تصاعد منسوب التفاؤل بشأن وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب على غزة التي وصلت يومها الـ204، وذلك بعد إعلان حركة حماس الموافقة على مقترح التهدئة الذي قدمه الوسطاء، لكن الأجواء الإيجابية انتهت بقصف قوات الاحتلال مدينة رفح جنوبي القطاع، وإيقافها حركة المسافرين ودخول المساعدات إلى مناطق القطاع كافة من خلال معبري رفح وكرم أبو سالم.
كانت الحركة أعلنت الإثنين 7 مايو/أيار 2024 أن رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية أبلغ هاتفيًا رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ورئيس المخابرات العامة المصرية عباس كامل، بموافقة الحركة على مقترحهما بشأن اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى مع الجانب الإسرائيلي، وهو الإعلان الذي قوبل بأفراح عارمة داخل غزة وترحيب شديد من الوسطاء وبعض القوى الإقليمية.
ورغم اعتبار حكومة الاحتلال بأن رد حماس بعيد عن مطالبها، تعهدت بإرسال وفد التفاوض إلى القاهرة في الوقت الذي أعلنت فيه وزارة الخارجية القطرية أن وفدها سيتوجه اليوم إلى العاصمة المصرية لاستئناف المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين عبر الوسطاء، وذلك بمشاركة رئيس المخابرات المركزية الأمريكية الموجود حاليًا في الدوحة والمتوقع أن يزور تل أبيب خلال ساعات لإنقاذ المفاوضات.
بتلك الموافقة بعثرت حماس كل أوراق نتنياهو، وحشرت حكومته في زاوية ضيقة، بعدما ألقت الكرة بكامل محيطها في ملعب الحكومة، لتعمق أزمتها التي من المتوقع أن تتفاقم أيًا كان الرد على الخطوة الحمساوية، قبولًا أو رفضًا، وهو ما يفسر حالة “الارتباك” التي بدا عليها قادة الاحتلال بعد دقائق قليلة من إعلان حماس قبولها لمقترح الوسطاء.
#تغطية_مباشرة – #حماس تعلن موافقتها على مقترح الوسيطين القطري والمصري لوقف إطلاق النار#حرب_غزة https://t.co/LYzaHXtg0g
— قناة الجزيرة (@AJArabic) May 6, 2024
تفاصيل الاتفاق الذي وافقت عليه حماس
وفق ما نشرته بعض وسائل الإعلام، فإن الاتفاق الذي قدمه الوسيطان، المصري والقطري، ووافقت عليه حماس، ينطلق من مرتكز عودة الهدوء المستدام للقطاع وإطلاق سراح جميع الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين لدى المقاومة، مدنيين وعسكريين، من هم على قيد الحياة ومن قُتل منهم (بعد التعرف على جثثهم)، مقابل عدد من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، لم يتم الاتفاق بعد على عددهم وهويتهم، بجانب إنهاء الحصار وانسحاب القوات المحتلة من قطاع غزة.
ويتكون الاتفاق الإطاري من 3 مراحل متصلة ومترابطة، كل مرحلة (42 يومًا)، الأولى تتضمن وقفًا مؤقتًا للعمليات العسكرية بين الطرفين وانسحاب القوات الإسرائيلية شرقًا وبعيدًا عن المناطق المكتظة بالسكان إلى منطقة بمحاذاة الحدود في جميع مناطق قطاع غزة (بما في ذلك وادي غزة – محور نتساريم ودوار الكويت) على أن تُطلق حماس سراح 33 من المحتجزين الإسرائيليين (أحياء أو جثامين) من نساء (مدنيات ومجندات) وأطفال (دون سن 19 من غير الجنود) وكبار السن (فوق سن 50) والمرضى، مقابل عدد من الأسرى في السجون والمعتقلات الإسرائيلية.
