خيّم الفشل – غير المعلن رسميًا – للجولة الثامنة من محادثات”جنيف” التي جرت مؤخرًا على أجواء المشهد السوري برمته ملقيًا بظلاله على الخريطة السياسية الراهنة للأزمة السورية ليرسم بعض ملامحها المستقبلية في ظل تغير الكثير من قواعد اللعبة وتبادل الأدوار بين القوى والأطراف الفاعلة.
ما بين الإصرار على عدم وجود شروط مسبقة قبيل الدخول في مسار المفاوضات من جانب النظام السوري في مقابل التمسك ببيان “الرياض 2” القاضي برحيل الرئيس السوري بشار الأسد عن المشهد من جانب تكتل المعارضة، بات فشل التعاطي الأممي مع الأزمة أمرًا واقعًا وهو ما يصعد من أسهم بديل موسكو والمتمثل في “سوتشي” ليحل محل الأمم المتحدة في التقريب بين وجهتي نظر طرفي الصراع.
التقدم الملحوظ ميدانيًا للنظام السوري المدعوم روسيًا وإيرانيًا في مقابل انحسار قوى المعارضة في الوقت الذي تتصارع فيها الفصائل المسلحة الأخرى على مواقع نفوذ لها على أطراف سوريا وجيوبها الحدودية، دفع بالبعض إلى التساؤل عن تداعيات هذه المستجدات على مستقبل الأزمة، وهل بالفعل باتت الثورة السورية على أبواب هزيمة حقيقية لصالح النظام وحلفائه؟
تغير الخريطة السياسية
منذ الـ8 من يوليو 2011 حين خرج ما يقرب من نصف مليون سوري بساحة العاصي بمدينة حماة رافعين شعار “لا للحوار” معلنين شارة البدء نحو انطلاق ثورتهم المباركة ضد النظام السوري ورئيسه بشار الأسد، نجحت فصائل المعارضة السورية في فرض كلمتها بصورة كبيرة خاصة بعد الدعم الذي تلقته من عشرات الدول العربية والأجنبية.
الدعم غير المسبوق لأي معارضة ثورية في قطار الربيع العربي تُرجم على أرض الواقع بصورة واضحة، حيث نجحت المعارضة السورية حينها في الوصول إلى مشارف دمشق، وسيطرت على نصف حلب وحمص ودرعا وعلى كل الأرياف تقريبًا بحلول منتصف عام 2013.
وأمام هذا التقدم الميداني لصفوف المعارضة الذي قوبل بانكماش واضح من النظام السوري، بات الشغل الشاغل للمجتمع الدولي حينها هو البحث عن بدائل لنظام الأسد الذي بات سقوطه مسألة وقت غير قابلة للنقاش أو التوقعات آنذاك بحكم ما تشير إليه المعارك على أرض الواقع.
غير أن الأمر انقلب رأسًا على عقب بعد إعلان روسيا التدخل العسكري لدعم الأسد في 2015، وبشكل تدريجي بدأ تقلص المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة يزداد يومًا بعد الآخر لصالح الجيش السوري الذي استطاع توظيف دعم حلفائه من الروس والإيرانيين وحزب الله لصالحه بصورة كبيرة حتى بات يسيطر على الجزء الأكبر من المناطق السورية.
تحول الصراع في سوريا من دعم أحد طرفي النزاع في الداخل، النظام والمعارضة، إلى ساحة تصفية حسابات بين الدول الكبرى، كل يبحث عن مصالحه الخاصة ساعيًا للحصول على أكبر قدر ممكن من الكعكة
ومع سقوط مدينة حلب بيد النظام السوري نهاية العام الماضي 2016، تغيرت ملامح خريطة النفوذ بصورة كبيرة، فالأسد بات يسيطر على أقل من 20% من كامل الأرض، بينما تسيطر الطوائف الإيرانية (إيران وحزب الله وغيرها) على ما يقارب 7%، بينما يسيطر الجيش الحر على 30%، وروسيا أقل من 2%، وقوات سوريا الديمقراطية 20%، والباقي لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
بينما فرضت المعارضة سيطرتها على أكثر من 70% من درعا وريفها والقنيطرة وريفها مع بقاء مراكز المدن تحت سيطرتها مدينة درعا – ازرع – الصنمين، وفي الريف الشرقي والريف الغربي والريف الشمالي الغربي والريف الشمالي الشرقي من درعا تحت سيطرة الجيش السوري الحر، بينما سقطت مدينة دمشق وريفها الغربي والجنوبي وأجزاء كبيرة من الشمالي في أيدي النظام.
