في خطوة أثارت غضبًا وانزعاجًا سودانيًا، أجّل مجلس الأمن الدولي مداولاته بشأن شكوى قدمها السودان ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، إلى مايو/أيار الحاليّ بدلًا عن 29 أبريل/نيسان الماضي، وجاء التأجيل بناءً على طلب قدمته المملكة المتحدة.
كان السودان تقدم في وقت سابق بشكوى رسمية إلى مجلس الأمن الدولي ضد دولة الإمارات، بسبب دعم الأخيرة لقوات “الدعم السريع” بالسلاح والعتاد في مواجهة الجيش السوداني.
وقال مندوب السودان الدائم في الأمم المتحدة، الحارث إدريس الحارث: “في 15 أبريل/نيسان 2023، نفذت قوات الدعم السريع هجومًا واسع النطاق على أهداف سيادية واستراتيجية في العاصمة الخرطوم، بهدف القضاء على مجلس السيادة الانتقالي، ومن ثم استلام السلطة تنفيذًا لأجندة تدخل خارجية”.
وأضاف الحارث “عندما فشل الهجوم، تحوّلت الميليشيا المتمردة إلى ارتكاب انتهاكات وفظائع بدعم غير محدود من الإمارات العربية المتحدة، فنفّذت هجمات ممنهجة ضد الدولة وخربت بنيتها التحتية واستهدفت المدنيين بالقتل والنهب والاغتصاب والتشريد”.
دور رئيسي للإمارات في إشعال الحرب
أوضح الحارث في نص الشكوى التي قدمها إلى مجلس الأمن الدولي نيابة عن حكومة السودان، أن الإمارات “لعبت دورًا رئيسًا في إشعال الحرب عبر حليفها الداخلي (الدعم السريع)، ما أدى إلى مقتل وإصابة آلاف المدنيين الأبرياء ونزوح وتهجير الملايين من السكان وتعريض الملايين إلى التأثر غير المسبوق بالفجوة الغذائية وانعدام الرعاية الصحية ونقصان الأدوية وتصاعد الشقاء والمعاناة المهولة ووقف عجلة الإنتاج وانهيار الاقتصاد وانتهاكات حقوق الإنسان وارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم ترقى للإبادة الجماعية”، وفق ما قال.
وطالب المندوب السوداني الإمارات بـ”التعويض عن الخسائر التي تسبب فيها العدوان وتقديم المسؤولين عن ذلك للمساءلة الدولية”.
كما دعا الدول الأعضاء في مجلس الأمن إلى “التنديد علنًا بعدوان دولة الإمارات على السودان وشعبه، وتسميتها صراحة ومطالبتها بشكل حازم بالكف عن التدخل في الشؤون الداخلية للسودان، والوقف الفوري لتجنيد المرتزقة وقطع الدعم العسكري واللوجستي والإمدادات والمؤن إلى ميليشيا الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها”.
ورفضت أبو ظبي في رسالة إلى مجلس الأمن الشهر الماضي الاتهامات بدعمها لقوات الدعم السريع، وقالت إن “كافة الادعاءات المتعلقة بتورط الإمارات في أي شكل من أشكال العدوان أو زعزعة الاستقرار في السودان، أو تقديمها لأي دعم عسكري، أو لوجستي، أو مالي أو سياسي لأي فصيل في السودان هي ادعاءات لا أساس لها من الصحة وتفتقر إلى أدلة موثوقة لدعمها”، وفق الرسالة التي نشرتها الخارجية الإماراتية على موقعها.
غير أنّ مندوب السودان الحارث إدريس بعث بخطاب جديد لرئيس مجلس الأمن ردًا على مذكرة مندوب الإمارات للمجلس بتاريخ 22 أبريل/نيسان الماضي، طلب من خلاله عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن، مشدّدًا على أن “السلوك الإماراتي العدواني يمثل انتهاكًا صارخًا لميثاق الأمم المتحدة وميثاق جامعة الدول العربية وقرارات الأمم المتحدة بشأن إقليم دارفور، وخاصة القرار 1591 والقرارات الأخرى ذات الصلة”.
الإمارات ضغطت على بريطانيا بإلغاء اجتماعات
عقد مجلس الأمن الدولي في أبريل/نيسان الماضي، جلسة أولية بناءً على طلب المملكة المتحدة بشأن الحرب في السودان، واستغلّ ممثل السودان الاجتماع لتكرار الاتهامات وتذكير العالم بدور الإمارات في إرسال الأسلحة إلى قوات الدعم السريع.