#عاجل | نيويورك تايمز عن مصادر مطلعة: حماس أبلغت المفاوضين أن رفات الرهائن الموتى ستكون من بين عملية الإفراج الأولى#حرب_غزة pic.twitter.com/44gkqiK1lE
— قناة الجزيرة (@AJArabic) May 7, 2024
أما المرحلة الثانية فتتضمن الإعلان عن عودة الهدوء المستدام (وقف العمليات العسكرية والعدائية بشكل دائم) وبدء سريانه قبل تبادل المحتجزين والأسرى بين الطرفين، مقابل إطلاق سراح جميع من تبقى من الرجال الإسرائيليين الموجودين على قيد الحياة (المدنيين والجنود)، مقابل عدد يتفق عليه من الأسرى في السجون الإسرائيلية ومن المعتقلين في معسكرات الاعتقال الإسرائيلية، وانسحاب القوات الإسرائيلية بالكامل خارج قطاع غزة.
فيما تتضمن المرحلة الثالثة والأخيرة تبادل جثامين ورفات الموتى لدى الجانبين بعد الوصول لهم والتعرف عليهم، ثم البدء في تنفيذ خطة إعادة إعمار قطاع غزة لمدة من 3 إلى 5 سنوات بما يشمل البيوت والمنشآت المدنية والبنية التحتية، وتعويض كل المتضررين بإشراف عدد من الدول والمنظمات، على أن تكون قطر، مصر، الولايات المتحدة، والأمم المتحدة هي الجهات الضامنة لهذا الاتفاق.
نظرة عن كثب
تجدر الإشارة إلى أن ما تضمنه الاتفاق من بنود وتفاصيل ليس بالأمر الجديد ولا المفاجئ، فمعظم تلك البنود تم تضمينها في مقترحات سابقة، لكنها لم تسفر حينها عن قرارات جدية من الطرفين، وكانت وسائل إعلام عبرية قد سربت خلال الآونة الأخيرة تنازلات قدمتها حكومة نتنياهو بشأن شروطها المسبقة التي كانت تريد من خلالها صفقة مجانية مع حماس، في محاولة لتبرئة ساحتها أمام الرأي العام الداخلي والعالمي الضاغط عليها.
من ناحية أخرى فإن المقترح المقدم للحركة من الوسطاء لا يمكن بأي حال من الأحوال ألا يكون قد عُرض ابتداء على الولايات المتحدة، وحصل على موافقتها كذلك، خاصة أن مدير جهاز الاستخبارات الأمريكية كان قد ناقش هذا الأمر مع الجانب المصري والقطري خلال زياراته المكوكية للبلدين خلال الآونة الأخيرة، كذلك من المستبعد ألا يكون لدى الجانب الإسرائيلي رؤية وتصور كامل عن هذا المقترح وبنوده تفصيلًا، فمن الصعب أن يخفي الأمريكي عن حليفه مسألة كهذه.
وكان نائب رئيس حركة حماس، خليل الحية، قد أكد هذا الأمر خلال مقابلة له مع قناة الجزيرة أشار خلالها إلى أن الوسطاء، مصر وقطر، أبلغا الحركة بأن الرئيس الأمريكي جو بايدن “يلتزم التزامًا واضحًا بضمان تنفيذ الاتفاق”، ما يعني أنه قد اطلع ووافق عليه وأقر عرضه على الحركة.
