ليست المرة الأولى التي تتناول فيها وسيلة إعلام قضية ضلوع حزب الله في تهريب المخدرات والسلاح التي نشرت عنها صحيفة بوليتيكو، لكن الجديد اتهام الرئيس السابق باراك أوباما بتعطيل تحقيق أمريكي كان يتم عن الأمر، وفوت فرصة اعتقال مشتبه بهم، حتى لا يعطل مباحثات الوصول إلى اتفاق نووي مع إيران.
حسب الصحيفة، فإن وكالة مكافحة المخدرات الأمريكية وجدت أدلة على مساعدة حزب الله في إدخال الكوكايين من أمريكا اللاتينية إلى الولايات المتحدة عبر منطقة الشرق الأوسط.
“مشروع كاساندرا”
كان التحقيق الذي تجريه وكالة مكافحة المخدرات الأمريكية معروفًا بمشروع كاساندرا، وبدأ المشروع في 2008، لكن في العام الماضي، تمكنت الوكالة من كشف واعتقال أفراد شبكة تابعة لحزب الله، متورطة في تهريب مخدرات إلى أمريكا وأوروبا، لتستفيد من أرباح هذه التجارة في تمويل تسليحها وحربها في سوريا.
اعتمد المشروع على التحقيقات المرتبطة بقضية البنك اللبناني الكندي التي ربطت تحقيقات أمريكية بينه وبين تمرير أموال لحزب الله، أجهزة أمنية من 7 دول شاركت في العملية، واكتشفت تحويل مبالغ ضخمة من أشخاص لهم علاقة بحزب الله إلى كولومبيا، وأشارت التحقيقات أيضًا إلى تحويل مليار دولار إلى حزب الله سنويًا بهذه الطريقة.
وفجأة توقف المشروع الذي كان قد اقترب من القبض على المسؤولين الكبار عن التهريب، عندما أجل المسؤولون في إدارات العدل والخزانة الأمريكية طلبات التحقيق والملاحقة القضائية، ونتج عن ذلك، عدم القبض على الفنزويليين المتورطين في القضية، في الوقت نفسه كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما مشغولاً بعقد اتفاق مع إيران بشأن المشروع النووي الخاص بالأخيرة.
الرئيس الفنزويلي هوجو تشافيز عمل مع نظيره الإيراني محمود أحمدي نجاد وحزب الله في تجارة المخدرات، لإضعاف النفوذ الأمريكي في المنطقة
بسبب التوقف المفاجئ في المشروع، يصعب تحديد قدر الكوكايين الذي دخل إلى الولايات المتحدة عن طريق هذه الشبكة، ولكن الكمية التي أرسلت من فنزويلا وحدها تقدر بآلاف الأطنان.
وتنقل صحيفة بوليتيكو عن جاك كيلي المشرف على حملة كاساندرا في وكالة مكافحة المخدرات الأمريكية قوله بأن الوكالة كان باستطاعتها توقيف هؤلاء الأشخاص، لو أنهم تلقوا الضوء الأخضر من إدارة أوباما التي يقول إنها “أهملت طلب المساعدة من الوكالة”.
وتتبعت الوكالة خطوات حزب الله، حتى توصلت إلى أحد عملائه ويدعى “الشبح” وهو من أكبر مهربي الكوكايين في العالم، بالإضافة إلى تهريبه السلاح الكيماوي إلى سوريا، يعيش الشبح في بيروت، وكان عملاء مشروع كاساندرا على دراية بتحركات الرجل، ويعرفون المقهى الذي يتجمع فيه هو وأيمن جمعة كل صباح لشرب القهوة ومناقشة تجارة المخدرات وغسل الأموال والسلاح، كما قال مسؤول سابق لبولتيكو.
بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، توثقت العلاقات بين إيران وحزب الله من جهة، وقادة أمريكا اللاتينية من جهة أخرى، تقول نيوزويك إن الرئيس الفنزويلي هوجو تشافيز عمل مع نظيره الإيراني محمود أحمدي نجاد وحزب الله في تجارة المخدرات، لإضعاف النفوذ الأمريكي في المنطقة، وخلال سنوات، ارتفع الاتجار بالكوكايين من فنزويلا إلى الولايات المتحدة من 50 إلى 250 طنًا في السنة، وهو الرقم الذي يذكره مكتب الأمم المتحدة المعني بإحصاءات المخدرات والجريمة.
كانت المخدرات – وفقًا لبولتيكو – تصل إلى أمريكا عبر شبكة دولية، تمر على فنزويلا وكولومبيا ودول غرب إفريقيا
في المقابل كان جون برينان مستشار الرئيس أوباما لشؤون مكافحة الإرهاب ومدير وكالة المخابرات المركزية السابق، لديه اهتمام ببناء علاقات مع إيران واستيعاب حزب الله في العملية السياسية اللبنانية وبناء عناصر معتدلة داخل الحزب، وعندما قبضت التشيك في 2014 على العضو في الحزب علي فياض، لم تضغط أمريكا – حسب بوليتكو – بشكل كافٍ على التشيك لتسليم الرجل الذي يتهم بالتخطيط لقتل موظفي الحكومة الأمريكية وتوريد الأسلحة إلى سوريا، بعدها عامين، سلمت التشيك فياض إلى لبنان.
برر مسؤولون في إدارة أوباما الأمر بأنه محاولة لإطلاق سراح أمريكيين محتجزين في طهران، وأنهم أدانوا تسليم التشيك فياض إلى لبنان، وتضيف نيوزويك بأن ما حدث لمشروع كاساندرا يوضح مدى تنافس جداول الأعمال بين وكالات الإدارة الأمريكية وتضارب الأولويات بينها.
تعتقد الوكالة أن علي فياض الذي كان يعمل مع الشبح، له صلة أيضًا بعبد الله صفي الدين، ويعيش فياض في أوكرانيا، ويعتقد أن له دورًا كبيرًا في توفير الأسلحة للميليشيات الشيعية في العراق، بما في ذلك من خلال شبكة العبوات الناسفة.
أما صفي الدين – ابن عم حسن نصر الله – فهو مبعوث حزب الله إلى إيران، وحلقة الوصل بين نصر الله وإيران، وكان يشرف على جهود حزب الله لمساعدة إيران على شراء أجزاء وتكنولوجيا لبرامجها النووية والصواريخ البالستية السرية، سعى القائمون على مشروع كاساندرا للتحقيق مع صفي الدين ومقاضاته، ورفضت وزارة العدل الأمريكية كما يشير موقع بوليتيكو.
في 2008، نفس سنة انطلاق المشروع قالت السلطات الكولومبية إنها اعتقلت أشخاص بتهمة تهريب مخدرات وغسل أموال تخص حزب الله
كيف حدث ذلك؟
بينما يقول حسن نصر الله إن حزبه لا يحتاج إلى جمع الأموال من خلال المخدرات، مبررًا ذلك بأن إيران تقدم كل ما يحتاجه من أموال، قال ابن عمه صفي الدين لوكالة الأنباء الفرنسية في 2005: “نحن لسنا بحاجة لتسليح أنفسنا من طهران، لماذا تجلب الأسلحة من إيران عبر سوريا عندما نستطيع شراءها من أي مكان في العالم؟”.
ربما كان ذلك ما يحدث بالفعل، فيشير تحقيق بولتيكيو أن طائرة تجارية كانت تقلع من فنزويلا كل أسبوع منذ 2007، وتذهب إلى طهران بعد أن تمر بدمشق، وهي محملة بالنقود والمخدرات، بينما كانت رحلة العودة تحمل أسلحة ونشطاء إيرانيين، تزودهم فنزويلا بوثائق مزورة وينتشرون في أرجاء القارة.
