ترجمة وتحرير: نون بوست
نحاول أن نبحث عن إجابات لخمسة أسئلة بشأن التحولات السياسية التي يمكن أن تطرأ على العالم خلال سنة 2018. ولعل من أبرزها: هل ستندلع حرب في إيران أم في كوريا الشمالية؟ أم في كليهما؟ كيف ستكون سنة 2018 من وجهة نظر العلاقات الدولية؟ هل ستشهد حالة من الحرب أو السلم؟ هل ستحتدم المواجهات أم ستتعزز علاقات التعاون؟ ولكن، لا يبدو أن ساعة الانفراج قد حانت بعد، والأمر متروك للأوروبيين لكي يفتكّوا مركزهم في القمة ضمن عالم يعيش انحلالا.
بعد مضي سنة 2016 الكئيبة التي عرفت بالعمليات الإرهابية، وانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، أصاب العديدين الهلع من سنة 2017 التي كانت أقل سوءا من المتوقع رغم الجو الدولي المشحون. ومن جهة أخرى، أصبح مصطلح “تنوع الأقطاب”، الذي يعكس نظرة العالم للتعاون بهدف معالجة المشاكل أكثر من الدخول في مواجهات، بمثابة ضحية سنة 2017 الرئيسية. ولسائل أن يسأل، هل سيتواصل هذا التوجه السلبي؟
هل ستندلع حرب في إيران أم في كوريا الشمالية؟ أم في كليهما؟
طرح الكثيرون هذا السؤال في واشنطن قبل أن يفتح الرئيس الأمريكي “جبهة ثالثة للصراع” في القدس، بعد اعترافه بهذه المدينة المقدسة للديانات الثلاث عاصمة للدولة العبرية. ويشير ذلك إلى “الاضطراب” الدبلوماسي الذي يهز البيت الأبيض على الرغم من أن مهامه تتوزع بين التدخل لحل المشاكل المحلية الدقيقة وبين المشاكل الإقليمية والدولية.
منذ الأيام الأولى من توليه الرئاسة، تطرق دونالد ترامب لكل من ملف إيران وكوريا الشمالية، اللذين وصفهما “بمحور الشر”. ولدى ترامب رغبة كبيرة في قتال كيم جونغ أون، الذي وصفه “بالرجل الصاروخ”، ودولة الملالي التي لم يجد لها صفة.
لا تهدد إيران بصفة مباشرة الولايات المتحدة وإنما تشكل تهديدا مباشرا على “أصدقاء” دونالد ترامب في المنطقة، على غرار السعودية، وإسرائيل على وجه الخصوص
في الواقع، تتسبب كوريا الشمالية في مشكلتين للولايات المتحدة. وبغض النظر عن السلاح النووي الذي أثبتت قدرتها على إتقانه، طورت كوريا الشمالية برنامجا للصواريخ الباليستية القادرة نظريا على اختراق المجال الأمريكي واستهداف العاصمة واشنطن، بالإضافة إلى أن الزعيم الكوري يستمتع بتوجيه استفزازات مباشرة لراعي البقر في البيت الأبيض. ومن جهة أخرى، وضع دونالد ترامب سمعته على المحك عندما صرح بقوة وبصوت عال أنه سيعالج هذا المشكل ولو تطلب الأمر اللجوء “للنار والغضب”.
في المقابل، يوقن جنرالاته ووزير خارجيته، ريكس تيلرسون، أن أي صراع مع كوريا الشمالية من شأنه أن يكلف ثمنا باهظا من الضحايا البشرية، كما من الممكن أن يسبب ذلك تصعيدا نوويا لم يشهد له العالم مثيلا منذ عقود، مع العلم أنه من المحتمل إقالة تيلرسون خلال الأسابيع القادمة من قبل ترامب، وقد تطرقت عدة صحف أمريكية إلى هذا الموضوع، وأشارت إلى إمكانية اشتداد التصعيد.
من جهة أخرى، لا تهدد إيران بصفة مباشرة الولايات المتحدة وإنما تشكل تهديدا مباشرا على “أصدقاء” دونالد ترامب في المنطقة، على غرار السعودية، وإسرائيل على وجه الخصوص. في هذا السياق، خصص ترامب جزء هاما من حملته الانتخابية توعد فيه بإلغاء الاتفاق النووي الذي وقعه سلفه باراك أوباما مع طهران بعد مفاوضات دولية طويلة. وقد استنكر ترامب “شرعية” هذا الاتفاق مجبرا الكونغرس على إعادة النظر في إمكانية فرض عقوبات جديدة على إيران.