ومن ثم فإن أي حديث يتردد حول عدم معرفة تل أبيب أو واشنطن بتفاصيل هذا المقترح، وأنهم بحاجة لدراسته وإجراء مناقشات بشأنه لتقييم محتواه وبعض بنوده، وأنه لا يلبي طموحاتهم وطلباتهم، هو حديث يفتقد للموضوعية، وكاشف لاستراتيجية المراوغة والتملص التي يتبناها الكيان وحليفه.. إذًا ما الذي حدث؟
#تغطية_مباشرة – #حماس تعلن موافقتها على مقترح الوسيطين القطري والمصري لوقف إطلاق النار#حرب_غزة https://t.co/LYzaHXtg0g
— قناة الجزيرة (@AJArabic) May 6, 2024
حماس تبعثر أوراق نتنياهو
على مدار الأشهر الماضية، وأمام أمواج الاحتجاجات العنيفة ضد حكومة نتنياهو وإدارة بايدن، بسبب الحرب في غزة، كانت السردية التي يرددها قادة الحكومتين للخروج من هذا المأزق، وتخفيف حدة هذا الهجوم، تتمحور حول تحميل حماس مسؤولية عرقلة أي اتفاق تهدئة، فأكثر من مرة قال نتنياهو وبايدن إن الكرة في ملعب الحركة وأن بيدها تهدئة الأمور إذا أرادت.
أعطت تلك السردية الضوء الأخضر لجيش الاحتلال لمواصلة عملياته الإجرامية، بحجة أنها السبيل الوحيد للضغط على حماس لإرغامها على قبول ما يعرض عليها من مقترحات، وهي السردية ذاتها التي استندت إليها إدارة بايدن لتقديم كل أوجه الدعم للاحتلال رغم الاحتقان الشعبي ومعارضة التورط في حرب الإبادة التي تشنها “إسرائيل” ضد أطفال ونساء غزة.
تناغم هذا الخطاب وتلك الوضعية مع رغبة نتنياهو (المختطف من اليمين المتطرف بحسب وصف القائد الأسبق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية عاموس يدلين) الرافض لأي اتفاق تهدئة، والباحث عن مزيد من التصعيد، أفقيًا (عبر توسيع جبهات الصراع ليشمل إيران ولبنان وسوريا والعراق واليمن) ورأسيًا (من خلال المزيد من التنكيل والإجرام والتدمير)، يؤجل به حسم مصيره السياسي المتيقن أنه مربوط بنهاية تلك الحرب والتوصل لاتفاق.
المتحدث باسم الخارجية الأميركية: كنا نـأمل أن توافق حماس على مقترح اتفاق وقف إطلاق النار، ولا يمكننا دعم أي عملية عسكرية في #رفح pic.twitter.com/3qnjT5zxKA
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) May 6, 2024
وعليه جاء الإعداد لعملية اجتياح رفح، التي كان يراهن عليها نتنياهو، إما في الضغط على حماس فترغمها على تقديم تنازلات تمنحه النصر المأمول، بما يجمل صورته ويحمي مستقبله السياسي، وإما يشعل بها الموقف، فيقضي نهائيًا على الحل السياسي كخيار على طاولة الحرب، لتبقى الأوضاع على مستوياتها الملتهبة إلى ما لا نهاية.
وبينما كان يستعد للعملية فعليًا، وبعدما أرسل جيشه منشورات ورسائل تحذير لسكان رفح بالنزوح إلى ما أسماها “المنطقة الإنسانية” بالنواصي شرق القطاع، إذ بحماس ترد على مقترح الوسطاء بالموافقة، لتبعثر بهذا الرد كل أوراق رئيس الوزراء المأزوم، وتربك كل حساباته، وتضعه في مأزق لم يتعرض له من قبل.
بالنسبة لحماس.. ماذا يعني قبول المقترح؟
مجرد قبول حماس مقترح الوسطاء بعد أشهر من تعثر المفاوضات والمباحثات، وإرغام الاحتلال على تقديم بعض التنازلات، يمكن أن يحقق عددًا من النقاط التي تكسب بها المقاومة أرضية جديدة في مسار إدارتها السياسية الجيدة للمعركة منذ بدايتها:
أولا: تنسف حماس بتلك الموافقة السردية التي تتهمها بعرقلة المفاوضات وأنها حجر العثرة الوحيد أمام التوصل إلى اتفاق تهدئة.
