يواجه السوريون في المناطق المحررة شمالي حلب وإدلب مشاكل عديدة منها نقص التعليم وعدم وجود وثائق ثبوتية تؤكد جنسياتهم السورية، فعدم إصدار أوراق ثبوتية أحد العقوبات التي يطبقها النظام السوري بحق من يخرج عن بيت سلطته.
ويطلق الأهالي أسماءً على هؤلاء الأطفال الصغار بموجب ورقة أو شهادة ميلاد تصدر إما عن مشفى ولد فيه وغالبًا ما يكون مشفى ميداني تأسس لاحقًا، وليس له أي اعتراف في دول الجوار أو حتى عن محكمة شرعية محلية، ولا تعترف بهذه الأوراق أي من المؤسسات الرسمية لدول الجوار حتى تركيا رغم أنها داعمة كبيرة للمعارضة السورية ومناطق سيطرتها، وهذه المشافي أو المحاكم غالبًا ما تتغير أسماءها أو تتعرض للقصف والدمار، ويتحول الأطفال حينها إلى ضحية حرب لا أكثر.
كما حصل مع الأطفال المحاصرين الذين تم نقلهم مؤخرًا من حي الوعر في حمص إلى ريف حلب الشرقي بصفقة مع النظام عن طريق الهلال الأحمر، وهذا ما حصل مع أطفال داريا الذين انتقلوا منذ قرابة العامين إلى محافظة إدلب بموجب الصفقة التي أخرجتهم من الحصار الذي طالهم لأعوام من ميليشيات النظام، ومعظمهم دون سن الخمس سنوات، وليس لدى ذويهم أي وثائق تؤكد النسب والجنسية السورية، وينطبق الحال على جميع أطفال المخيمات في الشمال السوري المحرر بريف حلب قرب الحدود التركية.
ياسر من مواليد مدينة مارع، وجد عدة معوقات تقف بينه وبين الزواج، في ظل الأزمة في سوريا والحرب الدائرة بين الأطراف المتصارعة في المنطقة، بالإضافة لتوقف الدوائر القانونية كـ”النفوس والمحاكم والشرطة والمدراس” في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية المسلحة، وبعد مرور سنتين على الأزمة السورية قرر ياسر الزواج، بعد إصرار أصدقائه وعائلته عليه، تزوج ياسر وأنجب طفلًا عام 2013، دون محكمة تصدر له صك زواج أو دفتر عائلة من “النفوس”، وعدم قدرته على تثبيت ولادة ابنه، مع اشتداد الحرب في ريف حلب الشمالي وبعد هجمات تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” والمعارك مع قوات المعارضة المسلحة نهاية عام 2014.
خرج من سوريا مع زوجته وطفله إلى تركيا، وأقام في مدينة “غازي عنتاب” جنوب تركيا قرابة العامين، وقال: “كان لدي ولد واحد، دفعت آلاف الليرات كي أحصل على دفتر عائلة ولو كان مزورًا، فقط كي أسجل ابني في تركيا ويحصل على هوية له من الحكومة التركية، تعطيه بعض الحقوق كالتعليم وربما الجنسية”، وهو يملك هوية سورية وزوجته يوجد لديها قيد من دفتر عائلتها، أي كلاهما يحمل الجنسية السورية، أما ولدهما ليس لديه أي أوراق ثبوتية تخوله الحصول مستقبلًا على الجنسية السورية.
وهو مصنف عند النظام كإرهابي ولا حقوق له مثل باقي السوريين الموالين لحكومة الأسد، لأنه شارك في مظاهرات منذ بداية الثورة السورية، وعلى مر الأعوام الفائتة في تركيا لم يستطع أن ينجب طفلًا آخر، لأن وضعه سيكون معقدًا للغاية، في حين لا توجد ثوابت تؤكد أن الطفل هو ابنه.
المناطق الخاضعة للمعارضة في ريفي حلب الشمالي والشرقي بشكل رئيسي يقطن فيها الآن تقريبًا أكثر من مليوني نسمة، فهل سيصبح هؤلاء من دون جنسية سورية
في أواخر العام 2016، بعد طرد التنظيم عاد ياسر إلى مسقط رأسه، حين علم بوجود أمانة للسجل المدني ودفاتر عائلة مخصصة للذين تزوجوا حديثًا في ظل الأزمة السورية، وأكد قائلاً: “عدت من تركيا من أجل إخراج صك زواج ودفتر عائلة وتسجيل ابني فيه لأثبت نسبه إليّ، والآن أصبحت قادرًا على إنجاب طفل آخر دون تردد يهدد مستقبل طفلي، رغم أنها أوراق مصدقة من جهات محلية وليست حكومية”.