أما الريف الشرقي فتحت سيطرة المعارضة، والبادية السورية متنازع عليها (الشرقية مع الجيش السوري الحر والوسطى والغربية مع النظام والشمالية مع تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، حسبما أشارت بعض المصادر السورية).
ومن ثم يمكن القول إن النظام السوري استطاع خلال عام 2017 فقط وبدعم من روسيا وإيران تشديد السيطرة على ما أسموه بـ”سوريا المفيدة” أو ما يطلق عليه ميدانيًا “العمق السوري”، وهي الدولة الممتدة على الأوتوستراد الواصل بين درعا جنوبًا والعاصمة دمشق، مرورًا بحماة وحمص ووصولاً إلى حلب، إضافة إلى غربه باتجاه الساحل، معقل النظام السوري الذي يضم قاعدة “حميميم” الروسية، كبرى القواعد الروسية هنا.
وفي المقابل تركت للمعارضة جيوبًا ريفية صغيرة بالمقارنة مع ممتلكاتها الكبرى سابقًا، جيبًا صغيرًا في جنوب البلاد، وجيبًا في الغوطة الشرقية (بعد أن فرغت بعض البلدات المهمة في العاصمة دمشق، مثل حيي برزة والقابون)، وجيبًا في حمص الشمالي، والجيب الأكبر لها بين حلب والساحل: جيب إدلب.
بين التفيت والتدويل
العديد من الشروخات التي أصابت جسد المعارضة السورية ساهمت بشكل كبير في الوصول بالمشهد إلى ما هو عليه الآن، حيث فشلت في خلق جبهة مسلحة متماسكة ومنظمة في مواجهة النظام السوري، مكونة حزمة من الفصائل والتشكيلات المتناحرة، ارتفعت فيما بينها مستويات “الأدلجة” و”المنهجة” و”الأسلمة” بالتزامن مع تشعب منافذ الدعم والتمويل.
وأمام هذا التفتت الذي أصابها تحولت الثورة السورية من ثورة ذات مطالب سياسية واجتماعية عامة إلى حركات متشعبة ذات أيديولوجيات متباينة ومطالب فئوية منها ما يطالب بإقامة “الشريعة والدولة الإسلامية” وأخرى ترفض التعامل مع بعضها الآخر بدعوى التكفير في الوقت الذي من الممكن أن تستعين فيه بتنظيمات مسلحة خارجية.
كل هذا فرض أرضًا خصبة لتدويل الأزمة بشكل مباشر، وهو ما يعكسه الوجود العسكري للقوى الإقليمية والدولية غير السورية التي باتت المتحكم الأكثر سيطرة على المشهد برمته، فها هي الولايات المتحدة تملك تسع قواعد عسكرية في الداخل السوري، منها ثلاثة مطارات، وما يقارب ١٠٠٠ – ٢٠٠٠ جندي وتقني.
أما روسيا فمنذ تدخلها العسكري في 2015 بات لها سبع قواعد كبرى منها خمسة مطارات، إضافة إلى قاعدتين أمريكيتين وتركيتين، وقاعدة مشتركة (أمريكية – بريطانية – أردنية) للتحالف الدولي في التنف على الحدود السورية العراقية، بجانب القواعد غير المعلنة لإيران وحزب الله، والشرطة العسكرية الروسية أو التركية المنتشرة في مناطق خفض التصعيد الأربعة للإشراف على وقف إطلاق النار.
