ترجمة وتحرير: نون بوست
صوتت هيئة الاتصالات الفدرالية لصالح إلغاء قواعد حياد الإنترنت، مما تولد عنه حالة قلق كبيرة في صفوف الكثير من الأشخاص، بشأن تحول مزودي خدمة الإنترنت، نحو توفير خدمة إنترنت طبقية كما يحدث في العديد من الدول. ففي الواقع، يتآمر مقدمو خدمة الإنترنت الفرعيين في بعض البلدان من أجل تشديد الخناق على سبل النفاذ إلى بعض المواقع والخدمات، وذلك لتحقيق موارد مالية مصدرها المستخدمون أو الشركات.
فعلى سبيل المثال وفي المغرب، تحالف العديد من مزودي خدمة الإنترنت في السنة الماضية، من أجل إيقاف خدمات التواصل الصوتي على غرار واتساب وسكايب لفترة وجيزة. وقد رأى البعض أن هذه الحادثة تهدف إلى دفع المستخدمين إلى اقتناء اشتراكات الهواتف الذكية لبعض المزودين بدلا من استخدام خدمات التواصل محدودة التكلفة أو المجانية.
من جهتها، اقترحت عضو المجلس البديل الاشتراكي في سياتل شاما ساوانت، التي لعبت دورا رئيسيا في نجاح مدينتها في سن قانون يحدد القدر الأدنى للأجور بمبلغ 15 دولار للساعة، فكرة أخرى. ففي الحقيقة، ترغب ساوانت في أن تتمكن مدينتها من إنشاء شبكة اتصالات ذات نطاق واسع خاص بها، حتى تكون قادرة على منافسة المزودين الخاصين لخدمات الإنترنت. وتهدف ساوانت من خلال ذلك إلى ضمان التدفق الحر للمعلومات من دون أي قيود.
قد يبدو هذا المنهج غير مألوف، إلا أنه لا يعد سابقة من نوعها. ففي الوقت الراهن، توفر حوالي 185 هيئة محلية في الولايات المتحدة خدمات اتصالات ذات النطاق العريض للعموم. ونظرا لأن هذه الخدمات تخضع للرقابة من قبل الهيئات العامة، فهي تعد أيضا قيد المساءلة أمام المستخدمين. في الواقع، يعتبر هذا الأمر مثاليا بالنسبة لأي شخص يرغب في الحصول على خدمات النطاق العريض في هاتفه الجوال. وفي هذا السياق، رفض سكان فورت كولينز في كولورادو في تشرين الثاني/ نوفمبر، محاولة بعض الأطراف لتخويفهم من الشبكات الخاصة للاتصال ذات النطاق العريض، وبادروا بالتصويت لصالح إنشائها في مدينتهم.
وقعت مناقشة فكرة إنشاء شبكات محلية ذات النطاق العريض في سياتل خلال انتخابات مجلس المدينة وانتخابات رؤساء البلديات خلال السنة الماضية
في منشور لها على فيسبوك ليلة الخميس، حثت شاما ساوانت المسؤولين في ولايتها ومدينتها على التحرك في هذا الصدد. وصرحت ساوانت أن “هيئة الاتصالات الفدرالية تعمل لصالح شركات كبرى مثل كومكاست، ولا تأبه بالناخب الأمريكي من مختلف الأحزاب، لأن موقف الرأي العام واضح حيال ذلك. ففي الواقع، يؤيد 76 بالمائة منهم حيادية شبكة الإنترنت، من بينهم 73 بالمائة من الناخبين الجمهوريين”.
وأردفت ساوانت، أنه “ينبغي على أولمبيا أن تمرر على وجه السرعة تشريعات حيادية الإنترنت في ولاية واشنطن، ويجب على سياتل أن تستثمر في بناء شبكة اتصالات محلية ذات النطاق العريض. وبالتالي لن تتمكن شركات التزويد بالإنترنت من احتكار الشبكة من أجل الكسب الخاص على حساب حقوقنا الديمقراطية”. وقد نشرت ساوانت هذه الصورة من قبل الفريق العامل معها لتوضيح فكرتها.
وقعت مناقشة فكرة إنشاء شبكات محلية ذات النطاق العريض في سياتل خلال انتخابات مجلس المدينة وانتخابات رؤساء البلديات خلال السنة الماضية. وقد عارضت جيني دوركان، التي فازت في الانتخابات البلدية، هذا المشروع ورأت أن إنشاء مثل هذه الشبكات سيكون مكلفا جدا، بينما كان منافسها حينها كاري مون يؤيد فكرة إنشاء شبكة اتصالات محلية.
على العموم، كان منهج حيادية الشبكة ساري المفعول حتى الشهر الماضي. لكن الخطوة التي أقدمت عليها هيئة الاتصالات الفدرالية قد بثت روحا جديدة لتقوية الحجج التي قدمها أنصار إنشاء شبكة اتصالات ذات النطاق العريض محليا. وتشدد كل تلك الحجج على أن الأنظمة التي تدار من قبل المدينة تعد الأفضل لضمان توفر خدمة إنترنت مجانية وبأسعار معقولة. ولعل خير دليل على ذلك، التجربة التي قامت بها مدينة تشاتانوغا، حيث استثمر مجلس الطاقة الكهربائية في بلدية تينيسي من أجل إنشاء شبكة ألياف ضوئية لصالح سكان المدينة. وقد شرعت الشبكة في تقديم خدماتها منذ سنة 2010.