الإمارات مصرّة على دعم العداون المسلح عسكريًا ولوجستيًا.. مندوب السودان في الأمم المتحدة يجدد اتهامه للإمارات بدعم ميليشيات الدعم السريع رافضًا وجودها بأي تسوية للصراع في بلاده#السودان #الإمار pic.twitter.com/AbR3IbjbKC
— نون بوست (@NoonPost) April 23, 2024
ووفقًا لوسائل إعلام غربية منها وكالة بلومبيرغ الأمريكية وصحيفة التايمز البريطانية، فإنّ الإمارات “ألغت اجتماعات مع مسؤولين بريطانيين، وذلك في ظل الخلاف ين البلدين بشأن الدور المزعوم للإمارات في الحرب الدائرة في السودان”.
ونقلت بلومبيرغ عن مصدر مطلع، أن الإمارات “ألغت في اللحظات الأخيرة اجتماعات كان من المقرر عقدها مع عمدة مدينة لندن، اللورد مايكل ماينيلي، هذا الأسبوع لمناقشة خطط متعلقة بالتمويل الأخضر”، كما أشارت عن مصدر مطلع آخر، إلى أنه “تم إلغاء دعوة وزير العلوم البريطاني، أندرو غريفيث، إلى الإمارات لمناقشة التعاون في مجال الفضاء”.
وأوضحت الوكالة أن الخلاف جاء “بعدما انضمّت بريطانيا إلى الولايات المتحدة في الضغط على الإمارات من أجل وقف دعمها لقوات الدعم السريع في السودان”، التي دخلت في حرب مع الجيش منذ أكثر من عام، وتستعد للتحرك نحو مدينة الفاشر بإقليم دارفور غربي البلاد، التي يقطنها أكثر من مليوني شخص.
كانت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، قالت الأسبوع الماضي إن الولايات المتحدة “تناشد جميع الدول، بما في ذلك الإمارات، التوقف عن تقديم الدعم لطرفي الحرب في السودان”، محذرة من أن هناك “أزمة بأبعاد هائلة تتشكل” حاليًا.
المملكة المتحدة حولت الاجتماعات إلى جلسة مشاورات مغلقة
الضغوط الإماراتية على المملكة المتحدة يبدو أنها أثمرت سريعًا، فبعدما استجاب مجلس الأمن لطلب حكومة السودان الخاص بعقد اجتماع في شأن اتهاماتها ضد أبو ظبي، غير لاحقًا صيغة الاجتماع من جلسة عامة إلى جلسة “مشاورات مغلقة” استجابة لضغط بريطانيّ، وفق ما ذكرته وزارة الخارجية السودانية.
وأشار البيان السوداني إلى أن “الجلسة ناقشت الأوضاع السودانية العامة، بعد أن كانت مخصصة لمناقشة شكوى السودان ضد الإمارات”.
وقالت الوزارة في بيان، إنها “تأسف أن تتنكر بريطانيا لواجبها الأخلاقي والسياسي بصفتها عضوًا دائمًا بمجلس الأمن، وبحكم ماضيها الاستعماري في السودان، الذي لا تزال آثاره غير الحميدة مستمرة، وذلك مقابل مصالحها التجارية مع دولة الإمارات”.
وتابع البيان “حماية بريطانيا لأكبر ممولي الحرب في السودان، مقرونة مع ما كشفته الصحافة البريطانية من أن الحكومة البريطانية أجرت لقاءات سرية مع مليشيا الدعم السريع، تجعلها شريكة في المسؤولية عن الفظائع التي ترتكبها المليشيا الإرهابية وراعيتها”.
ولفت بيان الخارجية السودانية إلى أن “الاجتماع كان مخصصًا لموضوع العدوان الإماراتي على السودان، المتمثل في الرعاية متعددة الأوجه لمليشيا الدعم السريع الإرهابية”، وأضاف “تدخلت بريطانيا، التي تنصب نفسها حاملة للقلم في شؤون السودان، لتغيير صيغ وطبيعة الاجتماع، ليصبح اجتماعًا عن الأوضاع في السودان عامة، ومنطقة الفاشر خاصة”.
ومن جهة ثانية، أوضحت مصادر دبلوماسية رفيعة أن مندوب السودان لم يتمكن من حضور جلسة المشاورات المغلقة قبل دقائق من بدء الاجتماع حول شكوى بلاده.
