ترجمة وتحرير: نون بوست
مع اقتراب نهاية سنة 2017، لازالت الكثير من الصراعات الدموية دائرة في أجزاء كثيرة من العالم، ويبدو أن الكثير من الحروب الجديدة تلوح في الأفق. وللحصول على صورة أوضح لما يمكن أن يحدث خلال السنة الجديدة، أجرت مجلة نيوزويك الأمريكية جملة من المقابلات مع خبراء للتعرف على تنبؤاتهم ووجهات نظرهم بشأن الصراعات الجارية في أوكرانيا وسوريا، ومدى إمكانية اندلاع حرب بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية.
الصراع الأوكراني
في الواقع، أدى الصراع بين القوات الحكومية والانفصاليين المدعومين من روسيا في أوكرانيا، منذ سنة 2014، الذي تزامن مع ضم شبه جزيرة القرم، إلى مقتل أكثر من 10 آلاف شخص، من بينهم 2500 مدني. وفي الوقت نفسه، أجبر هذا الصراع قرابة 1.6 مليون شخص على ترك منازلهم. علاوة على ذلك، بات خط الجبهة، الذي يبلغ طوله 285 ميلا، ثالث أكبر منطقة مزروعة بالألغام في العالم، مما ترتب عنه مقتل أو إصابة 103 شخص في الأشهر التسعة الأولى من السنة الحالية، وفقا لما جاء في تقارير وكالة رويترز.
نظرا لأن اهتمام العالم قد انصب على صعود القومية في الدول الغربية، والصراع السوري، فضلا عن اختبارات كوريا الشمالية الصاروخية بعيدة المدى وغيرها من القضايا، وقع تناسي وتجاهل هذه الحرب إلى حد كبير، في حين أنها لا زالت على قيد الحياة.
صرح السفير الأمريكي السابق لدى أوكرانيا، جون هيربست، خلال حوار أجراه مع مجلة نيوزويك، أنه “لا يوجد صراع بين شعب شرق أوكرانيا وحكومته وإنما “حربا روسية ضد أوكرانيا”
أفاد السفير الأمريكي السابق لدى أوكرانيا ومدير مركز دينو باتريسيو أوراسيا التابع للمجلس الأطلسي، جون هيربست، أن هذا النزاع لازال قائما. وأضاف المصدر ذاته أنه “لم يمر يوم واحد منذ شهر نيسان / أبريل 2014، دون حدوث قتال في أوكرانيا. ومنذ ذلك الحين، يتم انتهاك وقف إطلاق النار مرتين أو أكثر يوميا”.
على الرغم من ادعاءات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التي تنفي وجود عدد كبير من القوات الروسية في أوكرانيا، إلا أن هيربست أكد أن هناك عدة آلاف من القوات المنتشرة حاليا في أوكرانيا. وفي الإطار ذاته، أفاد جون هيربست أن “ما يحدث في أوكرانيا يعد حربا روسية ضد أوكرانيا وليس صراع بين شعب شرق أوكرانيا ضد حكومته”. وتابع هيربست أن “الصراع في الوقت الحالي يمر بفترة من الجمود التام والكامل، حيث أثبتت أوكرانيا قدرتها على الصمود أكثر مما كانت تتوقعه روسيا. ويبدو أن الكرملين غير مستعد في الوقت الحالي لشن هجوم شامل”.
فضلا عن ذلك، لا يتوقع هيربست أن هذه الحرب ستنتهي خلال السنة المقبلة، مؤكدا أنها ستستمر لسنوات عديدة وربما لعقد أو عقدين من الزمن، مع العلم أن الأمر يتوقف على الجانب الأوكراني. في الأثناء، ستتعرض روسيا للمزيد من الخسائر نتيجة العقوبات الاقتصادية وسيواجه بوتين العديد من الضغوط لإنهاء التدخل الروسي في أوكرانيا في حال تم إعادة انتخابه في سنة 2018. وأكد جون هيربست أن الشعب الأوكراني الذي يعد جزءا لا يتجزأ من هذا الصراع يدرك جيدا أن روسيا قد افتكت أراضيها وعليهم استرجاعها. وأردف هيربست أن “الحكومة الروسية لا تحظى بدعم جماهيري واسع النطاق في صفوف الشعب الأوكراني، نظرا لأنها حرب بين الكرملين وشعب أوكرانيا وهذا ما يمنح أوكرانيا قوة تفوق الكرملين”.