ثانيًا: تخفف من الضغوط الممارسة على الوسيطين، المصري والقطري، من الجانب الأمريكي للضغط على حماس وفصائل المقاومة من أجل تقديم تنازلات والرضوخ لاتفاق التبادل، وترفع الحرج عنهما أمام المجتمع الدولي.
ثالثًا: ألقت حماس الكرة في ملعب حكومة الاحتلال، لتؤكد أنها السبب الرئيسي وراء عرقلة أي اتفاقات، وأنها لا تريد التهدئة ولا تضع ملف الأسرى في حساباتها، كما تزعم وتردد في خطابها لعائلات المحتجزين، وهو ما عبرت عنه الحركة صراحة بتصريحها الصادر صباح اليوم والذي قالت فيه إن “اقتحام المعبر بعد موافقتنا على مقترح الوسطاء يؤكد نية الاحتلال تعطيل جهود الوساطة لوقف إطلاق النار من أجل مصالح شخصية لنتنياهو وحكومته المتطرفة”.
رابعًا: أسقطت المقاومة بقرارها الادعاءات التي كان يرددها المحتل وحلفاؤه في المنطقة لتجريدها من حاضنتها الشعبية عبر ترديد أكاذيب على شاكلة أنها تنفذ أجندات خارجية وأن الشعب الفلسطيني في غزة لا يعنيها مطلقًا، لتؤكد أنها ما رفضت في السابق ولا وافقت اليوم إلا حماية لحقوق الفلسطينيين ودفاعًا عنها وترسيخًا لمرحلة جديدة يكون فيها الفلسطيني ندًا في مواجهة الإسرائيلي.
خامسًا: وضعت حماس المجتمع الدولي بأكمله في موقف حرج، واختبار صعب لشعاراته وتصريحاته بشأن ضرورة التوصل إلى قرار لوقف إطلاق النار وإنهاء حالة الحرب في غزة، فها هي المقاومة قد وافقت على المقترح.. فماذا عن الجانب الإسرائيلي؟ وهل يمارس المجتمع الدولي ذات الضغوط على “إسرائيل” التي كان يمارسها على المقاومة؟
سادسًا: أثبتت المقاومة الفلسطينية أنها كيان منظم، قادر على إدارة أي معركة، سياسيًا وعسكريًا ودبلوماسيًا، وليس فصيلًا مسلحًا يفتقد للخبرات السياسية كما يردد خصومه، ما يعني أنها مؤهلة تمامًا لتولي مسؤولياتها في القطاع مستقبلًا على المستويات كافة.
حكومة الاحتلال في مأزق
بداية لا بد من الإشارة إلى أن صدمة الاحتلال ليست بسبب بنود الاتفاق قدر ما هي بسبب موافقة حماس من الأساس، والتي كانت مستبعدة بالنسبة للمفاوض الإسرائيلي، هذا بخلاف التوقيت الحساس، قبيل بدء عملية رفح التي يراهن عليها نتنياهو في إشعال الموقف وإرباك المشهد.
ومن ثم فإن موافقة حماس على المقترح ستعمق من مأزق حكومة الاحتلال ويضعها في زاوية ضيقة، وأيًا كانت سيناريوهات الرد، إيجابًا أو سلبًا، سيصطدم نتنياهو إما باليمين المتطرف في حكومته مما يهدد تماسكها ويسرع من انهيارها، وإما يجد نفسه في مواجهة العالم والمجتمع الدولي، وفي النهاية لن يجد سبيلًا من الرضوخ مهما طال أمد العناد.
السيناريو الأول: القبول بالمقترح الذي وافقت عليه حماس وهو ما يعني خسارة دعم اليمين المتطرف لحكومته، وعلى رأسه وزيرا الأمن القومي والمالية، بن غفير وسموتريتش، اللذان هددا قبل ذلك بالانسحاب من الحكومة إذا قبل نتنياهو أي اتفاق لوقف إطلاق النار قبل تحقيق الحرب أهدافها كاملة على حد تعبيرهما.
