من يقف خلف عمليات اغتيال الدعاة في اليمن؟

630

الحرب لا تؤلم أحدًا سوى من استشهدوا بسببها، هكذا تتجرع عائلات الأئمة في مدينة عدن اليمنية مرارة الحزن، يدفعون الثمن الخفي في صراع إقليمي يهدد الأخضر واليابس، بعدما أصبح استهدافهم وقنصهم ظاهرة تستحق التأمل طوال الأشهر الماضية.

من يفعل هذه التصرفات الإجرامية؟ ولصالح من؟ وهل تأتي ردًا على تحرر المدينة من قبضة رجال صالح والحوثي على السواء، أم أن هناك طرفًا يتلاعب بالمشهد لإبقاء الجميع على فوهة بركان؟ ولماذا السلفيون تحديدًا؟ هذه أسئلة الصباح والمساء في عدن. 

ما قبل قنص الأئمة في المدينة.. لماذا السلفية؟

ليست بدعة، كغيرهم من غالبية التيارات الإسلامية التي كانت ترى السياسة من منظور عدائي، تحول التيار السلفي للمشاركة والفعالية بعد ثورات الربيع العربي في اليمن، كان الأمر مرتبطًا بأحدث ثورة فبراير عام 2011 التي فرقت بين صالح وكرسي الرئاسة، بعدما التصق به عقودًا طويلة، ولم يكن الشارع السياسي اليمني يعرف أحدًا غيره. 

اقتحم السلفيون خصوصًا في جنوب اليمن أبواب السياسة جميعها، عبر أحزاب الرشاد السلفي والسِّلم والتنمية وحركة النهضة السلفية، زاحموا الجميع للوصول إلى الناخب اليمني، كان واضحًا منذ البداية أن المشاركة ليست مجرد إثبات للحضور، بل نشطوا بكثافة وفاعلية، فكانوا جزءًا من الحوار الوطني الشامل الذي عقد بمقتضى المبادرة الخليجية في 3 من أبريل 2011، لنقل السلطة برعاية دولية وحل أزمة اليمن.

وبسبب أدوار أصحاب اللحى الطويلة في المرحلة الانتقالية، وصل بعضهم إلى فريق الرئاسة عبر أمين عام حزب الرشاد عبد الوهاب الحميقاني الذي عُين ضمن مستشاري رئيس الجمهورية.

أول القصيدة.. صراع وقتال في صعدة

تبدلت الأحوال السياسية، حاصر الحوثيون مدينة دماج في محافظة صعدة، وشهدت المنطقة حربًا اتخذت شكلًا عقائديًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، واكتفت الأطراف الدولية المراقبة للأوضاع وقتها بتسهيل خروج السلفيين في عملية اتخذت طابع التهجير القسري، وكان أول الصراعات التي تأخذ مثل هذا المآل في النهاية بين أبناء اليمن في التاريخ الحديث، خصوصًا أن السلفيين شاركوا بقوة في الصدام المسلح ضد الحوثيين، بل وكان لهم دور كبير في فك الحصار عن بعض المناطق خاصة في عدن وتعز والبيضاء وصعدة.

مع سيطرة الحوثيين مطلع عام 2016، وبسط أيديهم على اليمن، تنامت ظاهرة اغتيال الأئمة، نحو 17 قياديًا سلفيًا بارزًا في عدن ولحج القريبة منها، جرى قنصهم، وتنوعت العمليات بين إطلاق رصاص واستهداف بعبوات ناسفة واختطاف وتعذيب حتى الموت.

حزب الرشاد السلفي من جانبه، وثق هذه الجريمة في بيان أصدره، وأكد فيه أن استمرار تلك العمليات الإجرامية والاغتيالات المتكررة للعلماء والدعاة والمصلحين وأئمة المساجد والخطباء في العاصمة المؤقتة عدن، عمل إرهابي ومؤامرة بغيضة تحاك لكسر إرادة الأخيار ذات المنهج الوسطي وتصفيتهم، حسب وصفه.