على الرغم من هزيمة تنظيم الدولة إلى حد كبير في سوريا والعراق، إلا أنه لا يزال يمثل مصدر الكثير من المشاكل
الصراع السوري
لا يزال الصراع الدامي المدمر في سوريا مستمرا منذ أكثر من نصف عقد. ومنذ اندلاع الحرب خلال سنة 2011، أسفرت الحرب عن مصرع أكثر من 400 ألف شخص، وفقا لما ذكرته الأمم المتحدة، في حين باتت سوريا أكبر مُصدر للاجئين في العالم. وفي الوقت الحالي، يوجد حوالي 5.4 مليون لاجئ سوري، وفقا لما ذكرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
في الأثناء، وصف البعض الصراع بأنه “حرب أهلية” لأنها انطلقت على اعتبارها قتالا بين القوات الموالية للرئيس بشار الأسد والمعارضين المناهضين للحكومة. لكن الحرب تطورت بسرعة، لتصبح قضية معقدة وفوضى عارمة تضم فصائل متعددة متنافسة، بما في ذلك الجماعات الجهادية. علاوة على ذلك، تم اتهام الأسد بارتكاب جرائم حرب ضد شعبه.
من جهة أخرى، أوجد تنظيم الدولة الإرهابي في هذا الوضع الفوضوي فرصة لتنمية نفوذه والاستيلاء على أجزاء كبيرة من الأراضي في جميع أنحاء سوريا، فضلا عن العراق. وعلى الرغم من هزيمة التنظيم إلى حد كبير في سوريا والعراق، إلا أنه لا يزال يمثل مصدر الكثير من المشاكل. وحتى اللحظة الراهنة لم يتوقف القتال في سوريا. من جهتهم، يبدو أن الخبراء ليسوا متفائلين إزاء إمكانية توقف الأعمال العدائية في السنة الجديدة.
لا يزال الصراع الدموي المدمر في سوريا مستمرا منذ أكثر من نصف عقد.
ردا على سؤال المجلة حول ما إذا كانت الحرب في سوريا قد تنتهي خلال سنة 2018، قالت الخبيرة الاستخباراتية في معهد دراسة الحرب، جنيفر كافاريلا، خلال حوار مع نيوزويك، إنها تستبعد تحقق ذلك على أرض الواقع، لا سيما أن تنظيم لا يزال لديه الإرادة والقدرة على الاستمرار في تمرده. فضلا عن ذلك، يملك تنظيم القاعدة جيشا في غرب سوريا ويعتزم إعادة الحرب إلى المدن السورية بعد عودة ظهوره في شرق سوريا، معقله التاريخي.
في السياق ذاته، أضافت كافاريلا أن “نظام الأسد يعتمد بالكامل على روسيا والميليشيات الشيعية التي تدعمها إيران لتنفيذ عمليات هجومية ودفاعية على حد السواء. ولكنه في الوقت نفسه لا يزال يعتزم استعادة كل أجزاء البلاد”. وأكدت كافاريلا أنه لا وجود لعملية سلام موضوعية في الوقت الحالي، واصفة “المسار الدبلوماسي” الذى تقف وراءه روسيا وإيران والأسد بأنه ” خدعة” تهدف بالأساس إلى إطالة مدة حكم نظام الأسد بأي وسيلة ممكنة.