المناطق الخاضعة للمعارضة في ريفي حلب الشمالي والشرقي بشكل رئيسي يقطن فيها الآن تقريبًا أكثر من مليوني نسمة، فهل سيصبح هؤلاء من دون جنسية سورية، لا سيما أن هناك آلاف من الأطفال ولدوا مؤخرًا في أثناء سيطرة تنظيم “داعش” وحتى الآن ليس لديهم أي أوراق ثبوتية تدل على جنسيتهم، فالنظام السوري كما أسلفنا أغلق جميع الدوائر القانونية ودوائر القيد “النفوس” في المناطق التي خرجت عن سيطرته، مما حرم آلاف الأطفال السوريين من الجنسية.
محمد عبد اللطيف مدير أمانة السجل المدني في مدينة مارع قال لـ”نون بوست”: “كنت أعمل في “النفوس” سابقًا قبل الأزمة السورية و”أمانة السجل المدني” لاحقًا وما زلت أمارس العمل حتى الآن وبعد تخلي النظام عن دوائره القانونية بعد سيطرة قوات المعارضة السورية حافظنا على السجلات المدنية على مر السنوات السابقة”.
وتوثق أمانة السجل المدني واقعات الزواج والطلاق بالإضافة إلى الميلاد والوفيات، وتوجد دفاتر عائلة تصدق من المكتب فقط دون اعتراف من أي حكومة في المنطقة أو من دول الجوار، ويقوم العاملون في المكتب على تثبيت الزواج والطلاق عبر شهادات مصدقة من المحاكم المدنية في المناطق المحررة، ويحق لكل المواطنين السوريين أن يسجلوا واقعات الطلاق والزواج في أقرب أمانة سجل في منطقتهم، وشهادات أخبار من المشافي عن الولادات والوفيات لإضافتها للسجل المدني.
وأضاف “تقدر نسبة الولادات بحدود 1500 ولادة في المدينة، وأضيف على السجلات منذ انطلاقة المكتب ما يقارب 10 آلاف ولادة بشهادات مصدقة من المشافي الميدانية الرسمية في المنطقة”، ويوجد في معظم المناطق المحررة أمانات للسجل المدني، فيما يحق لأي مواطن سوري تسجيل واقعة وفاة أو ولادة في أمانة سجل المنطقة التي يوجد بها حاليًّا.
وعلى مقربة من الحدود السورية التركية يواجه النازحون حالات عديدة من واقعات الطلاق خصوصًا مع ضيق أحوالهم وعذاب نفوسهم في مخيمات الشتات، وتكثر واقعات الولادة، في حين كثير من الأطفال لا توجد لديهم أوراق ثبوتية ويتم توثيقها بإمكانات بسيطة في مكاتب مخصصة لكل مخيم رسمي فقط عدا المخيمات العشوائية التي تجد فيها الأمر صعبًا للغاية.
يكتسب الأمر أهمية في ضياع هوية آلاف الأطفال السوريين الذين سيواجهون مستقبل غير مجدٍ بعد الحرب في ظل عدم وجود وثائق مصدقة من حكومة تثبت أنهم سوريي الجنسية على الأقل
وأوضح أنهم لم يتلقوا أي دعم من جهة رسمية إلى الآن، فأغلب أمانات السجل المدنية تقع تحت مظلة المجالس المحلية في كل منطقة دون رعاية مادية ومعنوية حتى من حكومة محلية أو خارجية ترفع من شأن عملهم.
وتواجه تلك المكاتب مشاكل عديدة في قلة إمكاناتها وعجزها عن تأدية عملها بشكل كامل، فهم بحاجة لمعدات مكتبية كطابعات وحواسب وكهرباء بالإضافة لكوادر تعمل على تلبية احتياجات المواطنين الذين يأتون لتسجيل واقعتهم.
ويكتسب الأمر أهمية في ضياع هوية آلاف الأطفال السوريين الذين سيواجهون مستقبل غير مجدٍ بعد الحرب في ظل عدم وجود وثائق مصدقة من حكومة تثبت أنهم سوريي الجنسية على الأقل، عداك عن التعليم الذي حرموا منه على فترات طوال بسبب الحرب والضياع.