ووفق المصدر فإن المادة 27 من النظام الداخلي لا تسمح بمشاركة المندوبين في الجلسات المغلقة بخلاف الدول الأعضاء في المجلس، لذلك حُرم مندوب السودان من المشاركة في الجلسة، رغم وجود تعميم سابق من المجلس بأن السودان سيشارك فيها.
نقاش تحت الطاولة بدلًا من اجتماعات عامة
ترى لينا عبده – باحثة أكاديمية – أن التطور الأساسي للموضوع هو أن الشكوى السودانية تم تقديمها في مجلس الأمن، وأن الإمارات مارست الضغط على بريطانيا، ما دفعها لتغيير نوع الجلسة وموضوعها.
وأضافت لـ”نون بوست”: “هذا يؤدي إلى مناقشة دعم الإمارات للدعم السريع تحت الطاولة وليس في الفضاء العام، سواء على المستوى الدولي أم في بريطانيا. لكن من المرجح أن المملكة المتحدة لن تتمسك بهذا السلوك للأبد، خاصة مع وجود تقرير في أوراق الأمم المتحدة وإشارة المبعوث الأمريكي بأن الدعم الإماراتي صحيح وموثق، فالضغط متزايد”.
وردًا على سؤال لـ”نون بوست” عن رأيها في بيان وزارة الخارجية السودانية، قالت عبده إنه مناسب ومعقول، لكن كانت تفضل أن يكون أشد حدة، لأن بريطانيا كانت أول دولة تتحدث عن الإبادة العرقية التي تقوم بها قوات الدعم السريع، لكن للأسف دورها كان سلبيًا، فلم تتخذ أي إجراءات أو تقدم إدانة واضحة وصريحة للفعل، بل على العكس، وقفت مع القوات المتهمة بالإبادة الجماعية والتطهير العرقي، وما زالت تتعامل مع السودان بعقلية المستعمر حتى الآن وهذا شيء لا يمكن قبوله.
النفوذ الإماراتي توسع في بريطانيا بعد البريكست
لفهم النفوذ الإماراتي على بريطانيا حاور “نون بوست”، المدير التنفيذي لمؤسسة فكرة للدراسات والتنمية – منظمة بحثية غير ربحية – أمجد فريد الطيب الذي تحدّث عن توسع النفوذ الإماراتي في بريطانيا عبر التجارة والاستثمار خاصة بعد انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي في 31 يناير/كانون الثاني 2020 الذي يعرف اختصارًا بعملية البريكست، مشيرًا إلى أن الإمارات هي الشريك التجاري الأول لبريطانيا بين دول مجلس التعاون الخليجي، وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 16 مليار دولار عام 2022.
ولفت كذلك إلى توقيع مكتب الاستثمار البريطاني اتفاقية مبادلة في العام التالي للانسحاب مع صندوق أبو ظبي السيادي للثروة، تنص على أن تضخ الأخيرة 10 مليارات جنيه إسترليني (13.8 مليار دولار) في الاقتصاد البريطاني خلال السنوات الخمسة المقبلة.
وللدلالة على النفوذ الإماراتي المتزايد دوليًا، يشير أمجد فريد إلى أنه تمت إزالة الإمارات العربية المتحدة، في فبراير/شباط الماضي من “القائمة الرمادية” للرقابة المالية العالمية للدول التي لم تفعل ما يكفي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بعد أقل من عامين من إضافة الدولة الخليجية إلى القائمة.
يوضح المدير التنفيذي لمؤسسة فكرة أن مجموعة العمل المالي (FATF) أزالت الإمارات من القائمة رغم أنها تقوم بأكبر عملية احتيال مالي حول العالم، خصوصًا بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، ورغم ذلك تمت مكافأتها بإخراجها من القائمة الرمادية رغمًا عن احتجاج المنظمات المعنية بالشفافية ومكافحة غسل الأموال، بحسب وصفه.
لذلك، ووفقًا لمحدثنا فإنّ الإمارات تستطيع الضغط على المملكة المتحدة باستخدام ورقة الاستثمارات في نهاية المطاف إذا لم تنجح التحركات الدبلوماسية التي تمثلت في إلغاء اجتماعات كانت مقررة مع مسؤولين بريطانيين كبار.
كما أشار الطيب إلى أن أبو ظبي وضعت يدها على أندية إنجليزية شهيرة مثل نادي مانشستر سيتي، المملوك لمجموعة أبو ظبي المتحدة للاستثمار والتطوير التي تتبع للشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الدولة نائب رئيس مجلس الوزراء.