السيناريو الثاني: رفض المقترح والإصرار – رغم التحذيرات – على اجتياح رفح بشكل كامل، وهو ما سيضع حكومة الاحتلال في مواجهة المجتمع الدولي بأكمله، خاصة بعد إعلان أعضاء مجلس الحرب بالإجماع المضي قدمًا في عملية رفح بصرف النظر عن رد حماس.
إذ إن استمرار دعم حلفاء الكيان المحتل له رغم رفضه مقترح الهدنة واتفاق وقف إطلاق النار سيضع حكومات تلك الدول في حرج سياسي وأخلاقي أمام شعوبها من جانب، والرأي العام العالمي من جانب آخر، خاصة بعدما أسقطت حماس بقبولها للمقترح حجج تلك الأنظمة في دعم “إسرائيل”.
ذهب نتنياهو و"نصره المطلق" إلى الجحيم.
هنا أدناه نص الاتفاق الذي وافقت عليه "حماس".
رفض نتنياهو وارد، لكنه سيشتبك مع الأمريكان في هذه الحالة.
هو كاذب وسافل، ويمكن أن يتراجع إذا ضمن له الأمريكان البقاء.
في أي حال هذا انتصار تحقق ببطولات أسطورية من أبطال عظماء، وصمود أسطوري من…
— ياسر الزعاترة (@YZaatreh) May 6, 2024
وكان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي، قد قال إن بلاده تعمل حاليًّا على مراجعة رد حماس على الصفقة وستناقشه مع شركائها في المنطقة، لافتًا خلال مؤتمر صحفي له مساء أمس الإثنين إلى أنهم كانوا بانتظار رد المقاومة، لكنهم لم يعلموا متى سيكون، وتابع “تم إطلاع الرئيس بايدن على رد حماس وسنقيّمه ونبحث مضامينه، وعلينا مواصلة التفاوض عبر قطر من أجل إعادة الرهائن”.
ويواجه بايدن وإدارته انتقادات حادة من الشارع الأمريكي بسبب دعمه اللا محدود لـ”إسرائيل” في حربها ضد غزة، فبجانب انتفاضة الجامعات والمدارس الأمريكية والتي تجاوز حدود البلاد إلى جيرانها الأوروبيين، فقد بعث 100 موظف بالكونغرس دعوة للرئيس وأعضاء الكونغرس للمطالبة بوقف فوري للهجوم الإسرائيلي على رفح قبل فوات الأوان، حسبما قال موقع “أكسيوس” الأمريكي.
كما شدد مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، على ضرورة إنهاء القتال وحذر من اجتياح رفح قائلًا: “نحن على مشارف أزمة إنسانية كبرى”، وهو ما حذر منه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي قال إن العملية البرية التي تلوح بها “إسرائيل” جنوب غزة أمرًا “لا يُحتمل بسبب عواقبه الإنسانية المدمّرة وتأثيره المزعزع للاستقرار في المنطقة”.
عملية رفح.. اللعب بآخر الأوراق
يبدو أن قبول حماس لمقترح الوسطاء قد أصاب كل الأطياف السياسية الإسرائيلية بحالة من الذهول والصدمة، يتساوى في ذلك المتطرفون والمحافظون، فمن المرات النادرة أن يتفق مجلس الحرب بكامل أعضائه على عملية رفح، رغم تحفظ بعضهم قبل ذلك على تلك الخطوة، وعلى رأسهم الوزير في الحكومة بيني غانتس الذي كان يميل إلى التهدئة نسبيًا، وأحد الذين يتبنون استراتيجية تأجيل القتال من أجل إطلاق سرح الأسرى.
ومن الواضح أن إعلان حركة المقاومة قبولها للمقترح المقدم، وبهذا الشكل المفاجئ، ودون إخبار الجانب الإسرائيلي إلا بعد ساعة كاملة من إصدار حماس بيانها، قد فرض شعورًا بأن “إسرائيل تم التلاعب بها” من الوسطاء – بما فيهم أمريكا – الذين صاغوا “صفقة جديدة” لم يكونوا شفافين بشأنها، حسبما نقل موقع “أكسيوس” عن ثلاثة مسؤولين إسرائيليين.