وأفادت كافاريلا أن “الأسد لم يبد على الإطلاق أي استعدادا للتفاوض مع المعارضة حول شروط مقبولة، فضلا عن أن الولايات المتحدة لم تتخذ أي خطوة لإجباره على ذلك، وفضلت التراجع وافساح المجال لروسيا وإيران لإنقاذ نظام الأسد. من جانب آخر، يعد دور الولايات المتحدة في الحرب غير واضح المعالم، ولذلك هناك الكثير من الأسئلة التي ستكون الإدارة الأمريكية مجبرة على الإجابة عليها”. وأقرت جنيفر كافاريلا، بأن “المكاسب التي حققتها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة حتى الآن معرضة لخطر التلاشي على المدى القريب. ويمكننا تأمين ما قمنا بالظفر به والبناء عليه، فقط إذا أحسنا تقدير المخاطر وتبعاتها. نحن على مشارف نهاية هذه الحرب، وليس إيجاد حل دبلوماسي لها”.
الأمم المتحدة أصدرت عقوبات اقتصادية قاسية ضد كوريا الشمالية في محاولة لجعلها تتخلى عن برنامجها النووي
التهديد النووي لكوريا الشمالية
منذ أكثر من نصف قرن، كان العداء السمة الطاغية على العلاقات بين كل من الولايات المتحدة وكوريا الشمالية. لكن حدة التوتر قد تفاقمت بين الدولتين بشكل لم يسبق له مثيل خلال سنة 2017، بسبب اختبارات الصواريخ بعيدة المدى التي أجراها نظام كيم جونغ أون في إطار جهوده لتطوير سلاح نووي قادر على بلوغ السواحل الأمريكية. في الوقت نفسه، تواصلت الحرب الكلامية بين الرئيس دونالد ترامب والرئيس الكوري كيم جونغ أون، التي شابتها الكثير من التهديدات والإهانات من قبل كلا الطرفين.
في أواخر شهر تشرين الثاني/نوفمبر، اختبرت كوريا الشمالية أقوى الصواريخ البالستية بعيدة المدى التي صنعتها. ووصل الصاروخ إلى ارتفاع 2800 ميلا، أي أعلى بعشر مرات من محطة الفضاء الدولية، وحلق لمدة 50 دقيقة تقريبا قبل الهبوط في بحر اليابان. وقبل شهرين تقريبا من هذه الحادثة، أجرت كوريا الشمالية، في أوائل شهر أيلول / سبتمبر، تجربتها النووية السادسة والأقوى حتى الآن. ومنذ ذلك الحين، لم تفتأ كوريا الشمالية تهدد بإجراء تجربة نووية سابعة على المحيط الهادئ.
منذ أكثر من نصف قرن، كان العداء السمة الطاغية على العلاقات بين كل من الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، لكن حدة التوتر قد تفاقمت بين الدولتين بشكل لم يسبق له مثيل خلال سنة 2017
تجدر الإشارة إلى أن الأمم المتحدة أصدرت عقوبات اقتصادية قاسية ضد كوريا الشمالية في محاولة لجعلها تتخلى عن برنامجها النووي، في حين واجهت بيونغيانغ جملة من الضغوط من قبل الصين، أكبر شريك تجاري لها وحليفتها المهمة. بيد أن كيم جونغ أون رفض بشكل متعمد التخلي عن طموحاته النووية ويرى أن هذه الأسلحة ضرورية لوقف “الإمبريالية الأمريكية القمعية”.
حيال هذا الشأن، صدر عن البيت الأبيض العديد من الرسائل المتباينة التي تتعلق بهذه المسألة، والتي أثارت حيرة جميع الأطراف المعنيين. ففي حين كان كبار مستشاري ترامب يدافعون عن خيار اللجوء إلى الحلول الدبلوماسية، بادر الرئيس دونالد ترامب بتقويض تلك الجهود من خلال التهديدات التي دأب على الإدلاء بها وتفضيله الواضح للخيارات العسكرية. وقد أثارت التطورات الأخيرة التي شهدتها الحرب الكلامية بين الطرفين قلق الكثيرين إزاء إمكانية اندلاع حرب بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية.
