“أفكر جديًا في العودة إلى بلادي بداية العام المقبل مع أسرتي، فأنا لا أستطيع أن أتحمل الرسوم الإضافية التي فرضتها السلطات السعودية على الوافدين التي تتجاوز قدراتي المادية خاصة في ظل التضييق الذي نواجهه هنا من السعوديين وأرباب العمل”، بهذه الكلمات علق حسين حلمي المحاسب المصري المقيم في منطقة الرياض بالسعودية، على القرارات الأخيرة الصادرة عن الحكومة السعودية.
على صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” كشفت وزارة المالية السعودية، أول أمس، الـ16 من ديسمبر/ كانون الأول، عن تنفيذ ما أسمته “المقابل المالي” على الوافدين، عبر تحصيل ضريبة مالية على العمالة الوافدة تتراوح بين 300 و400 ريال (80 إلى 106.7 دولار) شهريًا، اعتبارًا من العام المقبل 2018.
القرار في صيغته الحاليّة أثار حالة من الهلع لدى الملايين المقيمين بالمملكة، خاصة أنه لم يعد يتعلق بالعمالة الموجودة في الشركات التي تفوق العمالة الوافدة بها عمالتها الوطنية، إذ بات ينسحب إلى العمالة الأجنبية بشكل عام حتى ولو كان عددها أقل من الوطنية في الشركات، وهو ما يدفع للتساؤل عن مصير هذه العمالة.
المقابل المالي على الوافدين #ميزانية_2018 pic.twitter.com/UoOj8kLFor
— وزارة المالية السعودية (@MOFKSA) December 16, 2017
استهداف 17.5 مليار دولار
يأتي قرار وزارة المالية السعودية الأخير في إطار سياسة إعطاء الأولوية لتوظيف السعوديين في القطاع الخاص، في سياق “رؤية السعودية 2030” التي تهدف إلى تنويع موارد الاقتصاد وعدم الاعتماد على النفط وحده.
كما أنه ليس الأول من نوعه، ففي يوليو/تموز الماضي، طبقت السلطات السعودية مرسومًا على مرافقي العمالة الأجنبية، يلزمهم بدفع مبلغ 100 ريال شهريًا (26.6 دولار) عن كل مرافق وتصل وفق الخطة المعدة إلى 400 ريال (106.7 دولارات) شهريًا بحلول عام 2020.
“المقابل المالي” وهو المصطلح الرسمي المرادف للنظام المتعلق بفرض رسوم على العمالة الوافدة بالمملكة، يستهدف تحقيق عائدات مادية من وراء تطبيقه تصل إلى 65 مليار ريال (17.5مليار دولار) تقريبًا خلال أربعة أعوام من الآن.
البداية كانت عام 2017 بفرض 100 ريال شهريًا (26.6 دولارًا) على المرافق، ترتفع وفق ما سبق ذكره، تستهدف 267 مليون دولار بنهاية العام الحاليّ.
وفي 2018 من المفترض تطبيق رسوم على العمالة الأجنبية التي تزيد على العمالة السعودية في كل قطاع، بواقع 400 ريال(106.7 دولار) شهريًا عن كل عامل وافد، بينما العمالة التي تقل عن العمالة السعودية ستدفع 300 ريال (81 دولارًا) شهريًا، بهدف تحصيل 24 مليار ريال (6.4 مليار دولار) بنهاية العام المقبل.
وصل عدد السعوديين الباحثين عن عمل إلى 1.075.933 فرد، يمثل الذكور منهم 216.352 فرد، وتمثل الإناث منهم 859.581
وفي 2019 سيتم زيادة الرسوم المفروضة على العمالة الوافدة في القطاعات الأعلى من العمالة السعودية إلى 600 ريال (162.1 دولار) شهريًا على كل عامل، تقل في القطاعات التي تقل فيها العمالة الأجنبية عن السعودية إلى 500 ريال (135دولار) شهريًا، على أن يرتفع مقابل كل مرافق إلى 300 ريال (81 دولارًا) شهريًا، بهدف تحصيل 44 مليار ريال(11.8 مليار دولار) نهاية العام.
