اعتقالات، تلفيق تهم، تحريض إعلامي، منع فعاليات.. هكذا لم يترك النظام في مصر وسيلة لمحاربة الأحزاب السياسية النشطة إلا وفعلها، ونحن هنا لا نتحدث حتى عن حركات سياسية أو قوى غير قانونية، بل كيانات رسمية نشأت بصفة قانونية، طبقًا لقانون الأحزاب السياسية، وتعترف بها الدولة.
رغم ذلك، لا تتوقف حملات النظام المصري ضد الأحزاب السياسية وأعضائها، ولم يسلم من تلك الممارسات القمعية الأحزاب التي تتفق مع السلطة في توجهاتها مثل حزب الحركة الوطنية الذي يترأسه الفريق أحمد شفيق، فقد تغير كل شيء بعد أن أعلن رئيس الوزراء الأسبق رغبته في الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، 29 من نوفمبر الماضي، ووضع النظام كوادر الحزب على رادار الاعتقال.
نشر معلومات كاذبة، تكدير الصفو العام، الانضمام لجماعة إرهابية، التحريض على العنف، إهانة الرئيس، وغيرها من التهم الفضفاضة التي يستخدمها نظام ما بعد 3 من يوليو 2013 كبوابة يمرر عبرها انتهاكاته وتنكيله بالأحزاب التي لا توافق هواه.
حزب الوسط
بدأ تنكيل النظام بحزب الوسط مبكرًا، فبعد أيام من عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، تحديدًا في 29 من يوليو 2013، ألقت قوات الأمن القبض على رئيس الحزب أبو العلا ماضي ونائبه المحامي عصام سلطان، ووُجهت لهم تهم إهانة القضاء والتحريض على قتل المتظاهرين بمحيط جامعة القاهرة وميدان النهضة ومنطقة “بين السرايات”.
في 20 من أبريل 2017، ألقت قوات الأمن القبض على نائل حسن عضو حزب الدستور بالإسكندرية، من منزله بتهمة الإساءة للرئيس عبد الفتاح السيسي عن طريق الإنترنت
وفي 11 من أغسطس 2015، أُفرج عن أبو العلا ماضي، بعد قضائه أقصى مدة للحبس الاحتياطي دون الإحالة للمحاكمة وهي عامين، فيما استمر حبس عصام سلطان حتى الآن.
لم يتوقف التنكيل بقيادات حزب الوسط عند هذا الحد، ففي مطلع يوليو 2014، ألقت قوات الأمن القبض على حسام خلف أمين عام مساعد الحزب وعضو المكتب السياسي، وبعد قضاء قرابة عامين خلف أسوار السجن، أفرجت السلطات المصرية عنه في مارس 2016.
لم تنته مأساة حسام خلف عند هذا الحد، ففي 30 من يونيو الماضي، أي بعد عام ونصف من الإفراج عنه، ألقت قوات الأمن القبض عليه مجددًا، ووجهت له نفس التهم التي فشلت في إثباتها عليه من قبل مثل الانضمام إلى جماعة إرهابية، لكن هذه المرة اعتقلت معه زوجته علا القرضاوي ابنة الداعية الإسلامي ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يوسف القرضاوي.
وإلى اليوم ما زالا معتقلين، رغم مطالبة عدة منظمات حقوقية دولية شهيرة بالإفراج عنهما أو إثبات التهم الموجهة ضدهما، مثل منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش.
حزب الدستور
في يناير 2014، ألقت قوات الأمن القبض على المحامي طارق حسين الشهير بطارق تيتو عضو لجنة الحريات بحزب الدستور، في أثناء مشاركته في مسيرات إحياء الذكرى الثالثة للثورة، ووُجهت له تهمة الانضمام إلى تنظيم الإخوان، الطريف أن “تيتو” واجه تهمة قلب نظام الحكم في عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي، ومع ذلك لم تتوقف المحكمة طويلًا عند هذه الطُرفة، وحكمت عليه بالسجن عامين وغرامة 50 ألف جنيه!
