أثار “تيفو” رفعته الجماهير الجزائرية خلال مباراة لكرة القدم حفيظة بعض السعوديين وفي مقدمتهم سفير الرياض في الجزائر سامي بن عبد الله الصالح الذي وصفوه بـ”المهين” للملك سلمان عبد العزيز بعد ما أظهره أنه يعمل ضد مصلحة الفلسطينيين.
والتهبت مواقع التواصل الاجتماعي يوم الأحد ساخرة ومهددة ومستهجنة التغريدة التي نشرها السفير السعودي بشأن “تيفو” صنعه الجزائريون في مباراة الدرجة الثانية لكرة القدم.
أصل الحكاية
تعود تفاصيل القضية إلى الجمعة الماضية في مباراة جرت بملعب الإخوة دمان ذبيح بعين مليلة بولاية أم البواقي شرق البلاد، جمعت بين الفريق المحلي جمعية عين مليلة وضيفه غالي معسكر، وشهدت رفع أنصار الفريق المحلي للافتة كبيرة تظهر صورة مركبة لنصف وجه الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز والنصف الآخر للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإلى جوارهما صورة للمسجد الأقصى، وكتبت تحتهما عبارةtwo faces of” the same coin” أي “وجهان لعملة واحدة” وبجوارها جملة “البيت لنا والقدس لنا”.
ورفعت الجماهير الجزائرية هذه اللافتة في إطار حملات التضامن التي شهدتها مختلف ولايات البلاد مع الشعب الفلسطيني بعد قرار ترامب المتعلق بالقدس الذي تم “بموافقة سعودية”، حسب ما نقلت عدة تقارير إعلامية.
غير أن هذه اللافتة أثارت غضب بعض السعوديين، مما جعل سامي بن عبد الله الصالح سفير الرياض في الجزائر، يعلق على تغريدة لأحد السعوديين قائلاً: “جارٍ التأكد من ذلك، وسنقوم بما يجب”.
السفير السعودي رغم عمله لسنوات في الجزائر، يبدو أنه لم يفهم الجزائريين بعد والذين يؤثرون فلسطين على أنفسهم
وأضاف “هذا واجبنا، ولا خير فينا إن لم نقم به”، لكن هذه الجملة الأخيرة أثارت حفيظة الجزائريين الذين تساءلوا عما يمكن أن تقوم به الرياض من رد، مسترسلين في تهكماتهم التي وصلت حتى إشاعة أن تقوم السعودية بمنعهم من الحج هذا العام بسبب هذه اللافتة التي اعتبرتها مسيئة للملك، في حين يدرجها الجزائريون في خانة حرية التعبير التي لا تضع فرقًا بين المسؤولين وعامة الناس.
ليست الأولى
الخلاف بين السفير السعودي والجماهير الجزائرية بشأن فلسطين ليس الأول من نوعه، ففي يوليو الماضي قال سامي الصالح في مقابلة مع قناة النهار الخاصة إن حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية “حماس” حركة “إرهابية” تدير المؤامرات من فنادق 5 نجوم في قطر.
وثارت يومها ثائرة الجزائريين الذين طالبوا برد رسمي من الحكومة الجزائرية على تصريحات السفير المطالب بالالتزام بالأعراف الدبلوماسية التي توجب عليه احترام المبادئ التي تقوم عليها الدولة التي تستضيفه، بالنظر إلى موقف الجزائر الدائم الذي يتربى عليه مواطنوها والقائل “الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”.
ودعت أحزاب سياسية وقتها لوضع حد لتصريحات السفير، متسائلة: كيف يمكن لبلد بُني على دعم حركات التحرر في العالم أن يسمح بوصف حركة مقاومة بـ”الإرهابية”؟
فلسطين أولاً دائمًا
بالنسبة لمراقبين، فإن السفير السعودي رغم عمله لسنوات في الجزائر، يبدو أنه لم يفهم الجزائريين بعد والذين يؤثرون فلسطين على أنفسهم، فربما قد نسي ما فعلته جماهير الملاعب الجزائرية في فبراير/شباط سنة 2016 بملعب الخامس يوليو عندما التقى المنتخبان الأولمبيان الجزائري والفلسطيني في مباراة ودية.
ظلت الملاعب الجزائرية على مر المراحل التي شهدتها البلاد المنبر الوحيد الذي بإمكان الجميع التعبير فيه عن مختلف الآراء دون تدخل من السلطات
في تلك المباراة، صنع المنتخب الجزائري سابقة لا يمكن أن تحدث إلا عند من يعرف قيمة المقاومة ومعزة الشهيد، فقد فضل أنصار المنتخب الجزائري تشجيع المنتخب المنافس على حساب منتخبهم الوطني، وصدحت مدرجات الملعب بالعبارة التي تتردد في كل المقابلات “فلسطين الشهداء”.
واهتز الملعب وقتها بالهتافات عندما سجل المنتخب الفلسطيني هدفه في الدقيقة 62، واستمر الجمهور في التشجيع طيلة المقابلة، بل كان يطلق تصفيرات متتالية عندما تكون الكرة لدى اللاعبين الجزائريين، في مشهد أدهش عناصر المنتخب الفلسطيني غير أنه كان عاديًا بالنسبة للاعبي المنتخب الجزائري الذين يعلمون أنه عندما يتعلق الأمر بفلسطين فكل شيء ممكن ولا مكان للدهشة أو المستحيل.
منبر للتعبير
ظلت الملاعب الجزائرية على مر المراحل التي شهدتها البلاد المنبر الوحيد الذي بإمكان الجميع التعبير فيه عن مختلف الآراء دون تدخل من السلطات، حيث لا تقتصر الهتافات التي تسمع فيه على موقف من قضية دولية كما حدث في قضية فلسطين، إنما أيضًا يمكن التعبير عن مختلف وجهات النظر المتعلقة بمختلف الملفات المحلية، فكثيرًا ما ينتقد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وحكومته في الملاعب، وحتى في حال وجوده عندما كان يحضر نهائي كأس الجمهورية قبل تدهور حالته الصحية في ربيع 2013 التي جعلته نادر الظهور إلا في مناسبات ومواعيد خاصة.
ومن هذا المنطلق، يرى البعض أن تصريح السفير السعودي بالتحرك والتحقيق في قضية “التيفو” الذي يراه مسيئًا ومهينًا للرياض لن يقدم أو يؤخر، بل إن تصريحاته قد تكون لها نتائج عكسية بتوسع دائرة رفع هذه اللافتة في باقي الملاعب الجزائرية.
والأكيد أن هذه القضية ربما ستكون محور المباحثات التي سيجريها رئيس مجلس الشورى السعودي عبد الله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ مع المسؤولين في الجزائر التي يزورها ابتداءً من هذا الإثنين لمدة 4 أيام.