من وجهة نظر واشنطن، يمكن أن تكون لأي صراع مباشر أو غير مباشر مع إيران عدة إيجابيات، فالولايات المتحدة تحظى بحلفاء “متحمسين”، خلافا للصين المرتابة من جارها الكوري. ولكن المقصود من ذلك هو الثأر الذي يطمح جنرالات سلاح البحرية إلى تحقيقه بما أنهم لم يغفروا لإيران مقتل 241 جنديا أمريكيا في بيروت سنة 1983، في اليوم نفسه الذي فقد فيه 58 فرنسيا حياتهم خلال تفجير دراكار.
ترامب يبحث عن متاعب جديدة على نطاق دولي، حتى لو كلفه ذلك دخول الحرب، ليبرز للعالم أنه رئيس نشيط مقارنة “بخمول” سلفه أوباما
في المقابل، تقف في طريق ترامب عقبة وحيدة تتمثل، حسب الإحصائيات، في رفض أغلب الشعب الأمريكي الدخول في حرب جديدة بعد عقود من القتال في الشرق الأوسط خلفت العديد من القتلى في أفغانستان والعراق. ولكن، هل يكفي ذلك لإيقاف ترامب؟
هل سيبقى ترامب في منصبه كرئيس؟
يمكن أن نطرح السؤال بطريقة مغايرة من خلال التفكير فيما سيؤول إليه التحقيق بخصوص “الصلة مع روسيا” التي تفضي إلى لفتات واكتشافات يومية. ولكن السؤال الذي وجب طرحه بالتحديد، هل يمكن أن تؤثر هذه التحقيقات على الأسلوب الذي يسير به دونالد ترامب الولايات المتحدة ومكانتها في العالم؟ والإجابة حتما “نعم”.
حيال هذا الشأن، يكشف التاريخ كيف كان الرئيس السابق، ريتشارد نيكسون، مهووسا بالتحقيقات التي جرت على خلفية فضيحة “ووترغيت” التي كذب بشأنها. في الحقيقة، قاد “ريتشارد المخادع” حرب فيتنام بعينين مركزتين على السياسة الداخلية الأمريكية وعلى قدره في السلطة. وقد أثبتت ذلك قناة “أرتيو” خلال بثها لوثائقي يتحدث عن هذا الصراع الأساسي في التاريخ الأمريكي الحديث.
من جهته، إن ترامب على موعد هام في نهاية سنة 2018، حيث سيجتاز نصف فترة ولايته الرئاسية. ولكن هل سيخرج الحزب الجمهوري فائزا بشكل متناهي من هذا التحقيق؟ وهل سيحافظ الرئيس على اعتراف الكونغرس بشرعيته إلى حين نهاية التحقيق في قضية “التخابر الروسي”؟ وهل سيعاد التصويت من جديد، الذي سيعتبر نكسة تحل على الجمهوريين؟ أم أن الباقي من ولاية دونالد ترامب سيكون معقدا للغاية؟
لا يحظى بوتين بنفس نفوذ الاتحاد السوفيتي السابق، إلا أنه يملك في يده في الوقت الراهن الكثير من الورقات الرابحة التي خولت له التموضع مرة أخرى في وسط اللعبة العالمية
من هذا المنطلق، يبدو أن الرئيس يبحث عن متاعب جديدة على نطاق دولي، حتى لو كلفه ذلك دخول الحرب، ليبرز للعالم أنه رئيس نشيط مقارنة “بخمول” سلفه أوباما. كما لا تتردد شخصية دونالد ترامب المتقلبة في التدخل في الشؤون الدولية وإظهار قدرتها على المبادرة، في حين يواجه عدة صعوبات فيما يتعلق بالإصلاحات الداخلية.