اعتزل المحامي نجاد البرعي الترافع في القضايا السياسية، مشيرًا إلى أن أحكامها معروفة مسبقًا
ما لبث “تيتو” أن أُفرج عنه، حتى عاود الأمن اعتقاله مرة أخرى، في يونيو 2017، بتهمة التظاهر ضد اتفاقية إعادة تعيين الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية التي بموجبها تنازلت مصر عن جزيرتي “تيران وصنافير” للملكة، وأُفرج عنه بعد ذلك.
وفي 20 من أبريل 2017، ألقت قوات الأمن القبض على نائل حسن عضو الحزب بالإسكندرية، من منزله بتهمة الإساءة للرئيس عبد الفتاح السيسي عن طريق الإنترنت والانضمام لجماعة مؤسسة على خلاف أحكام القانون.
الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي
في 15 من يونيو الماضي، ألقت الشرطة القبض على إسلام مرعي أمين تنظيم الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، ووجهت له النيابة اتهامات بالتحريض على الدولة والانتماء لجماعة إثارية، وذلك في اليوم التالي لموافقة البرلمان على اتفاقية “تيران وصنافير” في إطار حملة أمنية استهدفت عددًا من النشطاء السياسيين في محافظات عدة، تزامنًا مع دعوات التظاهر التي دعت إليها عدة كيانات سياسية من بينها الحزب المصري الديمقراطي، احتجاجًا على موافقة البرلمان على الاتفاقية.
وفي 12 ديسمبر الماضي، قضت محكمة جنايات الزقازيق، بحبس إسلام، عامًا مع الشغل، مما دفع زياد العليمي القيادي بالحزب إلى إعلان بت الحزب في قرار تجميد نشاطه ردًا على الحكم، قائلًا: “ردًا على المطاردات التي يتعرض لها أعضاؤه وتلفيق التهم لهم، وما حدث مع أمين تنظيمه الزميل إسلام مرعي، الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي سيبحث اتخاذ قرار بتجميد نشاطه، مع إعلان رسالة لشعبنا وللعالم أجمع أن محاولات إصلاح النظام من خلال الآليات الديمقراطية لم تعد صالحة، وسنستكمل معركتنا لتغيير النظام من خارج المؤسسات الرسمية والقانونية التي يريد النظام لها أن تصبح مدجنة وصورية”.
الحكم على إسلام مرعي دفع المحامي نجاد البرعي لاعتزال الترافع في القضايا السياسية، مشيرًا إلى أن أحكامها معروفة مسبقًا، وأوضح قائلًا: “قضية إسلام مرعي في جنايات الزقازيق هي آخر قضية سياسية أو فيها شبهة سياسة أحضر فيها، وهذا قرار نهائي، ممكن أروح المحكمة متضامن مع أصدقاء أو زملاء، ولكني لن أرتدي روب المحاماة في أي قضية من هذا النوع”، مضيفًا: “هذه قضايا معروف نتيجتها مقدمًا ووجود المحامين فيها نوع من الشكليات وأنا ما بحبش أبقى لابس مزيكا”.
ما حدث بالفعل مع ثلاثة من أعضاء حزب مصر القوية، دعوا المواطنين، بمنطقة حدائق القبة بالقاهرة، إلى التصويت بـ”لا” على استفتاء الدستور، يناير 2014، فاعتقلتهم الشرطة بتهمة تحريض المواطنين على رفض الدستور
حزب العيش والحرية
في 30 من ديسمبر 2015، ألقى “زوار الفجر” القبض على خالد الأنصاري عضو حزب العيش والحرية، ضمن حملة اعتقالات في صفوف النشطاء السياسيين، وفي أبريل 2016 ألقت الشرطة القبض على مجدي النقيب عضو الحزب، ضمن مجموعة نشطاء أخرى، ووجهت لهم النيابة عدة تهم من بينها استهداف ضباط الشرطة والجيش وإثارة الجماهير ضد النظام وحثهم على التجمهر والاحتشاد في الميادين.