إقامات ذهبية لإغراء السياسيين السودانيين
فيما يتعلق بالسودان، قال أمجد فريد الطيب إنّ هناك تأثيرًا كبيرًا للإمارات على الساسة السودانيين، موضحًا أن العديد منهم اشترته أبو ظبي، وهذا ما يفسر صمتهم عن التدخل الإماراتي رغم أنه حقيقة “لا لبس فيها ومن المسلمات”، بحسب تعبيره.
وزاد أن البعض منهم لم يقف عند الصمت، بل تعداه إلى محاولة الدفاع عن الإمارات (بشكل مقزز) مثل الناطق الرسمي باسم تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” علاء الدين نُقُد، الذي ظهر في مقطع فيديو، أثار استهجانًا واسعًا وهو يدافع عن الإمارات زاعمًا أنها “تدعم الانتقال الديمقراطي في السودان”.
الناطق الرسمي باسم “تقدم” علاء الدين نقد: الإمارات في سعيها لقطع الطريق على الانقلاب دعمت الاتفاق الإطاري. pic.twitter.com/WlPli03xef
— Sudan Plus سودان بلس (@SudanPlusNews) January 25, 2024
وردًا على سؤال لـ”نون بوست” عن إمكانية أن يبذل المشرعون البريطانيون جهدًا مماثلًا لنظرائهم الأمريكيين من أجل حث حكومة المملكة المتحدة على التحرك لوقف الدعم الإماراتي للدعم السريع، قال المدير التنفيذي لمؤسسة فكرة إنّ تماهي الساسة السودانيين مع الإمارات ودفاعهم عنها يضعف الجهود الدولية الرامية للضغط على أبو ظبي لأجل إيقاف شحنات السلاح التي تدعم بها قوات محمد حمدان دقلو “حميدتي” في حملتها المستمرة ضد الشعب السوداني، موضحًا أن العديد من السياسيين والنشطاء السودانيين عرضت عليهم أبو ظبي “إقامات ذهبية” بهدف شراء مواقفهم.
أضاف فريد أن القوى السياسية السودانية إن كانت حريصة على إيقاف الحرب – كما تدعي – فعليها أن تتحدث بصوتٍ عالٍ عن أولئك الذين يغذون الفظائع مثل دولة الإمارات، مستطردًا بالقول إنّ القوى السياسية السودانية يمكنها التأثير بشكل إيجابي عبر تشجيع حكومة المملكة المتحدة والمشرعين البريطانيين على تكثيف ضغطهم على أبو ظبي والعمل على إبقاء القضية في طليعة جدول أعمال مجلس الأمن.
جدير بالذكر أن الإمارات وفي إطار سعيها المحموم لتبرئة ساحتها والتغطية على الاتهامات السودانية، نظمت يوم الأحد 5 مايو/أيار الحاليّ مهرجانًا للجالية السودانية تحت شعار “السودان في قلب الإمارات”.
بعد تزايد التقارير الدولية عن تورط الإمارات في جرائم القتل ودعم المرتزقة في #السودان ، قامت بمحاولة بائسة لتلميع وجهها الكالح تحت شعار #السودان_في_قلب_الامارات ونحن نقول ونعيد ونكرر : #الامارات_تقتل_السودانيين ولن تفلت من جرائمها وندعو كل ناشط لنشر هذا الوسم الذي يعكس حقيقتها .
— د. تاج السر عثمان (@tajalsserosman) May 5, 2024
إلا أنّ الحملة السودانية التي تهدف إلى فضح تورط أبو ظبي في الفظائع التي ترتكبها الدعم السريع منذ منتصف أبريل/نيسان 2023 طغت على المهرجان المصطنع، فقد ظل هاشتاغ “#الإمارات_تقتل_السودانيين” متصدرًا الترند السوداني بالتزامن مع المهرجان الذي لم يحصد نجاحًا يذكر رغم الدعاية الكبيرة التي بُذلت فيه.
أخيرًا، ومع انتقال رئاسة مجلس الأمن الدولي إلى موزمبيق من بداية مايو/أيار الحالي يبقى هناك أمل ضئيل في أن تستجيب الدولة الواقعة في شرق إفريقيا لطلب السودان بعقد اجتماع عام لمناقشة تورط الإمارات، حتى إنّ الدبلوماسي الأمريكي السابق كاميرون هدسون يشكك في إمكانية حدوث ذلك، موضحًا في منشور له على منصة “إكس” أنّ الإمارات تمتلك أكبر الموانئ في موزمبيق بما في ذلك ميناء العاصمة مابوتو.