وهكذا تحول الصراع في سوريا من دعم أحد طرفي النزاع في الداخل، النظام والمعارضة، إلى ساحة تصفية حسابات بين الدول الكبرى، كل يبحث عن مصالحه الخاصة ساعيًا للحصول على أكبر قدر ممكن من الكعكة السورية، وباتت الحرب بين جميع الأطراف والفصائل بالوكالة، في الوقت الذي غاب فيه الحضور العربي بصورة شبه كاملة، وهو ما استغلته روسيا بالدرجة الأولى لإعادة تشكيل المشهد العسكري والسياسي وفق ما يتراءى مع أهدافها بعدما نجحت في سحب البساط من تحت الأقدام الأمريكية خلال العامين الماضيين.
مع سقوط مدينة حلب بيد النظام السوري نهاية العام الماضي 2016، تغيرت ملامح خريطة النفوذ بصورة كبيرة
مفاوضات الطريق المسدود
دخل أطراف النزاع في سوريا عدة جولات تفاوضية دون أن تسفر عن شيء يذكر على أرض الواقع، ويجسد فشل الجولة الثامنة التي عقدت مؤخرًا من مفاوضات “جنيف” حالة الإحباط التي أصابت الكثيرين بشأن إمكانية الخروج ببصيص أمل في النفق المظلم للمفاوضات المستمرة قرابة الأعوام الثلاث تحت رعاية أممية.
الخطة التي حملها المبعوث الأممي إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، وتقوم على مناقشة 12 بندًا للتسوية، كتبت – بحسب البعض – شهادة وفاتها بصورة شبه مؤكدة، في ظل إصرار طرفي الأزمة على التمسك بما لديهم من مواقف دون تقديم أي تنازلات.
رئيس وفد النظام السوري بشار الجعفري، علق على فشل المفاوضات بأن الحكومة السورية لن تقبل الدخول في حوار بوجود أي شرط مسبق، في إشارة منه إلى بيان “الرياض 2” الذي يقضي برحيل الأسد كشرط للتفاوض، يقابله اتهام رئيس “هيئة التفاوض السورية” نصر الحريري، وفد النظام بإضاعة الوقت وعدم الجدية خلال الجولة الحاليّة، هذا في الوقت الذي اكتفى فيه ميستورا، بإبداء أسفه لعدم حصول “مفاوضات حقيقة” بين الطرفين.
الكثير كان يراهن على فشل الجولة الثامنة من “جنيف” في ظل القراءة المنطقية لسبع جولات سابقة لم تسفر عن شيء، وهو ما يعني انتهاء دور المنظمة الأممية واستبدالها بحلول الأستانة وسوتشي ومؤتمر الحوار الوطني التي أصبحت تلخص مسار فتح الطريق أمام إستراتيجية “تنازلات ما قبل التسوية” في ملف الأزمة السورية، برعاية روسية تركية إيرانية.
في 23 و24 من يناير/كانون الثاني 2017 انطلقت أولى جولات التفاوض بين أطراف الأزمة السورية في العاصمة الكازاخستانية “أستانة” حيث شاركت بعض فصائل المعارضة السياسية والعسكرية بصورة جزئية، لتتواصل اللقاءات والاجتماعات وصولاً إلى ما سمي “اتفاق خفض التصعيد” في الجولة الخامسة من أستانة التي جرت في أغسطس الماضي ونص على وقف إطلاق النار والقصف في المناطق الثلاثة الرئيسة للمعارضة، ثم أضيفت إليها إدلب في الجولة السادسة.
وفي نوفمبر الماضي، لاحت في الأفق ملامح صفقة ثلاثية الأضلاع (روسية ـ إيرانية ـ تركية)، تقوم على أسس عديدة، تمكن ملاحظتها من تتبع كلمات الرؤساء الثلاث (فلاديمير بوتين – حسن روحاني – رجب طيب أردوغان)، قبل قمة “سوتشي” التي عقدت في 21 من الشهر وجاءت كبديل لمسار “جنيف” ومشتقاته من جانب، و”الرياض” بتبعاته من جانب آخر.
