بينما كان من المنتظر أن يقدِم حزب العدالة والتنمية على طرح فكرة التحالف مع الحزب القومي الأكبر في تركيا “حزب الحركة القومية”، أقدم الأخير على طرح هذه الفكرة، مُطلقًا على هذا التحالف اسم “تحالف أو اتفاق الجمهور”.
وعلى الرغم من أن زعيم حزب الحركة دولت باهجلي، رفض التصريح بوجود تحرك فعلي في هذا الإطار، بيّن في إحدى تصريحاته، صيغة الاتفاق المُحتمل بأن يدخل كل حزب باسمه، لكن تتم عملية توزيع الأصوات داخل البرلمان في إطار تحالف حزبي يجمع بينه وبين حزب العدالة والتنمية.
وردًا على هذا المقترح، صرح رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم، في أكثر من مناسبة، بأن حزبه يأمل في صياغة معادلة تضمن تحالف حزبه والقوميين.
إن دوافع الحزب القومي في التحالف مع حزب العدالة والتنمية، تأتي في ضوء “رد الجميل” لحكومة حزب العدالة والتنمية التي وقفت إلى جانب زعيمه دولت باهجلي، عندما خرج تيار إصلاحي داخل الحزب يُريد عزله، كما يلعب تخوفه من انتصار هذا التيار الذي أسس حزب باسم “حزب الخير” وبقيادة ميرال أق شينار، في الانتخابات القادمة، دورًا أساسيًا في هذا التحرك.
في ضوء الاستقراء العملي للتحالف المحتمل وفقًا للنظرية المذكورة، نرى أن السياسة الخارجية التركية قد تتجه، نسبيًا، صوب نسج سياسات نسبية على الصعيد الخارجي، أي سياسات تتسم بصبغة تنافسية مع القوى الإقليمية والدولية
ويشارك حزب العدالة والتنمية الحزب القومي التخوف ذاته، الأمر الذي يجعله بحاجة لبناء هوية وقيم سياسية جديدة تجمع ما بين القومية والوطنية والمحافظة، عقب التدهور الاقتصادي الذي شهدته تركيا الذي أدى إلى نفاد قدرة حزب العدالة والتنمية في إقناع الجمهور التركي عبر مكتسبات النفعية الاقتصادية الفردية والكلية “المجتمعية” على حدٍ سواء.
وفيما يتعلق بالتداعيات المُحتملة لهذا التحالف، إن حصل، فهي كثيرة، لكن أهمها:
أولًا: حصول حزب العدالة والتنمية على نسبة 50% أو أكثر في الانتخابات: كانت أسوأ نتيجة انتخابية ربما تمر على حزب العدالة والتنمية منذ وثوبه للسلطة في تركيا عام 2002، هي نتائج انتخابات 7 من حزيران/يونيو 2015 التي حصل فيها على ما نسبته 40.9%.
وفي الانتخابات الأخيرة التي أُجريت في 1 من تشرين الثاني/نوفمبر 2015، حصل حزب الحركة القومية على نسبة 11.9%، وفي تحالفهما احتمال كبير أن يحصل حزب العدالة والتنمية على ما هو أكثر من 50%.
ثانيًا: ارتفاع وتيرة هيمنة “الآخرية” نسبيًا: نظرية الآخرية هي إحدى نظريات علم السيكولوجيا الاجتماعية، وتشرح، كثيرًا، النفسية للفرد الذي يميز نفسه عن الآخرين بصفات متأصلة عضوية كالعرق أو اللون أو أنساق اجتماعية كالنوادي والجمعيات والأحزاب، بما يشكل له هوية تربطه بآخرين بروابط مشتركة مع مجموعةٍ ما، عبر قواعد ذهنية تُحدد له أن يكون جزءًا من هذه المجموعة، وأن الآخر خارج هذه المجموعة.
