بعد أن فقد الحزام السياسي للحكومة التونسية برئاسة يوسف الشاهد، الحزب الجمهوري، ها هو اليوم يفقد حزبًا ثانيًا بعد قرار حزب “آفاق تونس” الليبرالي انسحابه من الحكومة، ودعوة وزرائه الأربع إلى مغادرتها بسبب “حيادها عن الأهداف التي وضعت من أجلها”.
هذه الانسحابات التي جاء في الوقت الذي برزت فيه جبهة سياسية ثلاثية تجمع حركة نداء تونس وحركة النهضة وحزب الاتحاد الوطني الحر، رأى مراقبون أنها تنبئ بإعادة رسم ملامح الخريطة الحزبية للمشهد السياسي في تونس، فهل يمكن للشاهد أن يصمد في ظلّ التغيرات الحاصلة في الخريطة السياسية في البلاد؟
“آفاق تونس” خارج الحكومة
أوّل أمس السبت، أعلن حزب آفاق تونس الذي يقوده ياسين إبراهيم (10 مقاعد برلمانية)، انسحابه رسميًا من حكومة الوحدة الوطنية برئاسة يوسف الشاهد، خلال اجتماع عقده المجلس الوطني للحزب في دورته الاستثنائية، عقب المصادقة على قانون المالية.
وصوّت المجلس الوطني التابع للحزب، على لائحة سياسية بأغلبية ساحقة تضمنت رفضًا لمشروع قانون المالية لسنة 2018 في صيغته التي تمت المصادقة عليها في البرلمان التونسي، والذي اعتبره الحزب “فاقدًا للشجاعة المطلوبة في هذه المرحلة ولرؤية اقتصاديّة واجتماعية تستجيب إلى طموحات التونسيات والتونسيين”، وفق ما جاء في بيان صادر عنه.
وأعلن الحزب التونسي في ختام المؤتمر “القطع مع المنظومة السياسية الحاليّة المنبثقة عن وثيقة قرطاج لحيادها عن الأهداف التي وضعت من أجلها، إذ تم إفراغها من محتواها بما جعلها تؤسس لتوافق مغشوش لا يخدم المصلحة العليا للوطن”.
تضمنت وثيقة قرطاج أولويات “حكومة الوحدة الوطنية” في تونس برئاسة الشاهد
وأضاف في بيانه “حزب آفاق تونس إذ يعرب عن تحرره من هذه المنظومة فإنه يقرر دعوة ممثليه في الحكومة إلى الانسحاب”، وجاءت وثيقة قرطاج في يوليو 2016 عن مبادرة سياسية للرئيس الباجي قائد السبسي، ويشارك حزب آفاق تونس في حكومة الوحدة الوطنية بوزيرين هما: فوزي عبد الرحمن وزير التشغيل، ورياض المؤخر وزير البيئة والشؤون المحلية الذي استقال من حزبه قبل يوم من قرار الانسحاب من الحكومة، وبكاتبي دولة هما هشام بن أحمد كاتب الدولة لدى وزير النقل وعبد القدوس السعدواي كاتب الدولة للشباب.
وتضمنت وثيقة قرطاج أولويات “حكومة الوحدة الوطنية” في تونس برئاسة الشاهد، ووقعت على الوثيقة 9 أحزاب هي: حركة نداء تونس وحركة النهضة وحركة مشروع تونس والاتحاد الوطني الحر (انسحب منها ثم عاد) وآفاق تونس (انسحب منها) والحزب الجمهوري (انسحب منها) وحزب المسار الديمقراطي الاجتماعي وحركة الشعب وحزب المبادرة الوطنية الدستورية.
كما وقعت عليها أيضًا ثلاث منظمات وطنية هي: الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد) والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (منظمة أرباب العمل) والاتحاد التونسي للزراعة والصيد البحري (منظمة المزارعين).
الانسحاب الثاني
انسحاب حزب آفاق تونس من الحكومة، جاء بعد أكثر من شهر من قرار الحزب الجمهوري (ممثل بوزير) انسحابه من حكومة يوسف الشاهد بسبب رفض الحزب لما وصفه بـ”الرضوخ لزمرة تقود حزب نداء تونس” وتوظف الحكومة خدمة لمصالحها”.
وبرّر الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابّي انسحاب حزبه من حكومة الوحدة الوطنية التي يقودها يوسف الشاهد بـ”استحالة العمل داخلها”، واعتبر الشابي في ندوة صحفية أن الحزام السياسي للحكومة بات يشكل عبئًا ثقيلاً عليها نتيجة تعقد الوضع السياسي في البلاد وبروز علامات ردة سياسية تشكل خطرًا وتهدد الانتقال الديمقراطي في البلاد.