هذا العام، 2017، أضافت الشرطة لسجل معتقليها من الحزب أعضاءً جددًا، ففي شهر مايو، اعتقلت أحمد فتحي ومحمد السيد، بعد مداهمة منزليهما بمركزي المنيا وسمالوط.
في مايو أيضًا اعتقلت قوات الأمن الطالب جمال عبد الحكيم أحد أعضاء الحزب الذي وجهت له النيابة تهم “الترويج بالقول والكتابة لقلب نظام الحكم وتأليب المؤسسات واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لأفكار جماعة إرهابية”.
حزب مصر القوية
لم تكن حالة “طارق تيتو” الذي وجّه له النظام تهمة قلب نظام الإخوان والانضمام لهم في الوقت ذاته، الحالة الطريفة الوحيدة في سجل التنكيل بالأحزاب السياسية، ربما يكون أكثر طرافة أن تدعو الناس للتصويت بنعم أو لا على استفتاء للدستور، ثم تعتقل من يريد أن يقول “لا” أو يدعو للتصويت بـ”لا”!
هذا ما حدث بالفعل مع ثلاثة من أعضاء حزب مصر القوية، دعوا المواطنين بمنطقة حدائق القبة بالقاهرة، إلى التصويت بـ”لا” على استفتاء الدستور، يناير 2014، فاعتقلتهم الشرطة بتهمة تحريض المواطنين على رفض الدستور! وهو ما دفع النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، آنذاك، لتدشين حملة “دستوركم خانة واحدة”، احتجاجًا على خرق أبسط قواعد المنطق.
نددت عدة منظمات حقوقية دولية بالواقعة “المهزلة”، من ضمنها منظمة “هيومن رايتس ووتش”، حيث قال جو ستورك نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة: “ينبغي للمواطنين المصريين أن يكونوا أحرارًا في اختيار التصويت مع الدستور الجديد أو ضده، لا أن يخافوا من الاعتقال لمجرد إقامة حملة للتصويت بلا، إن حماية الحق في التصويت تستلزم ضمان الحق في حرية التعبير”.
لم يسلم حزب الحركة الوطنية الذي يترأسه الفريق أحمد شفيق، من ممارسات الأمن القمعية ضد الأحزاب السياسية، فبعد إعلان شفيق الترشح للانتخابات الرئاسية، ألقت قوات الأمن، الأربعاء الماضي 13 من ديسمبر، القبض على 3 من أعضاء الحزب، بتهمة نشر معلومات كاذبة تضر بالأمن القوم
بعد شهر واحد، أي في فبراير 2014، حُكم على “معتقلي الدستور” بالسجن 3 أعوام! وفي يناير 2017، ألقت قوات الأمن القبض على حسام النجار أمين الحزب بالإسكندرية، بتهمة الانضمام لجماعة محظورة وحيازة منشورات تحرض ضد الدولة وتهدد السلم العام.
حزب الكرامة
في فبراير 2017، ألقت أجهزة الأمن القبض على مجدي الصياد القيادي بحزب الكرامة، ووجهت له عدة تهم من بينها التحريض على التظاهر ضد مؤسسات الدولة، وفي يونيو 2017، اعتقلت الشرطة 5 من المنتمين لحزب الكرامة، بعد تنظيمهم وقفة احتجاجية ضد اتفاقية “تيران وصنافير”.
حزب غد الثورة
في نوفمبر 2017، ألقت قوات الأمن القبض على أحد أعضاء حزب غد الثورة، ووجهت له عدة تهم من بينها مشاركة جماعة إرهابية في أنشطتها، ونشر أخبار كاذبة من خلال تأسيس حملة مناهضة للدولة، ونشر أفكارها عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك“.