في سياق محاولتها لاستقطاب الأصوات القومية، قد تجد الحكومة التركية بدًا في اتباع أوسع لسياسات الأهلانية التي تعني تأسيس المواقف السياسية على أسس دعم مصالح السكان الأصليين على حساب المهاجرين
لكن تظهر الآخرية بشكل أكبر في سياق الهوية القومية، وتتسم الآخرية القائمة على مسار الهوية القومية برغبتها في أن يحتل منظور الفكر القومي مساحة كافية في رسم العلاقات الخارجية للدولة، أي أن يتم صياغة هوية السياسة الخارجية وسلوكياتها طبقًا لمعطيات الفكر القومي، وذلك استنادًا لمراقبة رد فعل الآخر أي الدول الأخرى.
وفي ضوء الاستقراء العملي للتحالف المحتمل وفقًا للنظرية المذكورة، نرى أن السياسة الخارجية التركية قد تتجه، نسبيًا، صوب نسج سياسات نسبية على الصعيد الخارجي، أي سياسات تتسم بصبغة تنافسية مع القوى الإقليمية والدولية.
ويُفسر ذلك أصلًا التوجه الذي تسير عليه الحكومة التركية في أزمتها مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فهي، على ما يبدو، تنطلق من بواعث تخاطب الروح القومية للمواطن، وهذا ما قد يدفع حكومة العدالة والتنمية لتبني التزام أكبر بمبادئ أكثر براغماتية لصالح هويتها القومية ومصالحها على حساب مشاريع التكامل الإقليمي أو الفسيفسائي الحضاري التي كانت تسعى لنسجها خلال فترة تولي أحمد داوود أوغلو وزارة الخارجية ومن ثم رئاسة الوزراء.
ثالثًا: ارتفاع سياسة الأهلانية نسبيًا: تعني الأهلانية أن تقوم الحكومة برعاية مصالح مواطنيها أكثر من المهاجرين، وفي الحقيقة، الحكومة ترعى هذا المبدأ، لكن بالتزامن مع اشتعال شرارة الأزمة السورية، اتجهت الحكومة التركية مضطرةً صوب تقديم خدمات اجتماعية مجانية إلى اللاجئين أو “الضيوف” السوريين، الأمر الذي أثار امتعاض عدد واسع من المواطنين الأتراك.
حزب العدالة والتنمية سيصبح مضطرًا لمخاطبة أو مجاملة القواعد الشعبية القومية على نحو نسبي
وفي سياق محاولتها لاستقطاب الأصوات القومية، قد تجد الحكومة التركية بدًا في اتباع أوسع لسياسات الأهلانية التي تعني تأسيس المواقف السياسية على أسس دعم مصالح السكان الأصليين على حساب المهاجرين.
وقد يُترجم ذلك من خلال تخفيف حجم الخدمات المُقدمة للمهاجر أو التركيز على استقبال المهاجرين ذوي خلفية العرق التركي كالأيغور والأهيسكا أو تخفيف حجم المساعدات المُقدمة للاجئين وتخفيف الامتيازات المُقدمة لهم جزئيًا، أو من خلال التركيز على الخطابات القومية.
رابعًا: اتساع نطاق الخطاب الشعبوي: يُطلق الخطاب الشعبوي على أساليب تُسمى أساليب الحرب النفسية الديماغوجية أو السفسطائية التي تعني مخاطبة مخاوف الناس القومية والشعبية، والتملق لعواطفهم وطموحاتهم الاقتصادية والاجتماعية والوطنية المثالية الوطنية بعيدًا عن المنطق البرهاني أحيانًا، في مسعى من ممارستها للحصول على كسب تعاطف الروح.
وفي هذا الخطاب ينزل رأس السلطة إلى ما دون النطاق الدبلوماسي المألوف، ومثال ذلك تجاوز الرئيس أردوغان الأعراف الدبلوماسية وتوجيه اتهام “النازية” إلى ألمانيا، أو تكرار تهديده “أن هذا الأمر أو ذاك هو خطً أحمر بالنسبة لتركيا”.
في المحصلة، إذا حدث الاتفاق بين الطرفين، فإن حزب العدالة والتنمية سيصبح مضطرًا لمخاطبة أو مجاملة القواعد الشعبية القومية على نحو نسبي، وهذا ما يعني أنه قد يتجه لتنفيذ بعض السياسات أو الخطابات المحاكية للتداعيات أعلاه.