ومن هنا لم يجد نتنياهو وحكومته بحوزتهم من أوراق ضغط إلا ورقة رفح، آملين أن تُحدث شيئًا من التوازن في المعادلة التي تميل في مجملها لصالح المقاومة بعد فشل الاحتلال في تحقيق أهدافه، وبات مرغمًا – أمام الضغوط الداخلية والخارجية والفشل الميداني – على الرضوخ لاتفاق يراه اعترافًا صريحًا بهزيمته في تلك المعركة الطويلة.
قال مكتب نتنياهو إن "مجلس الحرب قرر بالإجماع استمرار العملية في ر#فح للضغط على حمـ،ـاس لتحرير الأسرى وتحقيق أهداف الحرب".
📍وأضاف البيان: "رغم أن مطالب حمـ،ـاس بعيدة عن مطالبنا سنرسل وفدا للقاء الوسطاء في القاهرة لبحث التوصل إلى صفقة مقبولة". pic.twitter.com/CGw5yf8jZ4
— نون بوست (@NoonPost) May 6, 2024
يعلم نتنياهو أن اجتياح رفح بالشكل والطريقة التي يروج لها اليمين المتطرف، ستقلب العالم على رأسه، وستؤجج مشاعر الغضب والكراهية ضد الكيان المحتل، وتضع مصالحه ومصالح الحلفاء في مختلف المناطق في مرمى الاستهداف، خاصة بعد تنامي الخطاب العالمي الداعم لغزة والمندد بالحكومة الإسرائيلية، لكنه في الوقت ذاته بات مضطرًا لتنفيذ هذه العملية، هربًا من ضغوط اليمين المتطرف من جانب، وحفاظًا على صورته وسمعته من جانب آخر.
ومن ثم يحاول رئيس وزراء الاحتلال وحكومة الحرب من خلال عملية رفح التي لم تزل في بدايتها، ممارسة المزيد من الضغط على حماس والوسطاء، لا سيما مصر التي يتحرش بحدودها، لإحداث بعض التغييرات في بنود المقترح المقدم، من أجل الخروج بصيغة تحفظ ماء وجه الكيان وفي الوقت ذاته تُرضي نهم الداخل الإسرائيلي، وهي المعادلة القابلة نسبيًا للتحقق.
ورغم ما يتوقعه البعض من ارتكاب الاحتلال مجازر قاسية في رفح، فن المرجح أنه سيناور بتلك الورقة قدر الإمكان، لتحقيق أكبر قدر ممكن من الضغوط لكسب نقاط إيجابية في نص الاتفاق النهائي بعد جولة المفاوضات المتوقع أن تنطلق اليوم في القاهرة.
في ضوء ما سبق، وبعدما أبدت حماس حسن نيتها، وأسقطت كل الادعاءات السابقة بشأن عرقلة المفاوضات، فإن الكرة الآن في ملعب الوسطاء والولايات المتحدة والمجتمع الدولي لممارسة ضغوطهم القوية لإخضاع الاحتلال للمقترح المقدم، مع الوضع في الاعتبار بقاء المقاومة على خط المواجهة، حتى لا يروج الاحتلال لسردية أن الموافقة على المقترح تعني الاستسلام ورفع الراية البيضاء، وبما يؤكد أن القرار جاء من منطلق قوة، وأنه اتخاذه تم على أرض صلبة، قادرة من خلالها حماس ورفيقاتها مواصلة الحرب وتكبيد الاحتلال خسائر فادحة، وهو ما أكدته كتائب عز الدين القسام بقصفها قوات الاحتلال، المتوغلة شرق معبر رفح، بقذائف هاون من العيار الثقيل.