في هذا الصدد، حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس من أن “أسوأ ما يمكن أن يحدث هو أن ننزلق جميعا نحو حرب قد تنطوي على نتائج مأساوية للغاية”. في الوقت نفسه، أعلن السناتور الجمهوري، ليندسي غراهام، خلال الأسبوع الماضي، أن “هناك احتمالاً بنسبة 30 بالمائة تقريبا بأن يشن ترامب حربًا ضد كوريا الشمالية”. ويبدو أن الخبراء من المجتمع الأكاديمي قلقون إلى حد ما من احتمال نشوب حرب خلال سنة 2018.
صرح رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر، أن الغزو البري، الذي من المحتمل أن يحدث في سياق حرب شاملة، سيكون ضروريا للقضاء التام على ترسانة كوريا الشمالية النووية
في شأن ذي صلة، أفاد أستاذ التاريخ الكوري بجامعة كولومبيا، تشارلز أرمسترونغ، خلال مقابلة أجراها مع مجلة نيوزويك، أنه “من غير المرجح أن يكون هناك نزاع بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة خلال سنة 2018، ولكن ذلك لا يزال أمرا وارد، وربما أكثر من أي وقت مضى منذ الأزمة النووية لسنة 1994”. في المقابل، يبدو أرمسترونغ متفائلا بشأن لجوء إدارة ترامب إلى إجراء محادثات مع نظام كيم جونغ أون في بداية السنة الجديدة. وفي هذا السياق، أوضح المصدر ذاته أن “المفاوضات في النهاية ستكون السبيل الوحيد لتجنب الصراع”. وإذا لم تبدأ المحادثات قريبا، يتوقع أرمسترونغ أن تجري كوريا الشمالية المزيد من الاختبارات الصاروخية خلال سنة 2018.
علاوة على ذلك، أفاد أرمسترونغ أن “هدف كوريا الشمالية الأساسي يتمثل في إثبات أن لديها القدرة على ضرب الولايات المتحدة بصواريخ بالستية عابرة للقارات مزودة برؤوس نووية. ولا يزال بعض الشك ينتاب الخبراء بشأن قدرة الصواريخ الكورية الشمالية على معاودة الدخول الغلاف الجوي بأمان وتحمل حمولة نووية. بالتالي، قد يكون هناك المزيد من التجارب الصاروخية ما لم تستأنف المحادثات مع الولايات المتحدة قريبا”.
وأضاف المصدر ذاته أن “الاختبار الأخير ربما جعل الكوريين الشماليين يشعرون بمدى القوة الرادعة التي يملكونها، لذلك قرروا تركيز اهتمامهم أكثر على التنمية الاقتصادية المحلية، التي تمثل الهدف الثاني الرئيسي لسياسة كوريا الشمالية “بيونغين” منذ سنة 2013 الرامية إلى إحراز تقدم في المجال العسكري تزامنا مع تحقيق نمو اقتصادي”. ويعتقد تشارلز أرمسترونغ أن كوريا الشمالية لديها ما يتراوح بين 25 و60 سلاح نووي، في حين أحال أرمسترونغ إلى أن هناك جدلا حول فاعلية القدرات التكنولوجية الكورية الشمالية لإطلاق صاروخ باتجاه السواحل الأمريكية بنجاح.
حيال هذا الشأن، صرح رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر، أن الغزو البري، الذي من المحتمل أن يحدث في سياق حرب شاملة، سيكون ضروريا للقضاء التام على ترسانة كوريا الشمالية النووية. بالإضافة إلى ذلك، حذر العديد من الخبراء من أن الحرب بين الولايات المتحدة وهذه الدولة المارقة من المحتمل أن تؤدي إلى وفاة الملايين. من جانب آخر، خلص تقرير صدر مؤخرا عن دائرة أبحاث الكونغرس إلى أن ما يقارب عن 300 ألف شخص سيلقون حتفهم في الأيام الأولى من القتال وحده، حتى دون استخدام الأسلحة النووية.
المصدر: نيوزويك