في أقل من سنة، انسحب ترامب من اتفاقية باريس للمناخ، وأغلق الباب في وجه منظمة اليونسكو ومنظمة الهجرة الدولية، كما ألغى “الاعتراف” بالاتفاق مع إيران. بالإضافة إلى ذلك، من شأن قراره الأخير أن يؤجج الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما مست قراراته من شبكة التحالفات الأمريكية في أوروبا وآسيا. وفي انتظار سنة 2018، أربطوا أحزمتكم…
هل سيتم إعادة انتخاب بوتين؟
إذا كنت تتردد في الإجابة، هذا يعني أنك تحتاج إلى مراجعة بعض المعطيات المهمة… مؤخرا، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قرار الترشح للانتخابات الرئاسية، المزمع عقدها بتاريخ 18 آذار/ مارس من سنة 2018. وتجدر الإشارة إلى أن الأمر لا يتطلب منك أن تكون أخصائيا في السياسة الروسية للتنبئ بأنه سيتم إعادة انتخابه بعد الفوز بالأغلبية الساحقة أمام خصمه كسينيا سوبتشاك، ابنة معلم بوتين السابق أناتولي سوبتشاك.
مؤخرا، أشار أحد المراقبين الفرنسيين إلى هذه المسألة، مؤكدا أن فلاديمير بوتين سينضم إلى ستالين في سجل طول فترة الرئاسة في الكرملين … وبعد السيطرة المطلقة على السلطة في موسكو، وتجديده وتعزيزه لشباب البلاد، فضلا عن إحاطة نفسه بنخبة من المديرين، ورجال الأعمال، والتكنوقراط ورجال الظلال، أصبح فلاديمير بوتين يتمتع بالعديد من نقاط القوة .
من جانب آخر، عرف بوتين كيف يمكنه استخدام الحرب السورية من أجل خدمة مصالحه. فقد تمكن من الصمود أمام العقوبات الغربية التي فُرضت عليه بعد ضم شبه جزيرة القرم خلال سنة 2014، وعقد تحالفات قوية إلى حد ما مكنته من الخروج من العزلة التي فرضها الغرب عليه. وبدءا من الصين وصولا إلى تركيا أو إيران، لا يحظى بوتين بنفس نفوذ الاتحاد السوفيتي السابق، إلا أنه يملك في يده في الوقت الراهن الكثير من الورقات الرابحة التي خولت له التموضع مرة أخرى في وسط اللعبة العالمية.
اجتمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بنظيره الأمريكي دونالد ترامب، في السابع من تموز/ يوليو على هامش أعمال قمة مجموعة العشرين في هامبورغ بألمانيا
على ضوء هذه المعطيات، هناك سؤال وحيد يطرح نفسه، والذي طرح مؤخرا من قبل محلل أوروبي: هل يحتاج بوتين إلى الحرب للحفاظ على الاستقرار في الداخل؟ وما لم يستقر اقتصاد البلاد بعد فترة من التراجع، فسيظل يعتمد بشكل كبير على قطاع الهيدروكربونات. من جانب آخر، يتمثل السؤال الحقيقي الذي يحير المراقبين الروس في معرفة ما سيحدث خلال سنة 2024، عندما يناهز فلاديمير بوتين سن السبعين وتتراجع قواه؟ وفي أي حالة سوف يترك البلاد؟ ولمن؟
تتطلّع الكثير من البلدان في العالم النامي إلى بكين بحسد وإعجاب بدلا من الغرب الذي فقد هيبته وأصبح ضعيفا وغير موحد
هل سيصبح “النموذج الصيني” مؤثرا؟
قد يكون السؤال محيرا، لكن الصين التي يقودها شي جين بينغ، والتي عززت سلطتها بشكل كبير بعد مؤتمر الحزب الشيوعي التاسع عشر في خريف هذا العام، توقفت عن تقديم نفسها بتواضع إلى العالم، وأصبحت تعلن بصوت عال عن قوتها ونفوذها. ويعد “النموذج الصيني” النموذج المناهض للغرب؛ لأنه أعاد تسمية الرأسمالية الاستبدادية “بالاشتراكية ذات الخصائص الصينية”، التي تستند على الجدارة كي تبقى في القمة، وهي ميزة الدولة القوية، فضلا عن عدم الفصل بين السلطات والحريات المقدسة لدى الغرب (على غرار تلك المتعلقة بالصحافة، والجمعيات ، والدين، والنقابات …)، والتي يسطر عليها هذا الحزب.