حزب الحركة الوطنية
كما ذكرنا من قبل، لم يسلم حزب الحركة الوطنية الذي يترأسه الفريق أحمد شفيق، من ممارسات الأمن القمعية ضد الأحزاب السياسية، فبعد إعلان شفيق الترشح للانتخابات الرئاسية، ألقت قوات الأمن، الأربعاء الماضي 13 من ديسمبر، القبض على 3 من أعضاء الحزب، بتهمة نشر معلومات كاذبة تضر بالأمن القومي، ولم توضح وزارة الداخلية ماهية هذه المعلومات.
وأول أمس السبت، وجه شفيق اعتذارًا لأنصاره المقبوض عليهم، عبر تويتر، قائلًا: “أعتذر بشدة لكل شاب تم التحفظ عليه، لمجرد علاقته الشخصية بي أو أنه من مؤيدي، أو أنه كان مشاركًا وداعمًا لي في الحملة الانتخابية الرئاسية عام 2012”.
يمضي النظام في حربه على الأحزاب بالتوازي مع حربه ضد الإرهاب التي بات كثير من المهتمين بالشأن المصري يشككون في جديتها
وأضاف شفيق: “أعتذر لهم ولأسرهم، إذا كان التحفظ عليهم لهذه الأسباب، وأرجو من السلطات المختصة سرعة إيضاح الأمر فالموقف خطير، ويستحق مزيدًا من الإفصاح، ما إذا كانت هناك أسباب أخرى لهذا التحفظ من عدمه”.
التحريض الإعلامي
لم يكتفِ النظام بسياسة اعتقال أعضاء الأحزاب المناوئة التي لم تتوقف منذ يوليو 2013، بل فتح المجال لأبواقه لمهاجمة أي نشاط حزبي، وتشويه سمعة السياسيين المعارضين، فمثلًا، في يناير 2017، استكثر إعلامي النظام أحمد موسى على حزب الوسط، عقد ندوة سياسية بمناسبة الذكرى السادسة لثورة يناير.
“فين أجهزة الدولة، فين البلد، فين مصر، إزاي الراجل ده تسيبوه يعقد مؤتمر، إزاي أصلًا هو برة السجن؟”، هكذا حرض موسى أجهزة الدولة بشكل صريح على اعتقال رئيس الحزب أبو العلا ماضي، بحجة التخطيط لإسقاط السيسي.
منع فعاليات
لم يدخر النظام جهدًا في التضييق على الأحزاب، فبعد الاعتقال والتشويه الإعلامي، اتجه إلى مصادرة ومنع فعاليات الأحزاب التي لا تروق له، على سبيل المثال، في يناير 2015، أبدى عبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية، استياءه من عدم تمكن الحزب من حجز قاعة في فندق أو مؤسسة حكومية لعقد المؤتمر العام للحزب، وهو اجتماع إجرائي تنظيمي تقليدي.
يقول أبو الفتوح: “على مدار 3 أشهر، واجه الحزب صعوبات لعقد هذا المؤتمر، حيث يتم إلغاء الحجز بعد يومين بناء على تعليمات الأمن الوطني، هكذا تم إلغاء 27 حجزًا”!
وأضاف رئيس حزب مصر القوية: “نحن أمام سلطة تمنع الاجتماعات الإجرائية للأحزاب المعارضة، هذا هو النظام البوليسي السري الذي يحكم مصر”، لافتًا إلى أن هذا “لم يحدث في عهد مبارك”.
وهكذا يمضي النظام في حربه على الأحزاب، بالتوازي مع حربه ضد الإرهاب التي بات كثير من المهتمين بالشأن المصري يشككون في جديتها، بل ويتهمون النظام صراحة بأنه يدفع الشباب إلى ممارسة العنف في ضوء مسلسل التنكيل بالشباب والحركات السلمية الذي يحرص النظام على تواصل حلقاته بشكل يومي.