هذه القمة عكست ارتياحًا روسيًا لبقاء حليفها الأسد على رأس السلطة، وذلك بعد تجنبها الخوض في أي حديث يتناول مصيره في المرحلة القادمة، فيما ركزت أنقرة على ضرورة إبعاد خطر “التنظيمات الكردية التي تصنفها إرهابية” عن أراضيها، بينما تسعى طهران لتكريس دورها الأساسي في وضع أسس التسوية بشأن مستقبل سوريا، مع تكرار حديثها عن دورها في “مكافحة الإرهاب” وشرعية وجودها في سوريا.
وأمام هذه المستجدات والصفقات الجديدة التي يتم عقدها فوق الأراضي السورية لحساب مصالح القوى الإقليمية والدولية التي نجحت في استغلال التطورات التي شهدها ميدان الصراع الداخلي، عانت المعارضة السورية من قفزات واضحة في فكرها وإستراتيجياتها وأطرها السياسية محاولة الاستفادة من الوضع الراهن قدر الإمكان، تجنبًا للوصول إلى مرحلة “الانتحار السياسي” حال إصرارها على التشبث بما كانت تتشبث به في السابق ببداية المفاوضات حين كانت تسيطر على الغالبية العظمى من أجزاء المشهد.
8 جولات من “جنيف” لم تسفر عن أي تقدم ملحوظ
تسليم المعارضة للرؤية الروسية
“الخروج بأقل الخسائر والمشاركة النسبية في الصورة أفضل من الخروج النهائي”، عكست هذه المقولة ملامح التحول في موقف فصائل المعارضة السورية، فبعد أن كان بقاء الأسد أحد اللاءات التي رفعتها المعارضة منذ بداية الثورة أخذ التعاطي معها الآن منحى آخر.
ففي الوقت الذي لا تزال واشنطن تصر فيه على رحيل الرئيس السوري، فإن مسؤول كبير في صفوف المعارضة أبلغ “رويترز” أن أمريكا نفسها وحكومات دول أخرى كانت تدعم المعارضة رفعت الراية البيضاء أمام الرؤية الروسية لتسلم بها من أجل إنهاء الحرب بعد القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
الرؤية الروسية بلا شك تحافظ على الأسد رئيسًا لسوريا – على الأقل في المرحلة القادمة – وهو ما تعيه الحكومات والأنظمة التي سلمت لتلك الرؤية وذلك بعدما فرضت موسكو كلمتها على الأرض بصورة كبيرة في ظل تراجع نفوذ القوى والفصائل الأخرى، المعارضة منها والمسلحة.
رولف هولمبوي السفير الدنماركي السابق لدى سوريا قال: “الأسد لا يمكن أن يقبل حلاً سياسيًا ينطوي على تقاسم حقيقي للسلطة، الحل الذي يمكن أن يقبله هو أن يبقى الوضع القائم على الأرض الآن على ما هو عليه” وهو ما أشار إليه محللون سوريون آخرون بحسب “هاف بوست“
بينما أشار معارض سوري آخر إلى أن الولايات المتحدة ودولاً أخرى دعمت القضية مثل السعودية وقطر والأردن وتركيا سلمت لرؤية روسيا وبالتالي فإن المحادثات الأساسية ستكون في سوتشي وليس جنيف، على حد قوله، مضيفًا: “القاعدة هكذا فهمت.. عن طريق الحديث مع الأمريكان ومع الفرنسيين ومع السعوديين ومع الدول كلها.. واضح إنه الخطة هيك (هكذا) ولا توجد أي دولة تعارض الحل لأن العالم بأسره سئم من تلك الأزمة”.