اجتماع تشاوري للترويكا الجديدة
ويربط بعض الخبراء، الخلاف الحاصل بين حزبي نداء تونس و”الجمهوري”، بالمصادقة على قانون المصالحة الذي يرفضه “الجمهوري” وبإبداء قيادات الحزب الأخير ارتياحها إثر سحب حافظ قائد السبسي ترشحه في الانتخابات البرلمانية الجزئية المخصصة لانتخاب ممثل للتونسيين المقيمين في ألمانيا في البرلمان التونسي، حيث أكد الجمهوري، أن تراجع السبسي عن الترشح مثّل انتصارًا ضد محاولات الرداءة والتوريث السياسي.
ترويكا جديدة
انسحاب “آفاق تونس” وقبله “الجمهوري” من الحكومة، تزامن مع بروز جبهة سياسية ثلاثية تجمع وحركة النهضة المتصدرة لكتل البرلمان (68 مقعدًا) وحركة نداء تونس (56 مقعدًا) وحزب الاتحاد الوطني الحر الذي بقي لديه 12 مقعدًا، رأى مراقبون أنها تنبئ بقيام “ترويكا جديدة” تقود البلاد خلال المرحلة المقبلة بعيدًا عن الائتلاف الحكومي الحاليّ.
من المتوقّع أن تعيد التنسيقية الحزبية الثّلاثية الجديدة بين النداء والنهضة والاتحاد الوطني الحر تشكيل الحزام السياسي المفقود لحكومة الوحدة الوطنية
هذه الجبهة الجديدة من شأنها أن تعزّز التوافق القائم بين حركتي النهضة ونداء تونس، بانضمام الاتحاد الوطني الحر إليه، بعد أن أكّد عودته إلى سرب الداعمين لوثيقة قرطاج بعدما طعن فيها منسحبا من الحكومة العام الماضي.
وإذا ما تحالفت هذه الأطراف الثلاث لتشكيل جبهة سياسية ستجمع 136 مقعدًا من جملة 217، وهو ما يجعلها حسابيًا تمتلك أغلبية مريحة داخل البرلمان ويتيح لها فرضية الحكم ثلاثيًا، ومن المتوقّع أن تعيد التنسيقية الحزبية الثّلاثية الجديدة بين النداء والنهضة والاتحاد الوطني الحر تشكيل الحزام السياسي المفقود لحكومة الوحدة الوطنية، وسيكون هذا التوافق الجديد – إن تمّ – فرصة لإعلان عودة الاتحاد الوطني الحر إلى دائرة الائتلاف الحاكم بعد مغادرته في مايو 2016 ورفض دخوله حكومة يوسف الشاهد الثانية.
تعديل حكومي وشيك؟
التغيرات الحاصلة في المشهد السياسي في تونس، تنبئ حسب عديد من المراقبين، بإمكانية قيام رئيس الحكومة يوسف الشاهد بتعديل حكومي وشيك، يغذّي به الحزام السياسي لحكومته، فوزراء “الجمهوري” و”آفاق تونس”، لئن انسحبوا من أحزابهم وقرّروا البقاء في الحكومة فإنهم يفتقدون للدعم السياسي، ما يضعف موقفهم.
ويقع على عاتق، يوسف الشاهد، تحويل الائتلاف الحزبي الحاكم إلى جسم حكومي متضامن يمتلك رؤية واضحة قادرة على تحرير القرار الحكومي من الارتهان لمواقف الأحزاب وتصوراتها وخياراتها المتباينة التي ظهرت بأكثر وضوح خلال مناقشة قانون المالية ومشروع قانون المصالحة الإدارية.
حكومة الشاهد في أثناء تسلّمها مهامها
وفي الـ6 من شهر سبتمبر الماضي، شهدت تونس تعديلاً وزاريًا شمل وزارات السيادة، وهي وزارات الداخلية والدفاع والمالية، وذلك في محاولة للخروج من الأوضاع الاقتصادية والمالية الصعبة، ولم يطرأ تغيير على التحالف الحكومي.
وتسعى الحكومة التونسية إلى تشكيل حزام سياسي قوي لدعم خياراتها الاقتصادية والاجتماعية، بيد أنها تلقى معارضة قوية في خصوص الإصلاحات الهيكلية التي أوصى بها صندوق النقد الدولي.