بينما أنا أتابع ما يحدث في القدس وأحاول أن أروج لحملة مقاطعة البضائع الأمريكية على كل وسائل التواصل الاجتماعي بين أصدقائي ومعارفي وكل الدوائر المحيطة بي، إذا بصديق لي يراسلني متسائلاً عما أفعل، متهكمًا على تغييري لصورة حسابي على الفيسبوك إلى صورة القدس، مقللاً من أهمية ما أكتبه من منشورات وهاشتاغات تدعو إلى نصرة القدس بأي طريقة ممكنة.
وعندما سألته عن الطريقة المثلى التي من الممكن أن نساعد بها مدينتنا المقدسة، أخبرني أن الحل الوحيد يكمن في قتال الصهاينة، وبغير هذا الحل لن تتحررالقدس ولن نقضي على الكيان الصهيوني، ومن يتصور أنه سيخدم القدس والقضية الفلسطينية ككل بأي طريقة أخرى فهو إما مهرج مغفل أو عميل يغفل الناس عن الهدف الأساسي.
فقلت له يا صديقي وما الجديد فيما تقول، وهل تظن أن ما تقوله يغيب عن عقل طفل صغير؟ ولكنك يا أخي تغفل أننا كشعوب إسلامية نرزح في معظمنا تحت نير طواغيت، يحبسوننا عن الوصول إلى أهلنا في فلسطين، وعن نصرة مدينتنا المقدسة بدمائنا وأبداننا، ونحن كمسلمين لا نرضى أن نجلس مكتوفي الأيدي، ونتفرج على ما يحدث دون أن يكون لنا أي دور، وحرمنا المقدسي يستباح، فلا أقل من أن نخذل عن إخواننا هناك، ونوعي الناس بقضيتهم، من باب المعذرة إلى ربنا.
لو أنك متابع لهذه الوسائل لكنت لاحظت أن قرار ترامب سبقه حملة عنيفة جدًا من الصهاينة العرب، يهاجمون فيها فلسطين وأهل فلسطين، وكل ما يمت للقضية الفلسطينية بصلة
فابتسم صديقي ابتسامة العاقل الرزين، عندما يخاطب الأهوج العاطفي الذي لا ينظر إلى الأمور بعمق الخبير، وقال: أنت عاطفي لا تنظر إلى الأمور بعملية، هل تظن أن الولايات المتحدة الأمريكية ستهتز لمجرد أن نقوم نحن بمقاطعتها! وهل تتصور أن منشوراتك على وسائل التواصل الاجتماعي ستغير من الواقع شيئًا؟!
فقلت له: أولاً يا صديقي دعني أعرف ما تقوم به أنت لنصر مدينتنا المقدسة وقضيتنا المركزية فلسطين؟ فوجدت وجهه قد تغير، وقال لي: أنا مستعد للتحرك في أي لحظة للقتال بل وللاستشهاد من أجل الأقصى ولكن ما السبيل إلى هذا؟ فقلت له وحتى هذا الوقت ماذا ستفعل؟ هل ستجلس للتفرج والحسرة حتى تدرك أنك لا تفعل شيئًا للقدس الآن، فتنصرف إلى أمور حياتك وتنسى القضية بالكلية وسط ضغوط الحياة الرهيبة التي نتعرض لها بصورة يومية، وتزايد علينا بصورة متعمدة لكي ننسى قضايانا المصيرية.
سأحدثك أولاً عن أهمية المنشورات التي نكتبها على وسائل التواصل الاجتماعي التي تقلل من شأنها كثيرًا يا صديقي، فلو أنك متابع لهذه الوسائل لكنت لاحظت أن قرار ترامب سبقه حملة عنيفة جدًا من الصهاينة العرب، يهاجمون فيها فلسطين وأهل فلسطين، وكل ما يمت للقضية الفلسطينية بصلة، بل إن الحقارة وصلت بهولاء الصهاينة أن يصنعوا هاشتاغًا يقولون فيه إن عاصمتهم الجرداء أفضل وأهم من القدس.
وللأسف الشديد فقد انساق ورائهم مجموعة من الناس لا تستطيع وصفهم بالمجموعة القليلة، ولا نستطيع أن نقلل من أثر هذه الحملات أو نتجاهلها، لأن الحماس الذي تشعر به الآن الذي يولد عندك الإحساس بالغضب للقدس، والقتال دفاعًا عنها بعد ذلك، نابع من وعيك بالقضية وخطورتها وصلتها بدينك وهويتك، فالوعي بالقضية أهم ما نملك، وخاصة عندما نتكلم عن هذا الوعي عند الأطفال والشباب، ووسائل التواصل الاجتماعي من أهم طرق تشكيل الوعي الآن، فكيف بالله عليك نترك هذا المجال للصهاينة، ليصولوا فيه ويجولوا ويضللوا عقول أبنائنا وبناتنا.
كيف نتركهم يهمشون قضايانا المصيرية، ويتهمون أهلنا في فلسطين بأنهم باعوا أراضيهم للصهاينة؟ كيف نتركهم يحشوون أدمغة البسطاء بهذه القاذورات الفكرية، ونقول إن المنشورات على وسائل التواصل غير مهمة أو مجدية؟
أقول لك يا صديقي دع الناس تنصر القدس بالطريقة التي تناسبهم
أما عن مقاطعة المنتجات الأمريكية وأهميتها، فقبل أن نتكلم عن أهمية هذا الإجراء فدعني أسألك: كيف يطيب لك أن تضع في فمك طعامًا أو شرابًا أو ترتدي لباسًا، وأنت تدرك تمام الإدراك أنه سيتحول إلى دعم للكيان الصهيوني، فإذا لم تكن تصبر على مقاطعة السلع الصهيونية الأمريكية لأجل القدس، فأنى لك أن تصبر على حر القتال من أجلها.
المقاطعة وحتى إن لم تكن ستؤثر اقتصاديًا على الولايات المتحدة والكيان الصهيوني – وهذا بالطبع محض فرض جدلي – فإنها رسالة لأعدائنا نقول لهم فينا إنكم وإن كنتم نجحتم في التطبيع مع حكامنا الذين لا يمثلونا فإنكم فشلتم في التأثير علينا كشعوب، وإننا كشعوب في حالة تربص دائمة بكم وننتظر مجرد الفرصة للانقضاض عليكم وقطع دابركم.
المقاطعة أيضًا تحمل رسالة تربوية مهمة وخطيرة، فعندما يسألك ابنك عن سبب رفضك لشراء منتج من المنتجات، وتقول له إنك ترفض شراءه لأنه منتج أمريكي، ولأن أمريكا تدعم الكيان الصهيوني، فهذه فرصة رائعة لتربية الوعي بالقضية داخل نفس أولادك بصورة عملية.
أخيرًا أقول لك يا صديقي دع الناس تنصر القدس بالطريقة التي تناسبهم، فمن يستطيع القتال في سبيلها فهذا سيدنا وتاج رأسنا ومن لم يستطع فالطرق كثيرة من التظاهر والمقاطعة والكتابة، ولكنني أعيذك يا صديقي أن تنضم لكتائب المثبطين الذين يثبطون الناس عن نصرة القضية بطريقتهم لمجرد أن يريحوا ضمائرهم ولا يصبحوا وحدهم من المتخاذلين عن نصرة مدينتهم المقدسة.