أمام هذه المستجدات والصفقات الجديدة التي يتم عقدها فوق الأراضي السورية لحساب مصالح القوى الإقليمية والدولية التي نجحت في استغلال التطورات التي شهدها ميدان الصراع الداخلي، عانت المعارضة السورية من قفزات واضحة في فكرها وإستراتيجياتها وأطرها السياسية
الرؤية تتطرق إلى تشكيل حكومة جديدة لإجراء انتخابات ستشمل اللاجئين السوريين، لكن المعارض السوري قال: “التسلسل الزمني: ستة أشهر.. سنة.. سنتان أو ثلاث هذا مرهون بمدى التفاهم الدولي بين الأمريكان والروس، قد يتغير كل شيء إذا اختلف الأمريكان والروس اختلافًا كبيرًا يمكن تنقلب كل الطاولة”.
غير أن البعض يذهب إلى عدم التسليم بصحة هذه الرؤية بصورة كاملة، فموسكو تعرف أهدافها الحقيقية من وراء تدخلها في سوريا، وليس الأسد ونظامه سوى القنطرة التي عبر من خلالها الدب الروسي إلى ساحة الصراع ليفرض كلمته وحضوره لأسباب ودوافع بعضها سياسية والأخرى اقتصادية.
أنصار هذا الرأي يشيرون أن مسألة بقاء الأسد ليست شرطًا مقدسًا في التعاطي الروسي كما يتخيل البعض، ولعل الموقف الحرج الذي تعرض له الرئيس السوري خلال زيارة فلاديمير بوتين لقاعدة “حميميم” منذ أيام يبرهن هذه الرؤية، حين منع أحد الضباط الروس الأسد من مرافقة الرئيس الروسي خلال مغادرته للقاعدة.
نجحت موسكو في سحب دور الوسيط من “جنيف” الأمم المتحدة إلى “أستانة”
تخبط ميداني
يعكس الصراع الميداني جزءًا من ملامح خريطة النفوذ سالفة الذكر، خاصة فيما يتعلق بتقدم النظام السوري في قطاعات كبيرة استطاع أن يضمها للمناطق الخاضعة تحت سيطرته في مقابل تراجع واضح لدى نفوذ المعارضة، لكن يبدو أن الفصائل المسلحة الأخرى لم ترفع الراية البيضاء بعد حتى لو اكتفت بصراعاتها الداخلية بعيدًا عن السياق العام للمشهد.
قبل عدة أيام أعلنت هيئة تحرير الشام (النصرة سابقًا) نفيرًا عامًا لها واستقطاب مقاتلين جدد في صفوفها لصد تقدم الجيش السوري وحلفائه بريف حماة الشرقي وريف حلب الجنوبي وريف إدلب الجنوبي الشرقي، وذلك بالتزامن مع الأنباء التي تتحدث عن إعادة إحياء “جيش الفتح” والعمل ضمن غرفة عمليات عسكرية موحدة.
البعض ذهب إلى أن عملية إعادة الإعمار ربما تنجح فيما فشلت فيه العمليات العسكرية، إذ من المرجح أن تقتدي المؤسسات المانحة بتوجهات حكوماتها الغربية، وهو ما دفع بعض مؤيدي المعارضة إلى المطالبة بتوظيف أموال إعادة الإعمار في شراء تنازلات سياسية من الأسد ونظامه
زعيم الهيئة محمد الجولاني، أرسل موفدين له للقيام بجولة مشاورات مع فصائل (أحرار الشام – جيش الأحرار – نور الدين الزنكي) التي تشهد العلاقات بينها من جانب وهيئة تحرير الشام من جانب آخر توترًا شديدًا، في محاولة للدخول ضمن غرفة عمليات موحدة وإعادة إحياء تنظيم “جيش الفتح” لصد تقدم الجيش السوري، وبالإضافة إلى منع تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” من العودة إلى المحافظة التي تم طرده منها قبل 4 سنوات، بحسب لـ”الميادين“.