كانت المخدرات – وفقًا لبولتيكو – تصل إلى أمريكا عبر شبكة دولية، تمر على فنزويلا وكولومبيا ودول غرب إفريقيا، حيث ترسل المخدرات إلى أمريكا عبر فنزويلا، وتعود قيمتها في سيارات مستعملة من أمريكا إلى غرب إفريقيا، وترسل عوائدها إلى حزب الله عبر البنوك، وتصل إلى أوروبا عبر الشبكة نفسها، لكن بشكل آخر، حيث ترسل المخدرات من فنزويلا إلى غرب إفريقيا، ومنها إلى هناك.
الحزب متهم من المشروع
قبل بدء مشروع كاساندرا أصلاً، كانت اتهامات الاتجار بالمخدرات تلاحق حزب الله، ففي 2008، نفس سنة انطلاق المشروع، قالت السلطات الكولومبية إنها اعتقلت أشخاص بتهمة تهريب مخدرات وغسل أموال تخص حزب الله، نفى حزب الله تورطه واعتبر هذه الاتهامات “أكاذيب كانت ولا تزال جزءًا من حملة صهيونية لتشويه صورة المقاومة والنهج المقاوم”.
تشير أصابع اتهام المتابعين الأمريكيين لأوباما بالتقصير، وتشير مثيلتها العربية إلى الرجل، للتدليل على جدية الرئيس دونالد ترامب في اتخاذ مواقف حاسمة ضد إيران وحزب الله
صادرات الشرطة خلال هذه العملية نحو 470 ألف دولار و360 كيلوغرامًا من الكوكايين و5 كيلوغرامات هيروين وكمية مجوهرات، بالإضافة إلى قارب وطائرتين، واتهمت 3 لبنانين وأردنيين بعمل شركات وهمية لإرسال عائد تجارة المخدرات إلى حزب الله، بعدها بثلاثة أعوام اعترف تاجر المخدرات الكولومبي وليد مقلد بالتعاون مع الحزب في تهريب المخدرات.
في 2008 أيضًا، اعتقلت السلطات الأمريكية فايد بيضون في مطار ميامي الدولي، متهمة إياه بتجارة الكوكايين لصالح حزب الله، قبلها بعامين، وضعت السلطات الأمريكية صبحي فياض على قوائم الإرهاب لتورطه بتجارة المخدرات لصالح الحزب.
وتنقل المواقع أن الإكوادور قالت إنها ألقت القبض على مجموعة يقودها لبناني يدعى راضي زعيتر في 2005، حيث تساهم المجموعة بـ70% من الأرباح لصالح حزب الله، نفى الحزب صلته بهذه المجموعة، لكن بعد ذلك ظهرت صور تجمع زعيتر مع مقاتلي حزب الله في سوريا، ونفى الحزب صحة الصور أيضًا.
اتهامات للطرفين
نشرت “بي بي سي” في شهر مايو الماضي تحقيقًا عن تجارة المخدات في لبنان، وظهر في هذا الفيديو شخص يدعى علي نصري شمص، يطلق عليه لورد المخدرات، تحدث الرجل بأريحية عن تصدير المخدرات إلى أمريكا، لم يظهر تحقيق “بي بي سي” علاقة مباشرة بين الرجل وحزب الله، لكن مراقبين يرون أن الرجل الذي يعيش في مناطق نفوذ الحزب، ما كان له أن يتكلم بهذه الطريقة دون أن يتمتع بحماية.
اتهام الحزب بهذه التجارة ليس مرتبطًا بمشروع كاساندرا فقط، وليست أمريكا المدعية الوحيدة على حزب الله فيه، لكن متابعة القصة لن تقتصر على هؤلاء فقط، فمع نشر تحقيق بولتيكو، تشير أصابع اتهام المتابعين الأمريكيين لأوباما بالتقصير، وتشير مثيلتها العربية إلى الرجل، للتدليل على جدية الرئيس دونالد ترامب في اتخاذ مواقف حاسمة ضد إيران وحزب الله.