بينما في 2020 ستزداد الرسوم على العمالة الوافدة إلى 800 ريال (216.2 دولار) شهريًا على كل عامل في القطاعات التي تزيد فيها العمالة الأجنبية على السعودية، تصل في نظيراتها التي تقل إلى 700 ريال (189.1دولار) شهريًا على كل عامل، بهدف تحصيل 65 مليار ريال (17.5مليار دولار) بنهاية العام.
الإيرادات المتوقعة للرسوم المفروضة على الوافدين
12.8% من السعوديين عاطلون
يهدف هذا التوجه العام بفرض رسوم على الوافدين بالمملكة، بجانب تحصيل المليارات سالفة الذكر، إلى إفساح المجال أمام توظيف السعوديين وتسكينهم في قطاعات توظيفية بدلاً من الأجانب، خاصة بعد تزايد أعداد العاطلين والباحثين عن العمل من الشباب السعودي حسبما تشير الإحصاءات.
الهيئة العامة للإحصاء في آخر مسح لها خلال الربع الثاني من 2017 كشفت أن معدل البطالة لإجمالي السكان السعوديين (15 سنة فأكثر) بلغ 12.8%، بواقع 7.4 %للذكور، و33.1% للإناث، فيما بلغ معدل البطالة في المملكة لإجمالي السكان (15 سنة فأكثر) 6.0%، بواقع 3.3%، و22.9% للإناث.
وفي نشرتها الدورية عن سوق العمل في الربع الثاني من العام الحاليّ، أوضحت الهيئة أن عدد العاملين من واقع بيانات السجلات الإدارية في المملكة بلغ 13.841.158 فردًا، بينما وصل عدد الباحثين عن عمل إلى 1.075.933 فردًا، يمثل الذكور منهم 216.352 فردًا، وتمثل الإناث منهم 859.581.
كما بينت النتائج أنَّ أعلى نسبة للسعوديين الباحثين عن عمل كانت في الفئة العمرية (25-29) سنة وذلك بنسبة بلغت 34%، لافتة إلى أن نسبة نصف السعوديين الباحثين عن عمل يحملون الشهادة الجامعية، إذ تبلغ نسبتهم 50.5%.
النشرة أوضحت أيضًا أن 11.6% من السعوديين غير العاملين سبق لهم العمل، وأن 32.9% ممن تركوا العمل كان بسبب صاحب العمل الذي قام بتسريحهم رغمًا عنهم، منوهة أن معدل المشاركة الاقتصادية لإجمالي السكان السعوديين (15سنة فأكثر) بلغ 40.3% فقط.
“المقابل المالي” وهو المصطلح الرسمي المرادف للنظام المتعلق بفرض رسوم على العمالة الوافدة بالمملكة، يستهدف تحقيق عائدات مادية من وراء تطبيقه تصل إلى 65 مليار ريال (17.5 مليار دولار) تقريبًا خلال أربعة أعوام من الآن
تفاقم الوضع الاقتصادي
زيادة نسبة البطالة بين السعوديين ظلت تشكل وما زالت عامل ضغط على الحكومة السعودية التي فشلت في إيجاد حلول عملية لهذه المعضلة خاصة في ظل تحفظ الكثير من الباحثين عن عمل على بعض الوظائف الموجودة، مما فتح الباب أمام العمالة الأجنبية لفرض نفسها بقوة لا سيما أن نسبة كبيرة منهم مؤهلة بشكل جيد وبأجور أقل.
من جانب آخر فإن الأزمة الاقتصادية التي تحياها المملكة خلال السنوات الأخيرة كانت أحد الدوافع الرئيسية لفرض المزيد من إجراءات التقشف ضد السعوديين وغير السعوديين، وزيادة نسب الضرائب والعوائد في الوقت الذي تتراجع فيه معدلات الدعم، مما أدى إلى ارتفاع واضح في أسعار السلع والخدمات.