في هذا السياق، تطرق عمدة تشاتانوغا في ذلك الوقت، رون ليتلفيلد لمجلة “فايس ماذربورد” إلى السبب الذي جعل المدينة تقرر إنشاء شبكة ذات نطاق عريض وتوفير خدماتها للسكان. وفي هذا الصدد، أورد ليتلفيلد، قائلا: “لم نكن هدفا بالنسبة لكومكاست، نظرا لأننا كنا سوقا صغيرة. عموما، لم نكن راضين إزاء الخدمة التي تقدم لنا”. وبحلول سنة 2016، كانت المدينة تقدم خدمة الإنترنت 1 غيغابت لسكانها بقيمة 70 دولارا في الشهر. وكانت شبكة الإنترنت الرخيصة التي تديرها المدينة تمثل نوعا من الدعم للشركات الصغيرة التي بدأت تتدفق إلى المدينة لبناء ثقافة التكنولوجيا والشركات الناشئة.
في سياق متصل، أفاد رون ليتلفيلد “لقد استعنا ببعض الاستشاريين الذين قدموا لنا النصح والمشورة. لقد أكدوا لنا أن مدينة تشاتانوغا ليس لديها صورة سيئة، بل لا تحظى بأي صورة في الخارج على الإطلاق. وقد أعادت شركة جيغ بريقنا ومنحتنا دفعة جديدة للتحرك واحتضان القرن المقبل، بدل بخار ودخان القرن الماضي الذي ما فتئ يكبلنا”.
وفي ولاية كولورادو، رفضت 31 مقاطعة التصويت لصالح مشروع قانون قدمته كومكاست، وقررت استثناء نفسها من قانون الولاية الذي يحظر انشاء شبكة اتصالات ذات النطاق العريض على المستوى المحلي
من جانبه، أشار ديفيد سيغال، رئيس منظمة “ديماند بروغريس” غير الربحية والداعم لتوفير خدمة إنترنت حرة، إلى أن الخطر السياسي في متابعة شبكة الاتصالات ذات النطاق العريض العمومية يتزامن مع إمكانية إعطاء مصداقية لا مبرر لها للحجج التي أدلى بها رئيس هيئة الاتصالات الفيدرالية أجيت باي، التي تؤكد أن الولايات والمدن ولجنة التجارة الفدرالية يعدون الأطراف الأفضل للسيطرة على الوضع. في الواقع، لا تعد هذه الحجة صائبة، حيث يعتقد سيغال أن شبكة الاتصالات ذات النطاق العريض أمر جيد في حد ذاته، ولكن لا يجب أن تكون بديلا عن مسألة حيادية الإنترنت.
من جهة أخرى، لم تكن ردود الفعل المستهجنة من قبل الشركات العاملة في صناعة الاتصالات السلكية واللاسلكية مستغربة بعد نجاح تشاتانوغا وغيرها في تطبيق أنظمة الشبكات ذات النطاق العريض. وقد تحركت العديد من الولايات، وذلك بتحفيز من بعض المشرعين المدعومين من قبل عمالقة الاتصالات على غرار “أي تي أند تي”، من أجل صياغة قانون استباقي على مستوى الولاية يمنع المدن من إنشاء شبكات ذات النطاق العريض الخاصة بها.
في حال كانت هذه القوانين تذكركم بالقوانين الاستحواذية التي تمنع المدن من رفع الحد الأدنى للأجور، فلا تتفاجأ، نظرا لأن مجلس التبادل التشريعي الأمريكي، وهي مجموعة ضغط تمولها وتساندها ثلة متنوعة من الشركات التي ترغب في التأثير على سياسة الولاية، تدعم كلا القانونين. وفي ولاية كولورادو المذكورة آنفا، رفضت 31 مقاطعة التصويت لصالح مشروع قانون قدمته كومكاست، وقررت استثناء نفسها من قانون الولاية الذي يحظر انشاء شبكة اتصالات ذات النطاق العريض على المستوى المحلي.
عموما، بادر كريستوفر ميتشل، مدير هيئة مبادرة شبكات النطاق العريض في منظمة “معهد الاعتماد على الذات محليا”، بدراسة الأنظمة التي ظهرت في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية. وفي هذا الشأن، صرح ميتشل لصالح مجلة الإنترسبت أن هذه النظم تمتلك محفزات أكبر بكثير من أجل الحفاظ على حيادية الإنترنت، كما أن السيطرة المحلية على شبكة الاتصالات لها إيجابيات هامة قد لا يتفطن إليها الكثير من الأشخاص. علاوة على ذلك، أورد كريستوفر ميتشل، أن “من بين الأمور التي لاحظناها من خلال مشاهدتنا لعمل مئات النماذج لشبكات الاتصال ذات النطاق العريض محليا، أن المستخدمين يدفعون أقل مقابل خدمة أفضل. وفي حال طرأ أي خلل، يحظون بمتابعة ذات جودة عالية”.
المصدر: الإنترسبت