رغم تورط الحوثي في التصفية الجسدية للمخالفين له، فتعقد المشهد وتعدد اللاعبين على الساحة الجنوبية، جعل محللين يشيرون بأصابع الاتهام في عمليات قتل السلفيين إلى أحد التيارات السلفية المقربة من الإمارات

ودعا الحزب، في بيان أصدره تعقيبًا على استمرار عمليات استهداف السفليين، إلى توفير الحماية الأمنية للمواطنين وسرعة الكشف عن تفاصيل هذه الجرائم وملاحقة مرتكبيها ومن وراءهم ومحاكمتهم.

خرج السلفيون في وسائل الإعلام كافة، لم يعد هناك مبرر للسكوت عن هذه الجريمة الغريبة التي تجاوزات كل الأعراف، تحدث الشيخ محمد عيضة شبيبة القيادي في حزب الرشاد، وقال إن استهداف السلفيين بمثابة عملية تجريف للجنوب، ومدينة عدن بالذات، من الدعوة العلمية والنشاط الدعوي والخيري لهذا التيار الكبير في الشارع وصاحب التأثيرالمتنامي في أوساط اليمنيين.

حلل شبيبة الأزمة وفك رموزها، واعتبر أن الهدف من استهداف السلفيين إحلال فكر آخر ومدارس أخرى لا تهتم بإصلاح عقائد الناس ولا تربطهم بالدليل، أو تخضعهم للكتاب والسنة، وإنما تربطهم بأشخاص هم في أنفسهم مرتبطون بجهات أخرى، شرح باستفاضة وبإيجاز للمعني وقال: “بمعنى موجز إزاحة فكر ومنهج فرض احترامه وتأثيره على المجتمع بفكر يشوه الدين ويجعله ألعوبة في أيدي اللاعبين”، وأردف: “أليس غريبًا أن تتحارب الأفكار واستخدام الحديد والنار والقتل لإزاحة فكر لحساب فكر”.

يشكل اغتيال الدعاة والعلماء ظاهرة خطيرة، ما زالت مستمرة وتتصاعد بشكل مزعج، فخلال أشهر ذروة الصراع الذي اتخذ شكلاً آخر من منتصف 2016 ، جرى اغتيال نحو 17 رجل دين سلفيًا

هناك تحليلات عدة يمكن اعتمادها في تفكيك أسباب عمليات التصفية البربرية التي تتم بحقهم، ربما لاتخاذهم خطوات جيدة في المسار السياسي والمدني، لا سيما أنها لاقت استحسانًا في بداية الثورة اليمنية، فلم يلجأوا إلى البلطجة السياسية وممارسة أدوار تسلطية على المجتمع، بل شكلوا أحزابًا سياسية ومنظمات مدنية ليعبروا عن رأيهم.

بالإضافة لذلك لم يستجب السلفيون للإغراءات والضغوطات التي تناديهم للانحياز لهذا الطرف أو ذاك، خصوصًا بعد تحرير عدن، كعادة السلفيين في البُعد عن كل ما ينازع “أولي الأمر”، اختاروا البقاء مع صف الحكومة الشرعية التي جرى الاتفاق عليها بعد إبعاد صالح عن السلطة، وربما يكون هذه الأسباب أهم العوامل التي جعلتهم محل استهداف.

من ليس معنا.. إرهابيًا؟

نفس القاعدة التي تستخدم في البلدان العربية كافة، من ليس مع النظام الحاكم في تصوراته تجاه الآخر هو إرهابيًا، لم تختلف أيضًا هذه التميمة في اليمن رغم سيطرة الحوثيين عليه وهم ليس معترف بهم كحكومة شرعية، ولكنهم في عرف القوة المسلحة لهم السيطرة، وبالتالي هذه القوانين تليق بهم في مجتمعنا العربي، فخلال الأشهر الماضية شملت قائمة الاغتيالات العشرات من علماء الدين وقيادات بالمقاومة الشعبية الموالية للحكومة الشرعية بالمدينة.

ويشكل اغتيال الدعاة والعلماء ظاهرة خطيرة ما زالت مستمرة وتتصاعد بشكل مزعج، فخلال أشهر ذروة الصراع الذي اتخذ شكلاً آخر من منتصف 2016، جرى اغتيال نحو 17 رجل دين سلفيًا، كان أبرزهم الشيخان راوي العريقي وعبد الرحمن العدني.