قيادات الفصائل ربطت قبولها هذا العرض بعدة شروط طالبت بتنفيذها أبرزها إطلاق سراح المقاتلين التابعين لها والمحتجزين في سجون العقاب التابعة لهيئة تحرير الشام، وإعادة السلاح والذخائر التي استولت عليها من أحرار الشام وحركة نور الدين الزنكي، والانسحاب من النقاط التي جرى انتزاعها منهم خلال هجومها عليها قبل أشهر، ورغم استجابة الجولاني لبعض هذه الشروط إلا أن مسألة تدشين تحالف جديد تحتاج إلى وقت في ظل فقدان الثقة لدى الطرفين طيلة الفترة الماضية.
تحدي إعادة الإعمار
تبدو عملية إعادة الإعمار بمثابة ساحة المعركة القادمة لتشكيل النظام السياسي في سوريا، فبعد هزيمة الأسد أو تحييده جزءًا كبيرًا من المتمردين في بلاده، أخذ الاهتمام المحلي والدولي يتحول نحو الاستقرار وإعادة الإعمار، وبالتالي، بات من الممكن تصور سوريا ما بعد الحرب أو على الأقل أجزاء منها.
في تقرير سابق لـ”نون بوست” تطرق إلى أن كلفة إعادة الإعمار في سوريا ستكون هائلة، وفق التقديرات الأولية، حيث تتراوح بين 200 بليون دولار و350 بليون دولار، وهو رقم يفوق قدرات النظام السوري أو حلفائه من الروس والإيرانيين، مما يعني أن العبء الأكبر سيلقى على كاهل الولايات المتحدة وأعضاء الاتحاد الأوروبي واليابان، فضلاً عن المؤسسات المتعددة الأطراف.
البعض ذهب إلى أن عملية إعادة الإعمار ربما تنجح فيما فشلت فيه العمليات العسكرية، إذ من المرجح أن تقتدي المؤسسات المانحة بتوجهات حكوماتها الغربية، وهو ما دفع بعض مؤيدي المعارضة إلى المطالبة بتوظيف أموال إعادة الإعمار في شراء تنازلات سياسية من الأسد ونظامه.
رولف هولمبوي السفير الدنماركي السابق لدى سوريا قال: “الأسد لا يمكن أن يقبل حلاً سياسيًا ينطوي على تقاسم حقيقي للسلطة، الحل الذي يمكن أن يقبله أن يبقى الوضع القائم على الأرض الآن على ما هو عليه”
غير أن آخرون أشاروا إلى صعوبة إملاء أي شروط تتعلق بعملية إعمار سوريا من المانحين الغربيين، وهو ما كشفه الأسد في خطابه الذي ألقاه أغسطس/آب الماضي حين حذر خصومه قائلاً: “لن ندع الأعداء والخصوم والإرهابيين، بأي وسيلة، ينجحون من خلال السياسة في تحقيق ما فشلوا فيه في ميدان المعركة ومن خلال الإرهاب”، ومن ثم فمن الناحية السياسية، ليس للغرب دور يؤديه في هذه العملية، وإن كانت هناك حجج إنسانية محدودة من شأنها أن تدفع هذه الدول للاستثمار في عملية إعادة الإعمار.
وهكذا يبدو أن المشهد السوري يسير حتى كتابة هذه السطور في إطار الرؤية الروسية التي تهدف إلى تدشين مرحلة سياسية جديدة تضم بين طياتها جميع الفصائل دون الإطاحة بالأسد، وإن كانت الأخيرة ليست أمرًا نهائيًا، وهو ما تعاطت معه غالبية القوى والحكومات الداعمة للمعارضة السورية، في محاولة لطي صفحة الصراع المستمر قرابة ما يزيد على 6 سنوات، غير أن تفاصيل تلك المرحلة تحددها تفاهمات الثلاثي (روسيا – تركيا – إيران) وهو ما ستكشف عنه جولات “سوتشي” القادمة.