بينما كان الرئيس المعزول علي عبد الله صالح حليفًا للحوثيين، كانت السعودية تقصف قواته وقوات حلفائه في صنعاء وباقي أنحاء اليمن، فجأة تبدل الحال، وفك صالح تحالفه مع الحوثيين، معلنًا استعداده للتفاهم مع “التحالف العربي” الذي تقوده السعودية.
ما إن عاد صالح لحلفه السابق مع السعودية التي آوته وعالجته بعد محاولة اغتياله في صنعاء عام 2011، حتى قتل على يد قوات حوثية حاصرت موكبه في أثناء الهروب من نفس المدينة قبل أسبوعين.
مقتل صالح فتح باب الأسئلة عن مستقبل حزب المؤتمر الذي كان يقوده، بالإضافة إلى شكل التحالفات التي تقيمها كل من الإمارات والسعودية، حيث تضع كل من البلدين قوات برية في اليمن، وتستمران في القصف الجوي لأهداف على الأرض.
مستقبل غامض للمؤتمر
ثمة غموض في موقف قيادات حزب المؤتمر والقيادات الموالية لعلي عبد الله صالح، فبعد أيام من مقتل والده، كان أحمد صالح يستقبل بمقر إقامته في أبو ظبي محمد بن زايد ولي عهد الإمارات، اعتبر البعض هذه الخطوة دعمًا للرجل ليخلف والده على الأرض، خصوصًا أن أحمد أصدر بيانًا نعى فيه والده وأعلن استعداده للعودة والمشاركة في المعركة ضد من أسماهم “أعداء الوطن”.
بينما تتحفظ قوات الحوثيين على قيادات في حزب المؤتمر بصنعاء بعد قتل بعضهم مع صالح، تتوارد الأبناء عن الضغط عليهم لاستمرار التحالف بين القوتين
لكن المؤتمر الشعبي الذي يريد العودة إليه، لم يعد كما كان، فقد انحاز جزء منه قبل 3 أعوام إلى الرئيس عبد ربه منصور هادي، ويعتبرونه الرئيس الشرعي للبلاد، حيث إنه مدعوم دوليًا أيضًا.
الآن هناك محاولات لتوحيد المؤتمر، للوقوف في وجه الحوثيين، فقد دعت قيادات المؤتمر الشعبي في ذمار إلى الالتفاف حول الترتيبات التي تقوم بها “الحكومة الشرعية” لاستعادة الدولة من الحوثيين، وفي أثناء تعزية أحمد بن دغر رئيس الوزراء في حكومة عبد ربه منصور هادي، دعا أحمد نجل علي صالح للاعتراف بشرعية هادي.
الحوثيون أنفسهم استقطبوا جزءًا من قيادات الحزب، وفي الأسبوع الماضي بثت قنوات محسوبة على الحوثيين صور لقاء حضره يحيى الراعي الأمين العام المساعد لحزب المؤتمر ورئيس البرلمان، بالإضافة إلى عبد العزيز حبتور وعلي القيسي ومحمد العيدروس وحمود عباد، القياديين في الحزب، مع صالح الصماد رئيس المجلس السياسي للحوثيين.
بينما تتحفظ قوات الحوثيين على قيادات في حزب المؤتمر بصنعاء بعد قتل بعضهم مع صالح، تتوارد الأبناء عن الضغط عليهم لاستمرار التحالف بين القوتين، وتحاول تطمين المؤتمر الشعبي، حيث ألقى صالح الصماد كلمة تليفزيونية قال فيها: “نود أن نطمئن المكونات والقوى السياسية كافة، لا سيما شركائنا في إدارة الدولة، حزب المؤتمر الشعبي، بأن ما حدث لن يؤثر على وضع الشراكة السياسية القائمة، بل هو فرصة لتعزيزها وتمتينها وتوسيعها من أجل تكريس الجهود لرفد الجبهات ومواجهة العدوان”.
ربما كانت طبيعة المؤتمر الشعبي الذي أنشأه صالح بعد توليه السلطة، تساعد على ذلك الانقسام، فحسب ما يرى متابعون، المؤتمر ليس حزبًا بالمعنى التقليدي، بل تجمع مكون من أصحاب النفوذ السياسي والقبلي، دون أن يكون له برنامج واضح أو أيدلوجية معينة.
تتعرض السعودية لضغط من أبو ظبي، لإعادة أحمد علي عبد الله صالح إلى المشهد وأخذ مكان والده، لكن مع الدعم الواسع الذي سيلقاه من السعودية والإمارات، ليس هناك تأكيد على حجم القوة والتأثير الذين سيملكهم أحمد
لم تكن كل هذه الانقسامات ناتجة عن مقتل صالح، فهي موجودة من قبل، لكنها صارت أشد وضوحًا بعد الفراغ الذي تركه الرجل، فقدرة صالح على تجميع الأطراف المختلفة والتوفيق بين أصحاب الاتجاهات المتناقضة يعترف بها كثير من المحللين، لذلك فإن وجود قيادة أخرى غيره على رأس حزب المؤتمر ستجعله يفقد قطاعات من كوادره في الأغلب.