وتشير الإحصاءات إلى ارتفاع حجم الدين العام للمملكة إلى 341 مليار ريال (90.9 مليار دولار) بنهاية يونيو/حزيران الماضي، بزيادة قدرها 8% عن مستواه بنهاية عام 2016، حين بلغ 316 مليار ريال (84.3 مليار دولار)، كما بلغ العجز في الميزانية العامة للدولة في النصف الأول من العام الحاليّ 72.7 مليار ريال (19.4 مليار دولار)، وذلك بحسب الأرقام الصادرة عن وزارة المالية.
علاوة على ذلك تتكبد السعودية عشرات المليارات من الخسائر في كل من اليمن وسوريا فضلًا عن التراجع الواضح في معدلات الدخل القومي جراء تراجع أسعار النفط خلال السنوات الأخيرة، وهو ما دفع المملكة إلى محاولة التقليل من النفقات قدر الإمكان وإفساح المجال أمام السعوديين حتى لو ترتب على ذلك الإطاحة بما يزيد على 12 مليون عامل أجنبي، إذ إن الموازنة العامة للدولة ما عادت تتحمل الكثير من الأعباء.
12.2 مليون وافد أجنبي.. ما مصيرهم؟
كشفت البيانات الإحصائية الرسمية أن عدد المقيمين غير السعوديين بالمملكة بلغ 12.2 مليون نسمة وهو ما يمثل نحو 37% من إجمالي عدد السكان الذي بلغ وفق إحصاء النصف الأول من 2017 نحو 20.4 مليون نسمة بنسبة 63% من الإجمالي بزيادة بلغت نحو 870 ألف نسمة مقارنة بنهاية 2016.
حالة من الهلع خيمت على قطاع كبير من العمالة الأجنبية في المملكة بعد قرار السبت الماضي حتى إن لم يبدأ تطبيقه رسميًا إلا مع قدوم عام 2018 وهو ما دفع شريحة ليست بالقليلة منهم إلى إعادة النظر في بقائه داخل المملكة أو على الأقل عودة الأسر المقيمة مع ذويها إلى بلادها مرة أخرى في محاولة لتخفيف الأعباء المفروضة قدر الإمكان.
محمد، مهندس مصري، يقيم مع أسرته المكونة من خمسة أفراد في مدينة جدة (غرب السعودية) منذ عشر سنوات تقريبًا، يشير في حديثه لـ”نون بوست” إلى نيته في إعادة أسرته إلى منزله بمدينة طنطا (غرب القاهرة) نهاية العام الدراسي الحاليّ، قائلاً: “لم أعد أحتمل الرسوم الجديدة”.
وأضاف أن راتبه لا يتجاوز 6 آلاف ريال (1.6 ألف دولار) مطالب أن يسدد نحو 400 ريال (106.7 دولار) شهريًا رسوم على أبنائه الثلاث وزوجته، هذا بخلاف تجديد الإقامات السنوية التي تضاعفت رسومها بشكل غير متوقع خلال العامين الأخيرين، وهو ما يجعل من استمرارهم معه أمرًا مستحيلاً في ظل الظروف الحاليّة والضرائب المتصاعدة والتضييق الممارس عليهم هناك من السعوديين.
خطوة كهذه كفيلة أن تحدث زلزالاً في منظومة سوق العقارات على وجه الخصوص الذي يعد أحد أهم القطاعات الاقتصادية الرائجة في السعودية، خاصة أن الأسر الأجنبية تشكل 35.9% من إجمالي عدد المساكن المشغولة في المملكة بنحو 1.96 مليون مسكن
بينما يفكر الفاتح، فني سوداني، في مغادرة السعودية بعدما يزيد على 15 عامًا من العمل قضاها هناك متنقلاً ما بين مدينة وأخرى، مشيرًا أن الأوضاع باتت غاية في الصعوبة، ملمحًا أن المملكة تسعى من وراء هذه الممارسات إلى تسريح العمالة الأجنبية بالكامل.
