ترجمة وتحرير: نون بوست
على مدى الأشهر السبعة الماضية، ظلت الغالبية العظمى من الفلسطينيين في غزة عالقة في القطاع المحاصر، في محاولة لتجنب غضب الجيش الإسرائيلي.
وقتل الجيش الإسرائيلي أكثر من 34 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، منذ تشرين الأول/ أكتوبر.
وإلى جانب الرصاص والقنابل، يعاني سكان غزة أيضًا من آثار الحصار الإسرائيلي على القطاع، والذي أدى إلى انخفاض حاد في تدفق الغذاء والدواء وغيرها من الضروريات.
أما أولئك الذين يستطيعون تحمل تكاليف ذلك – ويستطيعون العيش مع احتمال عدم قدرتهم على العودة إلى ديارهم أبدًا – فقد مروا عبر الحدود المصرية ويبحثون الآن عن ملجأ هناك.
ورغم عدم توفر رقم محدد؛ فقد فر آلاف الفلسطينيين إلى مصر منذ بدء الحرب.
وتمكن الكثيرون من الانتقال إلى بلدان أخرى، لكن أولئك الذين ليس لديهم تأشيرات للسفر إلى الخارج بقوا في مصر.
غالبية الفلسطينيين من غزة في مصر شقوا طريقهم إلى هناك لتلقي العلاج الطبي، في حين أن البعض الآخر هم من الطلاب والمواطنين الفلسطينيين المصريين مزدوجي الجنسية والمقيمين الذين يمكنهم تحمل تقديم رشاوى بآلاف الدولارات للخروج من القطاع المحاصر.
لكن الوصول إلى بر الأمان في الدولة العربية المجاورة لا يضمن انتهاء صراعاتهم.
بالنسبة للعديد من الفلسطينيين، يمثل ذلك بداية لنوع جديد من الصعوبات؛ حيث تزداد أوضاعهم سوءًا بسبب غياب المساعدة من الدولة المصرية والمنظمات الدولية.
تحدث موقع ميدل إيست آي إلى عدد من الفلسطينيين في مصر، الذين طلبوا استخدام أسماء مستعارة، لأن الكشف عن هوياتهم قد يعرض استمرار وجودهم في البلاد للخطر.
كفاح البحث عن العمل
تمكن حامد، وهو أب لثلاثة أطفال يبلغ من العمر 42 سنة، من الفرار من غزة إلى مصر بعد دفع “رسوم التنسيق” البالغة 17,500 دولار.
وتم تنسيق دخوله إلى مصر من قبل وكالة يا هلا للسفريات، وهي شركة لها صلات بالمؤسسة الأمنية المصرية، والتي تحتكر فعليًا التصاريح لسكان غزة الذين يحاولون المغادرة.
وتعني شروط تأشيرته “المؤقتة” أنه لا يستطيع التقدم بطلب للحصول على وضع الإقامة أو التسجيل كلاجئ.
ونتيجة لذلك، لم يتمكن من تسجيل أطفاله في المدارس في مصر ولم يتمكن من العمل بنفسه.
وقال لموقع ميدل إيست آي: “ظروفنا المعيشية فظيعة. أنا أستخدم كل مدخراتي وآمل فقط أن تنتهي هذه الحرب قبل نفاد أموالي. لدينا ميزانية محدودة للغاية لأنه ليس لدينا تاريخ نهائي.”
وقال حامد إن الفلسطينيين الآخرين من غزة الذين يعرفهم ليس لديهم ما يكفي من المال لشراء الطعام، وأضاف: “أشعر بخيبة أمل كبيرة تجاه العالم”.
وقال حامد إن الفلسطينيين الذين فروا في وقت مبكر حصلوا على أكبر قدر من المساعدة؛ حيث كان هناك شعور أكبر بالتضامن مع محنتهم.
وأوضح أن أصحاب العقارات كانوا يخفضون إيجارات الفلسطينيين من غزة، ولكن في الأشهر التي تلت بدء الحرب، تضاءل هذا الحماس المبكر.
وقد شاهد موقع “ميدل إيست آي” قوائم على فيسبوك؛ حيث يُدرج الملاك المصريون على وجه التحديد عبارة “لا نأجر الفلسطينيين” في إعلانات الإيجارات الخاصة بهم، وذلك باستثناء أولئك الذين يمكن أن يقرروا العمل بشكل غير قانوني، أو تسجيل الشركات الصغيرة باستخدام اسم صديق مصري أو أحد أفراد الأسرة.
على سبيل المثال، أنشأ محمد مطعمًا لبيع أطباق الوجبات السريعة من غزة لتغطية نفقاته.
وقال: “لم يكن لديَّ خيار سوى أن أثق بصديق مصري”. مضيفًا: “لقد دفعت جميع النفقات لبدء هذا العمل على أمل أن أتمكن من الحصول على مصدر دخل ثابت.لا يوجد شيء باسمي، وهو أمر ليس ذكيًا جدًا ولكن لا يمكنني فعل أي شيء حيال ذلك. إن الكثير من سكان غزة يطلبون مني أن أعطيهم وظائف”.