واكب ذلك حملات اعتقال طالت قيادات بارزة من التيار السلفي، بذريعة مكافحة الإرهاب، خصوصًا بعدما تحولت عدن في الأشهر الماضية إلى ساحة صراع بين قوى داخلية وخارجية متباينة الأجندات أهمها دعم الإمارات قوى الحراك الجنوبي لإعلان تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي المناهض للسلطة الشرعية، مما جعل المدينة على فوهة بركان لا ولن يهدأ.

اتهام الإمارات بتصفية السلفية.. رأي موضوعي أم مكايدة سياسية؟

رغم تورط الحوثي في التصفية الجسدية للمخالفين له، إلا أن تعقد المشهد وتعدد اللاعبين على الساحة الجنوبية، جعل محللين يشيرون بأصابع الاتهام في عمليات قتل السلفيين إلى أحد التيارات السلفية المقربة من الإمارات بقيادة الوزير اليمني المقال هاني بن بريك المقيم حاليًّا في أبو ظبي.

هذا الاتجاه إشار إليه صراحة، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة صنعاء عبد الباقي شمسان، وأكد أن هذا التيار يحمل عداءً شديدًا للإخوان المسلمين والجماعات المخالفة لتوجهاته، ويسعى إلى الهيمنة على كل الفضاءات الدينية من خلال إحلال أئمة تابعين له، ويرى شمسان أن الإمارات سعت بضراوة لتمكينه لأنه يلتقي مع أجندتها الخاصة باليمن.

التضارب في آراء خبراء الشأن اليمني، يضع علامات استفام كبرى، عن الآلية التي يجب اتباعها للحد من الاستمرار في استهداف الأئمة

وحمل شمسان التيار السلفي بقيادة ابن بريك، الدور الرئيسي في عمليات اغتيال أئمة المساجد المنتمين للتيار السلفي المعتدل في عدن، وكذا استهداف قيادات حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي يمثل امتدادًا لفكر الإخوان المسلمين، ويعتبر أستاذ علم الاجتماع السياسي، أن الإمارات تسعى لإقصاء كل الجماعات والكيانات التي تساند الشرعية ومخرجات الحوار الوطني، برأيه تنقية الجغرافيا الجنوبية من تلك الجماعات الحاملة للمخرج الوطني المتعلق بالدولة اليمنية المتعددة الأقاليم تندرج في إطار الإجراءات لفك ارتباط جنوب اليمن عن شماله.

ما قاله شمسان اعتبره الصحفي منصور صالح نوعًا من المكايدة السياسية، خصوصًا أن تصريحات أستاذ علم الاجتماع السياسي ألقى بها في فضاء قناة الجزيرة التي تخوض دولتها حربًا سياسية شرسة ضد حلف الإمارات، ويدلل صالح على صحة رأيه، على أن تعدد اللاعبين في الساحة المحلية وكثرة الراغبين في خلط الأوراق، لا يمكن أن يصل بالجميع إلى رأي موضوعي يساعد في تحديد هوية مدبري الاغتيالات.

التضارب في آراء خبراء الشأن اليمني، يضع علامات استفهام كبرى عن الآلية التي يجب اتباعها للحد من الاستمرار في استهداف الأئمة، لإحلال غيرهم من الموالين لأطراف الصراع المختلفة في جنوب اليمن، ويضع الأجهزة الأمنية في عدن بموضع المسؤولية بل والاتهام عن تقاعسها في أداء دورها والمشاركة ولو بتحليل أمني يحاول فك اللغز، وكشف الجهات التي تقف خلف المعتدين، خصوصًا أن الأجهزة ورغم التنديد الدولي، والقلق الذي عبر عنه الكثيرون من تنامي الظاهرة، إلا أنها تصر على البقاء بعيدًا عن المشهد، ورغم إعلانها القبض على أحد الجناة، لم تنشر أي اعترافات له، ولم تهتم مطلقًا بعرض نتائج التحقيقات.