العامل السوداني في حديثه لـ “نون بوست” كشف أن كفيله (صاحب العمل) يمارس أبشع صور الابتزاز معه، حيث أرغمه على دفع 300 ريال(80 دولارًا) شهريًا مقابل أن يتركه يعمل دون تضييق الخناق وإلا قام بترحيله خارج المملكة، كاشفًا أنه في ظل التطورات الأخيرة لن يجد بدًا من الرحيل بنفسه، قائلاً: “خلال شهرين أو ثلاثة سأغادر إلى دولة خليجية أخرى ربما تكون قطر أو الكويت”.
ومن ثم فلا شك أن الأشهر القليلة القادمة قد تشهد موجات هجرة جماعية لقطاعات كبيرة من العمالة الأجنبية الموجودة بالسعودية، وهو ما كشف عنه تقرير سابق للبنك السعودي الفرنسي الذي توقع مغادرة أكثر من 670 ألف مقيم من المملكة بحلول عام 2020، بسبب الرسوم الإضافية المفروضة مؤخرًا عليهم.
إلا أن واقع الأمر يشي بغير ذلك، إذ تشير بعض المصادر إلى مغادرة ما لا يقل عن نصف العمالة الوافدة أي قرابة 3.5 مليون عامل بعد استثناء جملة المرافقين لهم التي تبلغ 4.3 مليون مرافق، وهو ما يدعو للتساؤل: هل تتحمل السوق السعودية مثل هذه الهزة؟
1.07 مليون سعودي يبحثون عن عمل
هل تتحمل السوق السعودية؟
كثير من المحللين يرون أن السوق الاقتصادية السعودية سيتعرض لهزة خطيرة حال مغادرة هذا العدد المتوقع من العمالة الأجنبية الموجودة بالمملكة، حيث تتأثر العديد من القطاعات التي يشغل الوافدون حيزًا كبيرًا من تشغيلها ساهموا على مدار العقود الأخيرة في دعم ونمو الاقتصاد السعودي، حسبما أشار الأكاديمي والخبير الاقتصادي السعودي، الدكتور حمد التويجري.
فبعد ساعات من قرار المالية يرى البعض لجوء العديد من المقيمين إلى ضخ أموالهم خارج المملكة، تحسبًا لأي طارئ، وهو ما يعني نزوح حصة كبيرة من المال السائل من السوق السعودية، مما ينعكس سلبًا على معدلات الأداء العام في الوقت الذي تعاني فيه المنظومة الاقتصادية السعودية من أزمات.
عدد المقيمين غير السعوديين بالمملكة بلغ 12.2 مليون نسمة وهو ما يمثل نحو 37% من إجمالي عدد السكان الذي بلغ وفق إحصاء النصف الأول من 2017 نحو 20.4 مليون نسمة
علاوة على ذلك فإن خطوة كهذه كفيلة أن تحدث زلزالاً في منظومة سوق العقارات على وجه الخصوص الذي يعد أحد أهم القطاعات الاقتصادية الرائجة في السعودية، خاصة أن الأسر الأجنبية تشكل 35.9% من إجمالي عدد المساكن المشغولة في المملكة بنحو 1.96 مليون مسكن بحسب البيانات الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء للعام الحاليّ.
وفي المقابل هناك من يؤمل على هذا القرار بأن يفتح الطريق أمام السعوديين ليحلوا محل المقيمين، وهو ما رآه محللون أمرًا صعبًا كون العديد من الوظائف والمهن لم يعمل بها السعوديون حتى الآن، وهو ما يتطلب سنوات من أجل تأهيلهم لها، فضلاً عن تحفظ شريحة كبيرة على بعض الوظائف، وسواء كان ذلك من باب الاستعلاء أو عدم التعود، ستعاني السوق السعودية من هزة عنيفة سيكون لها تداعياتها خلال السنوات القادمة إن لم يتم تداركها والإعداد لها من الآن.