وتابع: “في بعض الأحيان أسمح لهم بالعمل دون عقد وأعطيهم المال يوميًا لأنني أشعر بالسوء تجاههم”.
وقال: “أعلم أن هذا غير قانوني، ولكن أعتقد أنه يجب أن يكون من غير القانوني أن نترك هؤلاء الغزيين يكافحون بعد كل ما مررنا به”.
الحصول على العلاج الطبي
إن الافتقار إلى فرص العمل هو مجرد إحدى الصعوبات التي تواجه أولئك الذين فروا من غزة. فهناك أيضًا مسألة الرعاية الصحية، التي تعتبر مصدر قلق ملح للاجئين الذين تعرضوا لإصابات.
وقالت سمر، وهي أم تبلغ من العمر 39 سنة، إنها هربت إلى مصر مع طفليها، لكن زوجها لا يزال في غزة.
أصيبت ابنتها البالغة من العمر 16 سنة أثناء الحرب، لكنها لم تتمكن من الحصول على نقل طبي إلى مصر لأن إصابتها لم تكن مصنفة على أنها خطيرة؛ حيث ما زالت الفتاة تعاني من ثلاث شظايا في ساقها اليسرى.
وقالت سمر لموقع “ميدل إيست آي”: “ذهبتُ إلى المستشفيات في مصر لأسأل عما إذا كان بإمكانهم مساعدة ابنتي وإزالة الشظايا”. وأضافت:” لكنهم رفضوا علاجها قائلين إنها جاءت إلى مصر عبر تنسيق خاص؛ لذا لا يمكنهم علاجها مجانًا مثل جرحى غزة الذين تم نقلهم طبيًا إلى مصر”، معتبرة أنها “تُعاقب أساسًا لأنها دفعت مقابل الخروج من الحرب”.
وكانت سمر تعمل معلمة في إحدى مدارس الأمم المتحدة في مدينة غزة وما زالت تحصل على أجرها شهريًا، لكن المبلغ لا يكفي لتغطية احتياجاتها.
ولم يتمكن زوجها من دفع الرسوم اللازمة للفرار إلى مصر؛ فقرر البقاء في غزة لكنه فقد وظيفته منذ بداية الحرب.
ويجب أن يغطي المال الذي تحصل عليه من وظيفتها كمعلمة ليس فقط نفقاتها في مصر؛ بل نفقات زوجها في غزة أيضًا.
وقالت: “في مصر، علي أن أدفع الإيجار والفواتير والبقالة. لقد تركنا غزة بلا شيء تقريبًا. كان عليّ شراء الكثير من الأساسيات عندما وصلنا إلى مصر لأول مرة”. وأضافت: “لقد استخدمت مدخراتي لدفع رسوم التنسيق والآن انتهى بي الأمر إلى عدم وجود ما يكفي لدفع تكاليف العملية الجراحية لابنتي”.
التعليم
ولضمان عدم تخلف الأطفال الفلسطينيين عن دراستهم، قدمت عدد من المدارس في الضفة الغربية المحتلة دورات تعليمية عن بعد. ومع ذلك؛ فإن قائمة الانتظار لهذه الدورات طويلة حيث فر الكثير من الأطفال الآن.
وقامت سمر بالتسجيل لدى السفارة الفلسطينية في القاهرة فور وصولها قبل شهرين من أجل تسجيل أطفالها في المدارس. وقالت: “نحن ما زلنا ننتظر. إن تجربتي مع السفارة الفلسطينية كانت فظيعة”.
وكان أحد شرايين الحياة هو المؤسسات المرتبطة بالأزهر، وهو أعلى سلطة إسلامية سنية في مصر، والتي سمحت للفلسطينيين بالانضمام إلى المؤسسة مجانًا.
وقال الفلسطينيون الذين تحدث إليهم موقع ميدل إيست آي إنهم يعيشون مع شعور دائم بعدم الأمان وعدم اليقين.
وقال حامد إن إحدى العائلات التي التقى بها قررت العودة إلى غزة عندما طردها مالك المنزل لعدم قدرتهم على دفع الإيجار، وأضاف: “وعاد صديق آخر بعد ثلاثة أشهر في مصر لأنه ظن أنه يفضل الموت جوعًا في غزة على مصر. لقد نفد ماله ولم يتمكن من العمل”.
وبينما عمل بعض المصريين على جمع الأموال للفلسطينيين المحتاجين، يقول اللاجئون إن جهود المحسنين، رغم تقديرها الجيد، لم تكن كافية؛ بحسب سمر، التي أضافت: “نحتاج إلى تنظيمها الآن على نطاق أوسع من قبل السلطات الفلسطينية والمصرية”.
المصدر: ميدل إيست آي