في الحقيقة، تتمثل قوة هذا النموذج في كفاءته في حالة الصين. فرغم كل الصعاب، تمكن هذا النموذج من جعل الاقتصاد الصيني يحتل المرتبة الثانية على الصعيد العالمي، وقريبا الأولى، ومن أكثر الاقتصادات ابتكارا وذلك دون أن يتخلى عن أي امتياز سياسي. كما تمكن هذا النموذج من هدم مجموعة كاملة من النظريات السياسية أثناء شقه لطريق الصعود.
على هذا الأساس، من المنطقي أن تتطلّع الكثير من البلدان في العالم النامي إلى بكين بحسد وإعجاب بدلا من الغرب الذي فقد هيبته وأصبح ضعيفا وغير موحد، نظرا لأن الصين تسيطر على “طرق الحرير” الجديدة، وتضع إستراتيجية لفرض نفوذها في العالم مرفوقة بدفتر شيكات مجهز جيدا.
دونالد ترامب وشي جين بينغ في بكين، في التاسع من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر2017
علاوة على ذلك، تمكنت بكين من الفوز بأصدقاء جدد في أوروبا من خلال إستراتيجية البنية التحتية التي تمولها، دون أن تضع تلك الشروط الدولية المعتادة. فقد أنشأت الصين آلية “16 + 1” التي تمكنت من استقطاب 16 دولة أوروبية في البلقان وبعض أعضاء الاتحاد الأوروبي في وسط وشرق أوروبا، الذين استفادوا من هدوئها الاقتصادي واستثماراتها الكبيرة. وكانوا راضين عن ذلك الإنجاز. ولسائل أن يسأل، هل ستستمر هذه النزعة العاتية خلال سنة 2018؟ ولكن من المؤكد أن المهاجم الصيني ليس لديه الكثير من المخاوف في هذه الفترة، ولا سيما أن دونالد ترامب وتناقضاته لا يعترض طريقه.
هل ستستغل أوروبا فرصتها لتنتعش مرة أخرى؟
هل ستستغل أوروبا فرصتها لتنتعش مرة أخرى؟ يعد هذا أصعب سؤال ستجيب عنه سنة 2018. فقد أفسحت فترة الكساد التي عاشتها أوروبا سنة 2016، بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وظهور موجة من الشعبوية الطاغية مع صعود ترامب، المجال إلى حصول انفراج نسبي سنة 2017، على الرغم من تحقيق الأحزاب الشعبوية اليمينية المتطرفة نتائج لافتة في الانتخابات، بما في ذلك في ألمانيا .
تعد أوروبا الوحيدة القادرة على ضمان السلم والديمقراطية والتميز الاجتماعي والبيئي والإنساني
في فرنسا، يستفيد إيمانويل ماكرون، “البطل” الأوروبي لسنة 2017، بوضوح من الكسوف البريطاني بسبب الكارثة التاريخية التي تمثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، واهتمام ألمانيا مؤقتا بالمفاوضات المعقدة بعد الانتخابات، لتظهر كزعيم أوروبا القادر على إنعاش القارة العجوز. وقد قدم مقترحاته أثناء خطاب ألقاه في جامعة السوربون، إذ يأمل أن تجلب سنة 2018 شريكا ألمانيا مُتقبلا لمقترحاته الرامية للتعجيل في عملية تحسين مستقبل أوروبا.
لكن، يبدو أن النجاح ليس مضمونا في قارة تعلمت أن تخيب آمالها وتغيب عن مواعيدها بسبب ظروفها الخاصة لأكثر من عقد من الزمان. ومع ذلك، يتعرض صوت أوروبا، الذي يفتقر إليه هذا العالم، بعد تفشي الحمى القومية والشعبوية بما في ذلك داخل الاتحاد الأوروبي (في انتظار الحدث الانتخابي القادم في إيطاليا، خلال ربيع سنة 2018)، للتهديد من قبل المغامرات العسكرية والعواقب التي ستنجر عنها.
في المقابل، تعد أوروبا الوحيدة القادرة على ضمان السلم والديمقراطية والتميز الاجتماعي والبيئي والإنساني، وتجعلها من ضمن اهتماماتها، حتى لو لم تكن هذه المفاهيم مطبقة في الدول الثمانية والعشرين”. ولكن لا يزال من الضروري أن تسعى إلى نشر هذه المفاهيم في كامل دول الاتحاد، وستكون سنة 2018 فرصة من أجل تحقيق هذا الهدف.
المصدر: نوفال أوبسرفاتور