكاديميين الخطوة التي ستقدم عليها قناة الجزائرية، فبالنسبة لأساتذة الصحافة فالإعلام غير مطالب بالنزول إلى لغة الشارع إنما الجمهور من عليه العمل على تحسين ثقافته والارتقاء إلى مستوى اللغة الفصحى.
ويتخوف مراقبون من أن تساهم هذه الخطوة في نشر اللهجة الجزائرية الهجينة التي غزتها المفردات الفرنسية على حساب الدارجة الأصيلة، بالنظر إلى تجارب سابقة في مجال الإعلام ممثلة في إذاعتي “البهجة” و”جيل آف أم” الحكوميتين المتهمتين بتسفيه الجمهور بسبب لغة الخطاب المستعملة من مذيعيها التي تتسم غالبًا بتسطيح مواضيع النقاش وإبعادها عن القضايا الحقيقية التي تهم المجتمع.
سبق أن ثارت ثائرة الجزائريين عندما أعلنت وزيرة التربية نورية بن غبريت احتمال اللجوء إلى استعمال اللغة الدارجة في تدريس تلاميذ الصفين الأول والثاني ابتدائي
ويتساءل آخرون عن “الدارجة” التي ستستعملها القناة بالنظر إلى وجود عدة لهجات في البلاد تختلف من منطقة إلى أخرى، ويصعب استعمال لهجة واحدة بالنظر إلى أن اللغة العامية التي كانت تستعمل قديمًا لم تعد موجودة بسبب المفردات الفرنسية الدخيلة عليها.
ويبدو من البرومو الترويجي أن اللهجة العامية هي التي ستستعمل في الغالب في هذه النشرة، مما قد يفتح انتقادًا آخر على القناة، حيث توجه ملاحظات عديدة للقنوات السمعية البصرية في الجزائر بتوجهها في الغالب لسكان العاصمة والولايات الكبرى على حساب الاهتمام بباقي مدن الجزائر العميقة.
جدل متكرر
إن كانت تجربة اعتماد اللغة العامية في النشرة الإخبارية ليست بدعة جزائرية، بالنظر إلى أن هذه الطريقة مستعملة في دول عربية مثل تونس ومصر ولبنان التي تلجأ في بعض مواعيدها الإخبارية لاستعمال مفردات من اللغة الدارجة، إلا أن هذا الموضوع لطالما أثار جدلاً في الجزائر، فقد سبق أن ثارت ثائرة الجزائريين عندما أعلنت وزيرة التربية نورية بن غبريت احتمال اللجوء إلى استعمال اللغة الدارجة في تدريس تلاميذ الصفين الأول والثاني الابتدائي.
ووجهت لبن غبريت وقتها جملة من الاتهامات عندما تضمنت ندوة إصلاح المنظومة التربوية توصية استعمال اللغة الدارجة في تعليم تلاميذ الصفين سالفي الذكر، وصلت حتى استهداف الهوية الوطنية والاعتداء على اللغة العربية، وتهجين المدرسة الجزائرية وغيرها من التهم التي وجهت للمسؤولة الأولى عن قطاع التربية والتعليم في البلاد التي اضطرت للعدول عن قرارها والقول إن هذه الفكرة كانت مجرد توصية للاستشارة لا للتنفيذ والتطبيق.