يرجح هذه الأمر ما قاله الناشط اليمني همدان الحقب: “في تقديري، وضع المؤتمر الشعبي العام بعد رحيل صالح سيكون صعبًا جدًا، تحديدًا وقد ارتبطت نشأته ومن ثم أداؤه وتماسكه بشخص صالح الذي برحيله سيكون الحزب عاجزًا عن ضبط مساره ووحدة موقفه، فضلاً عن أنه سيتعرض للخطف بأكثر من طريقة ولصالح أكثر من طرف”.
البديل: حزب الإصلاح
على الصعيد الإقليمي، تتعرض السعودية لضغط من أبو ظبي، لإعادة أحمد علي عبد الله صالح إلى المشهد وأخذ مكان والده، لكن مع الدعم الواسع الذي سيلقاه من السعودية والإمارات، وليس هناك تأكيد على حجم القوة والتأثير الذين سيملكهم أحمد.
وبينما كانت السعودية تتحالف أيضًا مع حزب الإصلاح، كانت قوات موالية للإمارات تعتقل قيادات الحزب في عدن، لكن الحال تبدل خلال الأسبوعين الماضيين، فالحزب الذي تعتبره الإمارات إرهابيًا ومواليًا للإخوان المسلمين، صار جبهة محتملة للتحالف معها.
وقبل 4 أيام، كان محمد اليدومي رئيس التجمع اليمني للإصلاح في زيارة لإسطنبول لحضور اجتماع منظمة التعاون الإسلامي عن القدس، عندما دُعي لحضور اجتماع مفاجئ في الرياض مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي عهد أبو ظبي، وحضرت طائرة خاصة لنقله للرياض.
طبيعة الدعم الذي يقدمه التحالف لحزب المؤتمر في الفترة القادمة غير واضح، خصوصًا بعد الحديث عن عدم القدرة على توحيده
ليس هناك معلومات دقيقة عما جرى في الاجتماع، لكن اليدومي صرح لوكالة الأنباء الإماراتية بأن المحادثات كانت “مثمرة وإيجابية وبناءة”.
في مقابلة مع بلومبيرج قال مصطفى نعمان نائب وزير الخارجية السابق إن الإمارات التي لم تقم بأي محادثات مع طرف تابع للإخوان المسلمين، قد تعرضت لضغوط كبيرة من السعودية لفتح علاقات مع حزب الإصلاح الذي يبقي قوة كبيرة على الأرض.
في اليوم التالي للقاء، علق وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية بأن “لقاء صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد مع قادة حزب الإصلاح اليمني يسعى إلى توحيد الجهود لهزيمة إيران وميليشياتها الحوثية”، وأضاف “حزب الإصلاح اليمني أعلن مؤخرًا فك ارتباطه بتنظيم الإخوان الإرهابي، أمامنا فرصة لاختبار النوايا وتغليب مصلحة اليمن ومحيطه العربي، نعمل بمرونة وهدفنا أمن المنطقة واستقرارها”.
حزب الإصلاح اليمني أعلن مؤخرا فك إرتباطه بتنظيم الإخوان الإرهابي، أمامنا فرصة لإختبار النوايا و تغليب مصلحة اليمن ومحيطه العربي، نعمل بمرونة وهدفنا أمن المنطقة و إستقرارها.
— د. أنور قرقاش (@AnwarGargash) December 14, 2017
ومع المستقبل الغامض للمؤتمر الشعبي، يبدو التعويل على تحالفات مع حزب الإصلاح أكثر فعالية بالنسبة للسعودية والإمارات، لكن لا شيء يضمن استمرار مثل هذه التحالفات، خصوصًا في اليمن الذي تتبدل فيه خريطة التحالفات بسرعة، كما أن حالة السخط الرسمي من الدول الخليجية على جماعة الإخوان المسلمين والجماعات التي تستند لأيدلوجية إسلامية، تجعل من هذا التحالف – إن تم – تحالفًا مؤقتًا.
طبيعة الدعم الذي يقدمه التحالف لحزب المؤتمر في الفترة القادمة غير واضح، خصوصًا بعد الحديث عن عدم القدرة على توحيده، لكنه لن ينقطع تمامًا، فمع استحوذ الحوثيون على بعض النفوذ وسط قيادات مناطق معينة، ما زال عبد ربه منصور هادي الرئيس اليمني المنتمي للحزب ولديه أنصاره داخل الحزب، وقد يلقى أحمد صالح في حال عودته دعمًا أيضا.